توافق على تمكين هيئة الحقيقة والكرامة من كل الصلاحيات للتعرف على الانتهاكات السابقة في غياب واضح لأغلب نواب كتلة حركة النهضة، واصلت لجنتا التشريع العام والحقوق والحريات والعلاقات الخارجية صباح أمس بقصر باردو مناقشة مشروع القانون الأساسي المتعلق بضبط أسس العدالة الانتقالية ومجال اختصاصها. وطالب النواب بكشف حقيقة القناصة الذين اغتالوا الشهداء بعد فرار بن علي إلى المملكة العربية السعودية، وتمكين هيئة الحقيقة والكرامة التي ستتولى إماطة اللثام عن الانتهاكات السابقة، من كل الصلاحيات التي تمكنها من الاطلاع دون قيد أو شرط على الوثائق والمعلومات المحفوظة لدى السلط الادارية والقضائية والهيئات العمومية والاشخاص الماديين والمعنويين والنفاذ إلى المعلومة حتى وإن كانت تتعلق بمجالي الأمن والدفاع الوطنيين. التحصين أولا ثم العدالة الانتقالية؟ عند الحديث عن الأولويات، اختلفت الآراء بين النائبة نادية شعبان (الكتلة الديمقراطية) والنائبة يمينة الزغلامي (كتلة حركة النهضة). ففي الوقت الذي أكدت فيه نادية شعبان أن الأولوية الآن يجب أن تمنح لمشروع العدالة الانتقالية ومشروع الدستور، ذكرت يمينة الزغلامي أن كل واحد له أولوياته، وأن أولويتها تتمثل في تحصين الثورة من أزلام النظام السابق والمصادقة على مشروع قانون التحصين السياسي للثورة، ليأتي مشروع العدالة الانتقالية في مرحلة لاحقة.. وقالت النائبة كلماتها هذه وهي واقفة ومتوترة، ثم غادرت القاعة حاثة بقية النواب على الالتحاق بها للمشاركة في ندوة حول النساء البرلمانيات تديرها محرزية العبيدي النائبة الثانية لرئيس المجلس الوطني التأسيسي بمقر المجلس. وللإشارة فإن مشروع قانون التحصين السياسي للثورة كان محلّ جدل واسع داخل قبة المجلس التأسيسي خلال اليومين الماضيين. إذ طالب نواب النهضة والمؤتمر والوفاء للثورة وعدد من المستقلين بالتعجيل في عرض هذا المشروع على الجلسة العامة لمناقشته والمصادقة عليه وتحديد موعد لذلك أو تمرير عريضة لسحب الثقة من الدكتور مصطفى بن جعفر رئيس المجلس.. وكذّب العديد منهم معطيات مكتب المجلس التي مفادها أنه تعذر تحديد موعد للجلسة العامة نظرا لأن لجنة الحقوق والحريات والعلاقات الخارجية التي ترأسها النائبة سعاد عبد الرحيم لم تسلّم بعد تقريرها حول هذا المشروع، وبينوا أن المعنية بتقديم التقرير، هي لجنة التشريع العام وقد فعلت ذلك. من هم القناصة؟ عند التطرق للصلاحيات التي يجب منحها لهيئة الحقيقة والكرامة الواردة بمشروع قانون العدالة الانتقالية اختلف النواب بين مؤيد لتمتيعها بصلاحيات غير محدودة من أجل كشف الحقيقة والاطلاع على الوثائق وجمع الأدلة التي تدين الجلادين، وبين معارض بحجة أن هناك معطيات ذات طابع أمني أو تمس بالدفاع الوطني ولا يمكن تداولها من قبل أعضاء تلك الهيئة.. ولكن بعد نقاش مطول توافقوا على منحها أكبر قدر من الصلاحيات حتى تتمكن من أداء المهمة الثقيلة المناطة بعهدتها. وفي هذا السياق طالب النائب هشام بن جامع بتمكين تلك الهيئة من الآليات الضرورية لكشف الحقيقة للناس، ودعا بكل إلحاح إلى كشف حقيقة القناصة الذين قتلوا مواطنين بعد الثورة، وقال إنه يتحرق لمعرفة من هم هؤلاء القناصة الذين أراقوا دماء الشهداء بعد 14 جانفي، أي بعد هروب بن علي من البلاد.. وذكر أن هناك اشخاصا بإمكانهم تقديم معلومات عن القناصة وأشار إلى كوادر بالجيش الوطني، وأضاف :"نحن نريد أن نعرف من القاتل، بعد هروب بن علي". وخلص إلى أن هذه الهيئة "مسكينة" لأنها مطالبة بالنظر في قضايا تعود إلى ستين خلت، وبالتالي فإنه إذا لم يقع تمكينها من صلاحيات كبيرة فلن تستطيع العمل بأريحية. وبين النائب محمد الناجي الغرسلي أن الهيئة هي الوحيدة التي يمكنها تحديد ما إذا كانت المسألة تتعلق بالأمن العام أم لا؟ وهي مطالبة بالحفاظ على المعلومات التي تصلها ..وعليها أن تحجبها عن من كل من يطلبها لتعلقها بالأمن العام وفي المقابل عارض النائب عبد العزيز شعبان تداول الهيئة معطيات تتعلق بالأمن العام وتمس بالدفاع الوطني، وبين أصحاب هذا الرأي وذاك، اقترحت النائبة نادية شعبان تمكين الرئيس ونائبه فقط من الاطلاع على الوثائق المتصلة بقضايا ذات علاقة بالأمن العام على غرار ما هو موجود في برلمانات أجنبية، ويرى النائب خليد بلحاج أن حق الاطلاع على الوثائق يمكن أن يمنح لرئيس الهيئة عندما يتنقل إلى مكان حفظها ويطلع على مضمونها ولا يحملها معه. وبعد نقاش مطول بين النواب تم ضبط صلاحيات هيئة الحقيقة والكرامة في عشر نقاط تتمثل في تلقي الشكاوى والعرائض المتعلقة بالانتهاكات وعقد جلسات استماع سرية أو علنية لأي غرض متعلق بأنشطتها واستدعاء كل شخص ترى فائدة في سماع شهادته على أن لا تجوز مجابهتها بالحصانة ولا بالسر المهني إضافة إلى مطالبة السلط الإدارية والقضائية والهيئات العمومية وأي شخص مادي أو معنوي يمدها بالوثائق أو المعلومات التي بحوزتهم وتمكينها من الاطلاع على ملفات القضايا المنشورة أمام الهيئات القضائية والاحكام والقرارات الصادرة عنها. ومن صلاحياتها طلب معلومات من جهات رسمية بدول أجنبية طبق المعاهدات والاتفاقيات أو القرارات الصادرة عنها ومن منظمات ومن هيئات دولية غير حكومية، وإجراء المعاينات بالمحلات العمومية والخاصة والقيام بأعمال التفتيش وحجز الوثائق والمنقولات والأدوات المستعملة ذات الصلة بالانتهاكات موضوع تحقيقاتها طبق الاجراءات الجزائية وتحرير محاضر في أعمالها ولها في ذلك نفس صلاحيات الضابطة العدلية ولها امكانية الالتجاء إلى أي إجراء أو آلية تمكنها من كشف الحقيقة واتخاذ كافة التدابير المناسبة لحماية الشهود والضحايا والخبراء وكل الذين تتولى سماعهم مهما كان مركزهم بخصوص الانتهاكات وذلك من جهة ضمانات الاحتياطات الامنية والحماية من التجريم ومن الاعتداءات ومن جهة السرية وذلك بالتعاون من المصالح والهياكل المختصة والاستعانة بأعوان السلطة العامة لتنفيذ مهامها المتصلة بالتقصي والتحقيق والحماية مع توفير الضمانات الاجرائية القضائية اللازمة.