خلافا للمعتاد ظهرت هذه الفترة بعض الأمراض المعدية مبكرا في الوسط المدرسي، واستبق بعضها انطلاقة الدروس الفعلية في عدد من المؤسسات. ليقترن الحديث عن ظروف افتتاح السنة الدراسية الجديدة مع خبر انتشار عدوى الجرب بإحدى المدارس الابتدائية بمدينة تالة. مع كل الإرباك الذي تفرزه على سير الدروس بل وتوقفها إلى حين تعافي المصابين، واستكمال عمليات التعقيم والتنظيف اللازمة داخل محيط المدرسة للقضاء على عوامل الاختطار في انتقال العدوى. وعلى الرغم من حالة الامتعاض والتوجس التي تثيرها هذه الأخبار بدرجة أولى في صفوف عائلات تلاميذ المدرسة المعنية ومنها لدى الرأي العام خاصة أن بروزها جاء مبكرا هذا الموسم الدراسي في علاقة حتما بالظرف البيئي العام وتفاقم مخاطر تدهور مقومات حفظ صحة الوسط وغياب العناية بنظافة المحيط. إذن بالرغم من كل هذا يبقى رصد حالات الإصابة من باب رب ضارة نافعة..من خلالها تقرع أجراس التأهب مبكرا للانكباب على ملف الوضع الصحي بالمؤسسات التعليمية والاهتمام بالظروف الصحية المزرية بعدد من المؤسسات التعليمية وتفعيل دور نوادي الصحة وترسيخ حد أدنى من الثقافة الصحية لدى الناشئة وتعزيز الوعي لدى الأولياء بضرورة حسن التعامل مع إصابات الأبناء بمرض الجرب أو القمل والفرطسة حين حدوثها ومنع ترددهم على المدارس إلى حين تعافيهم كليا من الإصابة للحيلولة دون انتشار العدوى في الوسط المدرسي واحتوائها قبل تفاقم عدد بؤرها. أمراض تنتعش في المحيط التربوي رغم أن العدوى بهذه الأمراض المعروفة في القاموس الصحي بالأمراض الاجتماعية عادة ما يكون منطلقها خارج حدود المدرسة وأساسا داخل الأسر والمحيط العام في غياب قواعد حفظ الصحة والنظافة، فإنها غالبا ما تجد في المؤسسة التربوية بيئة هشة ملائمة لانتشارها واحتضانها بسبب عامل القرب والاحتكاك بين التلاميذ. خاصة أنه كلما وجدت تجمعات للأطفال وسط فضاء تربوي مغلق ويكون أحد التلاميذ حاملا للمرض مع وجود أرضية مساعدة مثل تردي الحالة العامة لمرافقه الصحية وعدم نظافة مبيته إلاّ وتزايدت عوامل العدوى وهو ما يفسر سرعة انتشارها في المدارس أو بمؤسسات الطفولة التي تقل بها ظروف حفظ الصحة. والأخطر في كل هذا أن الجهات الصحية تؤكد أن هذه الأمراض الاجتماعية لا يمكن مقاومتها والقضاء عليها نهائيا لارتباطها الوثيق بصحة المحيط والوسط وبقواعد النظافة. وهي على حد تعبير الدكتورة منيرة قربوج المديرة العامة لإدارة الطب المدرسي والجامعي بوزارة الصحة من الأمراض القديمة الموجودة سابقا والمتواجدة حاضرا وستتواجد مستقبلا ما لم تنتف أسباب ظهورها.تظهر بمختلف المجتمعات وليست حكرا على مدارسنا. وأفادت ردا على سؤال "الصباح" حول سبب عدم تأهب الهياكل الصحية للتدخل ألاستباقي بالمدارس وتفعيل آليات الوقاية قبل بروز هذه الأمراض أنّ التعاطي الاستباقي على مستوى المدرسة ليس بالأمر الممكن لأن العدوى أو المرض لا تكون المؤسسة سببا في ظهوره بل ينقل إليها من الخارج ولا يمكن للأجهزة الصحية المختلفة التدخل إلا على مستوى التكفل العلاجي بالمصابين وتأمين الدواء الناجع والمجاني كما هو الحال في العدوى بمرض الجرب وعزل المصابين عن بقية زملائهم بمنحهم عطلة مرض إلى حين الشفاء. بعد معاينة الفرق الصحية للأوضاع على عين المكان وتشخيص المرض وتقديم التوصيات الخاصة بتعقيم وتنظيف الأقسام والمعدات ذات الاستعمال المشترك.واتخاذ ما يلزم من إجراءات على ضوء استفحال العدوى تصل حد غلق المدرسة. ويبقى في نظرها دعم وعي الأولياء بكيفية التعاطي مع هذه الأمراض في النطاق الأسري والمبادرة بمنع الأطفال المصابين من الالتحاق بالروضة أو المدرسة وتأمين أسباب النظافة من أبرز عوامل احتواء المرض والحد من انتشاره. على أننا نعتقد أن للمربي والإطار الإداري المدرسي دورا رئيسيا في التحسب لهذه الأمراض والتفطن لها قبل تفاقم انتشارها من خلال استعادة بعض السلوكيات ذات الأبعاد الصحية الوقائية التي كانوا يعتمدونها سابقا في المراقبة اليومية لنظافة التلاميذ قبل دخول القسم وتفقد نظافة هندامهم وأجسامهم خاصة اليدين والأظافر والشعر وتشددهم في حمل التلميذ على احترام قواعد حفظ الصحة وإشعار الأولياء في الإبان بأي مظهر مخل بها. وكانت هذه التصرفات التلقائية للمربين عاملا هاما يساعد على تفادي عديد الأمراض لا سيما المعدية. ومن المؤسف حقا أن يتقلص هذا الدور بل ويكاد يتلاشى من المشهد اليومي للحياة المدرسية.ما أحوجنا إلى إحيائه من جديد. ومادمت الثقافة الصحية منظومة شاملة فإن لهياكل الطب المدرسي والصحة الأساسية قسطا وافرا من المسؤولية في ترسيخ مقومات هذه الثقافة بتفعيل برامج التحسيس والتوعية بالفضاء المدرسي وخارجه.