استجاب عرض "أغاني الحياة" للفنان والموسيقار رضا الشمك في سهرة أول أمس على ركح المسرح الأثري بقرطاج لدواعيه المكانية والزمانية مما خول نجاحه الفني نظرا لأن هذا العرض يتزامن مع الاحتفال بذكرى عيد الجمهورية وذلك رغم حضور عدد متوسط من جمهور نوعي جاء خصيصا للاستمتاع بأغنية بديلة على طريقة المبدع رضا الشمك تقطع مع النمط المتعارف عليه في هذه النوعية من الموسيقى والأغاني. ليكون هذا العرض محطة أخرى مضيئة في مسيرة هذا الموسيقي في نضاله من أجل مشروعه الفني النوعي الذي اختار أن يشاركه فيه مجموعة نيرة من خريجي المعاهد العليا للموسيقى ببلادنا يتجاوز عددها الخمسين عنصرا يتوزعون بين عازفين وموسيقيين ومجموعة صوتية تميز أداؤها بالتناغم والحرفية. و تجدر الإشارة إلى أنه كان بالإمكان أن يقدم الأفضل في هذا لو عمل على إخراجه من روتينية العروض التي تعتمد على تواتر صعود الفنان على الركح وما يتطلبه الأمر من تعديل للآلات وتقطع في نسق العرض. و شكل غياب أهل السياسة وحاشيتهم عن هذا العرض الاحتفالي بمناسبة هامة ومصيرية في تاريخ بلادنا مصدر استفهام أغلب الحاضرين بما في ذلك إدارة المهرجان والمنظمون لأن الجميع كان ينتظر أن يكون هؤلاء سباقين في مثل هذه المناسبة وفي هذا التوقيت الذي طغى فيه التشكيك نظرا للأبعاد الرمزية لمثل تلك الحركة. فكان العرض بمثابة مغناة حقيقية بالوطن والإنسان والحرية والحب والإرادة استحضر فيه الملحن والموسيقي الذي تخلى خلاله عن عوده أنواع وإيقاعات مختلفة من موسيقى العالم والمعزوفات الساحرة والأغاني الخالدة على غرار سيد درويش والموشح والموسيقى الهندية وغيرها. رغم أن الإيقاع الذي طغى على أغلب ردهات الحفل لم يخلُ من الحزن والحماسة. شارك في أداء الأغاني المنتقاة أو القصائد والأشعار لرموز الشعر العربي والكلمة الهادفة كل من أسماء بن أحمد وروضة بن عبدالله ووليد المزوغي ومهدي عياشي. فاستحضرت أصواتهم أجمل ما جادت به القريحة الشعرية لكل من أبي القاسم الشابي ونزار قباني ورضا الشمك تولى هذا الأخير تلحينها وتقديمها للجمهور بطريقة طغى عليها الطابع الأركسترالي. غنى صاحب الصوت الشجي وليد المزوغي قصيد "إذا الشعب يوما أراد الحياة" بلحن ليس كما هو متعارف عليه في لحن النشيد الوطني التونسي وإنما بطريقة جديدة بعد أن أعاد الشمك توزيعه فكان المدخل الذي حمل الجمهور إلى حضرة عوالم فكرية وثقافية وقيمية واجتماعية على صلة وثيقة بواقع تونس وتداعياته على جميع الأصعدة. و لئن كان إطار العرض الفني ثقافيا ترفيهيا بحتا إلا أنه تجاوزه إلى إثارة قضايا ومسائل أخرى من قبيل الوطن والقيم الإنسانية التي لطالما تغنى بها رضا الشمك في مسيرته وسخر رسالته الفنية للدفاع عنها والبحث والعمل من أجل الإبداع في مجالها. ليتأكد هذا المنحى بصعود أسماء بن أحمد إلى الركح وأدائها لقصيد "يا تونس الجميلة" التي تجسدت في إيقاعاتها الموسيقية المتراوحة بين السرعة والقوة والغضب واللين. و حافظ العرض الذي تواصل على امتداد ساعتين على نفس النسق من الحماسة والثورية واستنهاض الهمم من خلال الأغاني والقصائد التي برع في أدائها الفنانون مثل "بحار" التي غنتها روضة بن عبد الله وأرادها رضا الشمك تحية لأمه ولكل امرأ ة تونسية أو في ترديد المجموعة الصوتية لشعارات الثورة التي ترسخت في العالم أجمع مثلا "اعتصام اعتصام حتى يسقط النظام" و"أين يا شعب" وفي القصيد الذي كتبه "لا أحلم بحرية تهدى إليّ" التي كانت ناطقة ثورة ودعوة للحياة والتحلي بالإرادة من أجل ذلك بعيدا عن الخنوع. وهي معاني ترجمها وليد المزوغي في "اسكني يا جراح" أو في "أنت تخوض تجاربك فكر بغيرك". و لم يكن نصيب رضا الشمك من الغناء في هذا العرض سوى في رائعته "في حارتنا ديك" لنزار قباني التي تفاعل معها الحاضرون بالغناء والتصفيق خاصة أنها تقدم تصورا ونقدا ساخرا وفاضحا لرجال السلطة والحكام العرب.