38 مليار دينار ايرادات الضرائب.. الجباية تسعف المالية العمومية    سحق الإفريقي برباعية: المنستيري يُشعل المنافسة    بطولة ايطاليا المفتوحة: قارورة مياه تصطدم برأس ديوكوفيتش أثناء توقيع التذكارات    طقس السبت: ارتفاع طفيف في درجات الحرارة    فرنانة تحتضن الدورة الأولى ل"مهرجان براعم الفرنان"    اليوم وغدا بمدينة الثقافة.. "من السماء" و" البلوار" بمسرح الأوبرا    ملتقى ربيع الشعر بحاجب العيون: " شعر المقاومة...صرخة حبر و نِزال كلمة "    أمير الكويت يعلن حل مجلس الأمة وتعليق العمل ببعض مواد الدستور    عاصفة شمسية شديدة تضرب الأرض للمرة الأولى منذ 2003    بعيداً عن شربها.. استخدامات مدهشة وذكية للقهوة!    عاجل/ بعد حادثة ملعب رادس: وزارة الشباب والرياضة تتخذ هذه الاجراءات..    النادي الإفريقي.. القلصي مدربا جديدا للفريق خلفا للكبير    إقالة مدير عام وكالة مكافحة المنشطات وإعفاء مندوب الرياضة ببن عروس    زيت الزيتون ''الشملالي'' يفوز بميدالية ذهبية في المسابقة الاوروبية الدولية بجنيف..    تونس تشدّد على حقّ فلسطين في العضوية الكاملة في منظمة الأمم المتّحدة    بايدن يخطئ مجددا و"يعين" كيم جونغ رئيساً لكوريا الجنوبية    لأول مرة/ الاتحاد البنكي للتجارة والصناعة يشارك في دعم النسخة 18 من دورة "كيا" تونس المفتوحة للتنس..(فيديو)    بالفيديو: سعيّد: هذا تقصير وسيحاسب الجميع حتى المسؤولين الجهويين    المنستير : يوم إعلامي جهوي حول الشركات الأهلية    بنزرت...بتهمة التدليس ومسك واستعمال مدلّس... الاحتفاظ ب 3 أشخاص وإحالة طفلين بحالة تقديم    عاجل: قيس سعيد: من قام بتغطية العلم التونسي بخرقة من القماش ارتكب جريمة نكراء    الصوناد: نظام التقسيط مكّن من اقتصاد 7 % من الاستهلاك    مفتي الجمهورية يحسم الجدل بخصوص أضحية العيد    حالتهما حرجة/ هذا ما قرره القضاء في حق الام التي عنفت طفليها..#خبر_عاجل    عاجل/ هذا ما تقرر في قضية سعدية مصباح العضو بجمعية "منامتي"..    عاجل/ ديلو: قوات الأمن تحاصر عمادة المحامين للقبض على سنية الدهماني..    الكريديف يعلن عن الفائزات بجائزة زبيدة بشير للكتابات النسائية لسنة 2023    طقس الليلة    عاجل/ الأمم المتحدة: 143 دولة توافق على عضوية فلسطين    قليبية : الكشف عن مقترفي سلسلة سرقات دراجات نارية    قريبا ..مياه صفاقس المحلاة ستصل الساحل والوطن القبلي وتونس الكبرى    بالصور/بمشاركة "Kia"و"ubci": تفاصيل النسخة الثامنة عشر لدورة تونس المفتوحة للتنس..    في تونس: الإجراءات اللازمة لإيواء شخص مضطرب عقليّا بالمستشفى    عاجل/ إندلاع حريقين متزامنين في جندوبة    البنك المركزي التركي يتوقع بلوغ التضخم نسبة %76    عاجل/ جندوبة: العثور على جثة طفل مشنوقا بمنزل أهله    رادس: إيقاف شخصين يروجان المخدرات بالوسط المدرسي    اليوم: فتح باب التسجيل عن بعد بالسنة الأولى من التعليم الأساسي    كاس تونس (الدور ثمن النهائي) : تقديم مباراة نادي محيط قرقنة ومستقبل المرسى الى يوم الجمعة 17 ماي    رفض الإفراج عن الإعلامي محمد بوغلاب    نرمين صفر تتّهم هيفاء وهبي بتقليدها    وزير السياحة يؤكد أهمية إعادة هيكلة مدارس التكوين في تطوير تنافسية تونس وتحسين الخدمات السياحية    الأمطار الأخيرة أثرها ضعيف على السدود ..رئيس قسم المياه يوضح    لهذه الأسباب تم سحب لقاح أسترازينيكا.. التفاصيل    خطبة الجمعة .. لعن الله الراشي والمرتشي والرائش بينهما... الرشوة وأضرارها الاقتصادية والاجتماعية !    اسألوني ..يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    أنس جابر في دورة روما الدولية للتنس : من هي منافستها ...متى و أين ؟    إتحاد الفلاحة : '' ندعو إلى عدم توريد الأضاحي و هكذا سيكون سعرها ..''    منبر الجمعة .. الفرق بين الفجور والفسق والمعصية    أضحية العيد: مُفتي الجمهورية يحسم الجدل    عاجل/ مفتي الجمهورية يحسم الجدل بخصوص شراء أضحية العيد في ظل ارتفاع الأسعار..    المغرب: رجل يستيقظ ويخرج من التابوت قبل دفنه    عاجل/ هجوم مسلح على مركز للشرطة بباريس واصابة أمنيين..    دراسة: المبالغة بتناول الملح يزيد خطر الإصابة بسرطان المعدة    نبات الخزامى فوائده وأضراره    تظاهرة ثقافية في جبنيانة تحت عنوان "تراثنا رؤية تتطور...تشريعات تواكب"    قابس : الملتقى الدولي موسى الجمني للتراث الجبلي يومي 11 و12 ماي بالمركب الشبابي بشنني    سليانة: تنظيم الملتقى الجهوي للسينما والصورة والفنون التشكيلية بمشاركة 200 تلميذ وتلميذة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الخلفية التاريخية والواقع وال تحديات والمعالجات (طرح عام)
الفقر وقضايا التشغيل والتنمية البشرية
نشر في الشعب يوم 31 - 12 - 2011

في الوقت الذي يختلف فيه الكل مع الكل شيء تقريبا، تبقى الملفات الاجتماعية حاضرة بقوة. ومن بين هذه الملفات ملف الفقر الذي كثر الحديث عنه في الفترة الاخيرة وتضاربت حوله التقييمات. ويأتي هذا الجدل ليعكس خطورة هذه الظاهرة باعتبارها مؤشرا تأليفيا لمختلف السياسات الاقتصادية والاجتماعية. ليس القصد من هذه المساهمة تأكيد او تفنيد البيانات المتوفرة بل اقتراح طرح موضوعي عام من زوايا متعددة لهذه المسألة ذات العلاقة بالمواطنة والتنمية المستدامة. وبهذا المعنى اللصيق بالمطالب الاجتماعية المستجدة، ستكون في ظني مسألة الفقر في علاقتها بمختلف المتغيرات كالبطالة ومؤشرات التنمية البشرية من المفاصل الاساسية للسياسة التنموية للحكومة الجديدة.
مقدمة : الطرح الاشكالي
تعدّ ظاهرة الفقر من اقدم المعضلات التي شهدتها المجتمعات البشرية على مرّ التاريخ حيث مثلت سببا من الاسباب الرئيسية في اندلاع اكبر الثورات السياسية والاجتماعية في التاريخ البشري. ومن هذه الثورات:
ثورات العبيد المتتالية في روما القديمة بداية من القرن الخامس قبل الميلاد.
ثورات العبيد في أثينا القديمة ومنها ثورة سبارتكيس (Spartacus) 73 71 قبل الميلاد.
ثورة الزنج في التاريخ الاسلامي (869 883 م) التي مثلت فيها الدوافع الاقتصادية والاجتماعية سببا رئيسيا الى جانب الدوافع السياسية. وقد تعرض لذلك المؤرخون العرب ومنهم على وجه الخصوص المقريزي الذي تحدث بإسهاب عن أحوال الناس في القرون الوسطى الاسلامية وعن المؤسسات الاجتماعية ودورها في الاحاطة بالفقراء مثل الخانات والفنادق والمارستانات وهي مستشفيات للفقراء:
ثورات الفلاحين (les jacqueries) في عموم اوروبا طيلة القرون الوسطى.
الثورة الفرنسية والتي كان من اسبابها تردي الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية لأغلب شرائح المجتمع. ومما يشار اليه في هذا الصدد ظهور في فترة من فترات الثورة الفرنسية طبقة رابعة وهي طبقة العمال اليوميين والمعاقين والمحتاجين اضافة الى طبقة النبلاء وطبقة رجال الكنيسة وطبقة العامة (Tiers Etats).
الثورة البولشفية التي قادها الكادحون والعمال والفلاحون في روسيا والتي تشظت في عديد البلدان الأخرى بأشكال مختلفة.
ثورات التحرير وان كانت مدفوعة اساسا بالعوامل السياسية فان الفقر وظروف عيش العمال والفلاحين شكلت وقودا لهذه الحركات.
الانتفاضات الشعبية في العقود الاخيرة في معظم البلدان النامية وهو ما يعرف بثورات الخبز.
ولئن كانت ظاهرة الفقر ظاهرة قديمة قدم التاريخ فإنها ما انفكت تتسع رقعتها عالميا في العصر الحديث لتشمل البلدان النامية والصاعدة والمتقدمة على حد السواء.
فالعالم لم يكن منذ نشأته اكثر ثراء مما هو عليه الآن. والمفارقة هنا انه بقدر ما ارتفع الناتج المحلي الاجمالي العالمي ارتفعت معدلات الافلاس الاسري وتفاقمت معدلات الفقر واتسعت خارطتها وتعقمت الفجوة بين الاثرياء والفقراء وخاصة منذ توسع دائرة العولمة ومما يثير الاستهجان حقا ليست مسألة الفقر في حد ذاتها لانها ظاهرة موجودة تاريخيا وعالميا بل الانحراف عن قياس تقدم المجتمعات وازدهارها بعدد الاثرياء في حين انه من المنطقي ومن الاخلاق ان يقاس ازدهار المجتمعات بعدد الفقراء فيها، ولا سيما في سياق ضخب التنظير الايديولوجي الجديد لحقوق الانسان.
واعتبارا لهذا البعد، شكلت ظاهرة الفقر مركز اهتمام اساسي في النظريات الاقتصادية والاجتماعية وتناولتها بالدرس والتحلي من منطلقات بحثية مختلفة.
والى جانب النظريات الاقتصادية والاجتماعية المتعلقة بالفقر تزايد اهتمام المنظمات والهيئات الدولية بهذه الظاهرة ومنها منظمة الامم المتحدة التي عقدت قمة كوبنهاجن الاجتماعية سنة 1995. وعقدت قمة الألفية التي أقرت للفترة 2000 2015 ثمانية اهداف ذات أولوية في مجال التنمية والمعروفة بأهداف الالفية (OMD) وهي:
1 خفض الفقر.
2 ضمان التعليم الابتدائي للجميع.
3 ضمان المساواة بين الرجل والمرأة.
4 تقليص وفيات الاطفال.
5 تحسين صحة المرأة عند الولادة.
6 مكافحة مرض فقدان المناعة (السيدا).
7 حماية البيئة.
8 شراكة عالمية من اجل التنمية.
وبقدر ما كان الفقر ظاهرة تاريخية وظاهرة خطيرة، فانه ايضا ظاهرة معقدة القراءة والفهم والقياس.
وبالتوازي مع ذلك، لا تخلو تظاهرة اقتصادية عالمية كبرى من تظاهرات واعتصامات عالمية لمناهضي العولمة. وهو ما يشير بكل وضوح الى ان ظاهرة الفقر تبدو وكأنها صنو للعولمة الاقتصادية. وتدل هذه المؤشرات على فشل أنماط التنمية السائدة والمستندة عموما الى التوصيات العشر لتوافق واشنطن لسنة 1989. وتتمثل مبادئ هذه التوصيات في تحرير الاقتصاد والخصخصة وحرية التجارة والحكم الرشيد. وشكلت هذه التوصيات الخلفية النظرية لبرامج الاصلاح الهيكلي. وقد أضيفت الى هذه التوصيات توافقات برشلونة لسنة 2004 الهادفة مبدئيا الى أنسنة التنمية. وتشير التوجهات الحالية لمختلف البلدان الى نهاية هذه التوافقات بعد الازمة المالية الحالية التي ظهرت بوادرها سنة 2007 واتسعت لتشمل العالم كله في نهاية 2008. وسرعان ما تحولت هذه الازمة المالية الى ازمة اقتصادية نتجت عنها مباشرة ازمة اجتماعية بمفردات تفشي البطالة واحتداد اشكاليات السكن وتآكل القدرة الشرائية وتراجع الاستهلاك الاسري وتراجع الخدمات الاجتماعية واتساع دائرة الفقر.
إن ظاهرة الفقر وقد غدت ظاهرة عالمية باتت في ذات الوقت ظاهرة متعددة الابعاد يتطلب تناولها توسيع حقل البحث فيها باعتماد مقاربات متعددة الاختصاصات.
وهذه المحاولة حول اشكالية الفقر في تونس وفي غيرها من البلدان الشبيهة تنطلق بناء على ذلك من فرضيتين اثنتين:
الفرضية الأولى تستند الى ان مسألة الفقر خلافا لما هو شائع وخاصة في البلدان المتقدمة لا ترتبط بالبطالة بصفة اساسية على الاقل وفي التجربة التونسية وان كان ذلك عاملا من العوامل وانما تتنزل في المقاربة وفي الممارسة وفي النتيجة صلب السياسة الاجتماعية بمختلف أبعادها التعليمية والتدريبية والصحية والبيئية الخ... وهذه السياسة الاجتماعية تعكس بالضرورة نمط التنمية الوطنية.
والبحث في مسألة الفقر من منظور منظومي (vision systémique) يؤدي الى استعراض أهم التيارات الفكرية التي برزت في فترات متعاقبة في علاقتها بالفقر:
البعد الاجتماعي التوزيعي من خلال مفهوم الدولة الراعية.
البعد الاجتماعي التعديلي من خلال تشريعات العمل.
البعد الاجتماعي التمكيني (la capacitation) من خلال سياسات تمكين الافراد من قدرات استغلال المتاح.
البعد الحمائي للكرامة الانسانية من منطلق منظومة حقوق الانسان الاساسية.
الفرضية الثانية تتمثل في مفهوم «تجويد دور الدولة».
لقد تم الحسم في السجال الايديولوجي منذ الثمانينات حول مقولة «الاكثار من الدولة» على النمط البزماركي ومقولة «الاقلال من الدولة» على النمط الليبرالي الانقلوساكسوني لفائدة المدرسة الثانية. الا اني أزعم ان هذا الحسم الفكري لم يحل الاشكاليات الاجتماعية عمليا، بل فاقم ما هو قائم منها كالبطالة والاقصاء والتهميش وافرز اشكاليات اضافية كالاشكال الجديدة للفقر (مديونية الاسر، والافلاس الاسري، والمشردون من مستويات تعليمية ومهنية عالية في بعض الاحيان...) فالمسألة اذن لا تتعلق بمفهوم «الاكثار من الدولة» او «الاقلال من الدولة» اللذين أفلسا لأسباب مختلفة. وهنا سأستخدم مفهوما جديدا وهو «تجويد دور الدولة» (le mieux d'Etat) والهدف منه هو الحفاظ على التوازنات الاقتصادية والاجتماعية وعلى الرباط الاجتماعي (le lien social) بما يضمن التوفيق بين القديم الاقتصادية والقيم الاجتماعية.
إن توظيف هذا المفهوم يستبعد «الكليانية الاجتماعية» التي كانت سائدة في بعض المجتمعات و «الكليانية الاقتصادية» السائدة حاليا (على الاقل قبل الازمة المالية العالمية).
إن دور الدولة الجديد يتمثل في توفير الوسائط السياسية بين «الاقتصادي» و «الاجتماعي» (les médiations politiques) بمفهوم هيجل (Hegel) وخاصة بعد تهاوي الايديولوجيات الاجتماعية وانخرام علاقات القوة بين طرفيْ الانتاج.
وعلى هذه الخلفية الهادفة الى توسيع حقل البحث يمكن اعتبار السياسة الاجتماعية للدولة ليس مجرد عمل باهت لمصاحبة التنمية بل شرطا اساسيا من شروطها واعتبار النهوض الاجتماعي والمشاركة الواسعة في الانتاج هدفا أسمى لها.
أما أدوات البحث المعتمدة في هذه المسألة فتستند الى:
 مراجعات نظرية لمفهوم الفقر واخضاع تفسير الظاهرة الى مساءلة في منظور ثقافي / ديني، سوسيو / بسيكولوجي، اجتماعي / اقتصادي.
الخلفية الثقافية لمفهوم الفقر من خلال الخطاب الديني في بعض الثقافات والتعامل مع هذه الظاهرة بأدوات التكافل الاجتماعي التقليدية كالزكاة...
الخلفية الاجتماعية لمفهوم الفقر في خطاب العلوم الاجتماعية.
الخلفية الاقتصادية لمفهوم الفقر في الخطاب الاقتصادي وضبط بعض المفاهيم الاخرى: مفهوم الفقر المالي (او فقر الدخل)، مفهوم الفقر الانساني (أو فقر القدرة)، مفهوم الفقر الجماعي.
 أدوات قياس خط الفقر: الفقر النسبي والفقر المطلق (المدقع او الفاقة) بالاستناد الى مستوى الانفاق الادنى المعتمد دوليا والمستوى المعتمد محليا للفرد الواحد سنويا.
 الربط مع مؤشر التنمية البشرية بما يسمح بتوسيع حقل البحث واعتماد مؤشرات اخرى لتجاوز مقاربة الفقر بالمعنى التقليدي اي الفقر المادي او فقر الدخل.
I المنطلقات المنهجية في مقاربة الفقر
الفقر ظاهرة معقدة ومركبة ذات ابعاد متعددة. ويختلف مفهوم الفقر باختلاف البلدان والثقافات والازمنة. وتستعرض فيما يلي بعض هذه المقاربات.
1 الخلفية التاريخية:
1 1 مقاربة الفقر في الخطاب الديني الاسلامي:
يرتبط مفهوم الفقر في التراث الاسلامي بمفهوم الكفاف وهو الحد الادنى للمعيشة. واستنادا الى ذلك، فان الفقير في الاسلام هو من لا يمكلك قوت يوم وليلة لقوله صلى الله عليه وسلم «من سأل وعنده ما يغنيه، فانما يستكثر من النار». فقيل: وما حد الغنى يا رسول الله؟ قال: «شبع يوم وليلة» (رواه أبو داود، وذكره مصطفى محمود عبد العال: الموقع العالمي للاقتصاد الاسلامي).
وبقدر ما أقرّ الاسلام حق الفقير في موارد بيت المال وفي الزكاة باعتبارها رمز التكافل الاجتماعي في الاسلام حث الفقير على العمل وبالتالي ربط مشكلة الفقر بالسعي الى العمل. ونلاحظ في هذا المفهوم الاسلامي للفقر العناصر الاساسية للتعريف العصري للفقر. وتتمثل هذه العناصر في حد الكفاف وهو المفهوم الحالي لخط الفقر المدقع وحق الفقراء على الدولة وهو مفهوم الرعاية الاجتماعية ودعوة الفرد الى العمل للخروج من الفقر وهو مفهوم مسؤولية الفرد وضرورة تبنيه لسلوكيات ايجابية.
ومن أبلغ ما قيل على الاطلاق في موضوع الفقر مقولة علي ابن أبي طالب رضي الله عنه: «لو كان الفقر رجلا لقتلته».
ونلاحظ هنا ان هذا التعريف ليس بقدر ما هو تعريف انساني يربط الفقر بمسبباته.
وهذا التعريف في المفهوم الاسلامي الاصيل مغاير لمفهومه في الكنيسة الكاتولوكية التي تعتبره رغبة من الفقير (vœux de pauvreté) لتوثيق العلاقة مع خالقه من خلال التعالي والتسامي على الماديات بل الرفض للخيرات المادية. وكان الفقير في القرون الوسطى بناء على هذه الخلفية الدينية يعتبر صورة للمسيح في الارض.
ورغم هذا التراث الديني الاسلامي الاصيل الداعي الى العمل والكسب تفيد المعاينة البسيكولوجية ان الفقر في المجتمعات العربية مرتبط بمدى ايجابية سلوكيات الفرد الفقير، اذ يلاحظ عموما اعتماد الفرد علي الدولة باعتبارها الراعي الاساسي الذي يتعين عليها في ثقافة الفقير ان توفر كل شيء.
واضافة الى ذلك ترتبط سلوكيات الفقر لدى عديد الفقراء بتمثل ديني بمفردات القضاء والقدر. فالرزق على الله، يعطيه لمن يشاء. هذا صحيح تماما. ولكن الصحيح ايضا ان الفقر في حالات معينة من مسؤولية الفرد نفسه.
1 2 مقاربة الفقر في نظريات العلوم الاجتماعية:
من اهم هذه النظريات:
النظرية الثقافية في القرن التاسع عشر ومن اهم روادها (ST Vincent de Paul) ترى ان ظاهرة الفقر سلوكية بالاساس تتمثل في الشعور بفقدان الكرامة وبالدونية وبصعوبة التواصل مع المجتمع.
النظرية الداروينية ترى ان الفقر من مسؤولية الفقير نفسه وتأصل ثقافة الفقر فيه.
النظرية الماركسية التي ترى ان البروليتاريا تمتلك القدرة على التغيير بفعل ظروفها المعيشية القاسية. وهذا الطرح يختلف عن فكرة التأقلم الاضطراري للفقراء في المنظور الثقافي لبعض النظريات.
النظرية الانتروبولوجية التي روج لها (Oscar Lewis) في بداية القرن العشرين والتي تطرح اشكالية الفقر من منظور بنيوي وقيميّ.
النظرية السوسيولوجية ومن اهم ممثليها (André Geslin) في التسعينات والتي تحلل ظاهرة الفقر من زاوية انفصام الرباط الاجتماعي للفقراء بالتركيز خاصة على الجوانب الاقتصادية.
أدبيات العلوم السياسية التي ترى ان التاريخ التراكمي لظاهرة الفقر يتصل بالفوارق الكبيرة في الثروة بين أمم غنية وأمم فقيرة تجد من مصلحتها ابقاء هذه الأمم في حالة فقر مستمر بشتى الوسائل. ونجد نفس الفجوة ونفس المبررات على المستوى الداخلي للبلدان. وهو ما يسبب الهزات الاجتماعية الخطيرة لان الفقر يتصل ببقاء الفرد وبكرامته. فالفقر كما يقول أرسطو «مولد الثورات والجريمة».
1 3 تعدد أشكال الفقر ومظاهره:
ظاهرة الفقر كما سبقت الاشارة اشكالية مركبة تعددت مظاهرها وتعددت أشكال التعبير عنها:
فقر الدخل او الفقر المالي أو الفقر المادي وهو من أهم المقاييس المستخدمة. ويطلق على هذا التعريف، التعريف الموضوعي للفقر.
الفقر الذاتي الذي يقيس درجة الفقر من منظور الفقراء أنفسهم. فاذا ما شعر الفرد ذاته بأنه لا يحصل على ما يحتاج اليه بغض النظر عن طريقة تحديده لاحتياجاته الاساسية فانه يوضع ضمن فئة الفقراء.
الفقر المطلق وهو الحد الادنى لمعيشة الفرد وهو المعيار المستخدم في البلدان النامية وكذلك في الولايات المتحدة وكندا.
الفقر النسبي وهو عدم المساواة في المعيشة استنادا الى المقارنة بمتوسط الدخل الوطني. ويقاس ذلك بعدد الفقراء من السكان الذين يعيشون دون متوسط الدخل الوطني معبر عنه بمتوسط دخل الاسرة او متوسط نفقات الفرد.
الفقر البشري او الانساني ويقصد به فقر قدرات المشاركة وقدرات الوصول الى الخدمات الاجتماعية كالصحة والتغطية الاجتماعية والتعليم والثقافة. ويحدث هذا النوع من الفقر حينما تضعف او تنعدم القدرات للتمتع بالخدمات التي توفرها الدولة للمواطنين والتي يمكن إجمالها في حقوق المواطنة. وهذا الصنف من الفقر وضعه برنامج الامم المتحدة الانمائي.
الفقر الجماعي عندما يتعلق الفقر بالافتقار الى الخدمات الجماعية كالمياه النقية وقنوات الصرف الصحي والبيئة السليمة لمجموعة من السكان في مكان محدد.
الفقر الهامشي وهو الفقر الذي لا يشمل الا فئة محدودة في المجتمعات المزدهرة. وهنا يعتبر الفقر حالات اجتماعية غير متكيفة مع المجتمع العصري. وهذا التشخيص معتمد في البلدان الاسكندنافية.
واعتبارا لاختلاف مفاهيم الفقر في عديد المجتمعات، اختلف تحديد عتبة الفقر من مجتمع الى آخر وحتى في الاقتصاديات المتقدمة.
عتبة الفقر النسبي وهو المفهوم المعتمد في الاتحاد الاوروبي. وهذه العتبة محددة ب ٪60 من متوسط الدخل الوطني. الا انه يوجد تمايز على مستوى بعض البلدان الاوروبية. ففي فرنسا مثلا تحدد عتبة الفقر النسبي ب ٪50 من متوسط الدخل الوطني. وبناء على ذلك حددت عبتة الفقر ب ٪50 من متوسط الدخل الوطني وهو ما يقابل حوالي 733 يورو. وبالتالي شملت عتبة الفقر ٪7.1 من السكان سنة 2006.
ومما يلاحظ ان هذا التعريف عليه اختلاف كبير لانه يقيس الفوارق في المداخيل بين شرائح المجتمع اكثر مما يقيس الفقر.
عتبة الفقر المطلق (Pauvreté absolue) وهو المفهوم المعتمد في الولايات المتحدة وكندا. ويعود هذا التعريف الى بداية القرن العشرين استنادا الى أبحاث
(Seebohon Rowntriee 1901).
4 التعريف التأليفي للفقر ومقاييس احتسابه على المستوى الدولي:
4 1 التعريف التأليفي:
من المتفق عليه ان الفقر يتضمن حالتين:
حالة من الحرمان المادي التي تتجلى أهم مظاهرها في انخفاض استهلاك الغذاء كمّا ونوعا وتردّي الحالة الصحية والمستوى التعليمي والوضع السكني. وكذلك الحرمان من تملك السلع المعمرة والاصول المادية الاخرى وفقدان الاحتياطي لمواجهة الحالات الصعبة والطارئة كالمرض والاعاقة والبطالة.
حالة من الحرمان غير المادي ومن اهم مظاهرها التهميش والاعتماد على الدولة وضعف القدرة والتمكين.
وبصفة اجمالية فان الفقر هو حالة من ضعف او فقدان الموارد المادية والاجتماعية والثقافية.
4 2 أدوات القياس:
لقياس هاتين الحالتين يتم اعتماد:
السلة الغذائية التي تحتوي على الموارد الضرورية للعيش اليومي والمقدرة ب 2400 حريرة في اليوم للفرد الواحد بالنسبة الى حالة الفقر و 1800 بالنسبة الى حالة الفقر المدقع (أو المطلق).
السلة غير الغذائية التي تشمل الاكساء والسكن والنقل والماء والكهرباء والخدمات الصحية والتعليمية الخ...
وانطلاقا من تقدير الاحتياجات الضرورية للعيش ببعديها المادي وغير المادي يحدد البنك الدولي خط الفقر باعتبار مستويات العيش والاعراف الاجتماعية.
خط الفقر في المجتمعات النامية باعتماد القدرة الشرائية لسنة 2008 يقدر ب 1.25 دولار في اليوم وللفرد الواحد مقابل دولار واحد كعتبة معتمدة في سنة 1999. ووفق هذا التعريف يقدّر عدد الفقراء في البلدان النامية ب 1.4 مليار شخص.
خط الفقر في البلدان متوسطة الدخل يقدر ب 2 دولار في اليوم. وتشمل هذه العتبة 2.6 مليار شخص.
5 تطور تعريف الفقر ومقاييس احتسابه في حالة تونس:
5 1 المنهجية القديمة المعتمدة:
شرعت تونس في متابعة ظاهرة الفقر واحتسب نسبها منذ سنة 1980 بالاستناد الى المنهجية المعتمدة من قبل البنك الدولي آنذاك انطلاقا من نتائج المسح الوطني حول الاستهلاك الأسري المنجز في تلك السنة. واستنادا الى هذه المنهجية، تم تحديد خط الفقر باعتبار عنصرين:
 النفقات الغذائية التي يتم تقديرها على اساس كلفة الحاجيات اليومية الدنيا من الحريرات للفرد.
 النفقات غير الغذائية التي يتم تقديرها على أساس هيكلة الانفاق لفئة الفقراء المتمثلة في السكن والملبس والنقل والتعليم.
وعلى اساس هذين العنصرين يضبط المعهد الوطني للاحصاء نسبة الفقر منذ سنة 1980 الى سنة 2000 ويحيّنها حسب تطور مؤشرات الاسعار الاستهلاكية استنادا الى مسوحات الاستهلاك التي تجري كل خمس سنوات. وابرزت هذه المسوحات ان نسبة الفقر تقلصت من ٪12.9 سنة 1980 الى ٪4.2 سنة 2000 ثم الى ٪3.8 سنة 2005 (أذكر هذه الارقام بتحفظ لانها كانت محل جدل في الفترة الاخيرة).
5 2 المنهجية الجديدة المعتمدة:
انسجاما مع تطور المناهج الدولية المتداولة في تقييم الفقر، اعتمد المعهد الوطني للاحصاء منهجية جديدة في احتساب خط الفقر وتحديد الفئة السكانية الفقيرة باعتماد:
 النفقات الغذائية.
 النفقات غير الغذائية.
ويتمثل الاختلاف بين المنهجيتين في الآتي:
 اعتماد شريحة موحدة تجمع بين الوسطين الحضري والريفي لاحتساب خط الفقر في المنهجية الجديدة بدلا عن اختيار شريحتين مرجعيتين من الاسر الفقيرة في المنهجية القديمة.
 اعتماد مؤشر الحاجيات المثلى من الحريرات (2213 كيلو حريرة للفرد في اليوم) لتقدير العنصر الغذائي لخط الفقر عوضا عن مؤشر الحاجيات الدنيا من الحريرات (1807 كيلو حريرة) المعتمد في المنهجية القديمة.
II التحليل النوعي لظاهرة الفقر في علاقتها بسوق العمل وبالمتغيرات الاخرى
ترتبط ظاهرة الفقر اساسا في تونس وعموما في مختلف التجارب بالوسط الريفي. كما ان شريحة الفقراء تتسم بتركيبة اجتماعية يغلب عليها العمال غير الفلاحيين من مستويات متدنية، والعاملون في قطاع الفلاحة (فلاحون ويد عاملة فلاحية) وبدرجة اقل العاطلون عن العمل.
وتشير مختلف البيانات في التقارير الدولية بكل وضوح الى ان ظاهرة الفقر مرتبطة الى حد كبير بالمستوى التعليمي ومستوى المهارات وبانتاجية العمل في القطاعات الاقتصادية وتحديدا في قطاع الفلاحة. وهو ما ينعكس سلبا على مستوى الاجور. الا ان العلاقة بين متغيري البطالة والفقر تبدو ضعيفة في الحالة التونسية.
1 ارتباط ظاهرة الفقر بقطاع الفلاحة:
يمثل الفلاحون والعمال الفلاحيون في تونس حوالي ٪23 من مجموع شريحة الفقراء (وزارة الفلاحة، الاستقصاء الفلاحي، 2008). ويعود ذلك الى:
1 1 تدني المستوى التعليمي للعاملين في القطاع الفلاحي حيث ان ٪80 من الفلاحين و ٪86 من الاجراء الفلاحيين لا يتجاوز مستواهم التعليمي المرحلة الابتدائية (والمدارس القرآنية). وبالتالي تدني مهاراتهم. ومن الطبيعي ان تنعكس هذه التركيبة المهنية سلبا على مستوى المداخيل والاجور.
1 2 طبيعة النشاط الفلاحي الذي يختص مقارنة بالقطاعات الاخرى بنسبة عالية من العمل غير القار والتي تقدر ب ٪59 مقابل متوسط في مختلف القطاعات يقدر ب ٪19. وتأتي القطاعات الاخرى بنسب متفاوتة (الصناعات المعملية ٪11، الخدمات ٪17...).
1 3 تدني انتاجية العمالة في القطاع الفلاحي مقارنة بالارتفاع الملحوظ لمعدل الانتاجية في القطاعات الاخرى من ناحية وبالمعدل العام للانتاجية المقدر ب ٪2.8 من ناحية اخرى. وهو ما يفسر ظاهرة الفقر في الريف الناتجة عن تدني الاجور، فضلا عن اتساع مساحة العمل غير القار. ويلاحظ هنا الارتباط الوثيق بين الانتاجية والاجر والفقر.
2 الارتباط النسبي بين ظاهرة الفقر وظاهرة البطالة:
عادة ما ترتبط ظاهرة الفقر في البلدان المتقدمة بظاهرة البطالة. ولكن هذه العلاقة في غير مؤكدة في المجتمعات النامية بحكم اختلاف الظروف اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا.
فالبطالة وفق المقاييس المتفق عليها دوليا تعرّف بوضع اللاعمل والبحث عنه والقبول به. وهذا التعريف يجعل من العمل شرطا اساسيا للاندماج الاقتصادي والتواصل الاجتماعي في الاقتصاديات المتقدمة. والتعطل عن العمل لفترة طويلة وتآكل تشغيلية العاطلين في هذه المجتمعات تؤدي في اغلب الاحيان الى الفقر المادي وبالتالي الى العيش على هامش المجتمع والعزلة وفقدان الذاتية الاجتماعية والانغلاق على الذات. ويؤدي تلازم البطالة والفقر في اغلب الاحيان الى فقدان المسكن. ويمثل البعد السكني في حالة فرنسا مثلا ٪31 من مجموع الاسر الفقيرة. وهو ما ادى الى سن قانون افلاس الاسر.
أما في الاقتصاديات النامية فان البطالة وان هي ناتجة عن عدم كفاية الطلب على العمل فانها تأخذ أشكالا اخرى بحكم هيكلة هذه الاقتصاديات التي تتسم بالعمل غير القار والقطاع غير الرسمي. وهذه الانشطة الاقتصادية الواسعة تساهم بشكل كبير في امتصاص العمالة الفائضة وبالتالي ليس هناك بطالة كاملة بالمفهوم الغربي.
كما أن طبيعة الاقتصاد في البلدان النامية تجعل من البطالة غير مرتبطة بتدنّي المهارات خلافا لما يلاحظ في الاقتصاديات المتقدمة.
فالمقارنة بين الدول النامية والدول المتقدمة بخصوص مسألة البطالة تؤدي إلى بعض الاستنتاجات التي تبدو لأوّل وهلة مفارقات ذلك ان تحليل البطالة في تونس يبرز ان النسبة الادنى في هيكلة البطالة مسجّلة في المستويات المتدمية خلافا للمستويات الوسيطة والعليا حيث لا يتجاوز معدّل بطالة الاميين ٪5.7 وبطالة مستوى التعليم الابتدائي ٪12 سنة 2008.
يضاف إلى ذلك أيضا أنّ نسبة البطالة أقلّ ارتفاعا بالنسبة الى شرائح المسنين مقارنة بشرائح الشباب الاكثر تعليما وتدريبا والمفارقة هنا ان القطاعات المحمية كالفلاحة والصناعات التقليدية والقطاع غير المنظّم تساهم في امتصاص العمالة غير المؤهلة وتخفيف البطالة والحدّ من الفقر إلا انّها لا تساعد على تحسين انتاجية العمل والرفع من مستوى الاجور وتوسيع مظلة التغطية الاجتماعية وتحسين ظروف العيش. وبالتالي فإنّ هذه القطاعات تشتمل على نسبة عالية من العمال الفقراء.
ومن جانب اخر، تفيد المعطيات المتوفّرة أنّه خلافا لما هو ملاحظ في البلدان المتقدمة فإنّ العلاقة بين البطالة والفقر علاقة ضعيفة نسبيّا وتتجلّى هذه العلاقة الضعيفة من المعطيات التالية: يقدّر عدد الافراد الذين يعيشون في اسر معيلها عاطل عن العمل ب 203.0000 فردا الا انه انطلاقا من تحديد خط الفقر المعتمد فان 35.362 فردا فقط (من مجموع 203.000) اي بنسبة ٪17.4 يعتبرون فقراء ومجمّعين في 5747 اسرة عائلها فقير.
ويستنتج من هذه المعطيات ان حوالي ٪83 من الافراد الذين يعيشون في اسر عائلها عاطل عن العمل لا تعيش في حالة فقر. وهذا يؤشر إلي توفّر موارد مالية للاسرة التي يرأسها عطال عن العمل قد تكون متأية من فرد او افراد في الاسرة يشتغلون اومتأتيّة من الدولة كما يؤشر هذا ايضا إلى البطالة الارادية حيث تشير بيانات سوق الشغل الى الاتّساع النسبي لهذه الظاهرة وخاصة في اوساط الشباب من مستويات التعليم العالي الذين يحدّدون انتظارات وطموحات تتعلق بمستوى الاجر والقطاع وتوافق الاختصاص التعليمي مع الوظيفة المقترحة.
ووفق تحليل اشمل (باعتماد البيانات الرسمية المتوفّرة) تبرز مقاربة المؤشرات العامة للبطالة والفقر ان العلاقة بين هذين المتغيرين علاقة عكسية، اي أنّ المستوى المرتفع نسبيا للبطالة لا يؤثّر علي الفقر ورغم التراجع الطفيف للبطالة بين 1995 و2005 ب ٪0.7 فإنّ الفقر تراجع بنسق اسرع يقدّر في نفس الفترة ب ٪2.4.
ولعّه من المفيد ايضا الاشارة الي أن الحصول على شغل في عديد التجارب لا يعني بالضرورة الخروج من الفقر بسبب هيكلة الاقتصاديات النامية وضعف انتاجيتها وبالتالي تدنّي الاجور فيها. وهو ما يفسّر:
اوّلا، ظاهرة العمال الفقراء في القطاع غير المنظّم وحتى في بعض انشطة القطاع المنظّم في الدول النامية،
ثانيا، تجاوز عدد الفقراء عدد العاطلين عن العمل في هذه الاقتصاديات النامية.
فعدد العاطلين في المنطقة العربية يقدّر ب 17 مليونا في حين ان عدد الفقراء يقدّر ب 51 مليونا باعتبار مقياس دولارين في اليوم.
وهذه القراءة الداخلية للعلاقة بين البطالة والفقر في الحالة التونسية تختلف تماما عن طبيعة العلاقة بين هذين المتغيّرين في الاقتصاديات الغربية حيث يرتبط الفقر بالبطالة بصفة اساسية، وتفيد بيانات الاتحاد الاوروبي (Atkinson et coll-1998) ان نسبة فقر الاسر التي يعيلها عاطل عن العمل اعلى من النسبة العامة للفقر حيث تبلغ ٪25 مقابل ٪15 بالنسبة الى المعدّل العام للفقر.
إلاّ أنّه يلحظ بعض التفاوت في هذه العلاقة على المستويات الوطنية في الدانمارك مثلا نسبة الفقر في العائلات التي يرأسها عاطل عن العمل اقل من المعدّل الوطني للفقر وفي ألمانيا النسبة اعلى قليلا، في حين ان في بلدان اخرى كفرنسا وايرلندا وهولندا وبلجيكا فإنّ نسبة الفقر في هذه الاسرة التي يعيلها عاطل عن العمل تمثّل ضعف المعدّل العام للفقر.
وتبرز العلاقة بصفة أدق بين البطالة والفقر في التطوّر المتوازي لمعدّلات البطالة والفقر. وتشير بعض الدراسات (Blank et Blinder, 1986) إلى العلاقة الطردية بين هذين المتغيّرين في الولايات المتحدة. فكلّما ارتفعت البطالة بنقطة ارتفعت نسبة الفقر بنقطة. ويلاحظ نفس الترابط في الفترة 1975 19954 في عديد البلدان الاوروبة. الا انّه في بعض الاحيان كما هو الحال في بريطانيا فإنّ البطالة لا تؤثّر على الفقر الى بعد مرور فترة زمنية تقدّر ب 5 سنوات.
تطوّر معدلات البطالة والفقر (٪)
بريطانيا
ايطاليا
المانيا
1975
نسبة البطالة
4.0
8.5 (1980)
3.0
نسبة الفقر
7.5
7.5
6.5
1995
نسبة البطالة
8.0
10.0
8.0
نسبة الفقر
20.0
11.0
12.0
وللعلاقة بين البطالة والفقر في البلدان الغربية اسباب اخرى ومنها على وجه الخصوص العلاقة بين البطالة والتأمين عليها ويرى فراسيني (1998 Freysinet) في هذا الخصوص أنّ انظمة التعويض عن البطالة لا تساعد علي الخروج منها وبالتالي عدم الخروج من الفقر ويعود ذلك إلي أنّ نظام التأمين على البطالة لا يدفع الناس إلى البحث الجادّ عن العمل كما تبرزه مختلف الدراسات حول هذا الموضوع.
ويوجد سبب آخر لأثر البطالة على الفقر يتمثّل في التوجه القوي نحو مرونة اسواق العمل الاوروبية التي اثّرت سلبا على العمال غير الماهرين بمفردات البطالة.
كما أثرت سلبا علي من يشتغل من هؤلاء على مستوى الاجور التي نزلت تحت متوسط الدخل الوطني وهو المعيار المعتمد لتحديد خطّ الفقر.
وكما أن طريقة «عيش» البطالة مختلفة، فإن طريقة «عيش» الفقر مختلفة ايضا بين الدول النامية والدول المتقدمة.
فالفقر في البلدان المتقدمة منبوذ وقاموس المفردات للتعبير عنه محمّلة بالمعاني السلبية.
فالفقير في مخيّلة المجتمع الغربي هو انسان متسكّع ومشرّد وبائس وشقيّ وهامشي وفاقد المأوى ومتملّق ونصّاب وكذاب ومجرم وهذه النظرة السلبية إلى الفقير متأصّلة في المجتمعات الغربية إلي درجة ان الفقر في القرن التاسع عشر يؤدي الى الاعتقال.
اما في البلدان النامية، فالأمر يختلف ذلك ان الفقر مندمج اجتماعيا اي انه مقبول ومستوعبٌ.
فالفقر في المجتمع الفقير مكوّن من مكوّناته ومندمج في نسيجه عن طرق ثقافة التكافل العائلي وآليات التضامن الاجتماعي وهذا الفقر لا تنتج عنه العزلة والاقصاء كما هو الحال في البلدان الغربية.
III متطلبات استراتيجية معالجة ظاهرة الفقر في علاقتها بالتنمية المستديمة: السياسات والأدوات:
ان ظاهرة الفقر كما رأينا ظاهرة مركّبة ومتعدّدة الابعاد وهي بالنتيجة مؤشّر تأليفي لمختلف التوجهات والسياسات الاقتصادية والاجتماعية.
ولا يمكن إذن فهم هذه الظاهرة فهما صحيحا دون ان نضع لها اطارا نظريا يُترجم سياسيا ويُطبّق عمليا ويقاس أثره على مؤشرات التنمية الاجتماعية والبشرية ونناقش في ذات الاطارالفرضية المطروحة في المقدمة والمتعلقة بدور الدولة الجديد.
1 مفهمة مقاربة المسألة الاجتماعية في عملية التنمية:
انخرطت تونس منذ عدّة سنوات في الاقتصاد المعولم. ولابدّ من الاقرار هنا بأنّ العولمة لا تعيد تشكيل التكتّلات القارية والتجمّعات الاقليمية والاقتصادية الوطنية فحسب بل تؤثّر ايضا على الاسس القائمة للانتظام الاجتماعي وعلى الشرائح الاجتماعية وعلى الافراد وتؤثر كذلك على مستويات التنمية الجهوية. وهو ما يستدعي طرحا جديدا للسياسات الاجتماعية والانتقال بها من مقاربة تقليدية تعالج الافرازات السلبية للتنمية الاقتصادية المرتبطة بالعولمة الي مقاربة جديدة تجعل من السياسات الاجتماعية شرطا من شروط التنمية الاقتصادية في إطار تضامني وتنصهر ضمن هذا التوجه الاجتماعي سياسات التنمية الجهوية.
ويتجلّى من خلال الترابط بين المسألة الاجتماعية والمسألة الاقتصادية، الدور الجديد للدولة فلا هو اكثار لهذا الدور (plus d'Etat) ولا تقليل لهذا الدور (Moins d'Etat) كما كان معروفا في السّجال الايديولوجي الذي كان سائدا في عقد الثمانينات في الادبيات الدولية بل تجويد لهذا الدور (Le Mieux d'Etat) وهذا الدور المستجد يوفق بين المقوّمات العامة للتنمية الاقتصادية بمفردات القوانين والتشريعات والبنية الاساسية ودعم الاستثمار والمقوّمات العامّة للتنمية الاجتماعية التي تقوم اساسا على:
البعد التوزيعي العادل لثمار التنمية بما يضمن حقوق الجهات والاجيال،
البعد التعديلي من خلال دعم الحقوق والمكاسب في تشريعات العمل،
البعد التمكيني من خلال سياسات التنمية البشرية والوصول إلى الحقوق.
ومقاربة التنمية علي هذا النحو تطلّبت بالضرورة توفير الوسائط السياسية (médiations plolitiquesبين «الاقتصادي» و«الاجتماعي»، وهذا المفهوم الذي تناسته النظريات الليبرالية رغم اقراره كمبدإ اساسي في نظرية الدولة الليبرالية عند هيقل، اصبح ضروريا في ظلّ المستجدات الحالية فالعولمة وهي كل مترابط ومتشابك ومتفاعل الظواهر اربكت النظم الاقتصادية والاجتماعية وهو ما يحمل الدولة دور الموفّق بين مختلف المصالح عن طريق الوسائط السياسية المؤسسة لبداية عقد اجماعي جديد.
ويمكن ان نستنتج من هذه القراءة النظرية الشريعة ان معالجة المسألة الاجتماعية يجب ان تسعى إلى مواكبة تطوّر الفكر الاجتماعي الحديث المبني على المقاربات السابقة (en amontخلافا للمقاربات اللاحقة (en aval)، ويتمثل هذا التوجه في الانتقال من «نظرية طلب الخدمات الاجتماعية» (Théorie de la demande du social) والتي تعني معالجة الصعوبات بعد حصولها إلى «نظرية عرض الخدمات الاجتماعية» (Théorie de l'offre du social) التي تستبق احتمال حدوث الصعوبات من خلال قياس تكافؤ الفرص منذ البداية واعداد البرامج والآليات المناسبة لذلك.
2 السياسات والادوات لمعالجة ظاهرة الفقر:
وفق هذا المنظور العام للتنمية ودور الدولة فيها، يجب ان تستند معالجة الفقر باعتبارها ظاهرة مركبة الى مبدأ تكامل مختلف العناصر الاقتصادية والاجتماية والثقافية والبيئية وقياس اثر ذلك بصفة دورية ومنتظمة على الظروف المعيشية ولا يمكن بلورة هذه المقاربة الشاملة الا بقراءة دقيقة للواقع الاقتصادي والاجتماعي في تونس و تشخيص التحديات التي يمكن ان تكون عوامل مؤدية الى الفقر والعمل على مغالبتها للخروج منه ومن هذه التحديات ضرورة توسيع دائرة المشتغلين والحدّ من البطالة وتحسين تشغيلية الوافدين على سوق الشغل وتنظيم ودعم القطاع غير المنظم الحد من التسرب المدرسي ومقاومة الامية ودعم التمكين للوصل الى الخيرات والخدمات ودعم سياسات تملّك السكن وتحسين الخدمات الاجتماعية الفردية مثل التغطية الصحية والحماية الاجتماعية...
والخدمات الاجتماعية لتحسين ظروف العيش مثل التزويد بالماء الصالح للشرب والتزوّد بالكهرباء وتأمين الربط بشبكات الصرف الصحي والعناية بالبيئة، والحد من الفوارق الجهوية والمحلية على مستوى التنمية وترشيد استغلال الموارد والانصاف بين الاجيال. وتنصهر كل هذه الابعاد في مفهوم التنمية المستديمة في اشمل معانيها ومن اهم شروط النجاح في هذا التمشي المشاركة في البلوة والتنيفذ لمؤسسات وهيئات المجتمع المدني لما لها من دور مهم في تشخيص حاجيات المجتمعا المحلية واقتراح الحلول لتأمينها ومن اهم ما يمكن رصده من اليات التدخل.
1.2 صنف اليات الدمج الاقتصادي:
يجب ان ترتكز تدخلات الدولة في هذا المجال على محورية التشغيل لما له من دور وقائي من الفقر والتهميش والاقصاء ولما يوفّره من حلول مستديمة تساهم في تحسين الطلب الداخلي وتحسين مستوى الاستهلاك والرفع من القدرة على مجابهة تزايد الحاجيات الاجتماعية.
وتتمثل هذه المعالجة خاصة في:
المقاومة الماكرو / اقتصادية لتنمية التشغيل والحد من البطالة عنطريق ترشيد الاستثمار وتوزيعه جهويا وقطاعيا والمقاربة المحلية للتشغيل وديناميكية الجوار ودعم برامج التشغيل وتوسيع دائرة الاحاطة بطالبي الشغل وتطوير تشغيليتهم كما ترتكز هذه المعالجة علي المقاربة الميكرو / اقتصادية بمعنى الاحاطة بالمؤسسات الصغرى والمتوسطة عن طريق التدريب والتمويل والاحاطة والمتابعة والتقييم.
التمويل التضامني لموارد الرزق والمشاريع الصغرى ومتناهية الصغر عن طريق تطوير مجالات الاقتصاد الاجتماعي التضامني،
برامج احاطة بالفئات الهشّة التي لا تقدر على مواكبة تطوّرات سوق الشغل،
الاقرار الوجوبي للرّفع من الاجر الادنى المضمون في كافة القطاعات والرفع في التحويلات الاجتماعية بما يمكّن من تحسين القدرة الشرائية وتحسين ظروف العيش لتجنّب اعادة انتاج ظاهرة الفقر.
2.2 اليات الدّمج الاجتماعي:
ينبغي ان تسند هذه المقاربة الى تعزيز القدرات الشخصية عن طريق اعتماد عديد برامج التمكين ومنها:
تطوير الارضية القانونية لضمان المساواة بين الرجل والمرأة في النصوص وفي الممارسة وعلى مختلف الاصعدة ومنها المشاركة الاقتصادية،
تطوير وتوسيع برامج محو الاميّة الابجدية والوظيفية،
تطوير وتوسيع البرامج الخاصة بالفئات ضعيفة الحال مثل المعوقين والمسنين غير القادرين على العمل وتوسيع التغطية الاجتماعية والعلاج المجاني لفائدتهم.
3.2 اليات الدّمج الجغرافي:
تهدف هذه المقاربة الى الحدّ من الفوارق الجهوية والمحلية عن طريق عديد الآليات التي تتدخل في المجالات الاقتصادية والمجالات الاجتماعية لضمان التنمية المستديمة من الداخل (endigéne) ويرتكز هذا التوجّه خاصة على:
تقوية عوامل اندماج المتساكنين في المناطق الاقل نموا ضمن محطهم الجغرافي والاقتصادي باحداث حركية اقتصادية محلية تعتمد علي تنمية الموارد البشرية والنهوض بالتشغيل وتهيئة المحلات الحرفية والصناعية، إلخ...،
تحسين ظروف العيش في هذه المناطق عن طريق تجهيزها بالشبكات والمرافق العمومية والخدمات الجماعية من ملاعب احياء ونوادي اطفال ومركز للحياة الجماعية لكبار السنّ.
4.2 اليات المحافظة على البيئة:
تهدف هذه المقاربة المتّصلة بالتنمية المستديمة الى تحسين ظروف العيش الجماعي وتوسيع شبكة المنتزهات والحداڈئق وتطهير الاحياء الشعبية وحماية البيئة والمحافظةعلى الرأس المالي الطبيعي واحكام الاستثمارات وتوزيعها قطاعيا وجهويا والحدّ من مديونية الاجيال القادمة.
ملاحظات ختامية: نحو منهجة مقاربات التصدي للفقر في ظلّ التحديات الجديدة:
يتضح مما تقدّم اتساع نطاق مفهوم الفقر في مختلف تيارات الفكر الاجتماعي وفي ادبيات مختلف المنظمات والهيئات الدولية فالفقر لم يعد مقصورا على الفقر النقدي او فقر الدخل رغم اهمية هذا العنصر بل بات يشمل مختلف مؤشرات التنمية الاجتماعية والبشرية كالتعليم والصحة وظروف العيش...
وتعبر هذه العناصر من اساسيات قدرة الافراد على الاندماج الايجابي في المجتمع على معنى نظرية التمكين (la capacitation) عند امارتيا سن (A.Sen, 1985).
وبهذا المعنى العام، فان ظاهرة الفقر في تونس وفي المجتمعات الشبية مرتبطة اساسا بمستوى وجودة التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وعموما، فان المشكلة ليست مشكلة فقر الدخل الذي يمكن الحدّ منه بمقاربات لاحقة عن طريق المساعدات المالية والعينية، بل لابدّ من الاقتناع بان التصدي الفعّال للفقر بأبعاده المختلفة يكمن في منهجة سياسات المعالجة وفق منظور هندسي متكامل البناء وخاصة في ضوء ما تشهده تونس والبلدان العربية عموما من تحديات اقتصادية واجتماعية مترابطة قد تهدّد المكاسب المسجّلة وتوسع من دائرة الفقر.
ومن اكبر هذه التحديات:
قضايا التنمية بمفاهيمها الجديدة في علاقاتها بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية، وفي علاقاتها ايضا بفضاء معولم اصبح رغم ما يتيحه من امكانيات تنمية جديدة مصدر ارباك لنظم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية وتتمثل التحديات هنا خاصة في مايلي:
التوفيق بين البعد المحلي والبعد العالمي للتنمية والتوفيق بين الطلب الداخلي والطلب الخارجي المحددين للنموّ الاقتصادي،
وصل الفدي بالجماعي، ووصل المحلي بالمركزي وعموما وصل الاجتماعي بالاقتصادي في نمط التنمية،
التوفيق بين الاستثمار في الاقتصاد الحقيقي والاستثمار في الاقتصاد اللامادي.
قضايا التنمية المستديمة في ابعادها المرتبطة بالتنمية المحلية والتنمية الجهوية والتهيئة الترابية والحدّ من مديونية الاجيال القادمة، وترشيد استهلاك الموارد دون الاضرار بحق هذه الاجيال.
قضايا تشعبات الواقع الاجتماعي والاقتصادي وتمظهراته الجديدة الذي اصبح عصيّ القراءة والفهم والفعل فيه بشبكات القراءة والفهم المطروقة وبالسلوكيات والمواقف وادوات العمل التقليدية ومن هذه التحديات:
تحديات سوق العمل ومنها خاصة معضلة البطالة التي بلغت ٪18 وبطالة حاملي الشهادات التي بلغت ٪29 سنة 2011.
قضايا الرأس المال البشري وحمايته وتثمينه والاستثمار فيه بمفردات التعليم والتدريب والتمكين ومكافحة الاميّة، وتوسيع شبكات الحماية الاجتماعية وكذلك تأمين ظروف الحياة الكريمة لذوي الحاجيات الخصوصية وضعاف الحال وفاقدي السند والعمال الفقراء وخدمة المنازل والمعاقين... وهؤلاء كلّهم في حاجة إلى ما يمكن تسميته ب «دخل الموطنة» في اطار عقد اجتماعي جديد مبني أساسا على مبادئ الانصاف والشمول والوصول الى مختلف الخيارات وهو ما يعني ترسيخ مبدأ حقوق المواطنة للجميع.
القضايا الديمغرافية والمتمثّلة اساسا في دخول تونس في مرحلة «التحوّل الديمغرافي» (Transition démographique) وهو ما ينتج عنه تركيبة اجتماعية جديدة من أهمّ عناصرها بروز وتوسّع فئة كبار السنّ وبالتوازي بروز حاجيات نوعية جديدة للافراد والاسر. وتتطلب هذه التطوّرات توفيرخدمات جديدة بالمنزل في مجال الرعاية الصحية والخدمات الشخصية،... الخ وهذه الانشطة التي تصنّف في الاقتصاد الاجتماعي تمثّل افاقا واسعة للتشغيل وخطّا من الخطوط الامامية لمقاومة الفقر.
إن مجابهة هذه التحديات المولّدة للفقر تتطلّب بكل تأكيد مقاربات جديدة من اهم مقوّماتها:
اخضاع المحورية الاقتصادية والمحورية الاجتماعية الى رؤية جدلية لتأمين التكامل بين العنصرين والمصالحة بين الاقتصاد والمجتمع،
اعتبار المجتمع «كلا اجتماعيا» متضامنا (une totalité sociale) على معنى (Geirges Gurvitch) وليس كتلا جزئية مفكّكة خاضعة الى مفهوم «حاصل الجمع الصفري» (jeux à somme nulle)،
توسيع المشاركة في قيادة التحولات في منظور وفاقي بين الدولة والجهة والمجتمع المدني والارتقاء بتكامل الادوار والمسؤوليات بينها.
إنّ توفير افضل شروط التنمية الاقتصادي والرقيّ الاجتماعي وكذلك تأمين افضل شروط التضامن بين الفئات والجهات والاجيال مرتبط والى حدّ كبير برفع هذه التحديات.
قائمة المراجع
المراجع العربية:
1 المعهد الوطني للاحصاء (2005): المسح الوطني حول الانفاق والاستهلاك ومستوى عيش الاسر، تونس.
2 المعهد الوطني للاحصاء (1975، 1980، 1985، 1990، 1995، 2000): المسوحات الوطنية حول الانفاق الاسري، تونس.
3 المعهد الوطني للاحصاء: المسوحات الوطنية حول السكان والتشغيل.
4 وزارة التشغيل والبنك الدولي (2004): استراتيجية التشغيل بتونس.
5 وزارة التنمية والتعاون الدولي (2007): المخطط الحادي عشر للتنمية، تونس.
6 وزارة التنمية والتعاون الدولي (2008): التقرير السنوي حول التنمية، تونس.
7 وزارة المالية (2007، 2008 و2009): الميزان الاقتصادي، تونس.
8 وزارة الفلاحة والموارد المائية (2008): نتائج الاستقصاء الفلاحي، تونس.
9 منظمة العمل العربية (2009): العقد العربي للتشغيل 2010 2020: الاهداف والاجراءات والآليات.
المراجع الاجنبية:
10ATKINSON, Tony et coll, 1998, Pauvreté et exclusion, Insée, paris
11 Banque Mondiale 2008, Note sur la pauvreté au Moyen-orient et en Afrique du Nord
12 Banque Mondiale 2009, perspective Monde Université de Sherbrooke
13 FAURE Alain 1993, “L'intelligence des pauvres” in Démocratie et pauvreté, PUF
14 FRESSINET,Jacques 1998, L'indemnisation du chômage en Europe, IRES, paris
15 GESLIN, André 1998 Gens pauvres, pauvres gens dans la France du XIX, Aubier, paris
16 LEWIS, Oscar 1965, la Vida, une famille portoricaine dans une culture de pauvreté Gallimard, paris
17 Labbens, Jean 1969 Le Quart - Monde, Pierrelaye, paris
18 Labbens, Jean 1978 sociologie de la pauvreté, Gallimard, paris
19 PAUGMAN, Serge 2005 Les formes élémentaires de la pauvreté, PUF, paris
20 PNUD 2007/2008, Rapport Mondial sur le dévloppement humain
21 VERO, Josiane 2003, justice sociale et pauvreté, 10éme journiées CEREQ, Caen, France
22 SEN, Amartya 1985 Commodities and Camabilities Amesterdam; North - Holland


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.