قد يكون الرجل متعبا أو قد يكون يفكر على غرار قايد السبسي في استثمار الرصيد الايجابي الذي كوّنه بعد الثورة لبناء مستقبل سياسي وهو الذي عرض عليه كما قال الإمساك بمقاليد السلطة عشية 14 جانفي 2011 فرفض. وقد يكون الرجل رغم انه أنكر مجروحا في الصميم من حملات التشويه لا النقد التي يتعرض لها منذ مدة والتي بلغت أحيانا حد الإسفاف والبذاءة. إذ أن الأمر الثابت حاليا هو أن «انسحاب» الفريق أول رشيد عمار الذي يرفض صاحبه أن يسميه استقالة لأن الاستقالة بالنسبة له هروب جاء في غير وقت غير مناسب إطلاقا. فلئن كان الأشخاص مهما كانت أهميتهم وقيمتهم الشخصية ومواقعهم ليسوا إلا عابري سبيل والمؤسسات هي التي يجب أن تبقى وتصان فإن الوضع الانتقالي المعقد الذي تعيشه بلادنا حاليا يتطلب حدا أدنى من التواصل والاستقرار إذ أن الأخطار والتهديدات التي تواجهها عديدة وجدية. وأخطر ما في هذه الفترة ليس الإرهاب كما قد يتبادر إلى الذهن لأنه خطر واضح الصورة والمعالم وأغلب المؤشرات تشير إلى أن شعبنا قادر على تجاوز هذه المحنة بوعيه وبجبهة داخلية تبدو متكاتفة وقوية ضده. إن الأخطار الحقيقية هي تواصل حالة اللااستقرار والإضرابات والاضطرابات بمختلف أشكالها (تهريب وتعديات على القانون وعلى المؤسسات) تكاد تصل بنا إلى حالة من الفوضى الحقيقية التي قد تصبح في يوم ما عصية عن أية معالجة سوى بالحديد والنار. إضافة إلى ما تنتجه من مصاعب اقتصادية تكاد تصل باقتصادنا إلى حافة الانهيار وحتى الإفلاس لو تواصلت على نفس الوتيرة دون أن ننسى ما تسببت فيه وما ستسببه لو تواصلت من انتشار للمزيد من الفقر والتهميش أي في ارتفاع أكثر لعدد العاطلين عن العمل و»ولادة» أعداد جديدة من المعدمين. إن كل هذه الأخطار مجتمعة هي التي يهدد «كوكتيلها» بأن يعيدنا إلى المربع الأول إذ أنها عبارة عن قنابل مدفونة تحت جبال من المعارك السياسيوية وغابة من المطامح والمصالح الشخصية والحزبية المتصارعة إلا أنها تَحْمَى كل يوم أكثر مقتربة من درجة الحرارة التي تؤهلها للانفجار. وإن مختلف الفاعلين على الساحة السياسية في البلاد سلطة ومعارضة وأصحاب المواقع الحساسة والمؤثرة ومن بينهم الفريق أول رشيد عمار مدعوون لأن يضعوا كل هذا في حساباتهم قبل أي اعتبارات أخرى ليكون هاجسهم الوحيد هو المساهمة كل من موقعه في وضع الأسس الصلبة للبناء الديمقراطي ولبناء دولة مؤسسات وقانون حقيقية تكون الدرع الواقي من عودة الدكتاتورية والمعول الفعال لهدم مخلفاتها من اجل تحقيق التنمية ومعالجة الاختلال الجهوي والمحاربة المجدية للفقر والتهميش وهو ما يمثل الوصفة الوحيدة لإبطال مفعول القنابل التي تركها النظام البائد وتلك التي وجدت بعد الثورة.