بقلم: عبد القادر كداشي بينت مقاربات التوقيت المدرسي في نظامنا التربوي التونسي مع توقيت الأنظمة التربوية في معظم بلدان العالم وجود اختلاف كبير وفوارق هامة تتعلق بالتوقيت الأسبوعي للتلميذ فضلا عن كيفية توزيع التوقيت على مختلف المواد أو مجالات التعلم، فمعدل ساعات التدريس الأسبوعي في العالم بما في ذلك البلدان المتقدمة لا يفوق 22 ساعة أسبوعيا بينما يتراوح معدل الساعات الأسبوعية للتعليم الأساسي في تونس بين 32 و36 ساعة أضف إلى ذلك ساعات الدعم أو التدارك بالمؤسسات و ساعات الدروس الخصوصية و إذا أحصينا جملة هذه الساعات الأسبوعية وجدناها تقارب ضعف ساعات التدريس التي يتلقاها تلميذ في معظم دول العالم الأخرى. كما أن الإيقاع اليومي لساعات التدريس في تونس يبلغ في بعض الأحيان ما بين 7 و 8 ساعات تقريبا مقابل معدل في حدود 5 ساعات يوميا بهذه البلدان هذا الكم من ساعات الشحن طوال الأسبوع دون المراوحة بين الترفيه و الدراسة يؤدي إلى الضغط النفسي و التشنج لدى التلاميذ و يسبب الملل و الضجر و ربما يؤدي بنسبة كبيرة إلى الفشل المدرسي و الانقطاع المبكر عن الدراسة. و قد أثبتت الدراسات في هذا المجال بان الزمن المدرسي الحالي الذي يعيشه التلميذ و المربي لا يمكن له أن يتواصل لما فيه من سلبيات جمة ولذا تأكدت الحاجة إلى إدخال جملة من التعديلات على حجم التوقيت الأسبوعي المدرسي تتزامن مع تنظيم جديد لليوم الدراسي لإعطاء المربى فرصة استثمار الذكاء و الطاقات الفكرية والقدرات الإبداعية للتلميذ لبلوغ الأهداف المرجوة وليصبح للتربية الأولوية المطلقة حتى نتمكن من تحديث المدرسة و اقتحام مجتمع والتكيف مع متغيرات العصر. إن معالجة الزمن المدرسي يجب أن لا يكون بمعزل عن بقية مكونات المنظومة التربوية بجميع أطرافها المتداخلة. فهذا الزمن يجب أن يكون مرتبطا ارتباطا وثيقا بالواقع الاجتماعي والاقتصادي ببلدنا فنحن لا نستطيع حل معضلة التلميذ و المربي و ننسى الولي الذي هو شريك في المنظومة التربوية فقد اجمع عديد الخبراء و الأخصائيين على ضرورة مراجعة هذا الزمن و ربطه بالتوقيت الإداري لإعطاء الأم العاملة وكذلك رب الآسرة وقتا أكثر لتسيير شؤون الأبناء و رعايتهم و متابعتهم و إيجاد معادلة بين النسق المدرسي ونظيريه الاجتماعي و الاقتصادي من اجل منظومة تربوية يكون التلميذ محور ها والمربي ركيزتها الأساسية وعمودها الفقري و الولي طرفا فاعلا و مسؤولا أيضا.و مشاركا في إنجاحها , و في عملية معالجة الزمن المدرسي الحالي يجب أن نتجنب الارتجال في إعداد زمن مدرسي جديد أو استنساخ تجارب غربية عنا مسقطة على واقعنا لا تتلاءم مع مطامحنا.بل يجب أن نشرك كل الإطراف الفاعلة و المتداخلة في المنظومة التربوية و الاستئناس بتجارب بعض البلدان المتقدمة التي سبقتنا في هذا المجال فالزمن المدرسي الحالي هو عبء ثقيل ماديا ومعنويا على الولي و التلميذ و المربي على حد السواء بسبب نظام العمل و النسق السريع للحياة اليومية فالأسرة أصبحت غير قادرة على متابعة الأبناء دراسيا و سلوكيا وفشلت نسبيا في القيام بواجباتها الملحة نحوهم مما حدا بأغلب العائلات إلى الالتجاء إلى مؤسسات خاصة في غالب الأحيان تكون غير مؤهلة لتأخذ مكانهم في تربية أبنائهم و الإحاطة بهم زيادة عن أنها تثقل كاهلهم ماديا و هذا ما يتعارض مع مبدأ عمومية المؤسسة التربوية و مجانية التعليم و ديمقراطيته. كما انه من الضروري و قبل وضع أي دراسة للزمن المدرسي الجديد مراعاة واقع المؤسسة التربوية التي يجب أن تتوفر على إطار كاف و كفء من القيمين و الاداريين و العملة وعلى فضاءات كافية و مجهزة بالوسائل التعليمية والتثقيفية اللازمة قادرة على استيعاب التلاميذ في أوقات فراغهم أو عند الغياب المفاجئ لأحد الأساتذة. فالزمن المدرسي المنشود لابد أن تكون له أبعاد تربوية و اجتماعية و ثقافية تنمي شخصية التلميذ و تصقل مواهبه و قدراته و مهاراته الفنية و الفكرية و تدربه على حب الوطن وتحمل المسؤولية و تشجعه على الانخراط في النوادي الثقافية و الرياضية ليتخلص من ضوابط القسم التقليدي داخل القاعات و العمل ضمن ورشات أو مجموعات مع التوصية بان يكون هذا النشاط في الهواء الطلق أو بفضاءات خارج إطار المؤسسة التربوية التي يدرس بها مثل دور الثقافة و الشباب و الجمعيات. كما لا ننسى أيضا مراجعة توزيع ساعات تدريس اللغات و خاصة العربية و الفرنسية والانقليزية على مختلف مراحل التعليم الأساسي و الثانوي ليكتسي تدريسها مزيدا من الإفادة والنجاعة و تطوير الممارسة الشفاهية مع التأكيد على عملية تطوير الوسائط المستعملة و الطرق البيداغوجية المتوخاة و مزيد التأطير و التكوين للمدرسين و المكلفين بذلك أما عن المواد العلمية و التقنية فيجب أن تدرس بالطرق الحديثة والمتطورة للخروج من الإطار الكلاسيكي للتعليم كاستعمال السبورات التفاعلية و التي ترتبط بالانترانت دعما لمكانة العلوم في اتجاه الأخذ المعايير العالمية و الترفيع في توقيت مادة الرياضيات و علوم الحياة و الأرض و الفيزياء ليكون توقيت هذه المواد مطابقا لما هو معمول به دوليا واثناء مراجعة الزمن المدرسي يجب التركيز على الجوانب التطبيقية و الاستعانة بأهل الاختصاص في بعض المواد كالموسيقى والتربية التشكيلية و المسرح و الرياضة ففي المدارس الابتدائية مثلا يكاد التلميذ يتلقى معظم مواده بمختلف مضامينها من معلم واحد أو اثنين لا علاقة لهما بأبجديات هذه المواد كما أن هذه المواد كلها تلقى داخل قاعة الدرس التي يقضي بها التلميذ كامل وقته الدراسي و طيلة سنة دراسية كاملة مما يولد لديه الملل و الضجر و الضغط النفسي و يجعل الدرس ثقيلا و مرهقا و صعب الهضم. الزمن المدرسي الجديد لا بد أن يتضمن توزيع ساعات الدراسة فيه برامج تنشيطية ترفيهية هادفة لصقل مواهب التلميذ ومهاراته ينشطها مختصون في التنشيط و الترفيه و تكون هذه البرامج تحت إشراف وزارة التربية و ضمن البرامج التعليمية. ومراجعة الزّمن المدرسي لابدّ أن ترافقها أيضا مراجعة الامتحانات والتّقييم وتخفيف أيّام الدراسة الأسبوعيّة بجداول التّلاميذ من 6أيّام دراسة إلى 5أيّام فقط و تقليص الحصة الواحدة من 60دقيقة الى 45دقيقة فقط و تمتيع التّلميذ بيوم راحة إضافي إضافة إلى يوم الأحد واعتماد الحصّة المسترسلة اليوميّة على فترتين واحدة صباحيّة وأخرى مسائيّة وإعادة توزيع فترات الرّاحة والتّرفيه والتعلّم.