في الوقت الذي كنا نتحدث فيه أمس إلى سمير بلحاج المسؤول عن ملف الحرائق بالإدارة العامة للغابات حول آخر مستجدات الحرائق هذه الصائفة اندلع حريق جديد بمنطقة الكريب لم يستبعد مصدرنا أن تكون وراءه أسباب إجرامية لتكرر هذه الحوادث بذات المنطقة. وكانت الجهود البارزة لفرق التدخل المختلفة من أعوان غابات وحماية مدنية وجيش قد مكنت من السيطرة على كافة الحرائق المندلعة والتي تضاعف عددها هذه السنة إلى 166حريقا والحال أنها لم تتجاوز78حريقا في مثل هذه الفترة من صائفة2011. وتعد الحرائق الأربع المسجلة بكل من عين دراهم وساقية سيدي يوسف ونبر بالكاف وبعين يونس بتستور من أهم الحرائق. ويعكس تضاعف عدد الحرائق إلى حد هذه الفترة من صيف2012 حدة الظروف المناخية السائدة والمساعدة إلى جانب جملة من العوامل على نشوب الحرائق وامتدادها إلى مساحات شاسعة آتية على الأخضر واليابس. وفي توزيع لأبرز الأسباب الكامنة عادة وراء نشوب الحرائق تستحوذ العوامل المجهولة المصدر على أكبر نسبة من الحرائق ب60 بالمائة وهي نسبة ضخمة تعتبر الأثقل في الحوض المتوسط حيث لا يتجاوز المعدل 30بالمائة بفرنسا و48 بالمائة بتركيا و33 بالمائة بقبرص و55بالمائة بالمغرب... و إزاء ضخامة عدد الحرائق المجهولة المصدرفي بلادنا يتعيّن وجود تعاون أمني استقصائي أكثر عمق وأطول نفس للوقوف على هوية المتسببين في هكذا حوادث تضر بأديم الأرض وبالمساحات الغابية وبالتوازن البيئي. أسباب إجرامية وحسب ما أفاد به سمير بلحاج عن إدارة الغابات تمثل الأسباب الإجرامية من جملة العوامل المشخصة والمعروفة 3بالمائة ومثلها بالنسبة للحوادث الناجمة عن الصواعق. وتمثل السلوكات اللامسؤولة التي يأتيها متساكنو الغابات وروادها عند الطهي والتسخين 14بالمائة واستخراج العسل 14بالمائة، فيما يحتل التدخين وبقايا السجائر المشتعلة التي يلقي بها أصحابها عشوائيا نسبة57بالمائة. وحذّر ذات المصدر من سلوكيات الفلاحين الذين يعمدون إلى حرق بقايا محاصيلهم بعد موسم الحصاد ل"تخضير" الأرض لماتتسبب فيه من إندلاع الحرائق بالمناطق الغابية المجاورة وحتى في حال عدم وجود غابات فإن مثل هذه العادة تمثل خطرا على أديم الأرض بتسببها في إحتراق المواد العضوية بالتربة فتفقدها خلافا لما يعتقده البعض خصوبتها. كما نبه بلحاج إلى السلوكيات اللامسؤولة واللامبالية التي يأتيها سكان الغابات وزائريها لقلة وعيهم بطرق التعايش مع الغابة والمحافظة على سلامتها وهو ما يمثل عاملا أساسيا في نشوب الحرائق. علاوة على طبيعة وخصوصية الأعشاب التي تكسو الغابات التونسية والتي تتميز بسرع إلتهابها وهي من العوامل التي من شأنها أن تعقّد السيطرة السريعة على الحرائق. وقد دخل هذه السنة عامل جديد على الخط لا يقل أهمية عن البقية يتمثل في تعمد بعض المواطنين حرق الفضلات المتراكمة ببعض المصبات العشوائية للتخلص منها ومن روائحها الكريهة لتمثل سببا مباشرا في نشوب الحرائق كما حدث في أول جويلية بجهة الكريب حيث أتلفت نيران مصب زبالة 50هك من المساحات..ورغم كل هذه العوامل التي زادتها الظروف المناخية السائدة هذه الصائفة حدة إلى جانب رمضان وشدة العطش وتعدد السلوكيات الإجرامية المقصودة تواصل فرق التدخل بذل جهود جبارة لإخماد الحرائق والسيطرة عليها بأقل الخسائر الممكنة في المساحات المحترقة. ولئن لم يتوفر لدى الجهات الإدارية المعنية إلى هذه اللحظة تقييم دقيق للمساحات المتلفة منذ إندلاع أولى الحرائق فإن المعطيات التي أمدنا بها محدثنا تشير إلى أنه لا يتوقع أن تبلغ المساحة المتلفة هذه السنة الحجم المسجل الصائفة الماضية والمقدر ب2000هك وإن تضاعف عدد الحرائق ،علما أن معدل المساحات المحروقة سنويا يناهز 1400هك. وطبعا يبقى التوقع رهين وعي المواطن وتفادي السلوكيات السيئة التي قد تهدد سلامة الغابات والكف عن الأفعال الإجرامية بتفعيل التدخل الأمني والتصدي لمقترفيها. جدير بالذكر أن الإمكانيات المحدودة المتاحة للتدخل لإخماد الحرائق رغم قساوة ظروف العمل لم تحل دون صمود الفرق ومكافحتها النيران وسيتم تعزيز أسطول التجهيزات ووسائل الإطفاء بمعدات جديدة ستكون جاهزة للإستغلال السنة القادمة.