""ما تبدل شيء في البلاد"الوضع أشبه (أو أسوأ) بما كان عليه زمن بن علي" كثيرا ما اصبحنا نسمع مثل هذه "الاحكام القاطعة" تتردد على ألسنة المواطنين، أو على ألسنة بعض المعارضين السياسيين في وسائل الإعلام أو حتى في رحاب المجلس التأسيسي. ومثل هذه الأحكام غير مصيبة إطلاقا وتتجاهل واقعا متشعبا ولكنه متحول كل يوم. فهناك أشياء عديدة لم تتغير أو حتى ساءت ولكن هناك أشياء أخرى وبعضها هام جدا في طريق المسار الديمقراطي وبناء تونسالجديدة تغيرت نحو الأفضل والأحسن. فلو لم يتغير أي شيء في البلاد، لبقي رفيق عبد السلام بطل "الشيراتون غايت" وبطل "الجثث التي تبين أنها مفارقة للحياة" وغير ذلك من المهازل التاريخية الجغرافية باقيا إلى اليوم "على قلوبنا" أحب من أحب وكره من كره يمثّل بلادنا في المحافل الدولية يتحفها ويتحفنا بنوادره وزلات لسانه. ولكن لابد من الاعتراف أيضا أنه لو تغيرت الأمور بشكل يتماشى مع نسق ثورتنا وتطلعات شعبنا، لكان رحل معه دكتور آخر هو المنصف بن سالم وزير التعليم العالي، هذا الرجل الذي "قبض" ثمن "نضاله" على آخر مليم بمقتضى قرارات وقعها بنفسه لنفسه والذي تجاوز نصف المليار (حوالي 640 ألف دينار) فبما أن هذا الرجل فضل أن يقبض مقابل "سنوات الضياع" أموالا مجزية ما أنزل الله بها من سلطان، فقد كان عليه بكل بساطة أن يرحل ويخلي الساحة، لانه لم يعد جديرا بأن يلبس عباءة خدمة الصالح العام وأن يؤتمن على مصالح المجموعة. ولو فعل و"كرم لحيتو بيدو" لما كان له أن يعيش ذلك الموقف المهين الذي تابعته وتابعه عشرات الالاف من المواطنين أن لم يكن مئات آلافهم على إحدى القنوات التلفزية ذات مساء، (مساء يوم "بيع المعدنوس" لفائدة قناة "الحوار التونسي"). لمّا عيّره الطاهر بن حسين صاحب القناة بهذه الواقعة، فلم يحر جوابا لا هو ولا كاتب الدولة لشؤون المهاجرين حسين الجزيري، وطفقا يكيلان التهم "الخارجة عن الموضوع" تماما للطاهر بن حسين والتي لا علاقة لها من قريب أو من بعيد بصلب الموضوع المثار. حالة مد وجزر إن المثالين المقدمين، مثال الدكتورين عبد السلام وبن سالم، يبينان أننا نعيش حاليا حالة مدّ وجزر بين مقتضيات الديمقراطية واستحقاقاتها وبين "المفهوم الشرقي" للحكم من دولة القبيلة الى دولة المواطنة إن المفهوم الأول يقوم على الشفافية والمحاسبة والنزاهة وخدمة الصالح العام والثاني على عقلية الغنيمة والامتيازات وخدمة "القبيلة" سواء كانت عائلة أم حزبا أو جهة أم طبقة إجتماعية. وأننا نعيش اليوم حالة مخاض عسير بين ما تحمله الطبقة الحاكمة ونحمله جميعا بدرجات متفاوتة في أذهاننا من ثقافة وما نستبطنه من موروث، وبين ما نحلم بتحقيقه والذي فتحت أمامنا الثورة باب الطموح لإنجازه أي دولة المواطنة والحرية والكرامة والمساواة، دولة يكون فيها الحاكم في خدمة المحكوم وطاعته لا العكس أولويات وحتى تكون الولادة سليمة، رغم المخاض العسير فإن هناك أولويات لابد من الوعي بها فالمجلس التأسيسي الذي قبل بسهولة تامة لأن الأمر يصب في مصلحة الأحزاب إدراج فصل في الدستور الجديد يحرم النائب من العضوية إذا غير انتماءه الحزبي أو وقعت إقالته من حزبه كان عليه أن يتفطن إلى أمر آخر هو من الأهمية والاستعجال بمكان في هذه المرحلة الانتقالية المفصلية وهو "تفصيل" قانون يفرض تعليق عضوية النائب ورفع الحصانة عنه فوريا كلما لحقته شبهة فساد او استغلال نفوذ مع إثارة التتبع ضده تلقائيا وأيضا الاقالة الاوتوماتيكية ولو كانت وقتية لأي مسؤول سياسي سواء كان وزيرا أو غيره يوجد في نفس الوضعية إلى أن يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود". وقد شاهدنا مسؤولين عديدين في الدول الديمقراطية العريقة يبادرون من تلقاء أنفسهم أو بطلب من رؤساء حكوماتهم بتقديم استقالتهم وقتيا من مناصبهم كلما توجهت لهم اصابع الاتهام لكي يتفرغوا أولا للدفاع عن أنفسهم وثانيا لكي لا يمثل بقاؤهم في مناصبهم تأثيرا معنويا على القضاة وثالثا لكي لا يواصلوا تحمل مسؤولية خدمة الصالح العام وهم محل شبهة وقدح في الذمة. وبما أن ثقافة الإستقالة مفقودة لدينا، وقد شاهدنا "مشطرة" من ذلك في قضية "الشيراتون غايت" فإنه يتعين على بناة مؤسسات تونسالجديدة أن يتلافوا هذا "النقص" في أسرع وقت. كالفقاعات إن العام والربع لا غير، اللذين مرا على ظهور مؤسسات المرحلة الانتقالية من مجلس تأسيسي وحكومة منبثقة عن أحزاب فازت بثقة الناخبين هي فترة قصيرة جدا إلا أنها كانت حبلى بالاشارات السلبية. فقد بينت أن منظومة الحكم الدكتاتوري لا تزال معششة في الأذهان وأن بن علي قد فر ولكنه ترك "بصماته" واضحة على كل من يتحرك على الساحة السياسية والاجتماعية، ويعضدها ويكرسها أكثر ذلك "المفهوم الشرقي" للحكم الذي نستبطنه جميعا من خلال تاريخنا وأدبنا وأيضا تنشئتنا التي قامت على "العصا" أكثر مما قامت على الحجة والاقناع وعلى مفهوم "الأب" المتسلط الذي لا راد لمشيئته في البيت ولا حجة يمكن أن تصمد أمام حجته أي "حجة الأقوى". فخلال عام وربع لا غير تتالت التسريبات والفضائح... ولكن الغريب في الأمر هو أن أغلبها انفجر كفقاعات لم تترك وراءها شيئا ليلف النسيان وقائعها وكأن شيئا لم يكن كأننا مازلنا نعيش تحت نظام متخلف لا مساءلة ولا محاسبة فيه بصفة تكرس المقولة الشعبية "بهيم قدم قرعة". من كان بيته من زجاج... في أواخر شهر ديسمبر 2012 ومن أعلى منبر المجلس الوطني التأسيسي وجه عبد اللطيف عبيد وزير التربية آنذاك اتهاما خطيرا جدا إلى نواب الشعب، اتهام ضاع في الهواء وتلاشى ولم يخلف وراءه حتى سحابة، كأنه أمر تافه لا يستحق التوقف عنده. فقد قال "إن عددا من نواب التأسيسي طلبوا تدخله في عمليات نقل وانتداب" ولم تصل به الشجاعة إلى حد كشف أسماء هؤلاء النواب وفضحهم أمام الرأي العام، مما يؤكد ما ذهبنا إليه آنفا من حيث تغلغل منظومة التخلف. إذ أن الاقتصار على الإشارة و"التعميم" يجعل مثل هذا الاتهام يدخل في باب المزايدة والمناورة والتهديد المقنّع لا غير لا في باب الانتصار للمبادئ والأخلاقيات وإرادة "قطع دابر" الفساد واستئصاله. إذ لو كان الهدف هو هذا لتم كشف قائمة هؤلاء النواب الذين حاولوا استعمال نفوذهم واستغلاله لافتكاك حقوق الآخرين. إلا أن من بيته من زجاج لا يرمي الآخرين بالحجارة ! وما يؤكد هذا الفهم هو أن الوزير نفسه لاحقته شبهات من بينها التدخل خلال السنة الفارطة لفائدة تلميذين بتمكينهما من إعادة امتحان الباكالوريا دون وجه حق لقرابتهما أو أحدهما بمسؤول سام في الوزارة كما كان كاتب عام نقابة التعليم الثانوي قد ذكر أن "النقابة اكتشفت هذه السنة إخلالات جديدة ومشبوهة في حركة نقلة الأساتدة إذ تم نقل عدد منهم دون وجه حق.. مما يشير على استشراء الفساد" وقد هدد الكاتب العام بإحالة الأمر للقضاء. ولكن ها أننا مازلنا ننتظر تجسيم هذا الوعيد والتهديد ف"اللي يستنى خير من اللي يتمنى". إلا أن انتظارنا قد يطول إلى ما لا نهاية له إذ أن ما يحدث حاليا، يبدو أنه لا يجسم حرصا على إرساء تقاليد وأخلاقيات جديدة في الحكم وفي المعارضة وفي الصراع الاجتماعي بقدر ما يشير إلى حرب مواقع ونفوذ وإعادة توزيع أوراق بين مختلف الفاعلين السياسيين والاجتماعيين ولعبة شد وجذب وتكشير عن الأنياب لإعادة خريطة اقتسام الغنائم. والخطر لمثل هذا التوجه هو أن ينتهي في نهاية المطاف إلى توافق وتراض لا غير de gré à gré حول إعادة توزيع للمغانم ومناطق النفوذ على حساب المجموعة الوطنية والأخلاق والقيم، فنعود إلى نقطة البدء أي نقطة الصفر. فقد كانت لبن علي وعصابته خريطتهم ويا خيبة المسعى لو اقتصر الأمر رغم الثورة والتضحيات والأحلام على خريطة جديدة يغيب عنها التجمع والعصابة " البنعلية الطرابلسية" ليحضرها فاعلون جدد لا أكثر ولا أقل، أي ان يطرد الشعب عصابة بالقوة فستقر عصابات جديدة عبر صناديق الاقتراع. إنه لأمر محتمل جدا، نظرا لأن ثورتنا لم تسبقها ثورة ثقافية حضارية بل على العكس سبقتها عملية تجهيل وإفساد ممنهجة "تولّع نولّع" خلال شهر نوفمبر الماضي وقع تداول خبر مفاده أن النائب عن القصرين وليد البناني تدخل لنقل شقيقته المعلمة من مدرسة في الريف الى أخرى قريبة من مدينة القصرين وأن المندوبية للجهوية للتعليم "فصّلت" قسما على مقاسها، أي أنه تم احداث قسم جديد حتى يمكن إلحاقها بالمدرسة التي تريد التدريس فيها! وبأية طريقة؟! فقد تم تقسيم فصل ب30 تلميذا الى فصلين بينما هناك أقسام ب44 تلميذا في بعض المدارس! وإزاء "الفضيحة" المدوية التي أثارتها النقابة تم اغلاق القسم واعادة المعلمة الى مدرستها الأصلية!! وهل تدرون بماذا رد "نائب الشعب" على هذه الاتهامات؟ لقد رد بأنه "يملك معطيات عن المحسوبية في النقل"، فرب عذر أقبح من ذنب. أي أن قدركم أيها التونسيون هو الفساد ولا مهرب لكم منه!! فقد رد بتهديد يشابه ذلك الذي تضمنه تصريح وزير التربية امام التأسيسي. وهو ما ذكّرني بنادرة تروي أن فلاحا جريديا نسبة الى منطقة الجريد في بلادنا كان خائفا على صابة التمر لما تلبدت السحب مؤذنة بقدوم المطر التي قد تتلف هذه الصابة، قال مخاطبا ربّه و"الحال رمضان" أي خلال شهر رمضان المعظم "تولّع نولّع" واضعا سيجارة بين شفتيه مهددا بقطع صيامه. لا جريمة بدون عقاب والخلاصة هي أن أشياء عديدة تغيرت من عهد إلى عهد وأخرى يجب إن تتغير بان تتظافر جهود "النخبة" على اختلاف مشاربها بما فيها الفاعلون السياسيون وقوى المجتمع المدني في اتجاه الفضح والمساءلة والتشهير ولكن أيضا وهذا هو الأهم من أجل المتابعة حتى تجد كل واقعة "ردا" شعبيا أو قضائيا وحتى لا تبقى أي "جريمة" في حق المجموعة بدون عقاب لكي نبني شيئا فشيئا قيما وأخلاقيات جديدة وحتى نرسي.. مبدأ المسؤولية سواء كانت سياسية أو أخلاقية أو جزائية فما يبدو واضحا جليا هو أن هناك "هشاشة أخلاقية" لا لبس فيها مستشرية في المجتمع من القاعدة إلى القمة جراء "أدغال اللاقانون" التي فتحنا أعيننا عليها وعشنا عليها طويلا بحيث أنها تبدو إلا لمن رحم ربك تلك الطريقة الوحيدة للعيش والتعايش في المجتمع مما يحتم تكاتف القوى الحية في المجتمع لوأدها حتى نغادر "المنطقة الحمراء" التي صنفتنا "منظمة الشفافية العالمية" ضمنها مشيرة إلى ان بلادنا توجد ضمن البلدان الأكثر فشلا في مقاومة الفساد وأنها "تحظى" بدرجة "خطر مرتفع للغاية". جمال الدين بوريقة
ما اشبه اليوم بالبارحة يوم الجمعة 4 جانفي الماضي أكد المكلفون بنزاعات الدولة أمام المجلس التأسيسي ان بعض الوزراء "يتدخلون لتسمية محامين مقربين" لنيابة المكلف العام لنزاعات الدولة ! وقد أكدت عمادة المحامين بدورها ذلك وراسلت رئيس الوزراء ووزير العدل حول الموضوع مطالبة بهيئة مشتركة لإرساء معايير شفافة لنيابة المحامين في قضايا المؤسسات العمومية دون جدوى. فماذا تغير إذن؟ وماهو اختلاف "الطبقة الجديدة" التي وصلت بفضل صندوق الاقتراع عن "طبقة بن علي" التجمعية العائلية؟ وعادت حليمة اتهمت مؤخرا فطومة عطية النائبة بالتأسيسي "المنشقة" عن النهضة أن شقيق كاتب الدولة للفلاحة استولى على مشروع بحيرة لتربية الأسماك بجرجيس بعد ان وقع طرد صاحب المشروع ب"ديغاج" ! نسخة جديدة اتهم مؤخرا أعوان الوكالة الفنية للنقل البري الإدارة بالقيام بانتدابات عشوائية "دون شفافية ودون اية معايير وخاصة لاعضاء من لجان حماية الثورة" فهل هي نسخة جديدة مما كان يسمى ب"مليشيات محمد الصياح" بعد 35 عاما على احداث 26 جانفي 1978 وبعد انتقالنا من قرن الى قرن ؟! ويتواصل المسلسل ومؤخرا هددت مواطنة في تصريح لإذاعة "شمس آف آم" برفع دعوى ضد النائب ضمير المناعي متهمة إياه باستغلال منصبه في المجلس التأسيسي وقيامه بأعمال بناء في حديقة مشتركة في مجمع سكني بالمنار دون الحصول على رخصة بناء وأكدت المواطنة أن هناك قرار هدم ضد بنايته لم يتم تنفيذه لحد الآن. علما وان جيران النائب كانوا قاموا بوقفة احتجاجية متهمينه باستغلال النفوذ وتجاوز السلطة.