عقد المجلس الوطني التأسيسي صباح أمس بقصر باردو جلسة عامة خصصت لمواصلة الحوار مع الياس الفخفاخ وزير المالية، وعبّر النواب عن مخاوفهم من تبعات القرض الذي ستحصل عليه تونس من صندوق النقد الدولي، واعتبر العديد منهم الارتهان إلى ما أسموه ب "صندق النهب الدولي" خيانة للوطن، وجريمة في حق الشعب لأن فيه مسا من السيادة الاقتصادية للبلاد، وحذروا من عودة الاستعمار إلى تونس في شكل جديد لأن هذا القرض سيتجر عنه تخفيض قيمة العملة وإلغاء الدعم الأساسي وزيادة أسعار الطاقة والخدمات العامة وخصخصة المؤسسات على غرار مصنع الفولاذ وشركة ستير وشركة الكهرباء والغاز والبنوك العمومية الثلاثة. وفي المقابل عبّر قلة من النواب عن موافقتهم على اللجوء إلى الصندوق والاقتراض منه، لكن دون شروط مجحفة.. ويذكر أن النواب يمررون عريضة لتحذير الحكومة من الحصول على القرض قبل عرضه على المجلس الوطني التأسيسي للمصادقة عليه. خوف من الاستعمار من بين النواب الذين أبدوا اعتراضا شديدا على قرض صندوق النقد الدولي، النائب مراد العمدوني الذي حذّر من أن التاريخ لا يعيد نفسه إلا في شكل مهزلة أو مأساة أو خيانة، وبين أن معاهدة باردو كانت سبيلا للاستعمار، وعبر عن خشيته من أن تكون قبة باردو طريقا لإرساء استعمار جديد.. وأكد أن هذا القرض هو خيانة للشعب. وفي نفس السياق حذر النائب الطاهر هميلة من عودة الاستعمار إذ أشار إلى أن "تونس اليوم كما لو أنها في منتصف القرن التاسع عشر أي قبيل الاستعمار، حينما قال الشعب "بعد أحمد باي ما بقى لنا إلاّ الفيّ" ونحن نقول بعد حكم الثالوث ما بقي لنا إلا البق والبرغوث". أما النائب حطاب البركاتي فلاحظ أن حصول تونس على قرض بقيمة 2700 مليار من صندوق النقد الدولي يعني ارتهانها لهذا الهيكل الاستعماري وسماح له بالتعدي على السيادة الوطنية واستقلال القرار السياسي والاقتصادي.. واعتبر بركاتي الارتماء في أحضان "صندوق النهب الدولي" خيانة للشعب في حين تعتبره النائبة ريم الثايري جريمة في حق الشعب كما انتقدت النائبة تلاعب الحكومة بالأرقام بالإشارة الى عدم التطابق بين ارقام البنك المركزي وارقام الحكومة وارقام البنك الدولي وارقام صندوق النقد الدولي وهو نفس ما اشارت إليه النائبة حسناء مرسيط. في حين انتقد النائب محمد الحامدي شروط الصندوق المجحفة، وخاصة الرفع من أسعار المحروقات وحذف الدعم. وتساءل النائب محمد العلوش عن جدوى القروض الخارجية هل هي للاستهلاك أم للتنمية وخلق الثروة؟ وطالب بتوخي الشافية. وحذر النائب المنجي الرحوي من أن القرض سيثقل كاهل الميزانية وسيكون عامل افلاس للدولة، وانتقد بشدة إملاء الغاء صندوق الدعم وتجميد الأجور وبنه إلى إمكانية اللجوء للترفيع في سن التقاعد، وانتقد تسرع الحكومة في تنقيح مجلة الاستثمار بكيفية تسمح للأجانب بتملك الأراضي وللمستثمرين الأجانب بالتمتع بنفس الحوافز التي يتمتع بها المستثمرون التونسيون وبين ان هذا يجعل مجلة الاستثمار مجلة استعمار. ولاحظ النائب جمال الطوير أن الثورة لم تحدث بعد في الادارة التونسية وأنه كان لا بد من مراجعة ثورية لمجلة الاستثمارات لان تونس مازالت تشتغل بقوانين بن علي التي سنت على مقاس فئات دون غيرهم.. وقالت النائبة مبروكة مبارك انه من المستحيل حذف الدعم في تونس. وبينت أنها لم تفهم معنى أن يتم التداين من أجل اقتناء سيارات فاخرة ومواد تجميل وبوفريوة.. وبين النائب عبد الرزاق الخلولي أن الصندوق لم يدخل بلدا إلا وأفسده وهو يترصد حركات الدول التي تشهد انتقالا ديمقراطيا لإفشاله. وذكر النائب رفيق التليلي أن الحكومة تهرول نحو صندوق النقد الدولي بطريقة مهينة للشعب التونسي، لكنها لا تحرك ساكنا للحفاظ على الموارد الطبيعية الوطنية التي تنهبها الشركات الاجنبية.. وبين أن المديونية جريمة شنيعة ترتكبها الحكومة الحالية في حق الأجيال القادمة.. وأكد النائب محمد قحبيش ان الثورة التونسية يجب ان تبنى بسواعد التونسيين وليس بالاقتراض.. رفض الشروط عبر بعض النواب عن موافقتهم على اللجوء إلى الاقتراض لكنهم انتقدوا الشروط المجحفة لصندوق النقد الدولي.. وفي هذا الإطار ذكر النائب الهادي الشاوش انه لا يبدي احترازا من اللجوء إلى القرض شريطة عدم وجود شروط تقييدية مجحفة تمس بالسيادة. وبالنسبة لنسبة المديونية، فهو يرى أنها في مستوى عادي. لكنه في المقابل نبه إلى أن تسديد الديون يتم بالعملة الصعبة. وذكر النائب هيثم بلقاسم أنه يرفض ارتهان البلاد لأي طرف خارجي وبين أنه ليس ضد الاقتراض لكنه مع دراسة شروطه، ومع عدم الاستعجال.. وطالب الحكومة بالتروي، وانتقد النائب ما ذهب إليه محافظ البنك المركزي من أنه لا خيار أمام تونس الا اللجوء لصندوق النقد الدولي وذكرت النائبة اقبال مصدع أنه من المؤسف بعد الثورة القيام بتلك الخطوة وحذرت من حذف الدعم الذي ستتضرر منه الطبقة الفقيرة وهو نفس ما ذكرته النائبة سعاد عبد الرحيم التي بينت انها ليست ضد الاقتراض نظرا لتراجع الصادرات وارتفاع العجز في ميزان الدفوعات لكنها ضد الارتهان للصندوق. وفي المقابل طمأن النائب منير بن هنية أن الدول الكبرى التجأت لصندوق النقد الدولي لكن هذا لا يعني انها مرتهنة له بل استفادت من تدخلاته وهي الآن من الدول النامية. الاسلام هو البديل وذهب النائب الصادق شورو إلى أبعد من ذلك وبين في مداخلته المطولة أن البديل هو الاسلام، وذكّر بتاريخ صندوق النقد الدولي الأسود وبشروطه المجحفة على الدول التي أقرضها. "فمن شروطه السياسية على تونس سنة 1986 قمع حركة النهضة وابعادها، وعلمنه برامج التعليم وهو ما تم". وأضاف أن التاريخ يعيد اليوم نفسه، "إذ تتزامن المفاوضات مع الصندوق مع أحداث حي التضامن والقيروان والضحية اليوم ليست حركة النهضة وإنما أنصار الشريعة، وذلك إضافة إلى فرض شروط علمنة الدستور واقرار حقوق الانسان الكونية وحرية الضمير وفي المقابل ابعاد الشريعة الاسلامية والثوابت الاسلامية".