هناك بون شاسع في المهدية بين الصورة السياحية التي تمزج بين البحر والفلكلور وبين واقع الولاية التي استفاقت إبان الثورة على حصاد هزيل للتنمية أهلها إلى أن تتبوأ المراتب الأخيرة في مؤشر التمنية الاقتصادية والاجتماعية (المرتبة 21) وأن تصنفها وزارة التنمية الجهوية من بين الولايات ذات الأولوية إلى جانب القصرين وسيدي بوزيد في التنمية. وتعاني ولاية المهدية التي تحتوي11 معتمدية من انتشار الفقر والبؤس في أريافها وقد عاينت "الصباح" لدى متساكني ولاية المهدية حالة ترقب وتخوف حيث يقول لسان حالهم "مازلنا مارينا شيء" من التنمية. فلاحة نشيطة.. ولكن رغم أنها تحتل المراتب الأولى في الألبان والفلاحة البيولوجية إلا أن القطاع الفلاحي يعاني من قلة الموارد المائية وتملح مياه المائدة الجوفية وهيمنة الملكيات الصغرى في المشهد الريفي وأهمية ظاهرة التفتت العقاري وقدم غابة الزيتون وانتشار الأراضي البور ويكابد بحارة المهدية والرجيش الذين التقتهم "الصباح"من غلاء المحروقات وقلة ذات اليد نتيجة جدب البحر الذي لم يعد سخيا وأكد الناشط في مجال التنمية معز الشوك على أن موانئ وأسطول المهدية تعاني من الاهتراء وبأ ن مشاريع تربية الأسماك أصبحت مدمرة للكائنات والبيئة البحرية رغم نجاعتها الاقتصادية. مناطق صناعية غير مهيّأة ذكر الكاتب العام الجهوي لاتحاد الشغل بالمهدية عبداالله العشي بأن قطاع الصناعات المعملية بالمهدية يشهد ظرفية صعبة وهو ما أجبر النقابات على إمضاء اتفاقيات لتخفيض ساعات العمل مثلا مع شركة إيناس للخياطة بالشابة وشركة مقلدة للفولاذ بالجم للحدّ من ظاهرة التسريح العشوائي للعملة أما المناطق الصناعية المزمع إنشاؤها في المهدية فهي لازالت إما في طور التصفية العقارية (شربان مثلا) أو في طور الانجاز أما ما أنشئ فهو يعاني عديد العراقيل حيث أكد عبد الله العشي أن المنطقة الصناعية بالمهدية وقع انجازها في سبخة وفي منطقة معزولة وغير مهيّأة. بنية تحتية متواضعة وقد أجمع متساكنو المهدية على أن البنية التحتية من أهم عراقيل التنمية بالمهدية حيث تنتشر في الولاية الممتدة المسالك غير المعبدة والقرى المعزولة إضافة إلى تهرّؤ الطرقات مثل "طريق الموت" الرابط بين السواسي وهبيرة حسب النقابي عمر الجلولي كما أشار معز الشوك إلى قدم الموانئ في المهدية والتي أنجز معظمها في الستينات وانعدام امتداد السكك الحديدية في المعتمديات الداخلية وهكذا أصبحت المهدية تجافي ظهيرها الزراعي وتقلص نفوذها الحضري بالنسبة إلى هبيرة وشربان والسواسي وبومرداس والشابة. وبما أنه "لا تنمية بدون طريق" كما ذكر محاورنا فان المتساكنين لازالوا ينتظرون العناية بالبنية التحتية لفك عزلة وركود مركز الولاية والمعتمديات الريفية وادماجها في المجال الوطني. مشاريع كبرى مجمّدة لازالت المشاريع الكبرى وأبرزها مشروع استصلاح وتهيئة وتثمين سبخة بن غياضة بالمهدية الذي تولته شركة الديار القطرية وتهيئة المنطقة السياحية بالغضابنة تراوح مكانها ولم تدخل طور الانجاز ولازالت المنتديات والمواقع الاجتماعية تحفل بالنقاش خاصة إزاء الكلفة البيئية لهذه المشاريع اذا لم يراعي انجازها المحيط خاصة إزاء المخاوف البيئية التي أثارها مصب النفايات بقصور الساف. تقسيم إداري جديد طالب جل المتساكنين بضرورة مراجعة التقسيم الترابي لولاية المهدية التي أنشئت سنة 1974 والتي تشهد تباينا مجاليا بين واجهة ساحلية بحرية وظهير سباسبي شبه جاف يضمّ معتمديات ريفية تعاني الركود والبطالة تبعد عن مركز الولاية عشرات الكيلومترات ناهيك أن هبيرة مثلا تبعد عن مركز الولاية 105 كيلومتر. وأبرز جل المتساكنين ل"الصباح" بأن الحكومة الحالية لم تقطع مع منوال التمنية السائد في عهد المخلوع حيث أكد النقابي عبد الله العشي على استمرار العمل بأشكال التشغيل الهشة كالحضائر والآليات وعلى سيادة الحلول الترقيعية والاصلاحية في ظل غياب مبادرات واضحة تفرز نمط تنمية جديد يحقق التوازن الجهوي ويراعي العدالة الاجتماعية ويخلق مواطن شغل ويقطع مع عقلية الربح وأبدت الأطراف التي حاورتها "الصباح" تفهمها لطبيعة الحكومة الانتقالية والتي ورثت تركة ثقيلة ولكن ما يعيبونه هو التسرع وعدم مصارحة الرأي العام بحقائق الأوضاع.