أوربان.. انتخابات البرلمان الأوروبي نجحت في إبطاء القطار الذي يقود أوروبا إلى الحرب    توقيع اتفاقية شراكة بين الوكالة الوطنية للتحكم في الطاقة و"الصوناد"    حماس ترحّب بقرار مجلس الأمن بشأن وقف إطلاق النار في غزة    الثلاثاء.. درجات الحرارة تصل إلى 45 درجة    المنتخب الهولندي.. دي يونغ عن يورو 2024    صفاقس جلسة بمقر الولاية لمتابعة اضطراب تزود المواطنين بالماء    أوروبية تعلن إسلامها في تونس ...    أولا وأخيرا.. العام صابة    عاجل/ الحوثيون يعلنون إلقاء القبض على شبكة تجسس أمريكية صهيونية..    وزيرة التجهيز تتباحث مع البنك الإفريقي للتنمية برامج تمويل المشاريع الجديدة لسنة 2025    نابل: حريق يأتي على 21 هكتار من ضيعات القوارص بمنزل بوزلفة    الإبقاء على مهدي زقروبة تحت مفعول بطاقة الإيداع بالسجن    اثر زيارة رئيس الجمهورية.. انطلاق اشغال تهيئة شاطئ الياسمينة بالحمامات    فيلم Furiosa في قاعات السينما التونسية: إعادة تعريف للبطلات النسائيات في صناعة السينما"    الجبل الأحمر: ينزلون تلميذا عنوة من المترو.. يعنّفونه.. ويسلبونه هاتفه    انطلاقا من يوم العيد في القاعات: فيلم يروي تفاصيل "اخفاء صدام حسين"    دار الافتاء المصرية : رأس الأضحية لا تقسم ولا تباع    تطاوين: وفاة امرأة إثر تعرضها لصعقة كهربائية    إشادة بالمشاركة "القيّمة" لتونس في مختلف البعثات الأمميّة لحفظ السلام    مونديال الأندية : ريال مدريد ينفي و يوضح    نقابة الصحفيين تطالب بالإطلاق الفوري وغير المشروط لكل الصحفيين المودعين بالسجن    العاصمة: عرض للموسيقى الكلاسيكية بشارع الحبيب بورقيبة في هذا الموعد    عاجل/ إختفاء طائرة تُقل نائب رئيس هذه الدولة    نابل: تسجيل 27 حالة غش منذ إنطلاق امتحان الباكالوريا 2024    السن الواجب مراعاته في الأضحية    نصائح لمطبخ صحي ونظيف في عيد الإضحى    عاجل/ مجلس وزاري يتخذ هذه القرارات..    للحدّ من الهجرة غير النطامية.. توقيع اتفاقية بين تونس وإيطاليا    نحو تعيين مباراة الكاس الممتازة للموسم الرياضي 2021-2022 بين الترجي الرياضي و النادي الصفاقسي    عاجل/ حادث اصطدام سيارة بعربة مترو بهذه الجهة..وهذه حصيلة الجرحى..    الكشف عن مذبح عشوائي للدواجن في أريانة    الخطوط التونسية تستعدّ: خط مباشر بين تونس والصين ابتداء من 2025    وزير الفلاحة: التغيرات المناخية خطر وعلى الدول الصناعية الكبرى تحمّل مسوؤلياتها    مطار قرطاج : ضبط أكثر من 1.5 كغ من المعدن الأصفر لدى مسافرتين    عيد الاضحى : ما هي أضرار شواء اللحوم ؟    الداخلية تعلن عن الاستعدادات الخاصة بعودة التونسيين بالخارج    لقاح للقضاء على السرطان ماالقصة ؟    الحماية المدنية: 18 حالة وفاة في يوم واحد    قفصة: موظّف متورّط في ترويج أقراص المخدّرات    عاجل : رئيس الوزراء البلجيكي ألكسندر دي كرو يستقيل    في حادثة صادمة: سيجارة إلكترونية تتسبب في انفجار رئة مراهقة..!!    تونس: إقبال كثيف على أضاحي العيد بالميزان    عاجل : ارسين فينغر في تونس و هذه التفاصيل    قطاع التامين: أقساط صافية ب 1148.2 مليون دينار في الربع الأول من العام    خبر غير سار لأحباء لاعبة التنس أنس جابر    إيطاليا تهزم البوسنة 1-صفر في المباراة الودية الأخيرة لها قبل بطولة أوروبا    حالة الطقس: الحرارة بين 25 و45 درجة مع ظهور الشهيلي بالجنوب    فرنسا تتعادل سلبيّا مع كندا في اختبارها الأخير لكأس أوروبا    بعد انسلاخ غانتس عن نتنياهو...حكومة الدم تنهار    دليل الأسبوع    فضيحة مدوية بعد انتحار 12 جنديا بسبب أهوال الحرب ..لعنة غزّة تفتك بجيش الاحتلال    معرض صفاقس الدولي الدورة 58 من 21 جوان الى 7 جويلية    الفلبين: تحظر واردات الدواجن من أستراليا لهذه الأسباب    مريم بن مامي: ''المهزلة الّي صارت في دبي اتكشفت''    موعد عيد الاضحى: 9 دول تخالف السعودية..!!    تطاوين : بدء الاستعدادات لتنظيم الدورة السابعة للمهرجان الدولي للمونودراما وإسبانيا ضيف شرف    هند صبري تلفت الأنظار في النسخة العربية لمسلسل عالمي    مُفتي الجمهورية : عيد الإضحى يوم الأحد 16 جوان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في تقرير مفصل ننشره : هيومن رايتس تبدي رايها في أطوار محاكمات قضايا الشهداء وتحث الحكومة على الحرص على جلب المخلوع
نشر في الصباح نيوز يوم 06 - 07 - 2012

نشرت أمس الخميس منظمة هيومن رايتس ووتش تقريرا عرضت فيه أطوار محاكمة كلّ من زين العابدين بن علي و22 من كبار المسؤولين زمن حكم المخلوع بعد أن قامت بمراقبة أطوار المحاكمة
هذا وقد ذكرت المنظمة أنّه ورغم صدور مذكرة توقيف دولية ضدّ المخلوع إلا أن الحكومة التونسية لم تبذل جهودًا كافية لاسترجاعه من السعودية.

وفي ما يلي نصّ تقرير هيومن رايتس كاملا، كما وقع نشره في الموقع الرسمي للمنظمة:

قالت هيومن رايتس ووتش إن محاكمة الرئيس السابق زين العابدين بن علي وآخرين، التي جرت أمام المحكمة العسكرية في الكاف، بينت الخطوات التي يتعين على النظام القضائي في تونس اتخاذها من أجل محاسبة مسؤولي النظام السابق بشكل شامل وعادل على انتهاكات حقوق الإنسان التي تم ارتكابها.
وكانت هيومن رايتس ووتش قد راقبت أطوار محاكمة قتل المتظاهرين أثناء احتجاجات تونس سنة 20102011.
وانتهت هذه المحاكمة في 13 جوان الفارط، ودرست هيومن رايتس ووتش اجزاء من نصّ حكمها النهائ الذي جاء في 1066 صفحة.
وخلص تقييم هذه القضية ومعها قضية 22 من كبار المسؤولين إلى تحديد جوانب إيجابية في أطوار المحاكمة، ولكنه أيضًا توصل إلى وجود ثغرات قانونية جعلت المحكمة غير مؤهلة بشكل كامل لتحديد هوية الذين ارتكبوا عمليات القتل وتحديد المسؤولية الجزائية لمسؤولين رفيعي المستوى.
كما أكد تقييم المحاكمة على ضرورة أن تُعرض مثل هذه القضايا في المستقبل على محاكم مدنية وليس محاكم عسكرية. وأشار التقييم إلى أنه بالرغم من أن القانون الدولي لا يحظر بشكل مطلق المحاكمات الغيابية، إلا أنه يبقى لبن علي، الذي حُكم عليه بالسجن المؤبد، الحق في محاكمة جديدة إذا عاد إلى تونس.
وقال إريك غولدستين، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "تُعتبر محاكمة بن علي وكبار المسؤولين الآخرين خطوة إلى الأمام على مسار تحقيق سيادة القانون، ولكن الحكم الذي صدر سوف يبقى دون معنى ما لم يرجع بن علي إلى تونس لمواجهة التهم الموجهة إليه.
ويتعين على الحكومة التونسية مراجعة قوانينها للتقليص من الصلاحيات الكبيرة التي تتمتع بها المحاكم العسكرية للنظر في انتهاكات حقوق الإنسان التي قد ترتكبها القوات العسكرية أو قوات الأمن".
وكان بن علي قد فرّ إلى السعودية في 14 جانفي 2011، ورغم صدور مذكرة توقيف دولية ضدّه إلا أن الحكومة التونسية لم تبذل جهودًا كافية لاسترجاعه من السعودية ومحاكمته.
وفي 17 فيفري، قال حمادي الجبالي رئيس الحكومة التونسية، أثناء قيامه بزيارة رسمية إلى السعودية، ل راديو سوا إنه سوف يطرح مسألة تسليم بن علي على السعوديين، ولكنه اعتبر المسألة "ثانوية، وليست أولوية".
وجرت أطوار محاكمة بن علي ومسؤولين كبار آخرين في المحكمة العسكرية الدائمة في الكاف، وهي واحدة من ثلاث محاكم عسكرية في البلاد. ونظرت المحكمة في عمليات القتل التي جدت في ولايات الكاف، وجندوبة، وباجة، وسليانة، والقصرين، والقيروان في الفترة الممتدة بين ديسمبر 2010 إلى جانفي 2011.
وكانت أعنف الأعمال التي ارتكبتها قوات الأمن قد حدثت في مدينتي القصرين وتالة في الوسط الغربي التونسي حيث قُتل 23 شخصًا وأصيب مئات الآخرين بجروح. كما تجري الآن محاكمة أخرى للعديد من المتهمين، ومنهم بن علي ومسؤولين كبار آخرين، في المحكمة العسكرية الدائمة في تونس العاصمة.
أصدرت المحكمة العسكرية الدائمة في الكاف حُكمًا بالسجن المؤبد في حق بن علي بسبب مشاركته في القتل العمد كما ينص على ذلك الفصل 23 من المجلة الجزائية. كما أصدرت حكمًا بالسجن لمدة 12 سنة لنفس الأسباب في حق رفيق الحاج قاسم، وزير الداخلية منذ نوفمبر 2004 إلى 12 جانفي 2011، وأحكامًا بالسجن لمدة عشر سنوات في حق كل من عادل الطويري، المدير العام للأمن الوطني السابق، وجلال بودريقة، المدير العام لشرطة مكافحة الشغب سابقًا، ولطفي بن زواوي، المدير العام للأمن العمومي سابقًا، ويوسف بن عبد العزيز، عميد سابق في شرطة مكافحة الشغب، وخالد بن سعيد، المدير العام للفرقة المختصة لمكافحة الإرهاب سابقًا.
كما أصدرت المحكمة أحكاما أخرى بالسجن تراوحت بين سنة واحدة و15 سنة في حق ستة ضباط من أصحاب الرتب الدنيا بتهمة قتل المتظاهرين كما تنص على ذلك الفصول 201 و 202 و 205 من المجلة الجزائية.
كما برأت المحكمة عديد المتهمين الآخرين، ومنهم علي السرياطي، المدير العام للأمن الرئاسي من 1 سبتمبر 2001 إلى 14 جانفي 2011، وأحمد فريعة، وزير الداخلية بين 12 و27 جانفي 2011، إضافة إلى بعض القيادات الأمنية الذين اشرفوا على قوات الأمن في تالة والقصرين أثناء الاحتجاجات، بمن فيهم منصف العجيمي، مدير شرطة مكافحة الشغب في تالة بين 10 و12 جانفي، ومنصف كريفة، المدير الجهوي لشرطة مكافحة الشغب أثناء الأحداث، وعديد الضباط الآخرين من أصحاب الرتب الدنيا. وفي تقييمها لمحضر الحكم الصادر عن المحكمة العسكرية الدائمة في الكاف، المؤلف من 1066 صفحة قامت هيومن رايتس ووتش بسرد الإجراءات والشهادات والأدلة التي قدمتها جميع الأطراف إلى المحكمة، وشرحت المنطق الذي اتبعته المحكمة لإدانة بعض المتهمين وتبرئة البعض الآخر.
بدأت محاكمة الكاف في 28 نوفمبر 2011، بعد أن أحال قضاة التحقيق في القصرين والكاف والقيروان القضايا إلى القضاء العسكري عملا بالقانون عدد 70 الصادر في أوت 1982 المتعلق بضبط القانون الأساسي العام لقوات الأمن الداخلي.
وينص هذا القانون على أن تنظر المحاكم العسكرية في القضايا المتعلقة بأعوان قوات الأمن الداخلي وسلوكهم أثناء ممارستهم لمهامهم. ويُذكر أنه يوجد معيار في القانون الدولي ينص على ضرورة أن تتمتع المحاكم المدنية بصلاحية النظر في جميع القضايا المتعلقة بانتهاكات في حق المدنيين، بغض النظر عما إذا كان المتهمون مدنيون أو عسكريون.
وقالت هيومن رايتس ووتش إنه يتعين على السلطات التونسية إصلاح القوانين الداخلية بما يجعل صلاحيات القضاء العسكري لا تتجاوز الجرائم ذات الطبيعة العسكرية البحتة.
وعقدت المحكمة عشر جلسات قامت خلالها باستجواب المتهمين، والاستماع إلى العديد من الشهود، وفحص مطالب محاميّ المتهمين والضحايا للحصول على أدلة إضافية. وبدأت المرافعات الشفاهية في 21 ماي. وبعد صدور الأحكام، قال المدعي العام ومحامو الدفاع إنهم سوف يقدمون مطالب استئناف لدى محكمة الاستئناف العسكري، وهي محكمة أحدثت بموجب المرسوم رقم 69 الصادر في 29 جويلية 2011.
وخلُصت هيومن رايتس ووتش إلى أن المحكمة العسكرية واجهت عديد التحديات أثناء هذه القضية بحيث توصل قاضي التحقيق العسكري إلى تحديد أعوان الأمن المتورطين في ثلاث عمليات قتل فقط من أصل 23 عملية في القصرين وتالة، وفشل في الحصول على أدلة ملموسة على قيام رؤساء العمل بإسداء تعليمات إلى مرؤوسيهم باستعمال القوة القاتلة لقمع الاحتجاجات. وفي غياب أدلة ملموسة قوية وشهادات الشهود، اعتمد المدعي العام وقضاة التحقيق على منطق الاستدلال لإدانة القادة المتهمين.
كما قالت هيومن رايتس ووتش إن المجلة الجزائية التونسية تفتقر إلى النصوص التي تحتاج إليها مثل هذه القضايا، فهي لا تنص على مفهوم مسؤولية القيادة الذي يعترف به القانون الدولي والذي يُحمل القادة وكبار المسؤولين المدنيين مسؤولية الجرائم التي يرتكبها مرؤوسوهم إذا كانوا على علم بوقوعها، أو يفترض أن يكونوا قد علموا بها، بسبب الظروف السائدة في ذلك الحين، دون أن يمنعوا وقوعها ويحاسبوا المسؤولين على ارتكابها. وعملا بالقانون التونسي، يتعين على الادعاء العام إثبات أن الشخص القيادي كان على علم بالجريمة وأصدر تعليمات لارتكابها حتى يتم الإقرار بمشاركته فيها. وقالت هيومن رايتس ووتش إنه يتعين على تونس إدماج مفهوم مسؤولية القيادة في تشريعاتها الداخلية.
وقال إريك غولدستين: "إن الأحكام الصادرة ضد بن علي والمسؤولين الأمنيين الذين عملوا معه تبعث بإشارة تحذير قوية إلى كبار المسؤولين بوجوب توخي اليقظة اللازمة لمنع ارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان. ولكن يتعين على الحكومة التونسية التحرك بشكل أسرع لاسترجاع بن علي وإعادة محاكمته، وتبني الإصلاحات القانونية اللازمة كي تصبح المحاكمات المستقبلية مستجيبة للمعايير الدولية".
محاكمات قتل المتظاهرين
في 13 جوان، انتهت محاكمة ثانية للرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي. وفي هذه المحاكمة، أصدرت المحكمة العسكرية الدائمة في تونس العاصمة حُكمًا غيابيًا بسجن بن علي لمدة عشرين سنة بتهمة التحريض على استعمال الأسلحة وإثارة الفتنة عملا بالفصل 72 من المجلة الجزائية. واهتمت هذه القضية بمقتل ستة أشخاص بعد إن أطلقت الشرطة النار على عناصر من لجان حماية الأحياء في 15 جانفي 2011 في الوردانين
وفي قضية أخرى متعلقة بعمليات قتل أثناء الثورة، أصدرت المحكمة العسكرية الدائمة في صفاقس في 30 أفريل أحكامًا بسجن الشرطيين عمران عبدلالي ومحمد سعيد خلودة لمدة عشرين سنة وغرامات مالية ب 80 ألف دينار.
وتمت إدانة الشرطيين بقتل سليم الحضري، الذي توفي بطلق ناري بينما كان يشارك في مظاهرة في 14 جانفي 2011 في صفاقس، حوالي 270 كلم جنوب تونس العاصمة.
كما تجري في الوقت الحالي محاكمة أخرى في حق العديد من المتهمين في المحكمة العسكرية الدائمة في تونس، ويواجه فيها 43 شخصًا تهمة قتل المتظاهرين في ولايات تونس، وأريانة، ومنوبة، وبن عروس، وبنزرت، ونابل، وزغوان، وسوسة، والمنستير. ومثلما هو الحال في محاكمة الكاف، تشمل قائمة المتهمين في محاكمة تونس العاصمة بن علي، واثنين من وزراء الداخلية السابقين، والمدراء العامين السابقين لقوات الأمن.
أما الآخرون فهم محمد العربي الكريمي، مدير غرفة العمليات المركزية في وزراء الداخلية سابقا، وعلي بن منصور، المتفقد العام لقوات الأمن سابقا، ورشيد بن عبيد، مدير المصالح المختصة سابقا، وعدد من القيادات الأخرى وضباط آخرون من أصحاب الرتب الدنيا.

سلامة الإجراءات والشفافية واستقلالية المحكمة

يبدو أن المحكمة العسكرية الدائمة في الكاف حرصت على احترام بعض الحقوق الأساسية للمتهمين، فكان لهم الحق في اختيار محاميهم بأنفسهم، وتوفرت لهم فرص متكررة لعرض أدلة براءتهم واستدعاء شهود لصالحهم.
كما تمكن الصحفيون من حضور جلسات المحاكمة وغطوا وجهات نظر الضحايا ومحامي الدفاع في الصحافة المكتوبة والإذاعات والقنوات التلفزيونية.
أدخل إصلاح قوانين العدالة العسكرية التونسية تحسينات عديدة على المنظومة القضائية العسكرية من خلال تمكين الضحايا من رفع دعاوى، والمطالبة بتعويضات، وتوكيل من ينوبهم أمام المحاكم العسكرية.
كما أنشأت الإصلاحات محكمة الاستئناف العسكري التي يحق لها إعادة المحاكمة اعتمادًا على القانون والوقائع.
ولكن مازال وزير الدفاع يترأس المجلس الأعلى للقضاة العسكريين الذي يُشرف على تعيين وترقية وتأديب وفصل القضاة العسكريين، وهو ما يثير شكوك حول استقلالية المحاكم العسكرية.
وقالت هيومن رايتس ووتش إنه يتعين على السلطات التونسية إصلاح تشريعاتها الداخلية بما يحد من اختصاص المحاكم العسكرية في الجرائم ذات الطبيعة العسكرية البحتة فقط. وعملا بالقانون التونسي، تتمتع المحاكم العسكرية أيضا بصلاحية النظر في الجرائم التي ترتكبها قوات الأمن. ويمنح الفصل 22 من القانون عدد 70 المؤرخ في أوت 1982 المتعلق بضبط القانون الأساسي لقوات الأمن الداخلي المحاكم العسكرية صلاحية النظر في جميع الجرائم التي يُزعم أنها ارتكبت على أيدي عناصر من قوات الأمن، وبغض النظر عن هوية الضحايا أو الصفة التي تم بها ارتكاب الجريمة.
هذا الاختصاص الواسع يتناقض مع أحد المعايير الأساسية في القانون الدولي والمتمثلة في محاكمة المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان أمام المحاكم المدنية.
وقد تزايد عدد هيئات مراقبة حقوق الإنسان التي تحث الدول على محاكمة الأشخاص العسكريين المتهمين بانتهاك حقوق الإنسان أمام القضاء المدني. وأكدت اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، في قضية "سُليمان ضدّ السودان" في ماي 2003، أنه يجب على المحاكم العسكرية أن لا يتاح لها سوى "النظر في الجرائم ذات الطبيعة العسكرية الخالصة" و"يجب ألا تتعامل مع الجرائم التي تُعتبر خاضعة للقضاء الطبيعي".
إضافة إلى ذلك، تنصّ المبادئ المتعلقة بالحق في المحاكمة العادلة والمساعدة القانونية في أفريقيا كما أعلنت عنها اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب على "ضرورة أن يكون الهدف الوحيد للمحاكم العسكرية تحديد الجرائم ذات الطبيعة العسكرية الخالصة التي يرتكبها أفراد عسكريون".
ورغم أنه لا يوجد ما يحظر المحاكمات الغيابية، إلا أن القانون الدولي لا يحبذ هذا النوع من المحاكمات. ويتعين على المحكمة المعنية بالمحاكمة التأكد من وجود ضمانات تكفل الحقوق الأساسية للمتهمين، مثل إعلام المتهم بشكل مسبق بالإجراءات الضرورية، وحقه في تحديد من يمثله حضوريا وغيابيا، وتحديد حيثيات الإدانة التي يحصل عليها الشخص إذا عاد إلى تمثيل نفسه.
لا يوجد في مجلة الإجراءات الجزائية التونسية أي أحكام قانونية خاصة بالمحاكمة الغيابية. وقامت محكمة الكاف بتعيين محام للدفاع عن بن علي، ولكن المحامي لم يشارك في جميع الإجراءات.
ورغم أنه كان حاضرًا في المرافعات الأخيرة إلا أنه تخلي عن المرافعة. وتعني هذه الجزئيات أنه لم يتم احترام الضمانات الإجرائية الدنيا للمحاكمة الغيابية في هذه القضية.
قاعدة الإدانة
اعتمدت لائحة الاتهام بشكل كبير على مقابلات أجراها قضاة التحقيق مع مئات الشهود، ولكن عدد محدود من هؤلاء تمكن من تحديد هوية الأشخاص الذين أطلقوا النار. وقام الشهود بسرد الأحداث ووصف الظروف التي استعملت فيها الشرطة القوة القاتلة دون أن يحددوا الأشخاص الذين قاموا بتصويب الرصاصات القاتلة، ويعود ذلك إلى حد كبير إلى أن قوات الشرطة التي كانت تعمل في تالة والقصرين في ذلك الوقت كانت تتكون من مجموعات مختلطة من أعوان محليين وآخرين قدموا من مناطق أخرى لمساندتهم.
إضافة إلى ذلك، لا يحتوي ملف القضية على معلومات باليستية مفصلة.
ففي الوقت الذي بدأ فيه قاضي التحقيق المدني عمله، في فيفري 2011، كان قد تم دفن أغلب الجثث دون أن تُعرض على فحص الطب الشرعي. ورغم أن السلطات أخرجت ست جثث، إلا أنها لم توفر أدلة ثبوتية كبيرة.
ووجه قاضي التحقيق تهمة إطلاق طلقات قاتلة لثلاثة أشخاص فقط، وهم بشير بالطيبي، عون شرطة مكافحة الشغب متهم بقتل وجدي السايحي في تالة يوم 12 جانفي 2011، ومحمد مجاهد بن حولة، عون شرطة مكافحة الشغب متهم بقتل محمد أمين مباركي في القصرين يوم 8 جانفي، ووسام الورتتاني، رئيس مركز شرطة في القصرين متهم بقتل عبد الباسط القاسمي في 8 جانفي.
وتمت إدانة هؤلاء الأشخاص اعتمادًا على شهادات الشهود وأعوان أمن آخرين. وخلُص القضاة إلى أن إطلاق النار في تالة والقصرين تم في أغلب الأحيان على حشود من الناس لم يكونوا يمارسوا العنف. وتمت إدانة اثنين من أعوان الشرطة بالقتل العمد عملا بالفصل 205 من المجلة الجزائية بينما أدين العون الثالث بالقتل العمد مع سابقية القصد عملا بالفصل 201. ورأى القضاة أن أعوان الأمن الميدانين لم يحترموا شروط استعمال الأسلحة النارية كما ينص عليها القانون عدد 4 لسنة 1969 المتعلق بالاجتماعات العامة والمواكب والاستعراضات والمظاهرات والتجمهر.
كما توصل القضاة إلى إدانة بعض القادة الأمنيين وتبرئة البعض الآخر بالنظر إلى مدى مراقبتهم للوحدات الميدانية، وعما إذا كانوا قائمين بشكل مباشر على تنظيم قوات الأمن لإخماد الاحتجاجات.
ولم يتوصل قاضي التحقيق إلى أي أدلة تثبت أن المسؤولين الكبار في قوات الامن الداخلي أسدوا تعليماتهم لأعوان الأمن باستعمال القوة القاتلة لقمع الاحتجاجات.
وفي ردهم على أسئلة القاضي، نفى أعوان الأمن الميدانين تلقيهم تعليمات باستعمال الذخيرة الحية.
كما فشل قاضي التحقيق في العثور على أي أوامر مسجلة في غرفة العمليات المركزية في وزارة الداخلية حيث يتم تسجيل جميع المكالمات الهاتفية الأرضية الصادرة من والواردة إلى الوحدات الأمنية.
وقال محامو دفاع المديرين العامين لقوات الأمن إن فشل الادعاء في إثبات وجود أوامر باستعمال القوة المميتة يجب أن ينتج عنه تبرئة موكليهم لأن جريمة المشاركة في القتل، التي يواجهونها، تتطلب بحسب القانون التونسي دليلا على قيام المتهم بعمل ما ساعد على القتل.
إضافة إلى ذلك، حاول بعض المتهمين إثبات أنهم بذلوا الجهد الكافي في التعاطي مع الوضع. على سبيل المثال، قدم عادل الطويري، مدير عام قوات الأمن الوطني سابقًا، أدلة على أنه أصدر أوامر يوم 9 جانفي على الساعة العاشرة صباحًا لجميع مراكز الأمن بممارسة ضبط النفس في مواجهة المتظاهرين لتفادي اللجوء إلى الذخيرة الحية. كما زعم عادل الطويري أنه أمر بتغيير القادة الأمنيين في تالة والقصرين بعد الأحداث الدامية التي شهدتها المدينتان في 8 و9 جانفي.
وفي نصّ الحكم، اعتمد القضاة على المنطق الاستدلالي والأدلة الظرفية لتبرير إدانة مديري قوات الأمن، وانطلقوا من احتمال وجود أوامر باستعمال القوة القاتلة في اثنين من خطابات بن علي: الأول في 10 جانفي وقال فيه انه سيتم التعامل مع الاحتجاجات بكل حزم، والثاني في 13 جانفي، ليلة فراره إلى السعودية، وقال فيه "كفوا عن استعمال الذخيرة الحية"، وهي جملة اعتبرها القضاة بمثابة التصريح الضمني بوجود أوامر سابقة باستعمال الذخيرة الحية.
كما خلُص القضاة ضمنيًا إلى أن جميع المديرين العامين لقوات الأمن كانوا مشاركين في هذه الخطة لأنهم شاركوا في اجتماعات خلية الأزمات في 9 و10 و11 و12 جانفي لتحديد خطة لمواجهة الاحتجاجات. كما اعتبروا أن الأوامر باستعمال القوة لإخماد الاحتجاجات صدرت من أعلى هرم الدولة عبر المدراء العامين لأجهزة الأمن إلى المدراء الجهويين لشرطة مكافحة الشغب في تالة والقصرين، الذين قاموا بدورهم بنقل الأوامر إلى الأعوان العاديين.
إن الفشل في تحديد هوية الأشخاص الذين تسببوا في مقتل 20 من أصل 23 ضحية في تالة والقصرين جعل المحكمة غير قادرة على الوقوف علي حقيقة ما حدث، وتحميل المسؤولية الشخصية لمرتكبي عمليات القتل.
قاعدة تبرئة بعض المتهمين
تمت تبرئة ثمانية متهمين، وتضمن نص الحكم أدلة التبرئة. فعلى سبيل المثال، تمت تبرئة علي السرياطي، مدير الأمن الرئاسي سابقًا، من تهمة المشاركة في القتل العمد لأن القوات التي تعود إليه بالنظر لم تشارك في قمع المتظاهرين، ولم يكن هو طرفًا في اتخاذ القرار على مستوى وزارة الداخلية.
كما تمت أيضًا تبرئة أحمد فريعة لأنه تم تعيينه وزيرًا للداخلية فقط في مساء 12 جانفي، بعد أن حدثت عمليات القتل في تالة والقصرين.
وبعد تسلمه منصب الوزارة، طلب أحمد فريعة من رئيس ديوانه إصدار أمر وزاري بممارسة أقصى درجات ضبط النفس في مواجهة المتظاهرين وتجنب استعمال الذخيرة الحية.
كما تمت تبرئة منصف العجيمي من تهمة القتل العمد.
وكان قد تم تعيينه مديرًا لشرطة مكافحة الشغب في تالة في 10 جانفي لتعويض مدير سابق بعد أن شهدت المدينة مقتل خمسة أشخاص وإصابة العديدين غيرهم بجروح في 8 جانفي.
وقام القضاة بمراجعة التهم الموجهة إليه وخلصوا إلى أنه قام بتسيير قوات مكافحة الشغب هناك فقط لمدة يومين قبل أن يأمره رئيسه المباشر، جلال بودريقة، بالانسحاب وقواته من المدينة في 12 جانفي.
وفي 10 و11 جانفي ، لم تسقط أية ضحية في تالة، بينما وقعت في 12 جانفي عملية قتل واحدة.
إضافة إلى ذلك، قام القضاة بمراجعة شهادات العديد من الأعوان العاملين تحت إمرة منصف العجيمي الذين أفادوا أنه طلب منهم جمع أسلحة شرطة مكافحة الشغب وخبأها في مكان آمن.
وفي جانفي 2012، تم تعيين منصف العجيمي نائب رئيس ديوان وزير الداخلية.

الأحكام الصادرة عن المحكمة العسكرية الدائمة في الكاف
المدانون

* زين العابدين بن علي، الرئيس السابق، حُكم عليه بالسجن مدى الحياة بتهمة المشاركة في القتل العمد عملا بالفصل 32 من المجلة الجزائية.
* رفيق الحاج قاسم، وزير الداخلية السابق، حُكم عليه بالسجن لمدة 12 سنة بتهمة المشاركة في القتل العمد عملا بالفصل 32.
* عادل الطويري، مدير عام الأمن الوطني سابقًا، حُكم عليه بالسجن لمدة عشر سنوات بتهمة المشاركة في القتل العمد عملا بالفصل 32.
* جلال بودريقة، مدير عام شرطة مكافحة الشغب سابقًا، حُكم عليه بالسجن لمدة عشر سنوات بتهمة المشاركة في القتل العمد عملا بالفصل 32.
* لطفي بن علي الزواوي، مدير عام الأمن العمومي سابقًا، حُكم عليه بالسجن لمدة عشر سنوات بتهمة المشاركة في القتل العمد عملا بالفصل 32.
* يوسف بن عبد العزيز، عميد سابق في شرطة مكافحة الشغب، حُكم عليه بالسجن لمدة عشر سنوات بتهمة القتل العمد مع سابقية القصد عملا بالفصل 201 من المجلة الجزائية.
* وسام بن طه الورتتاني، رئيس مركز شرطة القصرين سابقًا، حُكم عليه بالسجن لمدة 15 سنة بتهمة القتل العمد مع سابقية القصد عملا بالفصل 201.
* بشير بالطيبي، مقدم في شرطة مكافحة الشغب، حُكم عليه بالسجن لمدة ثماني سنوات بتهمة القتل العمد عملا بالفصل 205 من المجلة الجزائية.
* أيمن بن عباس الكوكي، حُكم عليه بالسجن لمدة سنة واحدة بتهمة القتل غير العمد عملا بالفصل 217 من المجلة الجزائية.
* محمد بن حولة، نقيب شرطة مكافحة الشغب، حُكم عليه بالسجن لمدة عشر سنوات بتهمة القتل العمد عملا بالفصل 205.
* خالد بن سعيد، مدير سابق لفرقة مكافحة الإرهاب، حُكم عليه بالسجن لمدة عشر سنوات بتهمة المشاركة في القتل العمد مع سابقية القصد عملا بالفصل 201.
* ذهبي العابدي، حُكم عليه بالسجن لمدة عشرة أشهر بتهمة القتل العمد عملا بالفصل 201.
عدم سماع الدعوى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.