لا يترك عديد الساسة الموجودين في السلطة فرصة تمر دون أن تنصب سهام نقدهم على الصحافة والصحفيين مستعملين تعابير قاسية من نوع "صحافة العار و"الصحافة البنفسجية" متهمين الصحافة بمناكبتهم ومناصبتهم العداء ومحملين إياها جو الاحتقان والانفلات في البلاد. وكلما جمعت بعض المناسبات كالندوات المهتمة بالشأن الصحفي، الصحفيين وخصوصا أولئك الغيورين على مهنتهم، أو ذوي الخبرة الطويلة أو ذوي الماضي النضالي المشرق ضد الدكتاتورية إلا ويقع التعبير عن عدم الرضى عما يجري على الساحة الصحفية والحديث عن النواقص والهنات والتجاوزات. أي أن هناك حاليا مشكلا ما يعوق صحافتنا عن التطور والتحسن بخطى مرضية، وعن احترام المعايير المهنية المتعارف عليها من موضوعية وحيادية. إلا أن خطاب السلطة التبسيطي والتعميمي يقابله تحليل أكثر جدية وعمقا ومسؤولية لدى أهل المهنة وهياكلهم ومحاولات جدية لاستنباط الحلول ولتصور تمش عقلاني يمكن أن ينهض بصحافتنا وإن المبادرة بإحداث "مجلس صحافة" يشمل قطاع الصحافة المكتوبة والالكترونية يندرج في هذا الاتجاه الايجابي. فدور "مجالس الصحافة" في الدول الديمقراطية هو إيجاد حلول للنزاعات التي يمكن أن تنشأ بين الصحف وقرائها والحيلولة دون وصولها إلى المحاكم، وأيضا إرساء الثقة بين القراء ووسائل الإعلام. وفكرة هذا المجلس، وهو هيكل تعديلي ذاتي للصحافة المكتوبة، وردت سابقا في التقرير العام للهيئة المستقلة لإصلاح الإعلام وقد تبنتها الهياكل والنقابات المهنية الممثلة للصحفيين ولأصحاب المؤسسات الصحفية. إن تشخيص السلطة للواقع الصحفي لبلادنا تحليل مغلوط يعوزه العمق وتحكمه إرادة الهيمنة أو على الأقل "التحكم" في المشهد وهو ما تبرهن عليه التعيينات المسقطة على رأس المؤسسات العمومية، وبعضها "مرّ" وبعضها الآخر أجهض، وتفضحها عرقلة تفعيل المرسوم عدد 115 (قانون الصحافة الجديد) ومحاولة تبني قانون قمعي جديد والارهاصات الحالية حول الهيئة المستقلة للاعلام السمعي البصري والاصرار على انتقاء السلطة أي النهضة في الواقع لاعضائه. بينما القطاع، هو في واقع الامر في حاجة ملحة الى تنظيم عبر تلافي الفراغ القانوني الحالي وعبر ارساء الهياكل التعديلية والتعديلية الذاتية قبل أي شيء آخر. وهو ما يؤكد الصحفيون كل يوم أكثر وعيهم به. فقد كتبت صحيفة "لوموند" الفرنسية في احدى مقالاتها المنشورة خلال العهد البائد ما معناه "في تونس لا يقتل الصحفيون لأن بن علي قتل الصحافة التونسية" ومن جملة الوسائل التي استعملها في جريمته دس "طابور خامس" في الجسد الصحفي للتجسس واداء "المهمات القذرة" وتشجيعه عبر وسائل متعددة من بينها المال العام على قيام صحافة صفراء لا تحترم حقيقة او اخلاقا، مثّلت مدرسة صحفية قائمة الذات، وفرّخت من رحمها عناوين جديدة بعد الثورة بفضل المال الفاسد لبقايا عصابات الطرابلسية ومفتقدة للحد الادنى من الشفافية من حيث مصادر تمويلها وخطها التحريري. وان اضاعة الوقت التي تورطت فيها السلطة ولا تزال الى اليوم في محاولات الهيمنة على القطاع وعبر التعيينات المسقطة وعبر المعارك الدون كيشوتية اعتصام التلفزة وتكريس الفراغ القانوني، والتي اكتوت هي بنارها قبل غيرها، هي المتسببة في حالة الفوضى الحالية وآن الاوان أو يوضع حد لها بالتعاون مع هياكل المهنة بعيدا عن أي نزعة للاقصاء او فرض الأمر الواقع كما يحدث حاليا في خصوص تركيبة هيئة االسمعي البصري.