شكلت مسألة أخلاقيات العلوم والتقانة محور المبحث العلمي المطروح في الاجتماع التاسع للجنة العربية لأخلاقيات العلوم والتقانة الذي نظمته المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم بمقرها بتونس العاصمة الذي اختتم يوم أمس وتواصل على امتداد ثلاثة أيام. وشاركت ثلة من أعضاء اللجنة العربية التي تأسست منذ سنة 2003 فضلا عن ممثلي لجان أخلاقيات العلوم بالدول العربية في طرح جملة من القضايا ذات العلاقة بالموضوع في هذا الاجتماع الذي يعد محطة تحضيرية هامة لإنشاء الشبكة العربية لأخلاقيات العلوم والتقانة. وبالمناسبة بيّن محمد العزيز بن عاشور المدير العام للمنظمة أن مدعاة إنشاء لجان الأخلاقيات العلمية في صلب المنظمة يعد استجابة لمتطلبات العصر لاسيما في ظل ما عرفه العالم من تطورات علمية وابتكارات تكنولوجية أدت بدورها إلى تحولات فكرية جوهرية لامست سلوك الإنسان وإدراكه لذاته وبيئته ومحيطه من قبيل الانترنيت ووسائل ومنظومات الاتصال الحديثة على غرار شبكة التواصل الاجتماعي وغيرها من وسائل تبليغ ونشر أو الحصول على المعلومة لأن هذه التقنيات التواصلية حسب تأكيد المدير العام للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم لا تخلو من انعكاسات خطيرة على التوازن الاجتماعي وعلى منظومة القيم الدينية والثقافية والأعراف الاجتماعية خاصة بالنسبة لشريحة هامة من الأطفال والشباب أو بدرجة أخطر في مستويات تعامل أخرى خاصة إذا تعلق الأمر بميادين الإعلام والاتصال. فكانت هذه اللجان بمثابة الآلية العملية والناجعة لحماية الإنسانية والحفاظ على التوازن المطلوب بين العلم وتجلياته وتطبيقاته وبين منظومات القيم العربية والأعراف السائدة في كل مجتمع. من جهة أخرى قدمت اللبنانية سلوى السنيورة بعاصيري بصفتها رئيسة اللجنة العربية لأخلاقيات العلوم والتقانة دور هذه اللجنة على اعتبار أن تطور الأبحاث العلمية والتطبيقات التكنولوجية ما انفكت تتسارع في المقابل لم تستطع الأطر القائمة والمرجعيات المعتمدة القانونية المعتمدة منها أو القيمية على المواكبة واستيعاب التداعيات. واعتبرت أن هذا العامل دافع كبير لتوقع الخطر الذي بات يهدد مسارات الانجازات المحققة والمنافع المرتقبة بالانقلاب على موجبات الكرامة وحقوق الإنسان ومقومات العدالة والإنصاف فضلا عن سلامة الكون في توازنه الطبيعي والمناخي والصحي. وأرجعت ما توصلت إليه اللجنة من مرحلة متقدمة في مسار عملها إلى الدور الكبير الذي اضطلعت به كفاءات علمية عربية تمثل في المساهمة الجادة في معالجة جملة من القضايا الأخلاقية المثارة وطنيا وإقليميا وعالميا. ودعا القطري الدكتور خالد عبد الله العلي عضو اللجنة العربية والذي تم مؤخرا تكليفه برئاسة اللجنة الدولية لأخلاقيات العلوم والتقانة إلى ضرورة العمل على كسب التحدي المطروح أمام معالجة القضايا الحافة بهذا المجال من قبيل الإعلام الالكتروني وكيفية التعاطي مع ما يقدم أو يتداول على شبكات التواصل الاجتماعي بمراعاة الفجوة الكبيرة بين الآباء والأبناء. من جهة أخرى كشف الدكتور حسين باسلامة من اليمن في مداخلة مطولة تمحورت حول أخلاقيات المهنة الإعلامية أبرز المراحل التي عرفها هذا القطاع الهام والحيوي في تاريخ الشعوب ودعا الحكومات والأنظمة إلى القطع مع أساليب التقييد والتحكم والقمع والتوجيه لهذه الآلية برتك سبيله كي يؤدي دوره في حياة الأفراد والمجتمعات والمساعدة على توفير حق التدفق الحر للمعلومات ومنح وسائل الإعلام حق الحفاظ على سرية مصادرها. ولم ينف أن هذا القطاع لا يزال يرزح تحت تسلط الحكومات ومكبلا بمصالح الأنظمة في هذه الألفية الثالثة سواء في القطاع العام أو الخاص. واعتبر أهل القطاع وحدهم المطالبين بضرورة العمل على الخروج من البوتقة الضيقة التي حالت دون مجاراتهم لنسق التطور العلمي والتكنولوجي من ناحية ولمنظومة احترام حقوق وكرامة الإنسان العربي تحيدا. في المقابل بيّن أن قناة الجزيرة استفادت بهامش من الحرية أهلتها لتكون في صدارة المؤسسات الإعلامية في تغطيتها للثورات وأحداث الربيع العربي بعد أن كانت بعيدة عن هذا الدور فيما يتعلق بالحرب على العراق منذ التسعينات.