نظّم بحارة ميناء القراطن من قرقنة رحلة "الموت والحرية" نحو السواحل الإيطالية بعد أن غادروا في حدود الحادية عشر من صباح آخر أيام سنة2012 الميناء على متن حوالي100مركب صيد ساحلي حاملين معهم عدتهم وعتادهم والبعض من ذويهم وأبنائهم بعد أن كانوا هدّدوا منذ أكثر من أسبوعين بتنظيم هذه الرحلة إن لم تتخذ السلط المعنية التدابير القانونية اللازمة لمنع كل أشكال الصيد العشوائي والفوضوي بالكيس. وبعد ان ودّع الأهالي أبناءهم في مشهد مؤثّر رافعين شعارات"يا حشاد يا حشاد الأهالي غادروا البلاد" و"الكيس دمار" التحقوا بالرملة في مسيرة احتجاجية على ما اعتبروه تصرّفات استفزازية من الكياسة الذين تعمّدوا الصيد في الساحل القرقني بعد مغادرة الزوارق القرقنية فيما أغلقت المحلات التجارية والمؤسسات الإدارية المحلية أبوابها تحت هتاف المحتجين. قضية بحارة القراطن مع الكياسة كانت"الصباح" قد انفردت بنشرها خلال أحداث احتجاجية مشابهة مثّلت ارهاصات للثورة في ديسمبر2010 حيث تحدّى البحّارة التدجيج الأمني مانعين انتظام الحفل الإفتتاحي لمهرجان القرنيط وذلك لذات الأسباب القائمة إلى حد اليوم. يُذكر أنّ بحّارة قرقنة يمارسون نشاطا بحريا تقليديا يحترم التنوع البيئي ويضمن الراحة البيولوجية فضلا عن استخدام وسائل تسمح بتكاثر الأحياء البحرية وتنوعها في تعايش فريد مع البحر على غرار القارور والحجر والدرينة وهي أدوات تتأذّى من الصيد العشوائي بالكيس. وفي رصد للأجواء بعد حادثة الرحيل اتصلت "الصباح" ببعض أهالي قرقنة وحساسياتها المدنية التي عاينت عملية الإبحار جهرة. سالم الشيخ والد شابين كانا على أحد القوارب المغادرة عبّر عن أسفه وقلقه وانشغاله على ابنيه مؤكّدا أنّ "هذا التصرف هو تعبير عن رفض الحالة التي آل إليها البحر والساحل القرقني من انجراد وتصحّر ضيّق موارد البحارة وأحالهم إلى بطالة وشظف عيش، ففي مثل هذا الوقت من السنة الفارطة كان الصياد يتقاضى ما يناهز مائتي دينار وهو اليوم عاجز عن تأمين أبسط ضرورات عيشه بل وحتى علبة سجائر." عضو جمعية أحباء عم خميس صلاح الدين بوقدر حمّل مسؤولية ما وقع إلى السلط الجهوية وفي مقدّمتها الوالي رغم تصاعد النداءات وشكاوى الاهالي قبل تنظيم هذه الرحلة فضلا عن مسؤوليته عن سلامة أرواحهم وحياتهم، في ظل غياب تطبيق القانون الذي يمنع الصيد بالكيس في المياه القصيرة مقرّا في سياق آخر بأن الكيس يعد معضلة عويصة صعبة الحل بطرق ارتجالية أو مستعجلة لارتباطها بمسألة تنموية ككل في قرقنة فضلا عن غياب النجاعة في تدخلات السلط بفعل استشراء ظاهرة الفساد والرشوة التي تطال الجهاز الأمني المكلّف بحماية السواحل وحراسة البحار.. حسب قوله. ولاحظ قائلا:" كان من الأجدر بالوالي والسلط بعد 14جانفي التباحث بشكل جدي في ضمان الإمكانيات الدنيا من أجل حماية مصدر قوتهم الأوحد مما يبرر ردة فعلهم في غياب الجدية والنجاعة منددا بتصريحات الوالي على أمواج إذاعة صفاقس التي نفى فيها أن تكون"عمليات الإسراف بالصيد بالكيس كبيرة وتعليقه عن الرحلة بأنها لقطة استعراضية وعمن يقف وراءها". بعض الشباب القرقني عبّر عن استيائه من قوى المجتمع المدني والأحزاب السياسية وبعض وسائل الإعلام التي اتهمها بالتعتيم والتجاهل والتخاذل في اتجاه حماية أبناء قرقنة المخاطرين بحياتهم حيث لم تشهد رحلة الموت والحرية الزخم الإعلامي ولا المتابعة السياسية التي رافقت الهجرة الرمزية لأهالي سليانة خلال الأزمة الأخيرة. الوالي يتابع الوضع من جهته وفي اتصال به ذكر والي صفاقس فتحي الدربالي ل"الصباح" أنّ الزوارق المغادرة بلغت منطقة الفنارات المتاخمة لمياهنا الإقليمية أي ما يعادل 20 ميلا بحريا شرق قرقنة وأن وحدات من الجيش الوطني تفاوضهم من أجل العدول عن بلوغ المياه الدولية ومن ثم العودة إلى أهاليهم آمنين. وعبّر الوالي عن انشغاله بهذا الوضع ومتابعته لتطوراته. وذكر بيان صادر عن ولاية صفاقس تحصلت "الصباح" على نسخة منه التدابير التي اتخذتها السلط الجهوية والمركزية في استجابة لمطالب بحارة القراطن حول الصيد العشوائي بالكيس مذكّرا بالتزام المسؤولين الامنيين بتواصل عمليات التمشيط في البحر وتطبيق القانون واحداث حزام امني على امتداد سواحل القراطن إلى جانب التباحث حول امكانية راحة بيولوجية ثانية فضلا عن احداث مصلحة عليا على المستوى الوطني خاصة بالصيد البحري، وأشار البيان إلى أنه تمت برمجة عقد جلسة طارئة مع وزير الفلاحة للرد على مطالب الملاحين القراقنة والتي حدّدت ليوم أمس الاثنين31 ديسمبر بمقر الوزارة، إلا انّ البحارة وحسب نص البيان"رفضوا الحضور وأصروا على اللجوء الى اشكال اخرى للضغط رغم التزامهم ضمن محضر الجلسة بالحوار كسبيل اساسي في حل المشاكل العالقة".