ايداع 9 من عناصرها السجن.. تفكيك شبكة معقدة وخطيرة مختصة في تنظيم عمليات "الحرقة"    الرابطة الثانية (ج 7 ايابا)    قبل نهائي رابطة الأبطال..«كولر» يُحذّر من الترجي والأهلي يحشد الجمهور    أسير الفلسطيني يفوز بالجائزة العالمية للرواية العربية    حادث مرور مروع ينهي حياة شاب وفتاة..    حالة الطقس لهذه الليلة..    أولا وأخيرا: لا تقرأ لا تكتب    افتتاح الدورة السابعة للأيام الرومانية بالجم تيسدروس    إيران تحظر بث مسلسل 'الحشاشين' المصري.. السبب    إنتخابات جامعة كرة القدم: إعادة النظر في قائمتي التلمساني وتقيّة    بسبب القمصان.. اتحاد الجزائر يرفض مواجهة نهضة بركان    البنك التونسي للتضامن يحدث خط تمويل بقيمة 10 مليون دينار لفائدة مربي الماشية [فيديو]    بين قصر هلال وبنّان: براكاج ورشق سيارات بالحجارة والحرس يُحدّد هوية المنحرفين    نابل: إقبال هام على خدمات قافلة صحية متعددة الاختصاصات بمركز الصحة الأساسية بالشريفات[فيديو]    الكشف عن مقترح إسرائيلي جديد لصفقة مع "حماس"    بطولة المانيا : ليفركوزن يتعادل مع شتوتغارت ويحافظ على سجله خاليا من الهزائم    تونس تترأس الجمعية الأفريقية للأمراض الجلدية والتناسلية    المعهد التونسي للقدرة التنافسية: تخصيص الدين لتمويل النمو هو وحده القادر على ضمان استدامة الدين العمومي    2024 اريانة: الدورة الرابعة لمهرجان المناهل التراثية بالمنيهلة من 1 إلى 4 ماي    مشروع المسلخ البلدي العصري بسليانة معطّل ...التفاصيل    عميد المحامين يدعو وزارة العدل إلى تفعيل إجراءات التقاضي الإلكتروني    انطلاق فعاليات الدورة السادسة لمهرجان قابس سينما فن    بودربالة يجدد التأكيد على موقف تونس الثابث من القضية الفلسطينية    الكاف: قاعة الكوفيد ملقاة على الطريق    استغلال منظومة المواعيد عن بعد بين مستشفى قبلي ومستشفى الهادي شاكر بصفاقس    الدورة الثانية من "معرض بنزرت للفلاحة" تستقطب اكثر من 5 الاف زائر    تسجيل طلب كبير على الوجهة التونسية من السائح الأوروبي    بطولة مدريد للتنس : الكشف عن موعد مباراة أنس جابر و أوستابينكو    جمعية "ياسين" تنظم برنامجا ترفيهيا خلال العطلة الصيفية لفائدة 20 شابا من المصابين بطيف التوحد    جدل حول شراء أضحية العيد..منظمة إرشاد المستهلك توضح    تونس تحتل المرتبة الثانية عالميا في إنتاج زيت الزيتون    الأهلي يتقدم بطلب إلى السلطات المصرية بخصوص مباراة الترجي    كلاسيكو النجم والإفريقي: التشكيلتان المحتملتان    عاجل/ الرصد الجوي يحذر في نشرة خاصة..    اليوم.. انقطاع الكهرباء بهذه المناطق من البلاد    فضيحة/ تحقيق يهز صناعة المياه.. قوارير شركة شهيرة ملوثة "بالبراز"..!!    وزير السياحة: 80 رحلة بحرية نحو الوجهة التونسية ووفود 220 ألف سائح..    عاجل/ مذكرات توقيف دولية تطال نتنياهو وقيادات إسرائيلية..نقاش وقلق كبير..    ليبيا ضمن أخطر دول العالم لسنة 2024    بمشاركة ليبية.. افتتاح مهرجان الشعر والفروسية بتطاوين    بن عروس: انتفاع قرابة 200 شخص بالمحمدية بخدمات قافلة طبيّة متعددة الاختصاصات    برنامج الدورة 28 لأيام الابداع الادبي بزغوان    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    الإتحاد العام لطلبة تونس يدعو مناضليه إلى تنظيم تظاهرات تضامنا مع الشعب الفلسطيني    8 شهداء وعشرات الجرحى في قصف لقوات الاحتلال على النصيرات    مدنين: وزير الصحة يؤكد دعم الوزارة لبرامج التّكوين والعلاج والوقاية من الاعتلالات القلبية    الكاف: إصابة شخصيْن جرّاء انقلاب سيارة    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    وزير الخارجية يعلن عن فتح خط جوي مباشر بين تونس و دوالا الكاميرونية    السيناتورة الإيطالية ستيفانيا كراكسي تزور تونس الأسبوع القادم    بنسبة خيالية.. السودان تتصدر الدول العربية من حيث ارتفاع نسبة التصخم !    تألق تونسي جديد في مجال البحث العلمي في اختصاص أمراض وجراحة الأذن والحنجرة والرّقبة    منوبة: تفكيك شبكة دعارة والإحتفاظ ب5 فتيات    مقتل 13 شخصا وإصابة 354 آخرين في حوادث مختلفة خلال ال 24 ساعة الأخيرة    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أسرار وخفايا العملية العسكريّة ب«قفصة 1980» ضدّ التمرّد المسلح ل«مجموعة المرغني»
خاص.. قائد الفوج 14 العسكري سابقا يكشف ل«الصّباح»:
نشر في الصباح يوم 26 - 07 - 2012

المسلحون جهّزوا «مطامير» لتجميع الأسلحة على الحدود والجيش حجز 8 شاحنات «حبلى» بالتجهيزات الحربية
استيقظ في حدود الساعة الثانية من فجر يوم الأحد 27 جانفي 1980 أهالي مدينة قفصة، على اصوات القنابل والصواريخ والرصاص بعد أن اقتحم عشرات المسلحين، مراكز الأمن والحرس الوطنيين وثكنة الجيش بالجهة واستولوا على أسلحة وذخيرة، ثم حثوا الاهالي على الانضمام اليهم عبر مكبرات الصوت، بعد أن أعلموهم بقيام"الثورة الشعبية المسلحة"، لاسقاط نظام بورقيبة.. هذه الأحداث التي انتهت بمقتل وإصابة عدد كبير من العسكريين والمتمردين والمواطنين وإيقاف عدد من المسلحين وإعدام 11 منهم بينهم أحمد المرغني وعبد المجيد السّاكري وعزالدين الشريف المنتمين لفصائل المعارضة التونسية ذات التوجهات القومية العربية، ورغم مرور أكثر من 32 سنة على وقوعها فقد ظل غموض كبير يلف ملابساتها ووقائعها وتدخل قوات الجيش التونسي للسيطرة على الوضع ومطاردة المسلحين، وموقف دول الجوار مما حصل..
وفي محاولة للكشف عن بعض الغموض الذي مازال يحيط بهذه العملية المسلحة الجريئة ضد نظام الزعيم الحبيب بورقيبة التقت"الصباح" بقائد العملية العسكرية من جانب الجيش التونسي وهو العقيد عز الدين بالطيب(متقاعد) ليروي لنا تفاصيل ما حدث انطلاقا من استعدادات المجموعة المسلحة في الخارج ثم تسللها إلى قفصة ومهاجمة المقار الأمنية والعسكرية واعتلاء أسطح المنازل والمساجد والمدارس والسيطرة عليها في محاولة للانقلاب على نظام بورقيبة وصولا إلى دحر هذه المجموعة ومطاردتها والإيقاع بعناصرها.
إعداد: صابر المكشر
عن أسباب هذه"الانتفاضة المسلحة"على نظام بورقيبة يقول العقيد عز الدين بالطيب:"منذ تولي القذافي السلطة في ليبيا كانت العلاقات مع تونس غير مستقرة، فمن جهة كان بورقيبة رجل الحكمة والعقلانية والتطلع إلى الوصول بتونس إلى مرتبة الدول المتقدمة والقضاء على الجهل والفقر بقدر ما كان القذافي الثائر المتهور شعاره القومية وتغيير المبادئ سواء كانت دينية أو اجتماعية، وكان يتوهم أنه تلميذ عبد الناصر ووريثه بعد وفاته وكان هدفه زعزعة النظام التونسي وتركيعه؛ فكان ينتدب الآلاف من العمال التونسيين ثم بعد مدة يطردهم دفعة واحدة ويدفع بهم نحو بوابة رأس الجدير قصد تعجيز السلطات التونسية وإرغامها على تبنّي رغباته. وكان هدفه تصدير الثورة إلى تونس حيث يتجرأ في زياراته إلى تونس على الدعوة إلى الثورة مثل ما وقع في البلماريوم وقابس وعدة مناطق، وكثيرا ما يضيق الحال ببورقيبة ولكنه يتماسك ويناور حتى لا يفوت الفرصة على الشعب التونسي في العمل والمبادلات الاقتصادية والتجارية مع ليبيا، إلى أن أتت مرحلة الوحدة مع ليبيا وكان كل طرف يترصد الفرصة للانقضاض على الآخر وكانت وراءها عدة عناصر تونسية همّها الثروة على حساب الشعب التونسي".
وأضاف العقيد بالطيب: "كان من الجانب التونسي أصحاب خبرة عالية على رأسهم رئيس الحكومة الهادي نويرة الذي أقنع الرئيس بورقيبة بسلبيات الوحدة ومطامع القذافي وضرورة التخلص من العناصر الموالية للزعيم الليبي وهو ما تسبب في فشل الوحدة ونقض المعاهدة من الجانب التونسي فيما تمسك القذافي بالمعاهدة ورفض الإقلاع عن إعلان الوحدة ثم أغرى المعارضين التونسيين بالمال وكون منهم نواة لانتداب الشباب وفتح المعسكرات ثم تعمد استفزاز السلطات التونسية حتى أصبحت الطائرات الليبية تحلق في الأجواء التونسية قرب الحدود مجتازة سرعة الصوت لإزعاج وإرهاب المتساكنين ودفع السلطات التونسية لرد الفعل ولكن بورقيبة كان متأنيا وصبورا وضبط نفسه فيما ظل القذافي يترصد الفرصة للانقضاض على تونس فيغذي الانشقاقات والخلافات التي بلغت قمتها سنة 1978 بتوتر العلاقة بين الدولة والنقابات وخاصة نقابة المناجم بقفصة فتعددت الإضرابات بالمعاهد والجامعات وصولا إلى المدارس الابتدائية وتشرد التلاميذ في الغابات فقرر القذافي الانتقال إلى المرحلة الأخيرة وهي مرحلة"غزو تونس" وأخذ يرتب الأمور بإعانة ثلة من التونسيين اللاجئين في ليبيا".
وأشار محدثنا إلى أن:"المؤسف في كل ما حصل أن السلطات التونسية كانت تغط في سبات عميق حتى كان شهر جانفي 1980، ففي تلك الفترة كان الجيش التونسي مرابطا في الجنوب لمراقبة الحدود وكان بورقيبة في عطلة نقاهة بجهة نفطة بالجريد بينما كان القذافي يخطط ويجهز مجموعة من المعارضين التونسيين ممن تدربوا في لبنان وليبيا لتمريرهم داخل التراب التونسي فيما كانت المروحيات الليبية ترفع العلم التونسي وترابط بالمطارات الليبية على أهبة الانقضاض عند الإشارة من قفصة ثم كانت الانتفاضة وكان التمرد".
انقسام المجتمع الدولي
عن موقف المجتمع الدولي حول التمرد المسلح قال العقيد بالطيب:"موقف المجتمع الدولي كان منقسما بين مندد ومتردد ومتفرج..وبين من هو واضح في موقفه مثل فرنسا التي أرسلت أسطولها الراسي بتولون Toulon للتدخل المباشر ولكن المهمة انتهت بنجاح قبل وصول الأسطول الفرنسي وكانت مقولة الجنود الفرنسيين الشهيرة "حرمنا الجيش التونسي من جولة في تونس" كما عرضت المملكة المغربية مشاركة مروحياتها العسكرية في المعركة فيما التزمت الجزائر الصمت بينما وقف الشعب التونسي إلى جانب حكومته مساندا لتدخل الجيش والأمن بما في ذلك منطقة قفصة التي باغتتها الأحداث والتي رفضت رفضا باتا مساندة المتمردين رغم الوعود التي تلقاها القذافي من بعض العملاء وهم أقلية بعد أن رفض أهالي قفصة خيانة الوطن والانضمام للمتمردين".

حكاية «القناصة» و جثث القتلى.. و كيف أنقذ الجيش 70 فتاة من الموت داخل مبيت المعهد
فيما يخص العملية ميدانيا يقول العقيد بالجيش الوطني سابقا عز الدين بالطيب:"كنت في تلك الفترة قائد الفوج 14 آلي المتمركز بمدينة الكاف والتابع ميدانيا إلى اللواء الثاني المتمركز بباجة، أما قفصة فيوجد بها الفوج 12 نصف آلي التابع ميدانيا للواء الأول بقابس وكانت في تلك المدة جل وحدات الجنوب مرابطة على طول الحدود الجنوبية على اثر بعض المناوشات والخروقات التي يقوم بها الزعيم الليبي الراحل معمّر القذافي وتبين لاحقا أنها مناورة لجلب الوحدات التونسية للحدود وإفراغ الثكنات ليسهل عليه اقتحامها واحتلالها والاستيلاء على مدينة قفصة التي سوف تكون نقطة انطلاق حسب تخطيطه- لاحتلال الجمهورية التونسية وفعلا أفرغت ثكنات المنطقة الجنوبية ومن ضمنها خاصة ثكنتا قفصة ولم يبق بهما سوى عدد ضئيل لحراسة الثكنات أو عدد من الجنود المستجدين تحت تأثير التلاقيح الأولية وليس لهم أي تكوين عسكري سواء على الأسلحة أو التدريب الميداني".
وأضاف العقيد بالطيب:" القذافي وحتى لا يلفت الأنظار سرّب المجموعة المكلفة بالانتفاضة على نظام الزعيم الحبيب بورقيبة بقفصة عبر الحدود الجزائرية مستغلا المساندة التي يتلقاها من وحدات الأمن الجزائري خوفا من فشل العملية وعدم ثقته في سكان الجنوب وخاصة بنقردان الذين رغم تنقلاتهم عبر الحدود للتجارة والتهريب فإنهم لم يساوموا يوما في تجاوز الخط الأحمر المتمثل في زعزعة أمن البلاد والنظام..
والقذافي الذي أمضى معاهدة الوحدة مع بورقيبة والتي أفشلها الهادي نويرة بقي متمسكا بتلك المعاهدة وحاول تطبيقها بكل الوسائل".
إختيار مدينة قفصة
وعن سبب اختيار القذافي على مدينة قفصة لمحاولة الانقلاب على حكم بورقيبة قال:" بحكم قرب قفصة من الحدود الجزائرية فإنه وقع الاختيار عليها لتسهيل تسريب العناصر والأسلحة والدعم من الأمن الجزائري، كما أن الأجواء بقفصة كانت مناسبة نظرا لتدهور العلاقات بين الدولة ونقابات المناجم في تلك الفترة ووجود عناصر مناهضة للنظام لها علاقة بالقذافي والتي يظهر أنها وعدته بالانتفاضة والمساعدة إذا مدهم بالأسلحة، إضافة إلى وجود بورقيبة حينها بمدينة نفطة حتى يسهل اختطافه والاحتفاظ به زيادة على اختراق الوحدة التونسية والتغيرات داخل الحكومة.
و بإيجاز كان الجو مناسبا للانتفاضة بصفة كاملة".
30 مسلحا تسرّبوا إلى قفصة
عن بداية تحركات المجموعة المسلحة المعروفة بمجموعة المرغني قال العقيد بالطيب:" لقد تسربت المجموعة المكلفة بالانتفاضة والمكونة من حوالي ثلاثين شخصا مدربين تدريبا عاليا ومسلحين تسليحا عاليا أيضا تحت قيادة المرغني والشريف وبمساعدة الساكري من مواطني المكناسي، ولكن قبل تسللها إلى قفصة عبر الحدود التونسية الجزائرية تركت المجموعة على الحدود عدة مطامير أسلحة وذخيرة متطورة ثم استأجرت منزلا على ملك شخص يدعى جمال وهو عون ديوانة قاطن بحي النور حيث تم تجميع أطنان من مختلف الأسلحة ومعدات الاتصال والذخيرة وغيرها وقامت فيما بعد بالتعرف على مدينة قفصة وطرقاتها والأماكن الحساسة والثكنات ومقرات الأمن ومداخل المدينة وكل ما يتعلق بالعملية ثم واصلت التدرب وترصد حركات الجيش والأمن في سرية تامة قبل أن تحدد اليوم المناسب والوقت المناسب ل"المفاجأة".
و حسب ما أذكر كان ذلك فجر يوم 27 جانفي 1980 وكانت المفاجأة قوية وكانت الضربة الأولى قاسية مما خلف خسائر بشرية في صفوف قوات الجيش والأمن والمواطنين".
هجوم كاسح وقتلى بالجملة
كان يوم 27 جانفي 1980 يوما يختلف عن غيره من الأيام يوم نالت فيه يد الغدر الوطن من ثلة مستأجرة فسالت الدماء، دماء الأبرياء العزل، دماء جنود طريحي الفراش، منهم شباب مدني في زي عسكري، يوم نادى المنادي لنجدة الوطن والمواطن، فوجد الجيش الوطني في أهبة ليتحمل مسؤولياته في أفضل الظروف".
ويتابع العقيد بالطيب:"كانت الساعة تشير إلى تمام السادسة صباحا وكنت انتهيت من أداء صلاة الفجر حين رن الهاتف، فشعرت أن شيئا ما حدث، إذ ما أن رفعت السماعة حتى فوجئت برئيس أركان جيش البر اللواء محمد قزارة يهاتفني فبادرني بالقول: "عز الدين!! صباح الخير. لقد تعرضت مدينة قفصة إلى هجوم مسلح وسقوط عدة قتلى من العسكريين والمدنيين والمدينة حاليا تحت سيطرة الثوار، والاتصالات مقطوعة. تحول بسرعة بكامل وحدات فوجك إلى قفصة... حاول الاتصال بالعقيد القنوني قائد اللواء الأول بقابس والمرابط بالمطار ونسق معاه، وإذا استحال الاتصال بيه فتولى بدورك تمشيط المدينة والقبض على المجموعة المتمردة واسترجاع الأمن للمدينة".
كانت هذه الأوامر القصيرة "كافية للقيام بهذه المهمة الصعبة والثقيلة حتى نرد لتونس الجميل فأصدرت في الحين الأوامر لضابط الخفارة بإعلان حالة الطوارئ القصوى وجلب كل العسكريين من ديارهم والتأهب للخروج في مهمة خارج منطقة الفوج لمدة غير محدودة يعني ذلك استعداد كل مصالح الفوج، كل في اختصاصه والتحقت فورا بالثكنة فبادرت بتعيين ضابط لخلافتي وزودته بكل التعليمات المتعلقة بالحراسة المشددة للثكنة واليقظة المستمرة، ومضاعفة الحراس والدوريات ليلا نهارا، كما كلفت المرشدة الاجتماعية بزيارة عائلات العسكريين ومساعدتهم".
وعن تدخل الفوج العسكري للقضاء على التمرد يقول محدثنا:"كانت الساعة تشير إلى الثامنة صباحا عندما تأكدت من جاهزية مصالح الفوج سواء منها اللوجستية أو العملياتية وفتحنا أجهزة الاتصال ثم أعطيت أوامر الانطلاق نحو مدينة قفصة على النحو التالي: السرية الأولى في المقدمة ثم القيادة ثم السرية الثانية ثم سرية القيادة ومصالح الفوج من ضمنها مصلحة الصحة ثم جزء من السرية الثالثة لتؤمن مؤخرة الفوج وأعلمت القيادة في تونس بتحرك الفوج أما الاتصال بقفصة فقد كان مستحيلا.. حددت الطريق للوحدات كما يلي: الكاف الدهماني سبيبة مفترق طريق سبيبة -القصرين وسبيطلة طريق القصرين- فريانة ثم فريانة -ماجل بلعباس وأخيرا قفصة مع التوقف في كل مدخل مدينة لتجميع عناصر الفوج، وعند المرور بمدينة القصرين اعترضتني أمام الثكنة الشرطة العسكرية وأعلمتني أن الفريق عبد الحميد الشيخ في انتظاري على الهاتف اتصلت به من ثكنة القصرين فطلب مني الإسراع أكثر ما يمكن لأن قفصة وثكنة أحمد التليلي تحت سيطرة الثوار..".
رفض أوامر وزير الدفاع
«واصلت الطريق نحو مدينة فريانة"-يتابع محدثنا- «حيث اعترضتني الشرطة العسكرية وأعلمتني بان المقدم محمد بن حسين مساعد رئيس أركان البر على الهاتف، فاتصلت به من داخل ثكنة فريانة، فأعلمني أن رشيد صفر وزير الدفاع يطلب مني تغيير الطريق والرجوع إلى سبيطلة ودخول قفصة عن طريق تونس لأن طريق ماجل بلعباس غير آمن ورغم أنني أكبرت فيه حرصه على سلامة الفوج فإنني وجدت نفسي مضطرا لرفض هذه الأوامر التي سوف تسبب انهيارا في معنويات الفوج والتمست منه السماح لي بمواصلة الطريق لصعوبة إعادة تركيبة الفوج والرجوع إلى الوراء وحفاظا على معنويات الفوج وتحمس الجنود للمقارعة فوافقني على مواصلة الطريق خاصة ان مهمة الفوج التي تضمنتها أوامر رئيس الأركان تتمثل في البحث عن المتمردين والاتصال بهم والاشتباك معهم إذا اضطر الحال، لا الهروب منهم بقطع النظر عن ضياع الوقت واقتراب غروب الشمس».

القضاء الليبي يقضي بإعدام العقيد بالطيب!
على هامش حديثه عن العملية المسلحة بقفصة في جانفي 1980 قال العقيد عز الدين بالطيب إن" العقيد بوبكر بنكريم آمر وحدات الصحراء أعلمني أثناء قيادتي للعملية المناهضة للجماعة المسلحة بأنني بصدد المحاكمة في ليبيا من طرف محكمة جل أعضائها من اللاجئين التونسيين بليبيا جندهم القذافي لخدمة مآربه، أعرف منهم بعض الأشخاص أصيلي مدينة بنقردان فتابعتها على الأثير من خلال بث" إذاعة قفصة" من ليبيا لتنتهي المرافعات بالحكم بالاعدام عليّ وهو ما أزعج عائلتي ومحيطي ولكنه لم يزعج السلط التي اعتبرته هراء وجنونا"قذافيا".
وأضاف:"بمرور الوقت لم أعر الموضوع أهمية و لكن ما راعني إلا أن بعض أعضاء"المحكمة" عادوا إلى تونس وتحديدا إلى تطاوين وبنقردان بالذات بعفو من الدولة والغريب في الأمر أن من بينهم من تم انتدابه بإحدى صحف الحزب الدستوري".

تسلسل أحداث قفصة 1980
-فجر يوم 27 جانفي 1980 انطلقت العملية المسلحة في محاولة للانقلاب على نظام الزعيم الحبيب بورقيبة.
- وزعت المهام على خمس مجموعات وهي مجموعة أحمد المرغني المتكونة من 23 شخصا هاجمت ثكنة أحمد التليلي ومجموعة بلقاسم كريمي وعبد المجيد الساكري هاجمت مركز الشرطة وقتلت أحد الأعوان وأسر البقية ومجموعة حسين نصر العبيدي وعبد الرزاق نصيب هاجمت مركز الحرس ومجموعتا كل العربي الورغمي ونور الدين الدريدي من جهة وعز الدين الشريف من جهة ثانية هاجمتا ثكنة الجيش داخل المدينة.
- الأحداث بدأت بإطلاق قذيفة بازوكا كإشارة انطلاق، ونجحت بعض المجموعات في مداهمة المراكز الأمنية والاستيلاء على الأسلحة والذخيرة ثم الالتحاق بمهاجمي الثكنة العسكرية بالمدينة.
-نجاح مجموعة أحمد المرغني في اقتحام ثكنة أحمد التليلي وأسر الجنود والعسكريين المتواجدين بها.
-فشل مجموعة عز الدين الشريف في اقتحام الثكنة العسكرية المتواجدة بالمدينة بسبب المقاومة الشرسة للجنود.
- تمكن المسلحون في الساعات الأولى من يوم 27 جانفي من السيطرة على المدينة.
- احتجاز 300 جندي كأسرى بقاعة رياضية بالمعهد الثانوي.
-طائرتا"ميراج" تقومان بطلعة استطلاعية غير أنهما سرعان ما فرتا بعد إطلاق النار نحوهما.
-امتناع أهالي قفصة عن الانضمام للمجموعة المسلحة.
-دخول قوات الجيش الوطني المدينة وإعلان السيطرة عليها وحجز كميات كبيرة من الأسلحة والذخيرة وإيقاف عدد من المسلحين ومطاردة البقية.
- المهاجمون ينسحبون وينتهي الأمر بإلقاء القبض على أحمد المرغني القائد العسكري للعملية بضواحي حامة قابس يوم 6 فيفري واستسلام القائد السياسي عز الدين الشريف.
- أصدرت محكمة أمن الدولة أحكاما بالإعدام في حق 11 من أفراد المجموعة المسلحة من بينهم:أحمد المرغني وبلقاسم كريمي وعبد المجيد الساكري وحسين نصر العبيدي وعبد الرزاق نصيب والعربي الورغمي ونور الدين الدريدي وعز الدين الشريف، وقد تم تنفيذ الحكم فيهم يوم 17 أفريل 1980 ودفنهم جماعيا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.