أي موقع للصحافة الالكترونية في بلادنا؟ وأي إطار قانوني سينظم هذا القطاع؟ و هل من ضرورة لإنشاء مدوّنة أخلاقية خاصة بالصحافة الإلكترونية في ظل الحريات اللامحدودة التي منحتها الثورة؟ وما علاقة هذا الصنف بتطور المجال الإعلامي وبالإشهار العمومي؟ هذه الأسئلة وغيرها تم تداولها في أشغال يوم مفتوح حول «الصحافة الإلكترونية في تونس» نظمته أمس، بمقر وزارة حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية، النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين بالاشتراك مع «بانو باري» وبرعاية مكتب الإتحاد الأوروبي بتونس. وبحضور جامعيين وخبراء في الاتصال وعلوم الأخبار.. طرح موضوع الصحافة الالكترونية ليس بجديد، لكن تواصل إشكاليات هذا القطاع بتونس مع غياب نص قانوني منظم لها زاد في تعقيد المسألة. فرغم تطور تكنولوجيات الاتصال من جهة وتطور استعمال الإنترنت من جهة ثانية وارتفاع كلفة المواقع الإلكترونية، من جهة ثالثة طرحت إشكاليات جديدة تتمثل أساسا في مدى احترام الصحافة الالكترونية للمعايير المهنية والحرفية، فتركزت محاور الاهتمام في اليوم المفتوح الذي اختير له شعار «سياقات الابتكار والتجديد في الصحافة الإلكترونية» على طُرح تساؤل جوهري «أية أخلاقيات للصحافة الإلكترونية» وما علاقة هذه الأخيرة «بتطور اقتصاد الإعلام». وقال صادق الهمامي الأستاذ بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار في مداخلة له أن «الحريات الجديدة لا تمثل شرطا كافيا للابتكار» مضيفا أنّ «مقاربة تطورات الصحافة الإلكترونية التونسية تفند جزئيا فرضية تأثير البيئة السلطوية على عملية تجديد الميديا الجديدة للصحافة الإلكترونية»، مضيفا «هذه المقولة يمكن أن تكون صادمة لكنها تفسّر إلى حدّ بعيد مفارقة الصحافة الإلكترونية التونسية، حريات جديدة وميديا جديدة وصحافة ذات نماذج قديمة». وأكد الهمامي أنّ «هذه المفارقة تفسّر كيف تتحدث الصحافة التونسية في كلّ شيء بحرية وتتناول ما تشاء من المسائل بكل حرية ولكن بلغة قديمة وبأساليب في الكتابة غير مبتكرة» بالإضافة إلى أنّ «الصحفي الحرّ يشتغل في مؤسسات لا تزال خاضعة لنماذج تنظيمية عتيقة لم تتجدد» وبين أنّ «إستراتيجية الحد الأدنى في مجال الصحافة الإلكترونية تعبّر عن إستراتيجية الحد الأدنى في مجال الممارسة الصحفية ذاتها، فالابتكار في مجال الصحافة الالكترونية يحتاج إلى عدة شروط منها شرط التجديد المؤسسي» باعتبار أنّ «الإبتكار ليس عملية فردية مرتبطة بالصحفي بل هو عملية مؤسسية ومنظمة». إشكالية المؤسّسة الإعلاميّة وأخلاقيّات المهنة قد تحيل «إشكالية الصحافة الإلكترونية إلى إشكالية الصحافة التونسية برمتها ومصيرها في عالم متحول، وفي هذا الإطار فإن استكشاف علاقة الصحافة الإلكترونية بالسياق المؤسسي الذي تتشكل فيه يحيل إلى إشكالية المؤسسة الإعلامية التونسية ورهانات إصلاحها وتجديدها، وهو ما يبدو غائبا عن النقاش العام المنشغل برهانات الصراع على إعلام لم تنفرج بعد أزمته الحقيقية رغم الحريات التي يتمتع بها». في ذات السياق طرح النوري اللجمي أستاذ وباحث في معهد الصحافة وعلوم الإخبار تساؤلا حول محور «أية أخلاقيات للصحافة الإلكترونية؟» إذ اعتبر أن أية مهنة وأي قطاع يخضع إلى أخلاقيات لا يجب أن يتعداها ويخرج عنها. وقال «قبل الثورة لم يكن هناك حديث عن أخلاقيات المهنة، بل تواتر هذا التناول بعد 14 جانفي للغياب التام لاحترام أخلاقيات المهنة في ظل التزايد الملحوظ لوسائل الإعلام التقليدية والإلكترونية «، فالملاحظ في هذا الإطار «غياب الحرفية بشكل واضح». فمسألة أخلاقيات الصحافة الإلكترونية، حسب رأي النوري اللجمي، «مسألة مطروحة في العالم بأسره، فالكثير من الصحافيين الذين يشتغلون بالصحافة الإلكترونية يعيشون ضغطا كبيرا بسبب إجبارية تحيين المعلومة، ذلك أن الكتابة الإلكترونية تختلف عن الكتابة الكلاسيكية، كما أن هذه الأولى مرتبطة بالمحيط الجديد لوسائل الإعلام وبالصحافة الإلكترونية على وجه الخصوص». وفق تعبيره. وتساءل اللجمي عن مدى تأكد إعداد مجلة خاصة بأخلاقيات المهنة للصحافة الإلكترونية حتى تتم الإجابة على عدة إشكاليات مطروحة اليوم من ذلك مصدر المعلومة ومدى صحتها، والتعقيدات القانونية التي تطرحها من ذلك إمكانية وجود إثباتات حول التجاوزات الصحفية. إحتكار الدولة أما معز بن مسعود وهو أيضا أستاذ بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار فقد تطرق في مداخلته إلى «الصحافة الإلكترونية وتطور اقتصاد وسائل الإعلام» وأبرز أن « السياق الذي برز فيه هذا النوع من الإعلام يعود إلى احتكار الدولة للرأسمال المعلوماتي الذي يندرج ضمن تطور اقتصاد وسائل الإعلام نفسه. وقال إن الإعلام الإلكتروني «ظهر مع شعور الرأي العام بوجود حيف كبير في حقه في المعلومة مع تواجد عديد الإكراهات القانونية أمام الصحافة الورقية والسمعية البصرية مما أدى إلى ضرورة البحث عن البديل والمتمثل في الإعلام الإلكتروني بالظهور التدريجي للجرائد الإلكترونية». و أضاف بن مسعود « قد يكون التحول من الشكل التقليدي إلى الشكل الإلكتروني عائدا إلى انخفاض التكلفة، كما أنه توجد عدة آليات أخرى لتطوير هذه العلاقة عبر تكنولوجيات الاتصال المعمول بها في العالم والتي تعتمد أساليب الدمج بين مختلف وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة». ضمانات التمويل ولاحظ بن مسعود وجود «تبعات للدمج من المسموع والمرئي والمكتوب من ذلك اختفاء الحدود بين المرسل والمستقبل فأصبح الجمهور هو صانع المضمون، يكتب ويموّل» بالرغم من تواصل إشكاليات التمويل بالنسبة للصحافة الإلكترونية التونسية وأيضا العربية . وقال إن عدم إيمان الشركات والمؤسسات بالإعلان على المواقع الإلكترونية يعد إشكالا رئيسيا لمسألة التمويل باعتبار أن الإشهار هو المصدر الرئيسي له، وهو ما يطرح إشكالية جديدة عن حق الصحافة الإلكترونية في الإشهار العمومي في ظل غياب الأنظمة الرقابية الحكومية الضامنة لشفافية التمويل إلى جانب عدم وضوح رؤية لمستقبل الصحافة الإلكترونية في مقابل التهافت الشديد على الأنترنات، تجدر الإشارة إلى أن جل المتدخلين أجمعوا على ضرورة أن تكون الصحافة الإلكترونية منافسة للصحافة الورقية ويتم شريطة أن يتم تذليل الإشكاليات الفنية والتقنية بين الفئتين وذلك بتفعيل التنظيم المؤسساتي ومراجعة التنظيم الهيكلي للمؤسسات الإعلامية الإلكترونية وكذلك الكلاسيكية.