هل أخطأت "الداخلية" حين أبعدت بعض الكفاءات الأمنية؟ تحوّل تهديد الجماعات الإرهابية إلى تنفيذ فعلي عبر زرع ألغام معلنا بذلك عن تغلغلهم في بعض المناطق الجبلية الوعرة والمناطق الحدودية وعن ميلاد أعمال لا تمت بصلة للمجتمع التونسي الذي عرف باعتداله ووسطيته وتسامحه ولكن خطر الإرهاب يقابله نقص في المنظومة الأمنية التي تشكو نقائص عدة فضلا عن غياب التجهيزات الازمة لحماية من لا يدخرون جهدا في حماية للوط. لا يختلف اثنان بأن الجماعات الإرهابية تحاول حسبما يؤكده مختصون في الجماعات الدينية المتطرفة، بسط جذورها وتغلغلت في المرتفعات في ظل تراجع هيبة الدولة واستفحال الخطاب التحريضي في بيوت الله فضلا عن انتشار الأسلحة دون ان ننسى تدهور الوضع الاقتصادي الذي له انعكاساته في استقطاب الشباب للجهاد.. ويبقى السؤال الذي يطرح بشدة: ما الحل لوقف خطر الإرهاب قبل أن يستشري ويتجاوز مرحلة الألغام إلى المفخخات والتفجيرات؟ في تقييمه لما آلت إليه الأوضاع الأمنية أوضح الدكتور يسري الدالي دكتور علم النفس ومدير سابق قي إدارة الدراسات وتطوير الكفايات للأمن الوطني ورئيس مخبر علم النفس التطبيقي بالإدارة العامة لأمن رئيس الدولة ل"الصباح" أن الحلول متنوعة لتطويق هذه الظاهرة وهي حلول لا يمكن أن تكون أمنية بحتة وإنما هي: أمنية واستراتيجية قومية واقتصادية واجتماعية وجيوسياسية التي يجب أن تدرس على مستوى قومي وان يلتئم حوار وطني يجمع جميع مكونات المجتمع بما في ذلك أنصار الشريعة والسلفيون. وقبل أن يخوض في تفاصيل الحلول التي يجب توخيها ارتأى الدكتور الدالي أن يوضح بأن التواجد الإرهابي لا يعتبر حديث العهد في تونس مبينا آن الملفات الأمنية التي تتعلق بالارهاب في تونس تعود الى سنة 2001 من ذلك تفجيرات الغريبة ومجموعة جرجيس ومجموعة كتائب عقبة بن نافع التي تنشط منذ 2005 غير أن الإعلام كان لا يسمح له بإلقاء الضوء عليهم. أريحية في الاختراق؟؟ وفسر الدالي ان الإرهاب ليس بجديد غير أن الامن قبل الثورة، كان يتتبع جيدا خطى الإرهابيين سواء في تونس او في الخارج وكانت في قبضته عديد العمليات الارهابية او محاولات لاعداد مخططات لعمليات، مشيرا الى ان ما تغير اليوم هو أنه توفرت لهم أريحية أكثر في الاختراق علاوة على ان المواطن والإعلام باتا يدركان خطر الجماعات الإرهابية. وقال: "بعد مرحلة المحاولات هنالك تجسيم فعلي على ارض الواقع كما أن عملياتهم باتت متسارعة تقريبا في كل 6 اشهر عملية". واشار الدالي الى أن وزارة الداخلية في السابق كانت تعمل بأريحية والجماعات الإرهابية تعمل في ضيق واليوم انقلبت الآية، قائلا: "في السابق كانت الهياكل المختصة على غرار الإدارة المركزية للاستخبارات العامة تفتك المعلومة غصبا دون احترام حقوق الإنسان وتسنى لها تحقيق هذه المقايضة: أمن مع ديكتاتورية" غير أن الأمن من وجهة نظر الدالي يستطيع ان يعمل كما قبل لكن دون ديكتاتورية، وذلك من خلال "إعادة الكفاءات التي أبعدت إلى مواقع القرار خاصة انه من بين الامنيين الذين تركوا الوزارة في فترتي وزيري الداخلية السابقين فرحات الراجحي وعلي العريض على الأقل 30 بالمائة منهم كفاءات وطنية ليحل محلهم الموالون والانتهازيون"، على حدّ تعبيره. هذه الكفاءات -وفقا للدالي- تعرف منبع الخور، كما تعرف رسم الإستراتيجية على مستوى تكنولوجي استخباراتي. حوار وطني وللخروج من عنق الزجاجة اقترح الدالي إطلاق حوار وطني لمعالجة ظاهرة الإرهاب يحضره الجميع بما في ذلك السلفيين وانصار الشريعة. اما على المستوى التقني فمن الضروري مراجعة التعيينات وجلب الكفاءات التي اثبتت قدرتها تكنولوجيا لانهم قادرون تكنولوجيا على تتبع الارهابيين فضلا عن مراجعة المنظومة الحدودية التي لم تعد كما السابق الى جانب دعم امكانيات التكوين لان الامنيين يقتصر تكوينهم على الابجديات فقط. تونس أرض جهاد؟ من جهة أخرى أوضح الديبلوماسي والخبير في سياسات الأمن الشامل الدكتور نصر بن سلطانة ل"الصباح" أن الوضع الحالي الذي نعيشه اليوم هو إشارة إلى تحول تونس إلى أرض جهاد بعد أن كانت أرض عبور. وقال: "هو تطور قد تكون له نتائج أكثر مما نعيشه اليوم خاصة إذا ربطنا الوضع بمخازن الأسلحة التي كشفت منذ مدة في عدة مناطق تونسية متفرقة وتشابكه مع نشاط القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي داخل الفضاء المغاربي ومنطقة الساحل والصحراء إضافة إلى حماية مخيمات تدريب هذه الجماعات باستعمال الألغام المضادة للأفراد مع ما يعنيه ذلك من حماية مراكز قارة". ويعزو سلطانة عدم كشف المؤسسة الأمنية لهذه الجماعات مبكرا إلى أنها "تعاني منذ مدة عديد التحديات من أهمها غياب القرار السياسي الواضح لإصلاحها". فمن وجهة نظره، المؤسسة الأمنية مستهدفة بعد أن تم إرباكها وتتعرض قياداتها إلى تغيير متواصل في المهام بما يحول دون ديمومة القيادة وتواصل نسق العمل ولحمة الفرق الأمنية مع قياداتها، بالإضافة إلى قلة التجهيزات والإحاطة بالإطار البشري وضعف التخطيط الأمني على ما يستنتج من أحداث جبل الشعانبي في أيامها الأولى. كما أن المؤسسة العسكرية مستنزفة بحالة الطوارئ التي تشتت مجهوداتها وأثرت على مهامها الأصلية الخاصة بحماية الحدود ومكافحة الظواهر الأمنية المهددة لمناعة البلاد. لكن هذا لم يمنع المؤسستين من الاضطلاع بمهامهما وفقا لما هو متاح من إمكانيات انضافت إليه عزيمة قوية للدفاع عن الوطن. ضعف هيبة الدولة وردا عن سؤال يتعلق بإمكانية تطور الوضع وحدوث مزيد من العمليات ذكر سلطانة أن العمل الإرهابي بطبيعته يبحث عن التحدي ويتطور خاصة في ظل ظروف عدم استقرار وتراجع القوة الأمنية للدولة هذا بالإضافة إلى وجود مساندة داخلية له إن وجدت. مشيرا الى ان الوضع السياسي المرتبك يؤثر حتما في كيفية التعامل مع هذه الظاهرة وتطورها ويولد خلطا في تقييم خطورتها على المصالح الوطنية ومناعة البلاد. وللأسف تونس تعيش حاليا وضعا سياسيا لا يساعد على التوافق إضافة إلى غياب تحديد المصالح الإستراتيجية والحيوية للوطن وتداخلها عند البعض مع المصالح الشخصية والتنظيمية الحزبية. ويحول هذا الوضع دون وضوح الرؤية الخاصة بمعالجة هذه الظاهرة. ولتجاوز هذه المعضلة يقترح سلطانة "تحديد المصالح الوطنية بما يمكن من التعامل مع التهديدات وفقا لآليات محددة مع وضع خطط مشتركة تكتيكية واستراتيجية لمكافحة الإرهاب بين المؤسستين الأمنية والعسكرية والتعاون مع دول الجوار لتنفيذ بعضها علاوة على تطبيق فعلي لقانون الإرهاب وتنظيم مؤتمر وطني حول تهديدات الإرهاب وآليات التصدي له". الخروج من منطق انتظار التعليمات كما اقترح سلطانة وضع مدونة سلوك امني للتعامل مع الإرهاب والخروج من منطق انتظار التعليمات توزع على الأجهزة الأمنية إلى جانب وضع مدونة سلوك المواطنة لتعامل المواطنين مع ظاهرة الإرهاب وتحديد دورهم الأمني لحماية امن البلاد وتخصيص رقم نداء مجاني فضلا عن مراجعة أولويات وآليات الاستعلامات مع التعامل مع اليقظة الإستراتيجية في مجال العمل الأمني والحكومي بكل جدية وتوفير متطلباتها العلمية وتكوين منظومة يقظة استراتيجية ونظام معلومات استشرافية. تفعيل قانون مكافحة الإرهاب تجدر الإشارة إلى أن الناطق الرسمي للاتحاد الوطني لنقابات قوات الأمن عماد بلحاج خليفة كان قد أكد في تصريح لأحد الصحف الالكترونية على ضرورة تفعيل قانون مكافحة الإرهاب لمجابهة هذه الآفة وتطبيق القانون على كل من تخول له نفسه المس من امن البلاد والمؤسسة الأمنية. مبينا أن قانون الإرهاب فيه بعض الفصول المخالفة لحقوق الإنسان وجب حذفها وتفعيل القانون طالبا في السياق ذاته من نواب المجلس الوطني التأسيسي المصادقة على القوانين التي تحفظ كرامة أعوان الأمن وتحميهم من الاعتداءات. كما دعا الأستاذ والباحث المختص في الدراسات الإسلامية أعلية العلاني إلى ضرورة تنظيم مؤتمر وطني ضدّ الإرهاب يشارك فيه جميع التونسيين وتحضره جميع التيارات خاصة الإسلامية منها قصد مناقشة استراتيجية الأمن في تونس.