في إطار مناقشتهم مشروع القانون الأساسي المتعلق بالعدالة الانتقالية، ومشروع القانون الأساسي المتعلق بتطهير القضاء والمحاماة، استمع نواب المجلس الوطني التأسيسي أعضاء لجان التشريع العام والحقوق والحريات والعلاقات الخارجية وشهداء الثورة وجرحاها وتفعيل العفو التشريعي العام أمس إلى جون فان زيل سميت الخبير الدولي في الغربلة. ونصح الخبير والأستاذ في جامعة اكسفورد النواب بدسترة غربلة القضاء لتجنب أي طعن في تلك العملية لاحقا، كما اقترح عليهم ضرورة الغربلة قبل الشروع في إرساء أس العدالة الانتقالية، لكنه لم ينف في المقابل امكانية الغربلة صلب العدالة الانتقالية ذاتها، ونبه إلى أن هيئة الحقيقة والكرامة المحدثة بمقتضى مشروع قانون العدالة الانتقالية، لا يمكنها أن تتولى بنفسها عملية الغربلة لذلك لا بد من أن تضطلع لجنة أخرى بهذه المهمّة، كما أن الهيئة التي ستشرف على القضاء العدلي لا يمكنها تطهير القضاء. وامتنع الخبير عن الادلاء بآرائه بخصوص مشروع قانون التحصين السياسي للثورة الذي سأله عنه العديد من نواب كتلة حركة النهضة. وتحدث بإطناب عن تجربة غربلة القضاة التي تمت في كينيا والتي اعادت نسبيا الثقة لمواطني هذا البلد في جهاز القضاء الذي كانت له يد في تدليس انتخابات سنة 2007 وما انجر عن ذلك من انتهاكات. وأعمال عنف وتوتّر سياسيّ. وخلال النقاش عبر العديد من النواب وخاصة نواب الكتلة الديمقراطية على غرار نادية شعبان وسيلم بن عبد السلام ومحمود البارودي عن مخاوفهم من تسليط ظلم على قضاة تحت عنوان التطهير، وذكروا بحالات اعفاء قضاة من قبل وزير العدل السابق نور الدين البحيري دون وجود اثباتات حقيقية بتورطهم في الفساد والرشوة.. وبينت النائبة نادية شعبان أنها لا تحبذ كلمة تطهير وتحصين ولكنها ليست ضد اصلاح القضاء والمحاماة على أن تتم عملية الاصلاح في إطار من الشفافية وان تكون في إطار آليات العدالة الانتقالية. وذكرت ان وزير العدل السابق عزل قضاة تبين فيما بعد انهم أبرياء من الضلوع في الفساد لكنه في المقابل قام بترقية قضاة فاسدين ومنهم من تولى محاكمات قضايا الحوض المنجمي. وفي نفس السياق بين النائب الطاهر هميلة (مستقل) ان الغاية من الاستماع الى الخبراء هي الاستفادة منهم، لكن الاستفادة المرجوة من الخبير جون فان زيل سميث لن تحصل، إلا بمقارنة واقع القضاء التونسي مع القضاء الكيني الذي عاش واقعا كارثيا. وأوضح النائب ان القضاء في تونس جيد ومقتدر، إلا عندما يتعلق الأمر بقضايا سياسية ويكفي رفع الساسة أيديهم على القضاء حتى تستقيم أموره. وانتقد هميلة بشدة هيمنة السياسة على القضاء في تونس. التطهير قبل الانتخابات عبر نواب كتلة حركة النهضة وكتلة المؤتمر وكتلة حركة وفاء في المقابل عن رغبتهم الشديدة في تطهير القضاء.. وتحدّث النائب كمال عمارة (حركة النهضة) عن خطورة الجهاز القضائي على عملية الانتخابات، وبين أن الانتخابات القادمة في تونس إذا أجريت في اطار قضائي فاسد، فيمكن أن تدلس، وأشار إلى أن الجهاز القضائي فيه الكثير من الفساد والفاسدين لكن هناك من النواب (ويقصد سمير الطيب من الكتلة الديمقراطية ) من نعت مشروع قانون تطهير القضاء والمحاماة بقانون مجانين. وعبر النائب عن خشيته من أن تنته عملية إرساء هيئة تشرف على القضاء العدلي ضمنها قضاة فاسدين. أما النائب سمير بن عمر (المؤتمر من أجل الجمهورية) فقد راودته العديد من الأسئلة الحارقة منها ما يتعلق بإمكانيات تحقيق العدالة الانتقالية أهدافها في ظل قضاء فاسد؟ وهل يمكن لقضاء لم تقع غربلته أن يشرف على تنفيذ قانون العدالة الانتقالية؟ وهل يجب الشروع في تنفيذ قانون غربلة القضاء قبل تنفيذ قانون العدالة الانتقالية؟ وهل يمكن ادراج تطهير المحاماة مع قانون تطهير القضاء؟ وذكر النائب مبروك الحريزي (حركة الوفاء للثورة) ان جميع البلدان التي شهدت انتقالا ديمقراطيا قامت بعمليات غربلة وتطهير لكن في تونس يعتبر البعض أن القوانين الرامية إلى التطهير، قوانين مجانين. ولاحظت النائبة سناء مرسني (النهضة) ان الغربلة التي تمت في كينيا نجحت لان المواطن الكيني لم يكن يثق في القضاء وتساءلت هل من الضروري التنصيص على قانون تحصين الثورة وقانون تطهير القضاء في الدستور ؟ وأكدت النائبة هاجر عزيز (النهضة) ان القضاة التونسيين لن يقبلوا بأن يتم التطهير من خارج القضاء فقد سبق وأن رفضوا تولي وزير العدل السابق نور الدين البحيري عزل قضاة ثبت أنهم فاسدون. وتعقيبا عليها بين الخبير في الغربلة أن واقع القضاء في تونس مختلف عما كان عليه في كينيا وأنه استمع إلى ممثلي الهيئات المهنية للقضاة وأدرك مخاوفهم من المس باستقلالية القضاء ورغبتهم في احترام المعايير الدولية لاستقلالية القضاء. وقدم المرافقون للخبير الدولي من المركز الدولي لعدالة الانتقالية ورقة للنواب أجراها هذا المركز واحتوت بعض التعليقات على مشروع القانون الاساسي المتعلق بتطهير القضاء والمحاماة اكد خاصة على أن الغربلة لا تهدف الى المعاقبة بل إلى اصلاح المؤسسات التي مارست سابقا التعسف. وعلى ان يتطابق هدف القانون مع المبادئ الدستورية لبناء قضاء جديد ومستقل على أساس دولة القانون وحقوق الانسان.. واستمع النواب مساء أمس إلى اللجنة الفنية التي اعدت مشروع العدالة الانتقالية وينتظر ان تستمع إلى غيرهم من الخبراء.