عبّر العديد من نواب المجلس الوطني التأسيسي عن عدم رضاهم على مضامين العديد من الفصول الواردة في باب الحقوق والحريات، وطالبوا بإعادة النظر فيها من جديد، وبيّنوا أمس خلال الجلسة العامة المنعقدة بقصر باردو والمخصصة لمناقشة هذا الباب الوارد في مشروع مسودة الدستور، أنه من الضروري بعد ثورة الحرية والكرامة التي سالت فيها دماء الشهداء غزيرة مدرارا، التنصيص على إلزام الدولة بتوفير الشغل لمواطنيها، وإن تعذر عليها ذلك فيجب أن تضمن للعاطلين منهم عن العمل منحة بطالة.. كما طالب بعضهم بضرورة التنصيص على الحق في التعليم الجيد والنفاذ إلى المعلومة وفي الحق في الأمن والاستقرار، وعلى حرية الإعلام واللباس والمعتقد وممارسة الشعائر الدينية وغيرها.. وانتقدوا بشدة الفصل المتعلق بحقوق الطفل وقالوا إنه هزيل للغاية، وطالبت بعض النائبات بدسترة التناصف، وذهب النائب محمد الطاهر الاهي إلى أبعد من ذلك ودعا إلى التنصيص على حق الشعب في الثورة على الحاكم المستبد، وعلى حق المعارضة السياسية. "لا لتكميم الأفواه" وفي كلمته بين النائب الأزهر الشملي أن تونس عانت خلال السنوات الماضية من الاستبداد وصودرت فيها حرية الصحافة والرأي والابداع واللباس والمعتقد وممارسة الشعائر الدينية مما أدى الى انهيار القيم وتفشي الرشوة والمحسوبية والفوضى، وعلى الدستور ان ينصص بوضوح على حقوق الانسان ومكافحة الفساد، مؤكدا أن حرية مبالغ فيها خير من تكميم الافواه. ودعا النائب للتنصيص على حق المجتمع المدني في مراقبة السجون وفي مكافحة الفساد والرشوة والمحسوبية. ولاحظ النائب هشام حسني أن النواب بمثل هذه المسودة، يخونون الشعب والثورة، ودعا للتنصيص صراحة على التزام الدولة بتوفير الشغل للمواطنين وإن تعذر عليها ذلك فيجب تمتيع العاطلين منهم عن العمل بمنحة بطالة. كما لاحظ أن هذه المسودة تحدّ بالقوانين، من الحق الطبيعي في الحياة، ودعا لحذف هذا الاستثناء. كما طالب بالتنصيص دون قيد على الحق في التنقل والحق في اختيار مكان الاقامة.. ولاحظ أن حق التظاهر والحق النقابي، جاءا مبتورين، ودعا حسني لمراجعة هذا الباب بأكمله حتى يستجيب لأهداف الثورة، كما طالب بالتفاعل مع مكونات المجتمع المدني وخاصة مع عهد الحقوق والحريات الذي أشرف عليه المعهد العربي لحقوق الإنسان. وفي نفس السياق بين النائب مراد العمدوني ان المسودة لم تنص على الزامية تأمين حق الشغل للمواطن وبالتالي لم تستجب لمطالب الثورة محذرا من أن الحرية في غياب العدالة الاجتماعية تبقى شكلية. وطالب العمدوني بإعادة النظر في باب الحقوق والحريات برمته لأنه لم يقع التوافق حول العديد من فصوله. وذكر ان الهيئة المشتركة للتنسيق والصياغة تجاوزت مهامها بترحيل الفصل المتعلق بتجريم التطبيع للتوطئة العامة.. الهوية العربية الاسلامية وانتقد النائب عبد الباسط بن الشيخ بشدة ما أسماه بالاحتشام المسيطر على صائغي المسودّة عند حديثهم عن هويّة الشعب التونسي العربي المسلم. ودعاهم لضرورة التخلص من خجلهم والاشارة الى هوية التونسي العربية الاسلامية بوضوح. وفيما يتعلق بالاتفاقيات الدولية، بين أنه يمكن الإشارة إليها على ان تكون متفقة مع الهوية العربية الاسلامية وطالب النواب بعدم الخجل عند الحديث عن المقدسات الاسلامية لأن الشعب التونسي شعب مسلم. وتعليقا عن مطلب تحييد المساجد بين الشيخ أنه لا يمكن تحيد المساجد عن السياسية لأن الاسلام على حد تعبيره هو السياسة فهو عندما يتكلم عن الزنى والربى والرشوة هو يتكلم عن السياسة.. وطالبت النائبة لبنى الجريبي بتصدير باب الحقوق والحريات، بالإعلان العالمي لحقوق الانسان الذي تم التنصيص عليه في دستور 1959، حتى لا يؤل الحذف على أنه تراجع، وبينت أنه لا يعقل عدم التنصيص على حرية الفكر وحرية المعتقد وحرية الضمير وحق الأمان. ولاحظت أن الفصل المتعلق بحقوق الطفل هزيل إذ غابت حقوق الطفل في الرعاية الصحية والتغذية الاساسية، كما ان الفصل المتصل بحقوق المرأة بعيد كل البعد عن انتظارات المرأة التونسية ودعت للتنصيص على مجلة الأحوال الشخصية وعلى عدم التراجع عن الحقوق الواردة فيها والتنصيص على حق التناصف وتكافؤ الفرص بين الجنسين. ودعا النائب محمد الطاهر التليلي إلى ضرورة التركيز على الحقوق المتصلة بالدين والمال والعرض، واعتبر ان كل تقييد او تحديد للحقوق والحريات الفردية يجب ان لا يكون ماسا من جوهر الحق، كما طالب بالتنصيص على الفصل المتعلق بتجريم الاعتداء على المقدسات في باب الحقوق والحريات وعدم ترحيله لباب التوطئة. وطمأنت النائبة عائشة الذوادي المرأة التونسية بعزم النواب على تثبيت حقوق المرأة في الدستور. وطالبت بضرورة ايلاء الشباب الذي قام بالثورة أهمية كبرى في الدستور، وفي حديثها عن حرية التعبير أكدت النائبة على وجود خط أحمر يجب عدم تجاوزه باسم الحرية لضمان سبل التعايش والاحترام المتبادل وعدم المس من امن الآخرين وصحتهم وشرفهم.. الجهاد .. ويرى النائب عبد الرؤوف العيادي أن قراءة باب الحقوق والحريات تدعو للقول إن الدستور هو نتاج مرحلة تاريخية عاشها الشعب التونسي، وبالتالي كان من المفروض ان يستجيب لتطلعات الشعب، بالتنصيص عل حقه في التدين والاعتكاف لأن هذا الحق سلب منه طويلا، ودعا لتنقيح الفصل المتعلق بالتسامح ونبذ العنف لأنه كلام استعمل كثيرا في عهد بن علي، داعيا إلى الجهاد لأنه لا يمكن الحديث عن تسامح مع مغتصبي فلسطين. ونبه العيادي المواطنين إلى ضرورة الحذر مما أسماه "فتاوى من يسمون أنفسهم خبراء في القانون والذين هم في الحقيقة تلاميذ أساتذة القانون الفرنسي وشركاء في الاستبداد ومساهمون في التغريب".. ولاحظت النائبة ريم محجوب وجود عديد النقائص في المسودة خاصة في ما يتعلق بحقوق الطفل وتهميش حقوق المعارضة السياسية وحقوق الأقليات وحق التناصف، وذكرت أن المسودة تضمنت عبارات فضفاضة من باب "تكفل الدولة" ودعت للتخلي عنها والتنصيص مباشرة على الحق المعني، وفي ما يتعلق بالحق النقابي بينت ان تونس صادقت على عديد الاتفاقيات الدولية التي تضمن حق الاضراب ودعت لحذف كل ما يتعارض مع هذا الحق. ولاحظ النائب رابح الخرايفي أن ما تم في هذا الباب هو تجميع فصول من مجلات قانونية مختلفة، ودعا لضبط بعض الفصول، وتدقيق بعض الألفاظ، مشيرا إلى عدم وجود أي أثر لحرية المعتقد وممارسة الشعائر الدينية وحماية الحق الفردي والجماعي. وبين النائب أحمد المشرقي في مداخلة فلسفية استحسنتها رئيسة الجلسة محرزية العبيدي وأثنت على قيمتها، أن الدستور لا معنى له اذا لم يستجب لقيمتين أساسيتين وهو أن يكون معبرا عن روح الشعب، وعن روح الزمن، وأطنب النائب في تفسير هذه النظرية التي لم يتسن لنا رغم الانتباه المفرط، فهمها لنقلها للقراء. مراحل وفي كلمته أوضح النائب الحبيب خضر المقرر العام للدستور أن نقاش باب الحقوق والحريات الذي شرع فيه أمس يأتي بعد مناقشة باب التوطئة والمبادئ العامة للدستور وستقع بعد ذلك مناقشة بقية الأبواب وإصدار الصيغة الثالثة وهي مشروع الدستور يكون مرفقا بتقرير عام تقع تلاوته.. ثم يتم بعد ذلك النقاش العام للدستور ككل وبعد استكمال هذا النقاش العام تتم مناقشته والتصويت عليه فصلا فصلا. وردا على انتقادات بعض النواب لتجاوزات هيئة التنسيق والصياغة وهيمنتها على المسودة، قال خضر "لا رغبة لي في توسيع صلاحياتي ومن واجبي مصارحة الشعب انه إذا ارجعنا العمل للجان فلا دستور سنة 2013". وذكّر ان الهيئة المشتركة للتنسيق والصياغة متركبة من نواب من المجلس الوطني التأسيسي وبالتالي هي ليست من خارج المجلس وجاءت لتسطوا على ارادة النواب.. ولاحظ أن الحوار الوطني حول مسودة مشروع الدستور الذي أجري مؤخرا في الجهات تم تحت اشراف الهيئة المشتركة للتنسيق والصياغة واكد ان كل حوار كان فيه نواب الجهة ومستشارون من المجلس يكتبون تقارير عما دار من نقاشات وانطلاقا من تلك التقارير سيتم اعداد تقرير مفصل ونشره بموقع المجلس. وكان عدد من النواب تساءلوا عن مآل المقترحات التي قدمها المواطنون المشاركون في الحوارات الجهوية والوطنية حول مشروع مسودة الدستور، وطالب النائب علي بالشريفة بتوزيع التقرير الذي سيعدّه برنامج الاممالمتحدة الانمائي المساهم في تنظيم تلك الحوارات على النواب للاطلاع عليه. وأكد النائب هيثم بلقاسم على ضرورة تشريك نواب التونسيين بالخارج في كتابة الدستور وتمكينهم من فرصة التحاور مع من انتخبوهم. ودعا النائب أحمد المشرقي للكف عن التخوين لأنه ليس في محله نظرا لأن كتابة الدستور لا يمكن أن تتم إلا بالتوافق وبإرادة تشاركية وأكد على الرغبة في بناء دستور حي لا دستور ميت. وقبل الشروع في النقاش العام كان النائب إياد الدهماني مقرر اللجنة التأسيسية القارّة للحقوق والحريات قدّم تقريرا مفصلا لحصيلة أعمال اللجنة.. وترأس هذه اللجنة النائبة فريدة العبيدي، وتنوبها النائبة سلمى بكار، أما المقرران المساعدان فهما النائب أحمد السميعي والنائبة حسناء مرسيط. وطلب الكلمة 120 نائبا، وينتظر أن يتواصل نقاش باب الحقوق والحريات إلى وقت متأخر من مساء اليوم الجمعة.