في إطار زيارة الدولة التي يؤديها لتونس، أجرى رئيس جمهورية ألمانيا الاتحادية يواخيمغوك، اليوم الأربعاء، جلسة عمل مع أعضاء هيئة الحقيقة والكرامة، بعد لقائه برئيس الجمهورية وقيامه بسلسلة لقاءات مع أعضاء الحكومة. ويُعرف يواخيمغوك على المستوى الدولي كمختصّ في ملف الذاكرة، حيث سبق وإن اُنتخب سنة 1990 على رأس اللجنة المختصة المكلّفة بالإشراف على حل وزارة أمن الدولة، البوليس السياسي الألماني (Stasi). وقد صرّح بهذه الصّفة أنّه "مهتمّ بصفة خاصة بسير مهام هيئة الحقيقة والكرامة، وبصفة عامة بالتجربة التونسية في مجال العدالة الانتقالية"، مضيفا أن ألمانيا "حريصة على المساهمة في دعم المسار على مختلف المستويات"، وفق ما جاء في بلاغ صادر عن الهيئة تلقت "الصباح نيوز" نسخة منه. كما أكّد الرئيس الألماني بأن "نجاح الانتقال الديمقراطي مرهون بعمل هيئة الحقيقة والكرامة" مضيفا أنه "لا يوجد انتقال نحو الديمقراطية في غياب الاشتغال على الذاكرة". كما أشار "أنه لا يوجد نموذج جاهز في هذا الميدان حيث إن لكل دولة خصوصيتها ومسلكها الخاص للوصول لمواجهة ماضيها وتسويته خاصة وإن كان ماضي ثقيل نتيجة الاستبداد، وإن كانت المبادئ الأساسية مشتركة بين مختلف الدولة المعنية"، ممتنعا بذلك عن "التدخل في الشأن الخاص بالتونسيين الذين يقدرون على سلك طريقهم الخاص" حسب قوله. وتأكيدا لأهمية دور الأرشيف، أكد يواخيمغوك أنه "في إطار العمل على ملف الذاكرة، يلعب الأرشيف دورا أساسيا حيث أنه يسمح بالنفاذ للمعلومات في علاقة بالانتهاكات". كما أضاف أنه من "المضر جدا لكل ديمقراطية ناشئة، أن يحتكر المذنب المعلومة حيث إن كان المذنب يمتلك معلومة ذات علاقة بالماضي، فإن كل ضحية لها الحق فيها على المستوى نفسه". وواصل غوك بالقول " عموما كل جهة تودّ الاحتفاظ باحتكار المعلومة هي في الحقيقة ترغب في إعادة انتاج النظام الاستبدادي وليست القطيعة معه" معتقدا أنه من المفيد دائما تنظيم حوار وطني حول ملف النفاذ للأرشيف في دولة القانون. كما أضاف "في ملف النفاذ للأرشيف، لا يمكن تطبيق القانون العام على أرشيف الديكتاتورية وذلك لوضعيته الخاصة". وواصل يواخيمغوك شرحه بالقول "يمكن لأشخاص آخرين أن يكونوا معنيين بوثيقة ما وبذلك تكون ضرورة تنظيم النفاذ للأرشيف إذ يجب الحفاظ على الحياة الخاصة بحذف الأسماء المعنية، مع السماح للضحايا بالنفاذ الحر للوثيقة ذات العلاقة". واختتم يواخيمغوك بالقول "إن المساءلة في مادة العدالة الانتقالية تهتم بالمساءلة الأخلاقية قبل المساءلة القضائية"، وذلك في تعرّضه لما يعتبره مساءلة سياسية مضيفا "إن الغاية يجب أن تكون امتحان لوعي المسؤولين بالانتهاكات بهدف ضمان عدم التكرار، فليس القضاء من يعالج القضايا المتعلقة بالماضي". وصرّح غوك في نهاية الجلسة أنه رغم السياق الصعب، فإن التجربة التونسية تتمتع بميزة قيمّة متمثّلة في نص تشريعي يولي لهيئة الحقيقة والكرامة مهمة استثنائية ويمنحها صلاحيات واسعة. من جهتها، صرّحت رئيسة الهيئة أنها تشرّفت بلقاء رئيس دولة صديقة وهو أيضا أحد وجوه مقاومة الاستبداد ومناضل ساهم في تأمين مسار العدالة الانتقالية في ألمانيا وتفكيك ماضي استبدادي يرتكز على جهاز بوليس سياسي. وأضافت"نحن لا زلنا نعمل على اقناع الذي يمتنعون عن مواجهة الماضي، وهي مرحلة ضرورية، حيث إن كل ديمقراطية تقوم على أسس سليمة تطمح حتما للتآلف الاجتماعي، وأنّ التعامل الأمني الصرف غير كافي لمواجهة العنف". كما ذكّرت بأن تجاوز توتّرات الماضي هو جزء من مهام هيئة الحقيقة والكرامة مضيفة : "إن ذلك يمثّل رهان كبير ولكننا نحظى بثقة الشعب التونسي للوصول للهدف بنهاية عهدتنا".