يحيل الكشف الاخير عن مخازن للأسلحة في جنوبتونس الى امكانية كبيرة لوجود مخطط لإقامة منطقة لإدارة التوحش او قل حتى إمارة تكون منصة استباقية لانطلاق تنظيم "داعش" نحو مناطق اخرى في تونس لكن تلك المنطقة لن تكون مثل ما ساد في القصرين والمناطق المحاذية للحدود الجزائرية، بل في الجنوب وتحديدا من راس الجدير الى حدود مدينة مدنين، فطريقة التخزين تمت تحت الارض وهو ما يعني ان تلك الأسلحة ليست مخزنة لإعادة تهريبها للارهابيين في أعالي الجبال الغربية، بل للاستعمال المباشر هناك، المخزن الأخير ضمّ مضادات جوية ومضادات للمدرعات مما يعني ان التخطيط يفضي الى انه بعد تنفيذ الهجوم المباغت تقوم وحدات من الارهابيين بتأمين حدود المنطقة التي سيتم إعلانها كمنطقة إدارة توحش بعد افراغ قوات الامن والجيش منها، فمناطق إدارة التوحش يجب الا تكون معزولة بل يجب ان تكون طرق الامداد لها مؤمّنة ومضمونة، ولن يكون ذلك الا من الجانب الليبي أين يتوزعون بكثرة في عدة مناطق في ليبيا. وعلى سبيل المثال فان "داعش" امتد الى الموصل بعد ان أمّن منطقة القائم الحدودية بين العراقوسوريا، وهو ما يضمن طرق الامداد اللوجستي بالعتاد والعباد لدعم تلك المناطق، على ان يقسم الموجودون على ادوار متعددة، ومنها الإعداد لهجومات خاطفة على مناطق اخرى انتحارية لتشتيت انتباه الامن ودفعه للتراجع والسيطرة على تلك المناطق الجديدة0 وانتهاج مثل هذا المخطط لا يتم الا بالاعداد اليه بمعلومات استخبارية كبيرة، لدراسة كيفية ضرب مواقع الامن والجيش على الحدود بهجومات كاسحة وحصار من كافة الجهات وباعتماد اُسلوب الالتفاف لتشتيت القوى العسكرية والأمنية. لكن لسائل ان يتساءل عن مدى اعتبار تونس هدف استراتيجي ل"داعش" يستوجب الهجوم عليه؟ سؤال قد يعتبر في محله إذا ما اعتبرنا أن التنظيم الإرهابي يستهدف المناطق التي توجد فيها خيرات طبيعية مثل البترول، ولكن في نفس الان فإن الاهتمام الذي تمنحه تونس لهذا التنظيم تعتبر هامة، خاصة وأن أهدافه تبقى عبر قطرية وتتجه أكثر نحو أوروبا، على مثل ما قال ذباح الأقباط المصريين في ليبيا الذي أكد أن "داعش" ستحاصر روما. كذلك قد تكون مثل هذه الحجة ضعيفة إلا أن مجالا مثل تونس قد يشكل علامة فارقة بالنسبة للتنظيم الذي بدأ ينقل مركز ثقله من الشرق الوسط نحو الغرب مع بداية حصار بلدان التحالف والجيش العراقي والسوري وقوات الحرس الثوري والقوات الموالية لإيران في المنطقة له. ولا يخفى على أحد أن التونسيين هم من ضمن أكثر الحسيات المقاتلة الموجودة ضمن هذا التنظيم في الشرق، وقد بدؤوا في الرجوع تباعا إلى تونس أو إلى ليبيا. ووفق معطيات رسمية في تونس فإن 500 منهم عادوا اليوم إلى البلاد، وبعضهم اكتشف أنه ضالع في مخططات إرهابية في البلاد، بل وبدؤوا في تشكيل خلايا نائمة هناك. نحن و"داعش".. ولكن لنعد إلى منطلق المقال للإشارة أن مخبئي الاسلحة الذين وجدا في الجنوب وفيهما من الأسلحة النوعية ما يمكن أن يشكل جبهة حربية هناك، خاصة وأن التضاريس في الجنوب تضاريس صعبة وصحراوية وكثيرة الرياح إضافة إلى كون التحكم في ذلك المجال الذي يتميز بوجود تجمعات حضارية صغيرة ولكن مكثفة إضافة إلى مساحات كبيرة من الخلاء الذي يمثل فرصة بالنسبة للإرهابيين للتحرك، إضافة لوجود حقول نفط تنتشر على كامل الصحراء من ولاية تطاوين (خاصة في برج الخضراء) تشكل منطقة جذب لمثل هذا التنظيم على أساس أن التحكم فيه يمكن من ضرب اقتصاد البلاد والامتداد على أساسه في كامل أنحاء البلاد، بهجومات مباغتة تكون عادة بالاعتماد على الهجمات الانتحارية قبل السيطرة العسكرية، ومن ثم تجنيد ما يمكن تجنيده من تلك المناطق، واعلان حرب نفسية على الجنود والأمن في المنطقة بعدة طرق منها ما هو متداول على غرار الذبح والتنكيل لاضعاف المعنويات. يشير أبو بكر ناجي في كتابه "إدارة التوحش" وهو عبارة عن منهج تكتيكي واستراتيجي لتحرك الإرهابيين أن أفضل الأمكنة لاقامة ادارة التوحش هي المناطق التي يوجد فيها "عمق جغرافي وتضاريس تسمح بإقامة مناطق بها تدار بنظام إدارة التوحش، ضعف النظام الحاكم وضعف مركزية قواته على أطراف المناطق في نطاق دولته بل وعلى مناطق داخلية أحيانا خاصة المكتظة، وجود مدّ إسلامي جهادي مبشر في هذه المناطق (أعلنت وزارة الداخلية مرارا أنها منعت أكثر من 10 آلاف تونسي من التوجه إلى سوريا ومناطق التوتر، إضافة إلى 3 آلاف تونسي وصل هناك بالفعل)، كذلك انتشار السلاح بأيدي الناس فيها (اكتشاف مخازن سلاح كبيرة في مدنين منذ سنة 2012 آخرهما مخزني وادي الربايع). بهذا يحدد أبو بكر ناجي خصائص المناطق التي يمكن إقامة مناطق لإدارة التوحش فيها ، وعلى هذا الأساس فإن ما يمكن أن نستنتجه أن تونس وخاصة الجنوبالتونسي يمكن أن يشكل لبنة أولى لهذا الامتداد مع حالة الفوضى التي يشكلها التنظيم في ليبيا بامتداد حالة الاقتتال الداخلي فيها بين فريقين تدار معاركهما قريبا من الحدود التونسية، وكذلك مع ما يمكن أن يكون تعاونا خفيا بين قوات "فجر ليبيا" وبعض الكتائب المنضوية تحتها والتي يمكن أن تكون كتائب جهادية تتخفى تحت هذا الاسم وتقوم بدعم الجهاديين من هذا التنظيم الإرهابي. التهريب والإرهاب ولا يخفى على أحد أن دائما ما كان متساكنو المناطق الحدودية الجنوبية يشتكون من غياب التنمية والدولة فيها وهو ما قد يشكل نقطة جذب للتنظيم الإرهابي "داعش" أو غيرها من التنظيمات الجهادية للتحرك وجذب شباب من هؤلاء (ما حصل مؤخرا في الذهيبة ومنطقة بنقردان من تحركات) بتحريك مشاعر الغبن فيهم وتحريك ولاءاتهم إلى غايات غير وطنية مما قد يشكل لبنة للتحرك، وهنا يكمن بيت الداء. فلا يخفى على أحد أن متساكني تلك المناطق يشتغلون في التجارة مع ليبيا منذ أبد الدهر، بل وبعضهم امتهن التهريب حتى بلغ التهريب السلاح والعتاد بل وتهريب الأشخاص في بعض الأحيان (قبض الأمن مؤخرا على 3 إرهابيين كانوا يتستعدون للذهاب إلى ليبيا للالتحاق بالجماعات الارهابية هناك)، ليكون بذلك التهريب خادما للارهاب خاصة وأن هذا الأخير يضمن للتهريب كثيرا من الأموال قد تصل إلى التعامل بالعملة الصعبة، ذلك على الأقل ما مكن زعيم تنظيم المرابطين مختار بلمختار من أن يتجاوز العمل الجهادي العادي نحو الجريمة المنظمة ومكنه ذلك من أن يكنى ب"مستر مارلبورو"، وكذلك من أن يتمكن من ربط صلات مع الطوارق (شكلوا حركة جهادية سميت بأنصار الدين) قبل أن يتمكنوا من احتلال كامل شمال مالي بما سمي فيما بعد بإمارة ازواد الإسلامية قبل أن تتدخل فرنسا وبلدان من منطقة الساحل والصحراء (تشاد ونيجر) وضربهم هناك وجرهم إلى التراجع نحو جنوب ليبيا أين بدؤوا بتهديد تلك بلدان تلك المنطقة. إذن وحتى وإن كان وضع الكثير من الملح على جراح ما هو موجود إلا أن استشراف ما قد يحدث لتونس مع قرب هذه الجماعات من حدودنا ومع ما هو مطروح من معطيات جيوسياسية يمكننا من معرفة سيناريو سوداوي قد تعيشه بلادنا، مما يدفع الدولة للعمل أكثر على حصر الخطر والدفع به خارج حدودنا، مع اعتماد استراتيجية للأمن القومي تقوم على درئ تلك الأخطار بعيدا عن الحدود، خاصة وأن الإرهاب لا يعترف بها ومع بداية جديدة تتميز بأن جميع الحركات الإرهابية في شمال افريقيا ودول الساحل والصحراء بدأت في الانصهار في بوتقة "داعش" وآخرها جماعة بوكو حرام النيجرية والتي بدأت في تنفيذ عمليات في التشاد والنيجر شمالينيجيريا، إضافة إلى بدايات انصهار للتنظيمات الأخرى في ليبيا لداعش ومنها أنصار الشريعة الليبية والتونسية والتنظيمات الموالية ل"قاعدة المغرب"، وهذا ما يدعو الأمن والجيشين الوطنيين إلى التفكير في استراتيجية لمحاربة الإرهاب قائمة خاصة على المرونة في التحرك على الأرض والحذر في دراسة كل متغيرات الميدان.