"استبشر" الرأي العام بإحداث وزارة لحقوق الإنسان والعدالة الانتقالية واعتقد الجميع أن الملفات الحارقة التي تتنزّل في هذا السياق بطريقة ناجعة وفاعلة من خلال معادلة المحاسبة والمصالحة.. لكن تمضي الأسابيع ولانرى أفعالا تعكس أقوال الوزير المشرف على الوزارة المذكورة والذي هو أيضا الناطق الرسمي باسم الحكومة. وموازاة مع العمل الحكومي في العدالة الانتقالية نجد مركز تونس للعدالة الانتقالية الذي تترأسه الناشطة الحقوقية والسياسية سهام بن سدرين التي التقتها «الأسبوعي» على هامش ندوة عقدتها نقابة إطارات وأعوان السجون والإصلاح حول واقع وآفاق المؤسسة السجنية في تونس... حول علاقة مركز تونس للعدالة الانتقالية ووزارة حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية ومدى التعاون بينهما تقول سهام بن سدرين: نحن لا نرى أن هناك مشكلا من حيث أن توجد وزارة تعنى بالعدالة الانتقالية على أساس أنها تكون المشرف على عملية الإصلاح وعملية الدخول في مسار العدالة الانتقالية... لكن أن تعوّض الفاعلية في المجتمع فهذا ليس من دورها.. لكن المقلق في الأمر أنه ومنذ شهرين -تاريخ إحداث هذه الوزارة- هناك العديد من الكلام والكلام.. لكن وعلى مستوى الشروع في تنفيذ مشاريع مسار العدالة الانتقالية فإنه لم يوجد بعد.. ونحن تحديدا قمنا بإحداث تأسيسيات للعدالة الانتقالية في ديسمبر الفارط وخرجنا بتوصيات وقابلنا وزير حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية وطلبنا منه أشياء دقيقة وملموسة في عملية تنفيذ هذه التوصيات.. وأول الأشياء التي طالبنا بها هو إيجاد هيئة شكلية، تضم أطرافا من المجتمع المدني وممثلين على الوزارة المذكورة تكون هي المشرفة على الحوار مع المجتمع المدني... وتكون كذلك هي الإطار الذي سيعد استشارة وطنية حول كيف نريد العدالة الانتقالية في تونس، ماهي إرادة المجتمع؟ وكيف ستنفّذ إرادة هذا المجتمع؟ «الوزير أخلّ بوعوده!!» وتضيف بن سدرين: ورغم أن الوزير وعدنا بتنفيذ هذه المطالب منذ شهرين إلا أنه لم نر لهذه اللجنة إلى اليوم وجودا ولا الاستشارة الوطنية التي من المفروض أن تتمخّض عنها.. وقد وقعت دعوتنا في غضون الأسبوع المنقضي لمناقشة التقرير المتعلق بحقوق الإنسان للأمم المتحدة، لكننا اعتبرنا أن ذلك يدخل في منطق التعامل غير السليم مع المجتمع المدني.. فلا يعقل أن يطلب منا بين عشية وضحاها الحضور ونحن نجهل حتى الملف المعروض للنقاش وبالتالي نحن رفضنا التعامل بهذه الطريقة الديكورية ورفضنا الحضور.. فنحن نطالب بالاحترام المتبادل وإذا كانت الوزارة ترغب في استشارة شكلية كما كان يفعل بن علي فنحن نقول لهم ابحثوا عن غيرنا.. وإذا كانت هناك رغبة في القيام باستشارة حقيقية فما عليهم إلا مدنا بالملفات لدراستها ونحن سنرد على كل الطلبات.. لأن ما أشعر به حقيقة أن هناك ترددا من الحكومة.. فمن ناحية وعلى الأقل على مستوى التصريحات لديها الإرادة ونوايا الفعل الحقيقية.. ومن ناحية ثانية فإن هناك ضبابية في سلوك الحكومة وفي الرؤية التي تقودها في تنفيذ سياساتها في المرحلة القادمة. حقيقة الإشاعة وأضافت أيضا الحقيقة نحن لا نفهم ماذا يفعلون وكذلك نحن نسمع إشاعات حول امكانية ابرام صلح مع أطراف فساد مالي أو سياسي أو تعذيب وهو ما يعني القفز على معرفة الحقيقة وموضوع المسألة والمحاسبة.. وإذا كانت الحكومة تنوي فعلا اتخاذ هذا المسار فأنا أعتقد أنها تتجه نحو الإفلاس.. لأن الشعب لن يرضى بذلك المسار.. فنحن ليس لدينا فقط توجه انتقالي بل توجه نحو معرفة الحقيقة وإعطاء المجتمع آليات لكي لا تعاد الكرّة ونرجع إلى الاستبداد من النافذة بعد إخراجه من الباب... ورغم ذلك مازالت لدينا بعض الثقة في الحكومة لفتح الحوار والتمسّك بإرادة الفعل وإن لم تنفّذ هذه الإرادة بشكل ملموس فسنلتجىء إلى سحب الثقة في الأقوال وسنضطر لنقول بأن هذه الحكومة لا تفعل ما تقول. نحن نعتقد أنه من المستحيل أن يختزل ملف العدالة الانتقالية في التعويض والتعويض هو إهانة للشهداء والضحايا ككل لأن موضوع جبر الضرر هو ليس فقط تعويضا ماديا.. هو جبر ضرر وبالتالي فيه جوانب رمزية وجوانب اعتبارية وجوانب نفسية.. وبالتالي هناك مسار كامل للتعويض لكن التعويض بدون معرفة الحقيقة هو سفسطة.