تفيد وقائع القضية تلقي المتسوغة للعقار تنبيها تجاريا تضمن عدم رغبة المالك في تجديد العلاقة الكرائية ومطالبتها بالخروج من المحل وعلى إثر تلقي التنبيه تولت المتسوغة تقديم إذن على عريضة الى السيد رئيس المحكمة الابتدائية بالقيروان لتكليف خبير يتولى تقدير غرامة الحرمان فصدر إذن تم بموجبه تكليف خبير في المحاسبة لتقدير الغرامة والذي أنهى أعماله وقدّر الغرامة بمبلغ 4.661.891 د فرفعت المتسوغة قضية لدى السيد قاضي ناحية بوحجلة طالبة إلزام المدّعى عليه وهو المالك بأن يؤدي لها غرامة الحرمان طبقا لما قدره الخبير. وحضر نائب المطلوب ولاحظ ان المحكمة غير مختصة بالنظر في دعوى غرامة الحرمان طالبا الحكم برفض الدعوى لعدم الاختصاص الحكمي. وحيث صدر الحكم لصالح الدعوى وعللت المحكمة حكمها “بان الدّعوى في حدود اختصاص محكمة الناحية”. وحيث اتسم الحكم بخرق القانون وسوء التعليل طبقا لما سنورده في إطار التعليق على الحكم. حيث اعتبرت المحكمة انها مختصة حكميا وقضت بإلزام المطلوب بأن يؤدي للمدعية مبلغ 4661.891 د لقاء غرامة الحرمان. وحيث تميز الحكم موضوع التعليق بخرق القانون وسوء التعليل. 1- خرق الحكم للقانون: -خرق احكام الفصل 251 من م م م ت: حيث وبالرغم من ان المدعى عليه أثار الدفع بعدم الاختصاص الحكمي فان المحكمة لم تعرض ملف القضية على النيابة العمومية وهو ما يمثل خرقا لاحكام الفصل 251 من م م م ت الذي نصه:... «ويجب على رئيس المحكمة ان ينهي قبل الجلسة بثلاث أيام على الأقل الى ممثل النيابة العمومية قصد الاطلاع على القضايا المتعلقة: أولا: بالدولة او الهيئات العمومية ثانيا: بالاحتجاج بعدم الاختصاص بالنظر الحكمي.. ومن واجب ممثل النيابة العمومية تقديم ملاحظاته كتابة..» وحيث جاء بالقرار التعقيبي عدد 26470 بتاريخ 16 / 12 / 2003 : «طالما وقع التمسك بمرجع النظر الحكمي لدى محكمة القرار المطعون فيه فإنه يكون لزاما عليها عرض ملف القضية على النيابة العمومية لإبداء ملحوظاتها كتابة» وحيث تجاهلت المحكمة أحكام الفصل المذكور ولم تعره أي اهتمام وهو ما يمثل خرقا لقواعد النظام العام يوجب النقض. -خرق احكام الفصل 31 من قانون الأكرية التجارية: حيث نص الفصل 27 من القانون عدد 37 لسنة 1977 المؤرخ في 25 / 5 / 1977 : «يجب على المتسوغ الذي يريد إما النزاع في اسباب الامتناع من التجديد التي أدلى بها المسوغ وإما المطالبة بغرامة الحرمان او يرفض الشروط المعروضة في شأن العقد الجديد ان يرفع الامر الى المحكمة ذات النظر في الثلاثة اشهر الموالية لتاريخ إبلاغ الإعلام بالخروج او لجواب صاحب الملك المنبه عليه بمقتضى الفصل الخامس من هذا القانون وبعد مضي هذا الأجل يفقد المتسوغ حق الالتجاء الى المحكمة ويعتبر إما أنه عدل عن التجديد او عن التحصل على غرامة الحرمان أو أنه قبل الشروط المعروضة عليه». وحيث نص الفصل 31 من نفس القانون:»ان جميع الدعاوى المقامة بناء على تطبيق هذا القانون غير المنصوص عليها بالفصل 27 الى 30 من هذا القانون يقع النظر والبت فيها طبق أحكام القانون العام». وجاء بالقرار التعقيبي الصادر عن الدوائر المجتمعة تحت عدد 60951 بجلسة 4/ 5 /2000 : وحيث إن الترابط بين الفصول صلب القانون ذاته يقتضي العمل بنفس الاختصاص الترابي للمحكمة مقر العقار للنظر في دعاوى غرامة الحرمان طالما ان كل الدعاوى المشار اليها بالفصول 27 و28 و29 مستثناة من أحكام القانون العام وخاضعة للاجراءات الواردة بالقانون عدد 37 سنة 1977 بصريح الفصل 31 من القانون المذكور». ولئن كان موضوع القرار تحديد الاختصاص الترابي للمحكمة المتعهدة بالنظر في غرامة الحرمان فان نفس المنحى يتبع في الاختصاص الحكمي طالما ان محكمة التعقيب اعتبرت في تحييثها للقرار ان أحكام القانون العام مستثناة بحكم ما نصّ عليه قانون الأكرية وهو ما يعني استبعاد تطبيق احكام القانون العام كلما تعلقت الدعوى بالفصول 27 الى 30 من القانون المذكور. وجاء بالقرار التعقيبي عدد 6194 بجلسة 5 / 11 / 1981:» ان المحكمة المتعهدة للنظر في تقدير غرامة الحرمان مؤهلة للنظر في طلب إبطال التنبيه التجاري ضرورة ان الفرعين ناشئين عن سبب واحد وهو عقد الكراء عملا بالفصل 26 من م م م ت والفصل 31 من هذا القانون كما ان المحكمة المختصة للنظر في الفرعين المذكورين أعلاه هي المحكمة الابتدائية». ويتبين من مضمون الفصل 31 من قانون الأكرية وما كرّسه فقه القضاء أن غرامة الحرمان من اختصاص المحاكم الابتدائية دون سواها. ورأت المحكمة التي اصدرت الحكم ان المبلغ المطلوب في حدود اختصاصها بمعنى انها اعتبرت ضمنيا غرامة الحرمان دعوى شخصية تخضع للفصل 39 من م م م ت دون الاشارة الى أحكام قانون الأكرية وكأنه قانون غير موجود بالمرة. وحيث يبدو من الغريب اقصاء المحكمة لقانون الأكرية بجميع فصوله ولم تشر إليه بالحكم إطلاقا وكأن الأمر يتعلق بقانون تم إلغاؤه او نسخه. وحيث أصدرت المحكمة حكما تحضيريا يقضي بالتحرير على الطرفين وتلقي ما لهما من بينة وهو حكم تحضيري في غير محله لأن مالك المحل لم يثر الدفع إطلاقا ولم ينكر انه سوّغ المحل للمدّعية بل انه أرسل لها تنبيها تجاريا على معنى أحكام الفصل الرابع من قانون الاكرية. وحيث ان الأغرب من ذلك ان المحكمة لم تحيّث الحكم ولو بفصل قانوني واحد وهو ما يعتبر مخالفا للفصل 123 من م م م ت: يجب ان يضمن بكل حكم: اولا بيان المحكمة التي أصدرته .. خامسا المستندات الواقعية والقانونية». لذلك وجب التعامل بحذر شديد مع أحكام قانون الأكرية لخطورته كضرورة الاطلاع على فصوله بكل دقة قبل استصدار أي حكم فكل خطإ في فهم فصوله يمكن ان ينجر عنه ضرر كبير لطرفي النزاع