يفسّر العديد من الملاحظين الحركية الحالية على الساحة السياسية والتي قد تبلغ من حين لآخر درجة التوتر الى سعي الحكومة و»أقطابها» لضمان استمراريتهم في الحكم عبر «تحسس» امكانيات جديدة للاستقطاب والتحالف والى سعي المعارضة بدورها الى عقد تحالفات موازية تدعم موقفها وحضورها على الساحة استعدادا للمواعيد الانتخابية القادمة. ومن الواضح ان هذه المساعي بدأت تؤتي أكلها وهو ما من شأنه ان ينبئ بتواصل هذه الحركية بنسق يضمن صيفا سياسيا ساخنا وقد بدت كل المؤشرات تدل على ذلك بداية من التحركات التي تخوضها حركة النهضة وحلفاؤها الجدد كحركة الوحدة الشعبية وحزب الاصلاح والتنمية من اجل بعث مبادرة سياسية بعد مبادرة 15 أوت والتي جمعت بينهم سابقا لم يخرج منها مستفيدا سوى حزب المؤتمر من اجل الجمهورية. في المقابل يسعى الوزير الاول السابق الباجي قائد السبسي ومن معه الى البروز كقوة سياسية قادرة على خلق توازن سياسي وتجميع احزاب المعارضة وتجنيبها حالة التشظي بما يمكنه من خلق قطب جديد يستجيب لمتطلبات المرحلة الحالية وتحدياتها ويكون قادرا على التأثير في مجريات الامور لاحقا. ولئن بدأ الطرف الاول والثاني وحلفاؤهما في بلورة فكرة العمل المشترك وصياغة مشتركة للمواقف فان اليسار مازال يبحث لنفسه عن موطئ قدم في مشهد يكاد يكون «فالتا» عنه. فهل تغير مبادرة الباجي قائد السبسي المشهد السياسي؟ وهل تخلق استقطابا ثانيا بعد استقطابات النهضة؟ القائد السبسي.. دون إضافات وفي رده على ما تقدم قال عضو المكتب السيسي لحزب المؤتمر من أجل الجمهورية عماد الدايمي «لا أعتقد ان هذه المباردة ستكون حدثا في الساحة السياسية باعتبار ان مبادرات قائد السبسي ومن معه تكاثرت وتكررت واعادت نفسها ولم تلق صدى لدى الشارع التونسي وظلت خطابات جوفاء مفرغة من أي محتوى وبعيدة عن مطالب الشعب وعن روح الثورة». واضاف «اننا نعتقد ان هذا الاعلان اذا نجح اصحابه في تجاوز خلافاتهم حول الزعامة وتم طرحه للرأي العام فانه لن يكون اكثر من صرخة في واد ولن يحقق أي التفاف شعبي وستغرق مبادرة قائد السبسي في معارك الزعامة الموهومة وفي الاجندات المتضاربة وتصبح بالتالي غير قادرة على الاستقطاب». وعن مستقبل العلاقة بين مثلث الحكم في تونس قال الدايمي «سنواصل عملنا في اطار التحالف مع النهضة والتكتل وذلك لقناعتنا انه الضمانة الرئيسية للنجاح». سنغير المشهد وعلى عكس الدايمي اعتبر الناشط السياسي واحد اركان مبادرة الباجي قائد السبسي محسن مرزوق ان مبادرة نداء تونس ستغير المشهد السياسي باعتبار انها ستعمل على ايجاد توازن قطبي يقطع مع من يمارسون الاحتكار السياسي ويمزجون ادوات الدولة والاداء الحزبي. وبين مرزوق ان القطب السياسي الجديد هو قيد التشكل زد على ذلك انه ليس ضد النهضة اوالترويكا عموما بلا انه سيكون من اجل ضمان وانجاح التحول الديمقراطي وطنيا» مؤكدا «على ان هناك اجماعا وطنيا على ضرورة وجود قطب ثان يخلق جبهة تضم القوى الديمقراطية والتقدمية. لا.. للمربع الأول ومن جهته قال عضو المكتب السياسي للحزب الجمهوري رابح الخرايفي «ان المبادرة المطروحة تستمد قيمتها من قائد السبسي في شخصه الذي يبقى وحده القادر على تجميع كل القوى وبالتالي خلق قطب ثان.» واضاف الخرايفي « ان مشكل الزعامتية من شأنه ان يعيدنا الى المربع الاول ويعطي حركة النهضة نفسا جديدا بولاءات جديدة لان «من التحقوا بالنهصة لا وجود لهم كفاعلين سياسيين حقيقيين في الساحة.» بن صالح يرفض ويقول عضو حركة الوحدة الشعبية عادل القادري «ان مؤسس الحزب احمد بن صالح كثيرا ما دعا الى رفض أي استقطاب ثنائي لانه قد يدفع البلاد الى مزيد من الاحتقان بالاضافة الى ان الوضع الحالي لا يحتمل ذلك لان ما نعيشه هو مرحلة غير مضمونة العواقب». ونفى القادري «ان تكحون الحركة قد انخرطت في تحالف رسمي مع لاي طرف» واضاف «نحن نسعى لإعادة البناء وهي من الولويات الراهنة وهو ما يجعلنا نرفض الالتحاق باي كان خوفا من ذوبان هوية الحزب واذا ما اخذنا بعين الاعتبار التقارب الايديولوجي مع الاطراف السياسية فان التكتل وحزب العمل التونسي هما الاقرب الينا.» موقف اليسار وعن موقف اليسار من المسألة قال الناطق الرسمي باسم الجبهة الشعبية 14 جانفي (يسار وقوميون) جلول عزونة ان الاستقطاب الثنائي ليس في مصلحة تونس خصوصا وان كلا من حركة النهضة ومبادرة الباجي قائد السبسي تنبعان من نظرة ماضوية تستلهم الأولى من اعمال السلف الصالح مبادئها في حين ان الثانية سليلة الارث الدستوري البورقيبي. واضاف نعتقد في الجبهة الشعبية ان هذين التوجهين لهما نفس الاختيارات الاقتصادية الليبرالية المعتمدة على الاستثمار الخارجي والمرجعية الغربية او الخليجية وهو نفس التوجه الذي كان يعتمده بن علي ونظامه والذي اثبتت جل التجارب المماثلة فشله.» وخلص عزونة الى القول ان «الخيار الامثل يجب ان يكون نابعا من برنامج ذي بعد اجتماعي يعتمد على طاقات البلاد الذاتية دون اللجوء للمديونية والقروض.»