"من قتل أبناءنا...؟ شكون قتلهم..؟ زعمة قتلوا رواحهم بإيديهم.. ؟ زعمة انتحروا برصاص بوليس المخلوع..؟ لن يهدأ لنا بال قبل كشف الحقيقة ومحاكمة القتلة... المحاكمة كانت مجرد مسرحية.. والأحكام الصادرة لم تشف غليلنا مادام القتلة الحقيقيون طلقاء..."..هذه هي العبارات التي تسمعها كلما وليت وجهك نحو عائلة شهيد أو جريح ثورة هذه الأيام، بعد صدور الأحكام الابتدائية في اثنتين من أكبر قضايا الشهداء والجرحى وهما قضيتا "تالة والقصرين وتاجروين والقيروان" و"إقليمتونس وبنزرت ونابل وسوسة والمنستير وزغوان"..
الاستياء لم يعم عائلات الشهداء أو الجرحى فقط بل امتد إلى عائلات ومحاميي المتهمين أنفسهم الذين اعتبروا أن بعض الأحكام قاسية وليست سوى"أحكام سياسية"..
"الصباح" رصدت انطباعات عدد من المحامين ورئيس جمعية معنية بالشهداء والجرحى وشقيق أحد الشهداء حول الأحكام الابتدائية الصادرة عن القضاء العسكري بكل من الكافوتونس وانتظاراتهم من القضاء العسكري الاستئنافي الذي من المنتظر أن ينطلق غدا الخميس 2 أوت في النظر في قضية شهداء وجرحى الثورة بتالة والقصرين القيروان وتاجروين. شرف الدين القليل (محامي عائلات الشهداء والجرحى): المحكمة العسكرية ل«التعويضات المادية لا لكشف الحقائق» يقول الأستاذ شرف الدين القليل:"على سبيل المثال فقد أثبتت جميع جلسات( 11 جلسة) محاكمة المتهمين في قضية شهداء وجرحى تالة والقصرين والقيروان وتاجروين عجز القضاء العسكري عن معالجة ملف من هذا الحجم وبهذه الأبعاد المختلفة(سياسية واجتماعية واقتصادية وغيرها) وأصبحت مقتنعا بأنه مرتبك وهو ما تجلى في تناقض مواقفه في الأحكام التحضيرية أو في لائحة الحكم". وأضاف الأستاذ القليل:"هناك اتجاه إلى عدم المضي قدما وعدم تحمل المسؤولية لكشف الحقائق المخفية إلى اليوم في ملف الشهداء والجرحى خاصة بعد رفض 10 مطالب تحضيرية من مجموع 13 مطلبا ودون أن يتم تبرير وتعليل رفضها في الحكم، ولذلك فإننا كمحامين للقائمين بالحق الشخصي فإننا سنجدد مطالبنا خاصة المتعلقة بسجل المكالمات ودفاتر الأسلحة والذخيرة للأعوان زمن أحداث الثورة مع مؤيدات إضافية". الأستاذ شرف الدين أكد على أن القضاء العسكري غير جاهز لا من الناحية القانونية ولا الهيكلية ولا الموضوعية، فهو قضاء غير مستقل وهو ما يؤكده الفصلان 5 و6 من مجلة المرافعات والعقوبات العسكرية المنقحة بعد الثورة، إذ أن الإشراف يكون دائما لوزير الدفاع ثم المدير العام للقضاء العسكري. وختم بالقول:"الحجاج السطحي للقضاء العسكري والافتقاد لعمق القضية يقنعان المواطنين بأن المحكمة العسكرية ليست لكشف الحقيقة بل للتعويضات المالية، أي ان تركيزها منصب على الناحية المدنية أكثر من الجزائية(كشف الحقيقة)". عز الدين العرفاوي (محامي رفيق بلحاج قاسم): أحكام القضاء العسكري تثير الاستغراب.. ولا نريد سوى قضاء مستقل يقول الأستاذ عز الدين العرفاوي:"إن ما يبعث على الدهشة والاستغراب من خلال الأحكام الصادرة عن القضاء العسكري تجاهل المحكمة الابتدائية العسكرية الدائمة بتونس لما أثاره محامو الدفاع عن بعض المتهمين ومنهم منوبنا وزير الداخلية السابق رفيق بلحاج قاسم، الذين تمسكوا بسبق محاكمة منوبهم من أجل نفس الأفعال أمام المحكمة العسكرية الابتدائية الدائمة بالكاف، وفي ذلك خرق واضح للمبادئ التي يرتكز عليها القانون الجزائي وهو أن الشخص لا يمكن محاكمته مرتين من أجل نفس الأفعال وهي مبادئ تعتبر من أهم مقومات المحاكمة العادلة والحقوق الطبيعية للشخص". وأضاف الأستاذ العرفاوي:" إنه من المؤلم حقا أننا كلسان دفاع عن وزير الداخلية السابق بينا بالحجة والبرهان عدم توفر الأركان القانونية للتهم الموجهة إليه ولكننا لا نجد أثرا لذلك في لائحتي الحكمين الصادرين عن المحكمتين العسكريتين الابتدائيتين بتونسوالكاف تجاه المنوب بل تأكد لدينا بما لا يقبل الشك ومن خلال الحكمين ان وزير الداخلية السابق رفيق بلحاج قاسم كان كبش فداء، وهو ما كنا نخشاه ونبهنا إليه منذ انطلاق المحاكمة بل ان موقفنا هذا يلتقي مع محاميي القائمين بالحق الشخصي الذين ما انفكوا يؤكدون في مرافعاتهم على أن ملفي القضيتين مازالا غير جاهزين للبت وأن عائلات الشهداء والجرحى لا يريدون أكباش فداء ضمن المتهمين وإنما يريدون الحقيقة ولا شيء غير معرفة قاتلي فلذات أكبادهم بالدليل القاطع وليس بالتخمين والاستنتاج". وختم الأستاذ العرفاوي بالقول:" نحن عازمون على مواصلة الدفاع امام محكمة الاستئناف العسكرية بتونس حتى تقول كلمة الحق في كنف الاستقلالية والشفافية وبعيدا عن الضغوطات والتجاذبات مهما كان مصدرها.. يقول سبحانه وتعالى:"ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون". العميد مروان بوقرة (الوكيل العام مديرالقضاء العسكري): القضاء العسكري مستقل.. ومنظمات دولية نوهت بالإصلاحات والمحاكمات فنّد العميد مروان بوقرة الوكيل العام؛ مدير القضاء العسكري كل الاتهامات الموجهة للقضاء العسكري، وأكد انها مجرد محاولات للضغط عليه كلما اقتربت محاكمة او صدور لائحة أحكام. وقال في اتصال مع"الصباح" إن منظمات وجمعيات دولية أبرزها هيومن رايت ووتش ومسيحيون ضد التعذيب ومفوضية الاتحاد الأوروبي وغيرها نوهت بالقضاء العسكري في تونس بعد الثورة وأشادت بالتكوين والإصلاحات المجراة". وحول الاتهامات الموجهة للقضاء العسكري قال العميد بوقرة:"اليوم القضاء العسكري مستقل.. والاستقلالية هي ممارسة وثقافة تكتسب..صحيح أن القضاء العسكري كان يخضع لسلطة وزير الدفاع بمقتضى الفصل 22 ولكن هذا الفصل ألغي في التنقيح الأخير وتم إحداث مجلس قضاء عسكري للنظر في الترقيات والنقل"، مؤكدا:"نحن نعمل في استقلالية تامة والاتهامات الموجهة للقضاء العسكري مردودة على أصحابها". وحول عجز المحاكمات العسكرية عن كشف الحقيقة أقر العميد بوقرة بعدم توصل القضاء العسكري إلى كشف بعض الحقائق في بعض القضايا وهذا راجع إلى عدة أسباب أبرزها"صعوبة إثبات جرائم الجماهير"، مؤكدا ان القضاء العسكري يعمل طبق القانون والضمير. علي المكي (رئيس جمعية) «لن ننساكم»: القضاء العسكري وأهل السياسة اتفقوا على غلق الملف استهل السيد علي المكي رئيس "جمعية لن ننساكم" وشقيق شهيد دقاش عبد القادر المكي تعليقه بالآية 32 من سورة المائدة "قال تعالى:" من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا" وبحديث نبوي جاء فيه: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:" لقتل المؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا "(رواه النسائي) ثم ذكر"أن كل التشريعات السماوية والإنسانية تعظم النفس البشرية وتحرم وتجرم الاعتداء عليها ولكن وللأسف كان التعامل مع قضايا شهداء وجرحى الثورة التونسية مخالفا تماما لهذه الحرمة ويتجلى ذلك من خلال الأسلوب المعتمد في التعامل مع أطوار القضايا: 1- اعتمد القضاء العسكري على ضم القضايا إلى بعضها البعض . فمثلا قضية تونس تضم 43 شهيدا من جهات مختلفة تونس والمنستير وبنزرت وزغوان ونابل وسوسة وبوقائع مختلفة وبمتهمين مختلفين حسب الجهات وهو إجراء قانوني غير مبرر. 2- الأسلوب الذي اعتمده القضاء العسكري في التحقيق، إذ كان من الأجدر إنطلاق الأبحاث والتحقيقات من محور القضية وهي جثمان الشهيد مثل ما يحدث في جل قضايا القتل حيث مباشرة يتم تشريح الجثة من أجل الوصول إلى الحقيقة ومعرفة الجاني أما في قضايا الشهداء فقد تم التحقيق في الأحداث ككل وبطريقة عمودية أي من الفوق إلى الأسفل بداية من المخلوع نزولا إلى الرتب السفلى في حين كان من الأجدر البحث منذ البداية عن القاتل الميداني ثم الوصول إلى المشارك وإلى من أسدى الأوامر لكن العكس هو الذي حصل فاضمحلت الحقيقة، لذلك وجدنا في جل القضايا المشارك ولم نجد الفاعل الأصلي وهو يطرح سؤالا "كيف يتم معاقبة المشارك دون أن تحدّد هوية الفاعل الأصلي؟ " 3- النية :هذه الكلمة أركز عليها جيدا لا لشيء إلا لأنها هي من حددت اتجاهات الأحكام في قضايا الشهداء والجرحى فالتوجه السياسي للدولة التونسية منذ يوم 15 جانفي 2011 كان نحو دفع التعويضات المادية وعدم كشف حقيقة أحداث الثورة وحقيقة هروب المخلوع لأن كشف الحقيقة سيكشف تورط شخصيات مازالت نافذة في السلطة إلى حد هذه الساعة وبذلك كانت قضايا الشهداء شبيهة بقضايا حوادث المرور. 4 - أمر مهم يدفعني إلى الشك والريبة، إذ أن كل القضايا التي عرضت على القضاء العسكري كانت جميع أبحاثها وتحقيقاتها " في حالة يرثى لها" على حد تعبير رئيس الدائرة الجنائية بمحكمة الكاف العسكرية- ورغم اعتراف القضاة بذلك فإنهم أصروا على إصدار الأحكام ولم يحد أي منهم على ذلك ولم يقرر أي منهم تأجيل التصريح بالحكم لإجراء المزيد من الأبحاث رغم إلحاح المحامين القائمين بالحق الشخصي وتقديمهم للعديد من الطلبات التحضيرية ليلتقي بذلك هذا الإصرار من القضاء العسكري على البت والحكم في قضايا الشهداء والجرحى مع إصرار السياسيين في السلطة من أجل غلق هذا الملف قبل انتهاء هذه السنة. .. ولكن ما ضاع حق وراءه طالب".