لم يخف الممثل فرحات هنانة عدم رضاه عن مشاركته في العمل الدرامي "دار الوزير" الذي عرضته قناة نسمة خلال شهر رمضان المنقضي واعتبرها تجربة متواضعة ليس إلا. علما أن فرحات هنانة دخل ميدان التمثيل منذ سنة 1989 و اكتفى خلال مسيرته المطولة بالعمل في قطاعي الفن الرابع و التعليم في اختصاص التربية المسرحية لكنه نجح في شد الانتباه في سلسلة "نسيبتي العزيزة" الذي عرضته نفس القناة السنة الماضية في دور "المنجي". و لعل النجاح في هذا الدور فتح المجال لهذا الممثل ليدخل عالم الأعمال التلفزية من بابها الكبير بعد أن كان رافعا اللاءات أمام العروض والأعمال الخاصة بالشاشة الصغيرة في السابق. لكن التجربة الأخيرة في دور "النوري" أثارت سخط هذا الممثل. فرحات هنانة تحدث ل"الصباح" عن هذه المشاركة وسبب مقاطعته للتلفزة وغيرها من المسائل الأخرى في الحوار التالي: كيف تقيّم مشاركتك في سلسلة "دار الوزير" كعمل تلفزي أجمع المشاهدون على أنه عمل متواضع ولم يلاق استحسان الأغلبية رغم ما ضمه من نجوم التمثيل؟ لا أخفي موقفا أو رأيا إذا قلت أني لست مقتنعا وغير راض على مشاركتي في هذا العمل الدرامي. وذلك بعد أن اكتشفت تدني مستوى العمل فقررت الانسحاب لكن صلاح الدين الصيد مخرج العمل وكامل الفريق التقني طلبوا مني مواصلة العمل وعبروا عن اعجابهم بعملي. لذلك أعتبره تجربة متواضعة. كيف تقبّلت ردود الأفعال حول العمل؟ أعترف أني ابتهج عندما يوقفني البعض في الشارع ويعلمني أني من بين الممثلين الذين أنقذوا العمل. ولكن ما أنا مقتنع به هو أنه كان بإمكاننا أن نقدم عملا أفضل مما كان بكثير وذلك إذا توفرت محبة بين بعض الممثلين مثلما هو الشأن في "نسيبتي العزيزة". لأن ما طغى على أجواء العمل وأثر على مستواه هو الصراع والمنافسة القائمة التي لا تنفع الفن. بم تفسر مقاطعتك للأعمال التلفزية رغم اقتلاعك موقعا في الوسط الثقافي كمسرحي منذ عقود؟ اخترت منذ بدايتي عدم العمل في التلفزة لاقتناعي كمسرحي أن الشاشة الصغيرة تهمش الفنان لأن أغلب الأعمال ليس فيها طرح أو نضج لذلك اكتفيت بالعمل في المسرح التجريبي وغيره من المدارس التي تنتصر للقضايا الانسانية. لكن بعد مدة تفطنت إلى أني لو واصلت في نفس المنهج وبحكم أن الثقافة تهمشت ولم يعد هناك هم ثقافي لم أفوت الفرصة الكبيرة التي كان وراءها الراحل سفيان الشعري عندما شاركت معه في مسرحية "الماريشال" و عرض عليّ المشاركة في مسلسل "نسيبتي العزيزة" رغم أن مشاركاتي في بعض الأعمال كانت قليلة. و هل تعني اقتصار إطلالاتك التلفزية في الأعمال التي أخرجها صلاح الدين الصيد تخفي موقفا معينا؟ لا يعني قبولي العمل مع نفس المخرج أنه يخفي موقفا من بقية المخرجين او أي طرف ولكن يعود لعلاقتي الطيبة مع هذا المخرج الذي أحترمه لأن الأعمال القليلة التي شاركت فيها بما فيها الكاميرا الخفية كنت مقتنعا أن فيها لعب المفهوم المسرحي وفرصة للإبداع. التّقارب بين شخصيتي "المنجي" و "النوري" وما حظيت به من إقناع ونجاح ألا تخشى أن يكون عاملا للدعوة من ناحية وللسقوط في تكرار نفسك من ناحية أخرى؟ أولا أنا ممثل ليست لي شروط في العمل سوى ان يكون الدور والعمل يتوفر على مقومات احترام العمل والمشاهد في الشكل والمضمون. والشهرة لا تعنيني بقدر ما يهمني العمل الذي يفيد ويقنع المتفرج لأني أحترم ذاتي وحضوري. و لا أعتقد في ناحية أخرى أني أكرر نفسي حتى إن تقمصت نفس الشخصية لأني لست عبقريا ولم آت إلى التمثيل من فراغ وإنما ورائي تراكمات تجارب وأفكار وقناعات ثم أني أقوم بأدواري من منطلق الفهم والوعي ولا أخدم ب"تخميرة". كيف تقيّم الأعمال الدرامية الكوميدية التي عرضتها القنوات التلفزية التونسية في رمضان المنقضي كأعمال عكست مشاهد وصور لتونس برؤية ما بعد ثورة 14 جانفي؟ بصراحة أنا راض على المشهد الثقافي في تونس. فانا أقيس الأعمال بالمحتوى والأسماء لا تعني شيئا. فقد أثبتت التجربة أن أسماء غير معروفة فاجأت الجميع بقدراتها على الإبداع والإقناع من بينها سماح الدشراوي وخالد بوزيد و رزيقة فرحان في دور حجيلة وأنا في "نسيبتي العزيزة". كما أن هناك أسماء أخرى تعد من بين نجوم ومشاهير التمثيل ولكنها لم تقنع. حسب رأيي في الفن هناك رسالة أهم من الشكل ولكن العملية في مثل هذه الحالة لا يمكن أن تقدم المطلوب. ورغم ما اتسمت به بعض الأعمال من سطحية في الطرح وسقوط البعض الآخر في التهريج الخالي من الطرح فإن بعض الأعمال راعت هذه الجوانب ولو نسبيا مما ساهم في نجاحها تقريبا على غرار مسلسل "مكتوب" في طرحه للعلاقات العاطفية ثم مسلسل "من أجل عيون كاترين" الذي راهن فيه حمادي عرافة على الصورة والطرح الاجتماعي الهام. لكن يبقى حكم المشاهد أهم لأنه لا تفوته مثل هذه الأشياء. مؤخرا تكررت الاعتداءات على أهل الثقافة والفكر والفنون مقابل اكتفاء سلطات الإشراف والمجتمع المدني بالتنديد والاستنكار. فكيف السبيل حسب رأيك لوضع حد لمثل هذه المهازل؟ أرى أنه من الضروري أن تتوجه السلط المعنية إلى اتخاذ قرارات ردعية حاسمة ضد مثل هذه الممارسات وتجريم كل اعتداء على الفعل الثقافي تحت أيّة دواع. هذا بالنسبة لسلطة الإشراف وغيرها ومن الوزارات ذات العلاقة أما بالنسبة للفنانين فنحن مدعوون أكثر من أي وقت مضى للالتزام بالمنطق المطلوب. فنحن تحملنا تجاوزات النظام القديم ولا يجب أن نستكين في الوقت الحالي. البلاد لا تتحمل الدخول في صراع في هذه المرحلة. و لكننا مستعدون للتصدي لكل محاولات الالتفاف على مكسب الحرية والإبداع الذي ناضلنا من أجله في الجامعات و في مواقفنا وأعمالنا المسرحية. فيكفي التذكير بما عاناه المسرحي رجب المقري الذي تعرض مؤخرا إلى اعتداء كلفه خسائر جسدية ومعنوية في السجون بسبب مواقفه كذلك الشأن بالنسبة لشكري الحميدي الناشط في القطاع وغيرهم من أهل الفكر والثقافة والفنون. لكننا مطالبون اليوم بالالتفاف من أجل هدف واحد وهو بناء بلادنا على النحو الذي نرضاه ونصبو إليه جميعا دون السقوط في سلوكات وردود أفعال قد لا تحمد عقباها لأن الجميع يعرف أن العنف لا يولد إلا العنف.