◄ لائحة سحب الثقة منه تطفو من جديد لم تكن ظروف انعقاد الجلسة العامة للمجلس التأسيسي أمس مريحة، إذ سبقتها عاصفة سياسية قويّة تلخصت في هبّة النواب المرابطين فيه واحتجاجهم بأعلى أصواتهم على الدكتور مصطفى بن جعفر رئيس المجلس، واتهامهم له بالتآمر مع الرباعي الراعي للحوار الوطني على الشرعية، واستنكارهم اللقاء الذي دار بينه وبين ممثلي هذه الأطراف أمس الأول دون إعلامهم. وقالوا ل "الصباح" إنه ما كان عليه أن يلاقيهم أو يتحدث معهم باسم النواب، بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك في التصعيد، وواصلوا التوقيع على لائحة سحب الثقة منه، وهي اللائحة التي شرع زميلهم أزاد بادي في تمريرها بعيد القرار القاضي بتعليق نشاط المجلس يوم 6 أوت الماضي، وفي هذا السياق أكد بادي أن عدد الموقعين عليها تجاوز الخمسين، وقال إنها ستصل الى النصاب معتبرا أن بن جعفر لم يعد يمثل رجل المرحلة. وفي نفس السّياق أفاد النائب سعيد الخرشوفي أن بن جعفر يحاول الإلتفاف على المجلس والوصاية عليه وتعطيل جلساته حتى تتجه الأضواء والأنظار للحوار الوطني واعتبر ذلك انقلابا على إرادة الشعب. بينما عبر النائب هشام بن جامع (التيار الديمقراطي) عن شكوكه في أن اللقاء الذي دار بين بن جعفر والرباعي كان هدفه الإعداد لانقلاب على المجلس، وذهب النائب نجيب مراد (النهضة) إلى توجيه اتهام صريح لرئيس المجلس بالتآمر وطالب بإعفائه من مهامه، وأكد على أن النواب سيصمدون وعلى أن المجلس سيواصل مهمته بكامل الصلاحيات حتى انتخاب المجلس القادم. أما النائب عبد السلام شعبان (المؤتمر) فعبر عن تمسكه بشرعية المجلس باعتباره السلطة الأصلية وقال إن نشاطه لا يتعارض مع الحوار الوطني، وفند النائب محمد المنذر بن الرحال (التكتل) كل الاتهامات الموجهة للدكتور بن جعفر من قبل النواب وبين أن هناك من لديه رغبة في تمرير لائحة سحب الثقة منه واستغل اللحظة لهذه الغاية. هاجس الخوف وظل هاجس الخوف من رعاة الحوار، ومن الحوار نفسه ماثلا في جل مداخلات النواب خلال الجلسة العامة، إذ عبروا فيها عن حنقهم الشديد على ما يحدث في أروقة المقر الحاضن للحوار الوطني من محاصصات.. ولم يبق غضبهم حبيس جدران قصر باردو بل انعكس سريعا خارجه، وبعد سويعات قليلة من انطلاق أشغالهم، راح نفر من المحتجين الذين تجمهروا أمام البوابة الرئيسية لقصر باردو يرددون ملئ حناجرهم "لا حوار ولا حمار".. "عار عار بعد الثورة.. إستحمار". وقال أحد هؤلاء المحتجين ويدعى منصف برهومي إنه ينتمي إلى تيار قوى الثورة وجاء خصيصا للتنديد بالحوار الذي يعتبره التفافا على أهداف الثورة وانقلابا مدنيا و7 نوفمبر جديد.. وتواصل توتر النواب وغضبهم على رئيس مجلسهم طيلة اليوم، رغم توضيح نائبته الأولى محرزية العبيدي للملابسات التي أحاطت بظروف عقد الجلسة العامة وتفنيدها لما روجه بعضهم من أقوال مفادها أن بن جعفر امتنع عن السماح لهم بعقد الجلسة العامة استجابة لإملاءات الرباعي الراعي للحوار. وقالت العبيدي إنها تأسف لحصول اضطراب في المجلس بسبب عدم وصول المعلومة للنواب، إذ كان مبرمجا حسب الرزنامة التي ضبطها مكتب المجلس سابقا عقد جلسة عامة أمس الخميس وذلك للمصادقة على مشروع قانون إحداث مركز للمراقبة السيسمولوجية..لكن كاتبة الدولة للخارجية بصفتها ممثلة الحكومة المعنية بهذا المشروع اعتذرت عن الحضور، وبما أن النواب طالبوا بتخصيص حيز من هذه الجلسة العامة للتداول حول الوضع العام في البلاد والحوار الوطني فقد انعقد مكتب المجلس أمس للنظر في هذه النقطة. اقتحام مكتب بن جعفر وكان النواب قد اقتحموا اجتماع المكتب وألحوا في طلب عقد الجلسة ثم غادروا محتجين مرددين النشيد الوطني واتجهوا نحو قاعة الجلسات العامة وقبعوا هناك إلى حين اكتمال النصاب. وخلال النقاش طمأنهم النائب الطاهر هميلة عن الشرعية، وقال لهم إن كل الأطراف المشاركة في الحوار أصبحت مقتنعة بأن المجلس هو صاحب السيادة والمؤتمن على الشرعية ويطالبون فقط النواب بالتسريع في أعمالهم، ودعا النائب زملاءه للالتحاق بالحوار الوطني والمشاركة فيه وطالبهم بعدم التشاؤم. وفي نفس السياق ذكر النائب جمال الطوير (التكتل) انه كان من المفروض أن تنتهي التوترات مع انطلاقة الحوار الوطني وبين أن هذا الحوار كان ضرورة حتى يدلي كل الفرقاء بدلوهم، ودافع نائب التكتل عن رئيس المجلس التأسيسي وبين أنه كان مطالبا بلعب دور الوسيط بين المجلس والرباعي الراعي للحوار وقد نجح في دوره. وفي المقابل انتقد النائب بشير النفزي ظروف الحوار وشرط توقيع الاحزاب السياسية على خارطة الطريق وعبر عن مخاوفه من استغلال عطلة عيد الاضحى لإقرار تعليق نشاط المجلس من جديد مثلما تم سابقا في عيد الفطر وطالب النواب بتكوين لجنة ترابط داخل المجلس لحمايته. تخوف وعبر النائب كمال بن عمارة (كتلة النهضة) عن خوفه مما حدث صباح أمس داخل المجلس وطالب بأن تبقى الجلسة العامة مفتوحة إلى غاية انتهاء أعماله وهو نفس ما طالب به العديد من النواب، وعبرت النائبة سامية عبو (التيار الديمقراطي) عن ريبتها من الجلسة التي انعقدت بين بن جعفر ورعاة الحوار واعتبرت ذلك مؤامرة على عمل المجلس الوطني التأسيسي. وأكد النائب حسن الرضواني (مستقل) أن الشعب التونسي متمسك بأسنانه بالتأسيسي ولن يفرط فيه. ووصف النائب أيمن الزواغي (تيار المحبة) ما يحدث بالانقلاب على الديمقراطية بطريقة سلمية مدنية في حين طالب النائب حسني البدري (غير منتمي إلى كتل) بتشريك كل الاحزاب والمنظمات فيه، واعتبره النائب عبد الرؤوف العيادي (الوفاء للثورة) حوار محاصصة وأطرافه تبحث عن السلطة والكراسي وتواصل النقاش ساخنا إلى وقت متأخر من مساء أمس شارك فيه أغلب النواب.