كيف ستتعامل المحكمة الدستورية التي سيحدثها الدستور الجديد مع قانون الإقصاء أوالعزل السياسي الذي قد يصدره المجلس الوطني التأسيسي؟ هل ستلغيه بمفعول رجعي أم أنّها ستحكم بمطابقته للدستور؟ وهل سينعكس الجدل القائم حول قانون العزل السياسي على محتوى الدستور وعلى الفصول المتعلقة بصلاحيات المحكمة الدستورية ؟ تطرح مسألة التشريع للعزل السياسي إشكالا دستوريا قبل الأوان، خلال مرحلة وضع الدستور وقبل إقراره، ممّا يبيّن أنّ عدم تركيز المجلس الوطني التأسيسي كليّا على وظيفته الأصلية قد يؤدي إلى نتائج عكسيّة : 1. من المعلوم أنّ الدستورالذي لا يحدث هيكلا قضائيّا مكلّفا بحمايته من الانتهاكات هو دستورلا قيمة له لأنّه يفتح الباب لمخالفة بنوده، وعلى هذا الأساس وفي صورة إدماج العزل السياسي في القانون الجديد للأحزاب السياسية الذي قد يتخذه المجلس قبل صدورالدستور، فإنّ هذا القانون سيكون مخالفا للدستور قبل الأوان باعتبار أن الدستور الجديد سيضمن حتما حرية تكوين الأحزاب السياسية والانخراط فيها، مما قد يخلق إشكالا بالنسبة للمحكمة الدستورية التي يمكن لها إلغاؤه بصفة رجعية حسب الصلاحيات التي سيسندها إليها الدستور الجديد في مجال مراقبة أعمال السلطة التأسيسية/التشريعية. وفي صورة التنصيص على العزل السياسي ضمن القانون الانتخابي المقبل الذي سيصدربناء على الدستور الجديد، أي بعد إقراره ودخوله حيز التنفيذ، فإن المحكمة الدستورية قد تلجأ إلى نفس المنهج ممّا سيؤثّر واقعا وقانونا على الانتخابات المقبلة في صورة إبطال المحكمة الدستورية للقانون الانتخابي وبالتالي لنتائج الانتخابات التي أجريت على أساسه. وإذا صدرالعزل السياسي في قانون خاص مستقلّ عن قانون الأحزاب وعن القانون الانتخابي فإنّ هذا القانون قد يعرف نفس المآل أي الإلغاء من قبل المحكمة الدستورية لأنّه لا يختلف في مضمونه عن قانون الأحزاب ولا ينفصل عنه بل يكمّله ويضيف إليه أحكاما جديدة وهو خاضع بالتالي إلى حرية تكوين الأحزاب السياسية والانخراط فيها التي سيضمنها الدستورالجديد. ومن المعلوم أنّ المحاكم الدستورية لا تعتدّ في رقابتها بتسمية القوانين بل بمحتواها، ومن الواضح في هذا السياق أنّ مشروع قانون"تحصين الثورة" المزمع اصداره لا يعدو أن يكون إلاّ قانونا إضافيّا متعلّقا بتنظيم الأحزاب السياسية. 2. أمّا إذا وقع التنصيص على العزل السياسي صلب الدستور فسيترتّب عنه وضع دستور إقصائيّ صريح، وقد أوضح مؤسّسو دستور 1959 في مذكّراتهم وشهاداتهم كيف أقنعوا الرئيس بورقيبة بواجب الترفّع عن الأغراض الحزبية عند صياغة الدستور حتّى يستجيب 'العقد الاجتماعي' لتطلّعات كلّ المواطنين هذا بالإضافة إلى أنّ اللجوء إلى دسترة العزل السياسي يخلق دستورا متناقضا في محتواه يقرّ الحرية ونقيضها، ممّا من شأنه أن يدفع بتدخّل لجنة الصياغة والتنسيق المكلّفة حسب النظام الداخلي للمجلس الوطني التأسيسي بالسّهر على عدم تعارض فصول الدستور. 3. علاوة على الحلّ العدلي أو القضائي المتمثل في اختصاص منظومة العدالة الانتقالية في مجال العزل السياسي، والحلّ الانتخابي أوالسياسي المتمثّل في سلطة المواطن/الناخب في اتخاذ قرارالعزل، يتبيّن اليوم وأكثر من أيّ وقت مضى أنّ المحكمة الدستورية هي المؤسّسة الكفيلة بالقطع الحقيقي مع النظام السابق وأساليبه ومن أهمّها استخدام القانون والدستور لخدمة مصالح ضيّقة، حزبيّة انتخابية وغيرها ويعني ذلك عمليّا أنه لا يكفي لوضع حدّ "للفراغ الدستوري" إقرار الدستور ودخوله حيز التنفيذ بل يجب حمايته مباشرة بعد صدوره بتكوين المحكمة الدّستورية، إذ من المتعارف عليه أن الفراغ الدستوري لا يعني غياب الدستور فحسب وإنما غياب القضاء الدّستوري، الضامن الأساسي وحجر الزاوية لدولة المواطنة. 4. سيؤثّر التشريع للإقصاء السياسي سلبا على هيبة المحكمة الدستورية ومصداقيتها وسيضعها بين المطرقة والسندان ويقوّض بنيانها إذا ما استهلّت تجربتها بمعالجة مسألة انتخابية وحزبيّة يحقّ للمواطن أن يفصل فيها.