عادت مسألة المطالبة بالغاء عقوبة الاعدام مجددا على سطح الاحداث بعد ان كانت «الاسبوعي» انفردت بنشر مشروع قانون تقدم به بعض من نواب المعارضة الى مكتب رئاسة المجلس في سابقة تكاد تعتبر الاولى من نوعها في تاريخ المجلس. وكان لنشرنا هذا الخبر بأدق تفاصيله والعودة مجددا لمتابعته صدى لا على مستوى وسائل الاعلام الوطنية والدولية بل وحتى في الشارع التونسي الذي انقسم بين مؤيد لالغاء عقوبة الاعدام على اساس ان الحق في الحياة مقدس ورافض خشية تفاقم جرائم القتل التي يراها استفحلت خلال السنوات الاخيرة. وبعيدا عن الانطباعية ينبغي لنا التذكير ان القانون التونسي لا يبيح عقوبة الاعدام الا اذا رافقت جريمة القتل ظروف مشددة كالقتل العمد مع سبق الاصرار والترصد أو القتل العمد بعد الاغتصاب أو هتك العرض أو القتل العمد الذي تتبعه سرقة ارتكبت بعنف شديد.. ويعتبر القانون التونسي مقارنة بمثيله في الدول العربية والاسلامية مراعيا لما يحفّ باقتراف جريمة القتل من ظروف وملابسات.. ومن هذا المنطلق فانه على رغم تعدد جرائم القتل فان من حُكِمَ عليهم بالاعدام منذ مطلع التسعينات والى اليوم عددهم دون التسعين بقليل من ضمنهم 14 حوكموا غيابيا. ثم ان ما يجب التأكيد عليه هو ان رئيس الدولة كان صرح نهاية السنة المنقضية في حديث ادلى به لاحدى الصحف الفرنسية أنه لن يوقع اطلاقا اعدام المحكوم عليه بعقوبة الاعدام.. بمعنى أن المسألة محسومة عمليا فهل يقبل عموم الناس بتشريعها أم ترى أن الرأي العام لا يزال غير مهيّإ لذلك؟ اعتقادي أنّ على المطالبين بالغاء عقوبة الاعدام انطلاقا من وجهة نظري الشخصية فِعْلُ الكثير قبل الخوض في مسألة الغاء عقوبة الاعدام فهم مطالبون بالمساهمة بالمقترحات وبالدراسات وبالعمل الميداني للحد من تفاقم الجرائم التي تمسّ بحرمة الفرد البدنية والاخلاقية وبممتلكاته والتي تفسح المجال لمقترفيها للترسّخ في عالم الجريمة وإحتقار الذات البشرية الى حد يصبح فيه قتلها لا يعني شيئا. الحقوقيون كما اعضاء مجلس النواب والاساتذة الجامعيون والاعلاميون المتزعمون لتيار الراغبين في الغاء عقوبة الاعدام مطالبون كل من موقعه للمساهمة في وضع حد لتفاقم الجرائم، في فهم المجتمع وسبر اغواره وتحليل اضطرابات افراده واقتراح الحلول البديلة لماهو مستخدم من آليات للحد من الانحراف قبل الخوض في مسألة العقاب حتى لا يحكم عموم الناس على مبادرتهم بالغاء عقوبة الاعدام بالاعدام في المهد. حافظ الغريبي