تناقلت وسائل الاعلام مؤخرا ما قاله سليم بسباس وزير المالية بالنيابة الذي توقع أن يبلغ حجم ميزانية الدولة للسنة القادمة 26 مليار و342 مليون دينار مقابل 25 مليارا و401 مليون دينار في سنة 2012 أي بزيادة بنسبة 3.1 %.
وأوضح أن الحكومة تستهدف تحقيق نسبة نمو ب4.5 % في 2013 مقابل 3.5% تتطلع إلى تحقيقها خلال السنة الحالية فضلا عن حصر عجز الميزانية في حدود 5.6% مقابل نسبة 6.6 % مرتقبة للسنة الجارية. وترمي الدولة إلى تحقيق موارد ذاتية في حدود 19 مليارا و525 مليون دينار مقابل حجم اقتراض خارجي بقيمة 6817 مليون دينار. واشار بسباس في حديثه الى الارتفاع الكبير لكتلة الأجور ضمن نفقات التصرف لتبلغ 9802 م.د. أي بزيادة نسبة 12% بالمقارنة مع ميزانية السنة الحالية. وذكر أن ميزانية السنة القادمة برمجت انتدابات في الوظيفة العمومية في حدود 19 ألف وظيفة. وذكرت وسائل الاعلام ما جاء على لسان وزير المالية بالنيابة الذي شدد في حديثه على نفقات الدعم على أنه تم لأول مرة الرجوع إلى المنحى التنازلي إذ يتوقع النزول بالدعم إلى مستوى 3900 م.د. في ميزانية السنة القادمة مقابل 4226 م.د. مقدرة في الميزانية الأصلية والمحيّنة ل2012. ويبلغ حجم تسديد القروض الخارجية قيمة 4220 مليون دينار، اما بخصوص نفقات التنمية ستكون في حدود 5500 م.د. مقابل 6400 م.د. حسب تقديرات قانون المالية التكميلي لسنة 2012. واكد سليم بسباس ما تناقلته المواقع الاخبارية والصحف أن خدمة الدين الأصل مع الفائدة التي ستسددها تونس سنة 2013 ستكون في حدود 4220 مليون دينار وهو أعلى مستوى لهذه القيمة منذ سنوات، وكانت قيمة الديون التي تم تسديدها في سنة 2012 ما يناهز 4139 م.د. مقابل 3600 م.د. في سنة 2011. وللحديث اكثر عما جاء على لسان وزير المالية بالنيابة حول ميزانية 2013 اتصلت "الصباح الأسبوعي" بحسين الديماسي وزير المالية المستقيل والخبير المالي والاقتصادي. سنة عصيبة.. يؤكد الدكتور حسين الديماسي الخبير الاقتصادي انه وبقطع النظر عن تصريحات سليم بسباس المتعلقة بالخطوط العريضة لقانون المالية لسنة 2013 فإنه من المنتظر أن تكون هذه "السنة عصيبة للغاية على مستوى المالية العمومية" سواء كان ذلك من حيث الموارد أو من حيث النفقات. وفي هذا الصدد يقول: "بخصوص موارد الدولة فإنه من المرتقب أن تتأثر سلبيا بثلاثة عوامل أساسية وهي: أ) تباطؤ نسق نمو الاقتصاد الوطني وبالتالي نسق تزايد الموارد المتأتية من الجباية على القيمة المضافة أو الأرباح. علما وأن إسقاطات قانون المالية المصرح بها من طرف السيد بسباس اعتمدت نسبة نمو اقتصادنا سنة 2013 تعادل 4.5%، وهي نسبة تعتبر خيالية إذا ما أخذنا بعين الاعتبار احتداد التأزم الاقتصادي بالاتحاد الأوروبي، أهم طرف لنا على مستوى المبادلات الخارجية، من ناحية، والضبابية المتزايدة التي ما فتئت تكسو المناخ السياسي والاجتماعي ببلادنا. ب) تراجع موارد الدولة المتأتية من الأداءات على التوريد، حيث ينوي البنك المركزي اتخاذ إجراءات تهدف إلى تقليص الواردات وبالخصوص الواردات الكمالية كالسيارات التي عادة ما توفر موارد مهمة لميزانية الدولة. ت) تقلص بل زوال تحويلات المؤسسات الاقتصادية الرابحة لصالح ميزانية الدولة، ذلك أنه بعد الثورة أصيبت أغلب هذه المؤسسات بحالة عجز مالي فادح نتيجة الإضرابات والاعتصامات وهفوات التصرف. وعلى سبيل المثال كانت المجموعة الاقتصادية المتكونة من "صفاقص/قفصة" و"المجمع الكيميائي المغاربي" توفر للدولة موارد مهمة للغاية تقدر ب1.2 مليار دينار سنة 2010 و1.0 مليار دينار سنة 2011 و0.6 مليار دينار سنة 2012. وعلى عكس ذلك يُخشى سنة 2013 أن تطالب هذه المجموعة الدولية بمنحة لتغطية خسارتها الفادحة نتيجة انهيار الإنتاج سنة 2011". نفقات.. ويتابع محدثنا قائلا: "أما من حيث النفقات فإنه من المنتظر أن تتعرض ميزانية الدولة إلى ثلاثة ضغوطات حادة متأتية من ثلاثة عوامل أساسية وهي: أ) الزيادات المشطة في أجور الوظيفة العمومية، ذلك أنه لغايات شعبوية انتخابية بحتة تدرج حجم الأجور بالوظيفة العمومية نحو تضخم مزعج للغاية إذ قدر هذا الحجم ب 9802 مليون دينار سنة 2013 مقابل 752 8 مليون دينار سنة 2012، أي بزيادة تعادل 1050 مليون دينار (+12% ). و قد نتج هذا التضخم الفادح في حجم الأجور بالوظيفة العمومية عن الترقيات والزيادات العشوائية في هذه الأجور (70 دينارا في الشهر لكل موظف بداية من جانفي 2013) والانتدابات الإضافية قي الوظيفة العمومية (25000 سنة 2012 و19000 سنة 2013). ويُخشى أن تفرز هذه السياسة الشعبوية على مستوى الوظيفة العمومية ضغوطات هيكلية خانقة قاتلة للمالية العمومية يصعب تداركها في السنين القادمة. ب) تصاعد نفقات الدعم بشكل مذهل، ذلك أن هذه النفقات المُوظفة في أغلبها للمحروقات ومشتقات الحبوب والزيوت النباتية والنقل المدرسي قفزت من 1500 مليون دينار سنة 2010 إلى 2400 مليون دينار سنة 2011 و4226 مليون دينار سنة 2012. وحسب تصريحات السيد بسباس فإن هذه النفقات سوف تتراجع بعض الشيء سنة 2013 لتبلغ 3 900 مليون دينار وذلك نتيجة تحيين سعر المحروقات الذي حدث في سبتمبر 2012، من ناحية، وتقلص أسعار المواد المدعمة على السوق العالمية، من ناحية أخرى. غير أن هذا الاحتمال الأخير ضعيف التحقيق، ذلك أنه منذ سنة 2008 ما انفكت أسعار المواد المدعمة تتصاعد لعدة أسباب جيواستراتيجية كالتأزم في منطقة الخليج أو اقتصادية كآفة المضاربة وغيرها. ت) تصاعد تسديد الديون العمومية السابقة، ذلك أن تسديد الديون الخارجية فقط كلف ميزانية الدولة 3600 مليون دينار سنة 2011 و4139 مليون دينار سنة 2012 و4220 مليون دينار سنة 2013. أما تسديد الدين العمومي الداخلي فإنه يتدرج نحو التضخم بنسق يفوق نسق تضخم تسديد الدين العمومي الخارجي". عجز.. وفي حديثه عن العجز المنتظر في الميزانية والذي تحدث عنه سليم بسباس قال حسين الديماسي: "عموما يُرتقب أن يفوق عجز ميزانية الدولة سنة 2013 بكثير مستوى العجز الذي صرح به السيد بسباس أي 5.9%، وذلك رغم التخفيض الهام في الاعتمادات المُوجهة للتنمية (5500 مليون دينار سنة 2013 مقابل 6400 مليون دينار سنة 2012). ومما لا شك فيه أن هذه الظاهرة تعرض البلاد إلى أخطار جمّة من حيث حدّة التداين والتبعية وإهمال التنمية لصالح الاستهلاك. ويمكن أن تكون هذه الوضعية أسوأ إذا تمادت الحكومة في اللخبطة الشعبوية كالإلحاح على تمتيع المستفيدين من العفو العام بتعويضات مالية أو غض الطرف عن مواطن الشغل الوهمية في الحضائر أو الاستمرار في رفع الأجور بصورة عشوائية في الوظيفة العمومية". لقد ذهب الكثير من الملاحظين والمتابعين والعارفين بالشان المالي والاقتصادي الى السؤال حول سبب تاخر بل وعدم افصاح الحكومة تحديدا وزارة المالية الى حد الان عن الخطوط العريضة للميزانية مؤكدين انه كان منتظرا مثلما تم العمل به سابقا الاعلان عن ذلك في شهري جوان او جويلية. كما ان نواب المجلس التاسيسي الذين سيناقشون قانون ميزانية 2013 لم يتحصلوا بدورهم على اي معطى. مسالة اخرى لا تقل اهمية عما تم التطرق اليه تتعلق بالظرف او الوقت الذي ستناقش فيه الميزانية فالفترة المقبل عليها التاسيسي ستكون حافلة بالاحداث والملفات من مناقشة للدستور الى المصادقة فالهيئات المستقلة المرتقبة بالاضافة الى القوانين المعروضة عليه ثم الميزانية وهو امام ضغط الوقت، فاي حجم للميزانية في سلم اهتمامات نواب الشعب؟ جمال الفرشيشي أسباب تراجع الادخار وانعكاساته على البنوك والاستثمار لماذا يعزف التونسي عن الادخار سواء بالبنوك أو البريد؟ سؤال يطرح نفسه في عديد المناسبات ولمعرفة رأي أهل الاختصاص في هذا الموضوع كان لنا اتصال بالوزير السابق للمالية والخبير الاقتصادي حسين الديماسي الذي أكّد ان بلادنا قد عرفت منذ سنة 2011 تدرج حجم المدخرات متوسطة وطويلة المدى بالبنوك نحو التراجع اذ تقلص حجم الايداعات شبه النقدية بهذه البنوك من ما يقارب 23985 مليون دينار في ديسمبر 2010 الى 23054 مليون دينار في أوت 2012 اي بهبوط يعادل 3.9% وتعود هذه الظاهرة المزعجة الى عدة اسباب متداخلة منها: -الصعوبات الحادة التي شهدها الاثتصادالوطني بعد الثورة فعدد كبير من مؤسسات البلاد الاقتصادية ومنها بالخصوص المؤسسات العمومية ذات القدرة الادخارية العالية مثل "شركة صفاقسقفصة" والمجمع الكيمياوي المغاربي وذلك بسبب غياب الامن والسلم الاجتماعية من ناحية وإضطراب الاسواق الخارجية من ناحية أخرى. -تقلص بل زوال مدّخرات اغلب انظمة الضمان الاجتماعي كنظام التقاعد التابع للصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية. -بلوغ بعض انماط الادخار الخصوصية حدها كادخار السكن الذي تدرّج في السنوات الاخيرة الماضية نحو التباطؤ ثم نحو الانخفاض بسبب غلاء المعيشة وهو ما جعل كثيرا من الاسر تعجز عن الادخار بغاية اقتناء مسكن. -هبوط محسوس في نسبة الفائدة المسداة للمدخرين اذ لم تعد تفوق 2% في اكتوبر 2012 مقابل 2.5 في اكتوبر 2011 و4.00% في اكتوبر 2002 وتعتبر النسبة المجزية للادخار والمعمول بها حاليا ضعيفة للغاية خصوصا اذا ما اعتبرنا نسبة التضخم التي ما فتئت تتصاعد خلال الاشهر الماضية 5.5% في موفى سبتمبر 2012 مقابل 3.3 سبتمبر 2011 . -فقدان ثقة عدد من المدّخرين في الجهاز البنكي بسبب تدنّي هذا الجهاز من طرف مكاتب التقييم العالمية او بسبب الصعوبات المالية التي تمرّ بها بعض البنوك كما يعود غياب الثقة الى الضبابية التي لاتزال تكسو مستقبل البلاد السياسي والاقتصادي والاجتماعي. اما عن نتائج هذا التراجع في حجم الايداعات بالبنوك فقد اشار الخبير حسين الديماسي ان ذلك ينعكس سلبا لا فقط على التوازنات المالية لهذه البنوك ذاتها وانما ايضا على اقتصادالبلاد في مجمله كتقلص الادخار متوسط المدى وطويل المدى بالبنوك سوف ينجر عنه تدني قدرة هذه البنوك على اسداء قروض موجهة للاستثمار من ناحية وارتفاع سعر الفائدة المحمول على كاهل المستثمرين من ناحية اخرى وهو ما سيؤثر سلبا على الاستثمار والانتاج والتشغيل. وتبدو عودة عملية الادخار لسالف نشاطها غير سهلة الا اذا استرجع الاقتصاد نسق نموه المعتاد وهو ما يحتّم استتباب الامن والسلم الاجتماعية بالبلاد في اقرب وقت ممكن كما لابد ان تقوم البنوك باصلاحات تطهير وتأهيل تتمثل في اندماج افضل وتأطير أرقى وفي التخلص ايضا من القروض الفاسدة المشكوك في تسديدها. وهي التي اضرّت أيما ضرر هذه البنوك وافقدتها قدرا كبيرا من الثقة.