الملك سلمان يخضع لفحوصات طبية بسبب ارتفاع درجة الحرارة    استشهاد 20 شخصا في قصف إسرائيلي على مخيم النصيرات    تونس حريصة على دعم مجالات التعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ( أحمد الحشاني )    مسؤول باتحاد الفلاحين: أضاحي العيد متوفرة والأسعار رغم ارتفاعها تبقى "معقولة" إزاء كلفة الإنتاج    تونس تشارك في الدورة 3 للمنتدى الدولي نحو الجنوب بسورينتو الايطالية يومي 17 و18 ماي 2024    المنستير: إحداث اول شركة أهلية محلية لتنمية الصناعات التقليدية بالجهة في الساحلين    رئيس الجمهورية يأذن بعرض مشروع نتقيح الفصل 411 من المجلة التجارية على مجلس الوزراء بداية الأسبوع المقبل    عضو هيئة الانتخابات: حسب الاجال الدستورية لا يمكن تجاوز يوم 23 أكتوبر 2024 كموعد أقصى لإجراء الانتخابات الرّئاسية    العثور على سلاح "كلاشنيكوف" وذخيرة بغابة زياتين بجرجيس مخبأة منذ مدة (مصدر قضائي)    الترجي الرياضي يكتفي بالتعادل السلبي في رادس وحسم اللقب يتاجل الى لقاء الاياب في القاهرة    كاس تونس - النجم الساحلي يفوز على الاهلي الصفاقسي 1-صفر ويصعد الى ربع النهائي    الحرس الوطني: البحث عن 23 مفقودا في البحر شاركوا في عمليات إبحار خلسة من سواحل قربة    طقس... نزول بعض الأمطار بالشمال والمناطق الغربية    المنستير : انطلاق الاستشارة لتنفيذ الجزء الثالث من تهيئة متحف لمطة في ظرف أسبوع    اليوم العالمي لأطباء الطب العام والطب العائلي : طبيب الخط الأول يُعالج 80 بالمائة من مشاكل الصحة    قبل أسبوعين من مواجهة ريال مدريد.. ظهور صادم لمدافع دورتموند    بوسالم.. وفاة شاب غرقا في خزان مائي    مهرجان «بريك المهدية» في نسخته الأولى: احتفاء بالتّراث الغذائي المحلّي    عمر الغول.. الولايات المتحدة تريد قتل دور مصر بالميناء العائم في غزة    ملتقى وطني للتكوين المهني    المجلس المحلي بسكرة يحتجّ    منال عمارة: أمارس الفنّ من أجل المال    عاجل/ صفاقس: انقاذ 52 شخصا شاركوا في 'حرقة' وإنتشال 4 جثث    النجم الساحلي يمرّ بصعوبة الى الدور ربع النهائي    كأس تونس : النجم الساحلي يلتحق بركب المتأهلين للدور ربع النهائي    تمدد "إنتفاضة" إفريقيا ضد فرنسا..السينغال تُلّوح بإغلاق قواعد باريس العسكرية    القصرين: القبض على شخص صادرة في حقه 10 مناشير تفتيش    الإنتخابات الرئاسية: إلزامية البطاقة عدد 3 للترشح..هيئة الإنتخابات تحسم الجدل    آمر المركز الأول للتدريب بجيش الطيران صفاقس: قريبا استقبال أول دورة للجنود المتطوّعين    قريبا.. الحلويات الشعبية بأسعار اقل    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    قراءة في أعمال ومحامل تشكيلية على هامش معرض «عوالم فنون» بصالون الرواق .. لوحات من ارهاصات الروح وفنطازيا الأنامل الساخنة    شبهات فساد: الاحتفاظ بمعتمد وموظف سابق بالستاغ وإطار بنكي في الكاف    بقلم مرشد السماوي: كفى إهدارا للمال العام بالعملة الصعبة على مغنيين عرب صنعهم إعلامنا ومهرجاناتنا!    المهرجان الدولي للمشمش بحاجب العيون في دورته الثانية ...مسابقات وندوات وعروض فروسية وفنون شعبية    القيمة التسويقية للترجي و الأهلي قبل موقعة رادس    وزيرة الصناعة: مشروع الربط الكهربائي بين تونس وإيطاليا فريد من نوعه    تضم منظمات وجمعيات: نحو تأسيس 'جبهة للدفاع عن الديمقراطية' في تونس    لم يُشهد لها مثيل منذ قرن: غرب ألمانيا يغرق في الفيضانات    هذه القنوات التي ستبث مباراة الترجي الرياضي التونسي و الأهلي المصري    أبو عبيدة: استهدفنا 100 آلية عسكرية للاحتلال في 10 أيام    5 أعشاب تعمل على تنشيط الدورة الدموية وتجنّب تجلّط الدم    وزير الصحة يؤكد على ضرورة تشجيع اللجوء الى الادوية الجنيسة لتمكين المرضى من النفاذ الى الادوية المبتكرة    السبت..ارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة    ابرام اتفاق شراكة بين كونكت والجمعية التونسيّة لخرّيجي المدارس العليا الفرنسيّة    دار الثقافة بمعتمدية الرقاب تحتفي بشهرث الثراث    بينهم طفلان..مقتل 5 أشخاص نتيجة قصف إسرائيلي على لبنان    داء الكلب في تونس بالأرقام    حلوى مجهولة المصدر تتسبب في تسمم 11 تلميذا بالجديدة    كمال الفقي يستقبل رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك    نحو 20 % من المصابين بارتفاع ضغط الدم يمكن علاجهم دون أدوية    جندوبة : يوم إعلامي حول تأثير التغيرات المناخية على غراسات القوارص    حفل تكريم على شرف الملعب الإفريقي لمنزل بورقيبة بعد صعوده رسميا إلى الرّابطة الثانية    الصادرات نحو ليبيا تبلغ 2.6 مليار دينار : مساع لدعم المبادلات البينية    ملف الأسبوع...المثقفون في الإسلام.. عفوا يا حضرة المثقف... !    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أقول للقيادات الحالية لستم أمناء على الحقيقة التاريخية والذاكرة الوطنية
الباحث عبد الجليل التميمي ل الصباح :
نشر في الصباح يوم 20 - 03 - 2013

انتقد المؤرخ والباحث عبد الجليل التميمي أداء المجلس الوطني التأسيسي وقال ان المجلس اليوم لا يجسم تماما خصوصيات الثورة العبقرية لا من حيث التشكيلة ولا من حيث النضج السياسي وهذا ما يعكس فشل المجلس في تقنين الدستور بعد خمسة عشر شهرا،
وأضاف التميمي في حديث خص به "الصباح" في الذكرى السنوية للاستقلال بأن المجلس يحتاج الى تطعيم برؤى ومعطيات أخرى ومعطيات.
وقال التميمي ان الاستقلال رسالة قدمها مناضلو الشعب كهدية للمواطنين وليست مرتبطة بشخص بل بمسيرة نضالية وطنية قبل أربعين سنة من الاستقلال، واعتبر المؤرخ أن الاستقلال من سوء الحظ كان ناقصا وأن من مزايا الثورة أنها أعطت التونسيين نفسا جديدا للاعتراف بأخطاء الماضي. وقال التميمي ان الرجل المريض اليوم هو البحث العلمي والجامعة وأن التغيير يستوجب خطة طريق لاحتضان مئات الباحثين الذين هجروا تونس.
واتهم التميمي النخب بالتخاذل عن القيام بدورها ودعا الى ضرورة وجود جيل جديد غير معقد مؤمن بالثورات ، وخلص التميمي الى أن القيادات الحالية غبية ولا تقرأ وقال انهم ليسوا أمناء على الحقيقة التارخية والذاكرة الوطنية ووصف المنصف باي بأنه شخصية استثنائية وقع تغييبها وعلى الشباب أن يهتم بها وبغيرها من رموز النضال في تونس.. وفيما يلي نص الحديث.
تعود اليوم الذكرى السنوية للاستقلال في خضم التجاذبات والتناقضات السياسية التي فرضت على التونسيين حالة من الغموض ولكن أيضا الإحباط والضياع فأين يقف الباحث والمؤرخ عبد الجليل التميمي من هذه الذكرى التي توحد شعب تونس لتحقيقها؟
أولا هذا الاستقلال رسالة قدمها مناضلو الشعب التونسي كهدية للمواطنين ولا يمكن أن تحصل هذه الهدية من شخص معين أو بشكل انفرادي, بالعكس كانت مسيرة النضال الوطني قائمة قبل أربعين عاما من الاستقلال وصيرورة فاعلة قام بها نبلاء الوطن وشرفاؤه منذ الثعالبي الى الحزب الجديد وشاركت فيه بالاخص تلك الاعلام النسائية التي تغيب اليوم للأسف وقد كان لها دور مهم ومهم جدا في تتويج هذا النضال, فالمسيرة النضالية للمرأة التونسية وأذكر هنا شريفة مراد وغيرها مشرفة جدا. هناك أيضا وهذا المهم الدورالذي قام به محمد صالح النيفر وهو دور لا أعتقد أن هناك من قام بمثله على الاطلاق وهذا الرجل مكسب وطني وكان له دور في خلخلة المجتمع المدني وأنشأ حوالي 120 مدرسة وبث التعليم بين الناس ولا سيما بين الفتيات في الفترة بين 1938 الى الاستقلال ولم يقم أحد بما قام به محمد صالح النيفر في بث الوعي بين الناس وإعطاء كينونة جديدة للمجتمع كان أول شيخ يسوق السيارة ويقوم باضراب ويطلب من الفتيات ممارسة الرياضة ربط علاقات قوية مع المجتمع وخاض نقاشات كثيرة مع الحزب الدستوري الجديد كانت حاسمة وحادة وبالتالي يعتبر واجهة من الواجهات التي توجت النضال الفكري بالاستقلال, صحيح أقول إن بورقيبة كان عبقريا وبكلمة أخرى "عفريت" وغطى على الجميع ولكن كانت هناك أسماء لا يمكن أن تمحى, في قناعتي إن بورقيبة كانت له إنجازاته وندين له بالكثير ولا أحد ينكر هذا ولكن ما أؤكد عليه بعد كل الدراسات والقراءات أنه اعطي له أكثر مما يستحق.
و لكن بورقيبة لم يكن وحده وكان البورقيبون كثر من حوله فماذا عن مسؤوليتهم؟
كل البورقيبيين غطوا على الوجه الاخر لبورقيبة , طبعا نفخر بانجازاته في التعليم و الدفاع عن المرأة و تحديد النسل و هذه ثوابت البورقيبية و لكنه سن الاغتيال السياسي و قضى على البراءة في الكفاح الوطني عندما أقصى كل الأحزاب الحزب الدستوري القديم و المجتمع المدني , وهنا أشير الى أن المجتمع التونسي من أنشط المجتمعات و أكثرها تحركا على الصعيد الفكري و الثقافي و هذا غيبه بورقيبة , كان في تونس 55 صحيفة لم يبق منها غير 3 صحف سن قانون الهيمنة والسيطرة على مقدرات البلاد و هذا العنصر الجوهري في بورقيبة و ان كان لا أحد ينكر دوره , عيبه أنه لم يفهم تغيرات المجتمع و لم يعرف متى ينسحب من المسرح السياسي كان يمكن أن يكون الاب الحقيقي لكل التونسيين , من موقعي أحمل المسؤولية لكل البورقيبيين الاغبياء والعديد من الجامعيين البؤساء الذين انبطحوا لبن علي و خدموا شيئا ما بورقيبة بشكل مزر بل لا يخلو من الوقاحة .من سوء الحظ أن بورقيبة لم يهدنا و لو أساسيات العمل الديمقراطي واحترام الرأي الاخر الغرور سيطر عليه , و من ميزاته أيضا أنه غيب كل القيادات السياسية الشريفة ومن بينها علي البلهوان , لم ينظم في حياته مؤتمرا واحدا عن الزعيم فرحات حشاد غيب الدور النقابي المتألق للاتحاد و حشاد كان الممثل الحقيقي الرمز للحركة الوطنية , لا ننكر أيضا أن صالح بن يوسف وعندما كان بورقيبة في القاهرة سعى الى ضم كل المنظمات تحت هيكلة الحزب و نجح في ذلك الى درجة أن المرحوم الهادي نويرة اتصل به ليقول له ارجع البلاد تغيرت .للاسف المسؤولون على هيكلة الدولة لم يكونوا أمناء على الحقيقة .سألت الراحل رشيد ادريس في احدى الندوات عن خطإ لبورقيبة فردّ "لا اعرف لبورقيبة خطأ واحدا" البورقيبيون لم يجرؤوا على شيء ,ما سمعته و جمعته من مئات الشهائد التي جمعتها قدمت لي صورة حقيقية و الذاكرة التونسية زاخرة بأعلام و رجالات قدموا الكثير و لكن الرأي العام لا يعرف مثلا شيئا عن يوسف الرويسي الذي سجل المئات من الطلبة في الجامعات من المغرب الأقصى الى تونس و ساعد في حصولهم على المنح للدراسة والرويسي تألم كثيرا من بورقيبة الذي غيبه في اخر أيامه تماما كما غيب المنجي سليم وبعد يوم فقط من وفاته ارسل بورقيبة مدير ديوانه ووضع اليد على وثائقه الخاصة ,علي البلهوان أيضا كان شعلة يستمد منه التونسيون الامل ,لم يكن بورقيبة يقبل أن يتميز غيره و كانت هذه مصيبة بلادنا ولا نريد لها أن تتكرر , و الذي زاد الطين بلة مؤامرة 1962 التي عتمت على كل التفاعلات لاحترام الرأي الاخر .تغييب الزيتونيين أيضا كان خطأ و الواقع أن مظاهرات الزيتونيين كانت غذاء للمقاومة و لكن من سوء الحظ أن القضاء على الزيتونيين كان عملية بائسة.
لقد كان دور الزيتونة في الحركة الوطنية رائدا وفاعلا والصادقية كانت نموذجا للتجربة التعليمية في الباب العالي تجربة لرؤية جديدة في التعليم و بوتقة لتخريج المترجمين ومع ذلك لم يبرز الا القليل النادر منهم وبينهم محمود المسعدي وإدريس قيقة وظلت كتاباتهم بالفرنسية نادرة.
هل نحن اليوم أمام سيادة منقوصة وماذا عن استكمال المرحلة القادمة ؟
الاستقلال بالنسبة لي تتويج من سوء الحظ هذا التتويج كان ناقصا ولعل الثورة أعطتنا نفسا جديدا , بعد الاستقلال لم يقع الاعتراف بالخطإ ومازال الناس يعانون و محرومين في الجنوب وفي مناطق أخرى من البلاد لذلك أطالب اليوم الدولة بالاعتراف بجهود الجنوبيين و دورهم في بناء الدولة الوطنية و تعوض لهم لان المصالحة الحقيقية لا تتم الا باعتراف الدولة بخطئها إزاء المواطن , ثم ان عدم تعميم التنمية خطأ اخر لا يتحمله بورقيبة وحده و لكن كل الوزراء المعنيين وهؤلاء أقول لهم عار عليهم أن يقولوا أنهم بورقيبيون وأسألهم فقط ماذا فعلتم لبورقيبة عندما كان سجينا في المنستير لقد نظم منتدى التميمي سبع مؤتمرات حول بورقيبة فيما كانوا صامتين أقول لهؤلاء قليلا من الاحترام للمناضلين . أقولها صراحة وأتحمل مسؤوليتي في ذلك، البورقيبيون لم يقوموا بالثورة من قام بالثورة رجال و نساء المجتمع المدني و الشباب , و أقول أيضا حتى النهضة كانت غائبة و قد ادركت ذلك بعد دراسات و حسابات ميدانية عميقة وبعد عديد المؤتمرات كان للشابي وحزبه حضور كما كان للحوض المنجمي و القيادات الفكرية و النقابية و أن يدعي النهضويون عكس ذلك غير صحيح طبعا لا أحد ينكرأنهم عذبوا وسجنوا و لكن أكثرهم كانوا في الخارج , من هنا الحقيقة أن من قام بالثورة هم البسطاء الذين حرموا من التنمية و الكرامة , أحمل مسؤولي بورقيبة وبن علي الذين عمموا الجهل والحيف الاجتماعي , لا احد تساءل عن مال صندوق 26 – 26 ولا عن صندوق 21-21 و عمن انتفعوا منه , نعم النخب لم تقم بواجبها بعد الاستقلال , و اليوم نحتاج فعلا الى نفس جديد لهذه الثورة من حيث الدراسات ومن حيث موقع الجامعة التي غيبت في عهد بن علي .اذا لم نعط للمعرفة دورها فلا سبيل لتشريف هذه الجامعة, بعد الثورة رفضت أن أكون وزيرا للثقافة و رفضت أن تقيد حريتي .الرجل المريض اليوم هو البحث العلمي والجامعة و اذا أردنا أن نغير من تونس و نحن نعيش على وقع ذكرى الاستقلال علينا أن نجد خطة طريق لاحتضان مئات الباحثين الذين هجروا تونس و علينا المضي قدما في بناء الاتحاد المغاربي .
كيف لهذا الاتحاد أن يستقيم و الحال أن أوضاع دول المنطقة المعنية غير مستقيمة و بلا وضوح في الرؤى ؟
لا سبيل لاتحاد مغاربي بدون مناخ مغاربي موحد عن طريق وحدوية التعليم و البرامج التلفزية و المنابر العلمية و المتاحف المتنقلة , لم أعد أثق في النخب المغاربية في بناء الحلم المغاربي , وعلى الشباب الجديد أن يلعب دوره لاقناع الاخرين في المسيرة المستقبلية .نحتاج اليوم الى جيل جديد غير معقد مؤمن بالثورات المغاربية كقوة اختراقية للعالم منطقتنا تعد 90 مليون نسمة 60 بالمائة منهم من الشباب و جزء من هذا الشباب اليوم يحرق نفسه وهذا عار .رغم كل الشكوك و رغم كل الغموض و كل الإخفاقات , نبقى متمسكين بوحدة المغرب العربي و أدعو الصحافة المغاربية أن تتحمل الرسالة و ألا تنظر الى السياسيين الذين ذبحوا و قضوا على حلم المغرب العربي .
هل تعتقد أن المشهد السياسي يتجه الى استكمال السيادة المنقوصة واصلاح الأخطاء السابقة ؟
عندما لا يدرك السياسيون عندنا قيمة افريقيا التي تعتبر مستقبل الإنسانية فلا أرى هناك محاولات لتجاوز الأخطاء , في اعتقادي أن عدم وجود مراكز دراسات حول افريقيا عندنا نكسة كان يجب أن يكون لدينا أكبر المراكز عن افريقيا فروابطنا متجذرة تاريخيا و حضاريا , على السياسيين أن يموقعوا افريقيا الان في مخططاتهم بعلاقات اقتصادية و لكن أيضا معرفية .أقول من سوء الحظ أن القيادات الحالية غبية ولا تقرأ وهذا منتهى الجهل , وأقول أيضا لهؤلاء لستم أمناء على الحقيقة التاريخية والذاكرة الوطنية , أتألم لحال القيروان اليوم مما أصابها من الفوضى و تراكم الفضلات أتألم لتغييب تراثنا المتألق و نضالاتنا الرائعة , بحثت طوال اثنين وأربعين عاما أبحث عن قبر خير الدين التونسي وعن قبرالثعالبي رفات عظماء البلاد في سويسرا وتركيا وقد ان الأوان لتجميعها في مقبرة وطنية لربط الناس بهذا التراث الوطني المشرف وغيبوا هذه النضالات تماما كما غيبوا المنصف باي وكان يمكن أن تكون هناك جامعة تحمل اسم المنصف باي و ليس سوق المنصف باي الذي أريد من خلاله هذه التسمية تحقير هذا العلم و الحال أننا إزاء شخصية رمز خلال فترة دقيقة جدا من تاريخ بلادنا المعاصر و كان دورها فاعلا في صنع الحدث السياسي عبرانتهاج أسلوب جديد في الحكم والقطع مع الانبطاح السياسي أمام نظام الحماية الفرنسي, المنصف باي كان شخصية استثنائية و لكن هذا ما لا يعرفه الشباب و لذلك أدعو النهضويين أن يكونوا أمناء و نزهاء و أن يعرفوا تاريخهم .كيف ننسى أن المنصف باي أحدث رجة عميقة لدى الرأي العام بوفاته و كان يوم دفنه مشهودا و استثنائيا و كم وددت لو أن البعض تذكر المنصف باي خلال جنازة الشهيد شكري بلعيد , لقد أوصى المنصف باي أن يدفن في مقبرة الشعب بالجلاز و ليس في تربة الباي وهذه رسالة حضارية أهداها لنا الملك الشهيد في سجل أعلامنا الابرار .لقد ناضل من أجل الوحدة الوطنية المقدسة والتي تعمقت واقعا وحقيقة بموته و لذلك وجب ان تبقى المبادئ الأخلاقية و الوطنية للمنصف باي في وجدان التونسيين وفي ذاكرتهم الجماعية .
وكيف ذلك ؟
ثقتنا كبيرة في المجتمع المدني لتحريك المجتمع و هو في قناعتي الضامن الوحيد لتونس و للمغرب العربي من الانحدار و لذلك لا بد من تقوية المجتمع المدني و المرأة التونسية , النهضة ظللت الرأي العام و ساهم في ذلك البسطاء للالتفاف على التراث الوطني , حشاد كان مثالا على الوطنية و قد استجلب محمد صالح النيفر للاتحاد ليكون ضمن الهيئة الجديدة عندما أدرك قيمة الرجل .بورقيبة كان رجل المتناقضات مع الإسلام و ضد الإسلام مع العروبة و ضد العروبة كان شخصية استثنائية و لكن يجب أن تنتهي الأسطورة .
ولكن كل شعوب العالم لها زعامات تاريخية تمثل ذاكرتها فلماذا انهاء أسطورة بورقيبة؟
هذا صحيح وسبق أن قلت أنه رجل المتناقضات و أن له إنجازات تحسب له ولكن هناك أيضا حقائق يجب أن تعرف و هذا جزء من الذاكرة الوطنية , لقد بحثت في ارشيف المغرب عن موقف بورقيبة إزاء استقلال موريتانيا و للحقيقة موقف تاريخي يسجل ويستوجب التوقف عنده و لكن هناك أيضا أخطاء لا يمكن غض الطرف عنها.
بين المجلس القومي التأسيسي الأول بعد الاستقلال الذي أصدر دستور 1959 و بين المجلس الوطني التأسيسي بعد انتخابات 23 أكتوبر الى أين تتجه المسيرة الانتقالية؟
المجلس التأسيسي اليوم لا يجسم تماما خصوصيات الثورة العبقرية للتونسيين لا من حيث الشكل أو النضج ولا من حيث الطاقات وهذا ما يفسر فشل المجلس في تقنين الدستور بعد خمسة عشر شهرا على الانتخابات وفي اعتقادي أنه يحتاج الى تطعيم برؤى ومعطيات أخرى , المجلس التأسيسي عنوان فشل مطلق وأحمل المسؤولية لكل أعضاء المجلس الذين الذين لم يقوموا بواجبهم الذي انتخبوا من أجله وهم الذين يتحملون المسؤولية في التذبذب السياسي و العراك الحاصل من خلال التشنج وانعدام الوضوح , كنا نأمل في انتخاب مجلس يتفاعل مع المرحلة و مع المسؤولية التاريخية و مع التونسيين أرجو أن يتقبلوا من موقعي كباحث و كمؤرخ هذا الرأي , المجلس الأول أعطانا دستور 1959 و نقول أن الدستور القديم غيب أحقية احترام الاخر و فرض الهيمنة و بورقيبة طوع الناخبين لأغراض سياسية. من هنا نقول اننا نحتاج اليوم جيلا جديدا من المسؤولين و قد سبق أن ناديت بتشبيب هياكل الدولة لم نعد نحتاج لشخصيات في عقدها السابع أو الثامن , نحتاج فعلا لتشبيب الدولة , النهضة لم تثق في الشباب و لم تعمل شيئا من أجل بروز جيل جديد . نحتاج أيضا الى أهداف واضحة تشرف الوطن والثورة , تونس كانت مثالا في الماضي والحركة الإصلاحية بدأها محمد علي وأعطيت مضمونا جديدا من خلال الرائد الرسمي والقوانين ولكن كل هذه الإنجازات غيبت, أجيال الشباب يجب أن تعرف أن لتونس رجالات عظاما وقع تجاهلهم. لمست في مختلف أسفاري الى العالم العربي والغربي أن هناك احتراما من الجميع لتونس لذلك سأكرر دعوتي الى السياسيين ليكونوا أمناء في الحفاظ على براءة الثورة الخلاقة فهذا شرف للجميع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.