كتاب الطاهر أمين "بؤس الثقافة" من الكتب التي نجحت من الإفلات من تلك المرحلة التي تلت ثورة 14 جانفي 2011 مباشرة والتي عرفت ظهور كتب صاغها أصحابها تحت تأثير الثورة بعيدا عن كل مسافة زمنية تخول لهم التمعن في الأحداث والتعامل معها بهدوء "بؤس الثقافة" جاء بعد مرور حالة النشوة التي عاشتها الناس بعد انتصار الثورة الشعبية وبعد أن هدأت الأنفس وتخلصت من الغشاوة إن صح التعبير وبدأ الواقع يتجلى شيئا فشيء ليكشف للناس ما كان خافيا عنهم. كتاب صفحاته ليست وردية وقراءته ليست هينة ولكنه تجربة فريدة من نوعها في دنيا الأدب يصعب أن نفصل فيها بين النص وبين صاحبه الذي يتراءى للقارئ من خلف السطور ومن خلف كل كلمة وكل جملة وكل فقرة وقد اتّخذ على عاتقه مسؤولية تحويل عملية القراءة إلى لحظات صعبة وقاسية. فالنص تشريح للجسد الثقافي العربي المريض الذي كثرت علله ويستحيل تقريبا علاجه ذلك أنه وعلى حد قوله في احدى صفحات الكتاب": "بداخل كل مثقف عربي صوت خفي, ينبعث من ذاكرة الرثاء العربي. قديما كان الرثاء نعيا للآخر أما اليوم فاصبح نعيا مخبوء للذات" ربما نجح الطاهر أمين في نقل الشعور بالحيرة واليأس من الوضع القاتم للثقافة بالبلدان العربية إلى القارئ, ربما نجح في إثارة قلق هذا القارئ وحتى تأزيمه بتلك الصورة البائسة للثقافة والمثقفين العرب وربما نزع منه ما بقي من أمل حول امكانية الخروج من وضعنا البائس لكنه لم ينجح في اعتقادنا في الإقناع بالصورة التي أراد أن يقدمها حول نفسه في كتابه "بؤس الثقافة" (اصدارات 2013) حاول الأستاذ الطاهر أمين عبثا في هذا الكتاب أن يقنعنا بأنه ذلك الإنسان القاسي, ذلك الكاتب المزمجر المرعد المتحرر من كل الإعتبارات التي يحرص عليها الكتاب في تعاملهم مع القراء فالكلمات عنده تتحول إلى رصاص قاتل واللغة عنده تصبح سلاحا مدمرا للأعصاب ولكنه يعجز ورغم كلماته الجارحة ورغم سياطه القاسية في إخفاء حقيقته, أي حقيقة كاتب يحمل داخله انسانا مجروحا وإنسانا يتألم وانسانا مهموما بالوضع البائس الذي نعيشه. كيف لا ييأس وهو يرى أن الصحراء العربية القاحلة تلغي حاجة أبسط الناس إلى أدنى الإهتمامات الثقافية النابعة من دواخلهم. الكاتب متألم إزاء وضع بائس للثقافة عند العرب. ثقافة هي سلسلة من الإخفاقات لعل آخرها ضياع حلم مشروع النهضة يعني مشروع نهوض الأمة العربية من التخلف ونبذ التعصب والدخول في دورة جديدة من الإنحطاط. وضع لا يستطيع فيه المثقف أن يجد حلا خارج التاريخ فتراه يقلب في الماضي وفي التراث ليعلن الكاتب ليس بدون سخرية وفي مرارة واضحة أن تقليب التراث ميزة عربية بامتياز. ثقافة تغيّب الإنسان وهي ستبقى حقولا شاسعة للثرثرة ما لم تتعامل وفق ما رد في النص مع الإنسان بوصفه أفق المستقبل. الكاتب يبدو ساخطا على كل شيئا على اليمين واليسار وعلى الدين وعلى السياسة والتاريخ والجغرافيا حيث تتكرر مقولة " الصحراء العربية القاحلة " في الكتاب أكثر من مرة ويقول صارخا في احدى الصفحات: آما آن للعرب" أن يكفوا عن أن يكونوا شعبا من شعراء؟" معول يحطم الأوهام نرى كل ذلك من وراء ستار الكلمات والفقرات التي يحملها كتابه "بؤس الثقافة". نراه وكأنه يحمل معوله ويسعى إلى تدمير كل شيء يراه يحول دون انعتاق ثقافتنا العربية الإسلامية وأولها ذلك الوهم بأننا قمنا بثورة. والثورة التونسية مثلها الثورات التي تندرج فيما يسمى بالربيع العربي يقول الكاتب بلا تردد ثورات ملفقة الكتاب كله يدور في فلك فكرة واحدة. المثقف العربي مأزوم وعاجز عن صياغة الحلول لأزمته هو وأزمة ثقافته. ويعد الكاتب ومنذ مقدمة الكتاب التي حرص على أن يفسر فيها الأسلوب والمغزى بأنه لا حلول لأزمة المثقف العربي ما دام السؤال "ما معنى أن تكون مثقفا عربيا اليوم؟ مازال معلّقا لم يعتمد الطاهر أمين أسلوبا تقليديا في الكتابة فهو يعتمد على شذرات وفق وصفه بنفسه لهذا الأسلوب أما عن سؤال لماذا اعتمد على هذا الأسلوب فلأن – والإجابة موجودة في النص" عمر الثقافة العربية لم يعد يتسع للثرثرة أثبت الكاتب من خلال نصه الذي وضعه بين أيدي القراء أنه قارئ نهم. فهو يستند إلى مرجعيات مختلفة. يقرأ للأدباء وللباحثين وللمفكرين من الشرق والغرب وكثيرا ما يستشهد بفكرة أو بصورة أو برأي من آرائهم. يناقش ويحلل ويتساءل مما يجعل الإستفادة من هذا الكتاب مزدوجة. الإطلاع عن نص صعب المراس من جهة والإستفادة من الإحالات الكثيرة إلى مفكرين وباحثين وأدباء (هشام جعيط, محمد عابد الجابري, أدونيس, أدوارد سعيد, جورج طرابيشي, عبد الله العروي,برهان غليون, أبو يعرب المرزوقي, محمد أركون, إيميلا زولا, نيتشه وغيرهم كثيرون من الشرق والغرب) الطاهر أمين كاتب قلق ومتوتر ومسكون بأوجاع الجسد الثقافي العربي وهو يعيش القضية من الداخل. الكاتب والباحث في الإسلاميات والذي سبق وأصدر كتاب بؤس الثورة سنة 2012 يعتقد جازما أن النتيجة ستكون كارثية إذا لم يملك فعل الإبداع استقلاله الذاتي