أمين قارة يكشف سبب مغادرته قناة الحوار التونسي    الإتحاد العام لطلبة تونس يدعو إلى تنظيم تظاهرات طلابية تضامنًا مع الشعب الفلسطيني    مصر.. تصريحات أزهرية تثير غضبا حول الشاب وخطيبته وداعية يرد    خط تمويل ب10 مليون دينار من البنك التونسي للتضامن لديوان الأعلاف    وزيرة الاقتصاد والتخطيط تترأس الوفد التونسي في الاجتماعات السنوية لمجموعة البنك الإسلامي للتنمية    وزير الخارجية يتناول مع وزير المؤسسات الصغرى والمتوسطة الكامروني عددا من المسائل المتعلقة بالاستثمار وتعزيز التعاون الثنائي    صادم/ العثور على جثة كهل متحللة باحدى الضيعات الفلاحية..وهذه التفاصيل..    رئيس الاتحاد المحلي للفلاحة ببوعرقوب يوجه نداء عاجل بسبب الحشرة القرمزية..    ملامحها "الفاتنة" أثارت الشكوك.. ستينيّة تفوز بلقب ملكة جمال    القصرين: مشاريع مبرمجة ببلدية الرخمات من معتمدية سبيطلة بما يقارب 4.5 ملايين دينار (معتمد سبيطلة)    فرنسا تعتزم المشاركة في مشروع مغربي للطاقة في الصحراء    الرابطة الأولى: تشكيلة النادي البنزرتي في مواجهة نجم المتلوي    دورة اتحاد شمال افريقيا لمنتخبات مواليد 2007-2008- المنتخب المصري يتوج بالبطولة    وزيرة التربية تطلع خلال زيارة بمعهد المكفوفين ببئر القصعة على ظروف إقامة التلاميذ    القطب المالي ينظر في اكبر ملف تحيل على البنوك وهذه التفاصيل ..    سيدي حسين : قدم له يد المساعدة فاستل سكينا وسلبه !!    استقرار نسبة الفائدة الرئيسية في تركيا في حدود 50%    بي هاش بنك: ارتفاع الناتج البنكي الصافي إلى 166 مليون دينار نهاية الربع الأول من العام الحالي    سيدي بوزيد: انطلاق فعاليات الاحتفال بالدورة 33 لشهر التراث بفقرات ومعارض متنوعة    صفاقس : "الفن-الفعل" ... شعار الدورة التأسيسية الأولى لمهرجان الفن المعاصر من 28 إلى 30 أفريل الجاري بالمركز الثقافي برج القلال    الناطق باسم محكمة تونس يوضح أسباب فتح تحقيق ضد الصحفية خلود مبروك    بنزرت: الافراج عن 23 شخصا محتفظ بهم في قضيّة الفولاذ    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم السبت 27 أفريل    خبير تركي يتوقع زلازل مدمرة في إسطنبول    المجلس المحلي بسيدي علي بن عون يطالب السلطات بحل نهائي لإشكالية انقطاع التيار الكهربائي    استشهاد شابين فلسطينيين وإصابة اثنين آخرين بنيران الاحتلال الصهيوني غربي "جنين"..#خبر_عاجل    عاجل/ نحو إقرار تجريم كراء المنازل للأجانب..    هوغربيتس يحذر من زلزال قوي خلال 48 ساعة.. ويكشف عن مكانه    طقس السبت: ضباب محلي ودواوير رملية بهذه المناطق    عاجل/ الحوثيون يطلقون صواريخ على سفينتين في البحر الأحمر..    كيف نتعامل مع الضغوطات النفسية التي تظهر في فترة الامتحانات؟    "حماس" تعلن تسلمها رد الاحتلال حول مقترحاتها لصفقة تبادل الأسرى ووقف النار بغزة    مانشستر سيتي الانقليزي يهنّئ الترجي والأهلي    فضاءات أغلقت أبوابها وأخرى هجرها روادها .. من يعيد الحياة الى المكتبات العمومية؟    أخبار الملعب التونسي ..لا بديل عن الانتصار وتحذير للجمهور    ابتكرتها د. إيمان التركي المهري .. تقنية تونسية جديدة لعلاج الذقن المزدوجة    الكاف..جرحى في حادث مرور..    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    طقس الليلة    تسجيل مقدّمة ابن خلدون على لائحة 'ذاكرة العالم' لدى اليونسكو: آخر الاستعدادات    عاجل/ ايقاف مباراة الترجي وصانداونز    تألق تونسي جديد في مجال البحث العلمي في اختصاص أمراض وجراحة الأذن والحنجرة والرّقبة    الرابطة 1 ( تفادي النزول - الجولة الثامنة): مواجهات صعبة للنادي البنزرتي واتحاد تطاوين    منظمات وجمعيات: مضمون الكتيب الذي وقع سحبه من معرض تونس الدولي للكتاب ازدراء لقانون البلاد وضرب لقيم المجتمع    بطولة الرابطة 1 (مرحلة التتويج): حكام الجولة الخامسة    وزارة التجارة تتخذ اجراءات في قطاع الأعلاف منها التخفيض في أسعار فيتورة الصوجا المنتجة محليا    مدير عام وكالة النهوض بالبحث العلمي: الزراعات المائية حلّ لمجابهة التغيرات المناخية    أكثر من 20 ألف طالب تونسي يتابعون دراساتهم في الخارج    تقلص العجز التجاري الشهري    أخصائي في أمراض الشيخوخة: النساء أكثر عُرضة للإصابة بالزهايمر    تُحذير من خطورة تفشي هذا المرض في تونس..    عاجل : القبض على منحرف خطير محل 8 مناشير تفتيش في أريانة    دورة مدريد : أنس جابر تنتصر على السلوفاكية أنا كارولينا شميدلوفا    أمين قارة: إنتظروني في هذا الموعد...سأكشف كلّ شيء    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سليم بن حميدان يكتب لل"الصباح نيوز" حول تجربة حزب المؤتمر في الحكم وتحالف المنظمة الشغيلة مع قوى اجنبية واضرارالنهضة به وسبل نهوضه من جديد
نشر في الصباح نيوز يوم 04 - 02 - 2016

اتصل بنا الوزير السابق في حكومة الترويكا والقيادي بحزب المؤتمر من اجل الجمهورية سليم بن حميدان راغبا في نشر ورقة نقدية كان قدمها لاطارات حزيه في فيفري 2015 وارتأى اليوم نشرها للعموم تعميما للفائدة وإثراء للنقاش العام باعتبار الشأن الحزبي شأنا وطنيا يهم كل التونسيين على حد تعبيره
في هذه الورقة قام بن حميدان بجرد كامل للتجربة التي مر بها حزبه خلال الاربع سنوات التي تلت الثورة وتحدث عن اخطاء وقدم تصورات
ولاننا عكس ما يعتقد بعضهم ويكيل فيه التهم للاعلام نفسح المجال لبن حميدان للتعبير بكل اريحية ..وفيما يلي نص الورقة :
خرج حزب المؤتمر من أجل الجمهورية من الانتخابات الأخيرة بأكثر عدد من الأصوات بين أحزاب الديمقراطية-الاجتماعية الرافضة للاستقطاب الاسلامي- العلماني والمناضلة ضد دكتاتورية المخلوع.
ورغم تراجع رصيد الثقة التي حضي بها مقارنة بانتخابات أكتوبر سنة 2011 فإنه استطاع الصمود والمحافظة على نسبة تصويت محترمة مقارنة بنظرائه الذين سحقتهم الماكينة الانتخابية للمنظومة القديمة مما يؤهله، كقوة ثورية وليس بالضرورة كعنوان حزبي، إلى لعب دور مهم وريادي في المشهد السياسي التونسي القائم اليوم وغدا على ما قامت عليه شرعية الاستبداد بالأمس من استقطاب سياسي وأيديولوجي-هووي مدمر للثورة والدولة والمجتمع.
الفشل الأكيد والذريع الذي ينتظر الشركات السياسية الثلاث الفائزة في الانتخابات التشريعية الأخيرة (النداء، الحر وآفاق) بسبب طبيعتها المافيوزية وتناقضاتها الداخلية والتحديات الوطنية الضخمة التي ستواجهها على كل الأصعدة وبمفعول تحيلها على الناخبين المهمشين وعدائها البدائي للقوى الثورية سيفسح المجال واسعا لهذه الأخيرة، وفي مقدمتها القوى المؤتمرية المتجذرة في ثقافة المقاومة المدنية ومناهضة الاستبداد، لكي تستعيد بريقها وموقعها بأن تكون قوة المستقبل والبديل القادم لأحزاب الأيديولوجيا والمال والاستهتار بأهداف الثورة في الحرية والكرامة وسيادة الشعب على قراره وثرواته والتشغيل والمحاسبة ومكافحة الفساد والأمن الشامل والمساواة الكاملة أمام القانون ... الخ.
ولن يتيسر لنا لعب هذا الدور الريادي إلا إذا تداركنا الأخطاء والنقائص عبر عملية تقييم ومراجعة عقلانية وهادئة، متجردة من الأحقاد والمماحكات وبعيدة عن عقلية تصفية الحسابات الشخصية والسياسية القائمة كلها على استراتيجيات التدمير الذاتي، ثأرا وانتقاما، أو إعادة التموقع الحزبي، نرجسية وأوهاما.
بهذه الورقة المتواضعة أبتغي المساهمة فيما أسميه «نحو إعادة التأسيس من أجل انطلاقة أفضل» عبر عملية نقد ذاتي تقف ابتداء عند أسباب تراجعنا في الانتخابات الأخيرة و تقلص حجم شعبيتنا مقارنة بالانتخابات الفارطة وبتوقعاتنا نحن قبل الإعلان عن نتائجها.
تعود هذه الأسباب في نظري إلى التقاء عوامل عديدة، ذاتية وموضوعية :
1- في العوامل الذاتية :
وتتمثل أساسا في :
أ- الاستقالات والانقسامات الحزبية :
كانت أول استقالة خطيرة من الحزب هي تلك التي جرها عليه خيار المشاركة في الحكم واختياره منصب رئاسة الجمهورية في إطار مفاوضات تشكيل الحكومة وتوزيع المناصب بين أحزاب الترويكا الثلاثة والتي أدارتها حركة النهضة مثمولة «بنشوة الاقتدار».
ابتعاد مؤسس الحزب والشخصية الكارزمية الجامعة التي التف حول مشروعها آلاف المناضلين والناخبين شكل ضربة معنوية قاسية وترك وضعا حزبيا شبيها بحالة اليتم العائلي التي يتنازع بعدها الاخوة على الميراث.
شهد حزب المؤتمر بعدها أكبر نسبة استقالات وانشقاقات بين الأحزاب الفائزة في انتخابات 2011 حيث تفرعت عنه ثلاثة أحزاب هي على التتالي حركة وفاء بزعامة عبد الرؤوف العيّادي، التيار الديمقراطي بقيادة محمد عبو وحزب الإقلاع بإشراف الشيخ الطاهر هميلة هذا فضلا عن استقالة بعض نوابه الذين مارسوا حقهم الطبيعي والقانوني في السياحة الحزبية فالتحقوا بحركة نداء تونس منذ تشكلها (عبد العزيز القطي، ضمير المناعي ومحمد علي النصري) رغم ان البعض يرجح فرضية اندساسهم مبكرا في الحزب لمهمة لاحقة تم انجازها بمهارة فائقة، والله أعلم !
يجدر التذكير بأن المنشقّيْن الرئيسيّيْن العيّادي وعبو غادرا الحزب وهما في أعلى مرتبة قيادية وتحديدا منصب الأمانة العامة وهي سابقة فريدة وطريفة لم تحدث من قبل وتطرح أكثر من سؤال حول استراتيجيات الفاعلين وحساباتهم الشخصية حيث يعتبرها بعض المراقبين متحركة بدافع الوصول الى قصر قرطاج لا غير (سواء في 2014 أو 2019) خصوصا وأن مرشح الحزب الطبيعي لرئاسة الجمهورية يظل الى حد الآن هو رئيسه الشرفي السيد محمد منصف المرزوقي.
أقف هنا عند عموم الظاهرة التي لم ينج منها حزب بما في ذلك أحزاب الأكثرية ولا أرى ضيرا في تفكيك دوافعها وأسبابها أو الخوض في حيثياتها وتفاصيلها (التي سأعود إليها في الوقت المناسب)، تحميلا للمسؤوليات أمام الله والشعب والتاريخ حتى يأخذ كل ذي حق حقه فلا يُظلم أحد ولا يُسند معروف لغير أهله.
ب- ضعف التربية النضالية والثقافة السياسية :
تتكون أغلبية الملتزمين في الحزب من الشباب المتحمس لشعارات ومبادىء الثورة والمرتبط بالشخصيات القيادية المؤسسة والمناضلة ضد الدكتاتورية.
غلبة الحماس لدى هؤلاء لم يعضده جهد تكويني في التربية النضالية والثقافة السياسية ليبقى الانتماء إلى الحزب عاطفياً وهشا يهتز لأبسط الصدمات الداخلية والخارجية.
عادة ما يتحول الحماس زمن المحن إلى طاقة سلبية تثير من النزاعات والانقسامات أكثر بكثير مما تساهم في تسويته ... هذا هو ما حدث بالضبط إبان الاختلافات (نستكثر حتى وصفها بالخلافات) التي شقت القيادة حيث لعب الأصدقاء المقربون من كل طرف فيها دور المؤجج مع غياب الحكيم المهدىء للخواطر والساعي إلى تنقية المناخات وتوحيد الصفوف.
بالاضافة إلى الحماس الفياض كان موقع الحزب في دوائر الحكم جذابا لذوي الطموحات اللامحدودة وأصحاب النرجسيات المتضخمة من الذين لا يشدهم النضال الميداني والدفاع عن الحزب والذود عن شرف قياداته أمام الأكاذيب والإشاعات بقدر ما يستهويهم النقد والسجال وكشف العيوب وتحقير القيادة وشق صفوفها وشحنها ضد بعضها سعيا لاسقاطها ورغبة في الحلول محلها.
كان دور غالبية هؤلاء منعدما إن لم يكن سلبيا ومتواطئا أمام ضراوة الحملات الاعلامية ضد الحزب وقياداته كما كان أداؤهم ابتزازيا باهتا في الأنشطة الميدانية وإبان الحملة الانتخابية التي جاءت إلى الحزب بمناضلين جدد يجدر التعويل عليهم في عملية إعادة بناء المشروع الحزبي على قواعد النزاهة والأمانة والمسؤولية وعلى قيم المبدئية والنضال والتضحية.
ج- تأخر بناء المؤسسات وهشاشة البنية القانونية :
يعتبر حزب المؤتمر من الأحزاب الجديدة التي تشكلت بعد الثورة إذ لم يكن قبلها سوى إطار التقاء لمجموعة مناضلين عنيدين يوحدهم مشروع مقاومة للإطاحة بالدكتاتورية بعيدا عن آليات وضوابط العمل الحزبي بالمفهوم التقليدي.
السعي الدؤوب لتدارك غياب البنية القانونية للحزب كتحدي داخلي كان على حساب الإشعاع والاستقطاب الخارجي لآلاف الكوادر والكفاءات الراغبة أو المستعدة للانضمام إِليه مما فوت عليه فرصة تاريخية ثمينة للتوسع والتعبئة النخبوية والشعبية.
ورغم تتالي المؤتمرات والمجالس الوطنية والاجتماعات الماراطونية والمنعقدة كلها تقريبا لحسم قضايا النظام الداخلي وفض النزاعات واستكمال المؤسسات الحزبية فإن الإصرار على أقصى الديمقراطية والشفافية والتشاركية في الادارة والتسيير كان ذا كلفة عالية ماليا وجسديا وزمنيا استنزفت جهود قيادات الحزب وأعاقت دورهم الحيوي في الأوساط النخبوية والشعبية حضورا واستقطابا وتأطيرا.
د- غياب الهيكلة التنظيمية :
بدأ التشكل التنظيمي لحزب المؤتمر منذ حصوله على تأشيرة العمل القانوني وتحديدا قُبيل انتخابات أكتوبر 2011 حيث ارتبط الانخراط الحزبي بالتموقع السياسي والانتخابي لدى شريحة واسعة من المناضلين في الجهات.
فوز الحزب في تلك الانتخابات وتحوله السريع إلى حزب حاكم لم يقع استثماره في الإشعاع به جهويا ومحليا بل كان له أثر عكسي تماماً عندما آثرت عديد المكاتب الجهوية والمحلية التقوقع على نفسها وأحيانا كثيرة صد الباب أمام الراغبين الجدد في تعزيز صفوف الحزب خشية عليه أو غيرة منهم وخشية على نرجسياتهم وطموحاتهم السياسية !
كان لهذه الثغرة أثرها المدمر على الحزب خلال حملتيه التشريعية والرئاسية اللتين تعثرتا بشكل واضح بسبب ما اصطلح على تسميته بفقدان الماكينة الانتخابية.
ه- ضعف الإمكانيات المالية :
مبادىء الحزب وشعاراته ومبادراته التشريعية والتنفيذية في المحاسبة والتطهير والشفافية والمصادرة قطعت عليه خطوط الإمداد من جبهة رجال الاعمال المتوجسين خيفة والذين تحركوا بغريزة البقاء نحو دعم وتمويل أحزاب المنظومة القديمة المتورطة معهم في جرائم نهب المال العام والملتقية بهم في المصالح والأهداف.
ولما كان المال هو قوام الأعمال فإنه لم تقم لنا أعمال استعراضية ولا حزبية تذكر بما في ذلك الحد الأدنى المتمثل في بعث المقرات الجهوية والمحلية وتأثيثها مما يسهل عملية استقبال الوافدين على الحزب وتعرفهم عليه والتخفيف من حملات التشويه ضده.
تتحمل كل قيادات الحزب، مركزيا وجهويا، مسؤولية الإخفاق في توفير الموارد المالية بغض النظر عن المساعي هنا أو هناك وتشمل هذه المسؤولية كل الأمناء العامين الذين تداولوا على المنصب بدء من مؤسس الحزب ورئيسه الشرفي.
و- عدم الإيفاء بأهم الوعود الانتخابية :
لا يجادل أحد في أن شرائح واسعة التفت حول حزب المؤتمر من أجل الجمهورية خلال انتخابات 2011 لأنه رفع شعار المحاسبة ومكافحة الفساد وتحصين الثورة والتدقيق في المديونية والبدء بالإصلاحات الهيكلية في كل القطاعات والتوجه الفوري نحو بناء الديمقراطية المحلية عبر الانتخابات البلدية.
بصراحة، لم يتحقق من هذه الوعود إلا النزر القليل الذي لا يكاد يرى أمام حجم الانتظارات والاستحقاقات التي أجلت لحسابات وتجاذبات وتسويات وضغوطات عديدة ومتنوعة.
لم يكن الوضع الاقتصادي والاجتماعي الحارق للأوساط الشعبية يسمح بتبرير ما اعتبرته تقاعسا وارتعاشا مبالغا فيه الى الحد الذي اكتسبت فيه مقولة الفشل مشروعية واقعية ورواجا في سوق النخاسة السياسية.
ولم يشفع لحزب المؤتمر تمسكه بتثبيت التحالف الاسلامي-العلماني المعتدل كشرط لترسيخ المسار الديمقراطي وتأمين البلاد من مخاطر الانقلاب على حساب الأولويات الأخرى التي لا تقل عنه أهمية فهذا عند عامة الناس من ضروب التشبث بالحكم لا بالمصلحة الوطنية العليا.
وزاد الطين بلة التصريحات غير الموفقة لبعض قياداتنا السياسية التي حاولت التفصي من المسؤولية بإلقائها على عاتق الآخرين أو تحميلها للدولة العميقة عبر مقولة «كنا في الحكومة لا في الحكم» وهو ما ووجه بالسخرية والغضب واعتبر ضحكا على الذقون ومخاتلة للرأي العام وافتئاتاً منبوذا على حلفاء الحكم أفقدنا المصداقية والجاذبية والاحترام التي كنا نتمتع بها قبل خوض التجربة لدى الحزام الانتخابي لهؤلاء.
2- في العوامل الموضوعية :
ويمكن حصرها في الآتي :
أ- صلابة المنظومة القديمة :
طارت الثورة التونسية برأس الدكتاتورية ولكنها أبقت على نظامها ولم تفكك شبكة العلاقات والولاءات الداخلية والخارجية التي قام عليها ورسخ بها أقدامه لعشرات السنين مما مكنها من إعادة لملمة صفوفها والقفز تدريجيا وبسرعة قياسية من الحالة المشهدية إلى التعبيرة الرسمية في لعبة استخباراتية أممية تمولها أنظمة خليجية فاسدة ومذعورة من عدوى فيروس الثورة لدى شعوبها.
تبين للمتابعين أن تفكيك الدولة العميقة وقطع عروقها وتجفيف منابع قدرتها ليس بالأمر الهين عبر أدوات القانون والديمقراطية والمؤسسات لأن ترسيخ هذه الاخيرة وتفعيلها ناهيك عن تأسيسها يتطلب وضعا مريحا وزمناً فسيحا وإسنادا داخليا ورغبة خارجية هي نقيض ما عايشناه تماماً.
إنها دولة موازية أي دولة داخل الدولة لها ميزانيتها وإداريوها وإعلاميوها وقضاتها واستخباراتها وعلاقاتها الخارجية وحتى أجنحتها الأمنية والعسكرية الضاربة.
صحيح أن هذه المنظومة فقدت السلطة والاعتبار ولكنها لم تفقد الهيمنة ولا الثروة فأصبحت كاللّص المسلح والمحاصر لا يتوانى عن قتل أصحاب البيت حماية لنفسه ودرءً لفضيحته.
المشكلة أن لصّنا ليس مجرما عاديا بل عنصر تنفيذ لدى عصابة إجرام دولية لن تتسامح مع من يهدد مصالحها ولو اقتضى الأمر قتل المنفذين والمتواطئين والشهود وخلق أقصى الفوضى خلطا للأوراق وطمسا لآثار الجريمة.
ب- المشاركة في الحكم وتجربة الترويكا :
لقد قررنا من منطلقات الوطنية وتحمل الأمانة والمسؤولية الانخراط في تجربة حكم الترويكا وكنا واعين وقتها بخطورة المغامرة وتداعياتها على حزب غض طري لم يشتد عوده ولم يستو على جوديّه.
صحيح أن انخراطنا في تحمل أعباء الحكم في هكذا وضع جنبنا الأسوأ ألا وهو الاستفراد بالإسلام السياسي في الحكم تمهيدا للانقضاض عليه عبر ثورة اصطناعية شبيهة بمسرحية ميدان التحرير، لكنه لم يجلب لنا في المقابل الإعجاب والالتفاف اعتبارا للسقف العالي جدا للانتظارات والمطالب الشعبية مضافا إِليه غياب برنامج ثوري للحكم الائتلافي وغرور حليفنا الأكبر معنا وابتزازه لنا في صلاحيات الرئيس وإصراره على قسمة ضيزى قائمة على المحاصصة الانتخابية لا على الشراكة الحقيقية مما أدى إلى زعزعة صورتنا لدى الرأي العام وإظهارنا في مظهر الحزب الصغير التابع والمتهافت على موائد النهضة طمعا في بقايا فتات السلطة.
كانت الثورتان المصرية والليبية آنذاك في أوج قوتهما حيث تتوجه الأولى بسرعة فائقة نحو تفكيك الدولة العميقة ومحاكمة دكتاتورها وتطارد الثانية أبناء القذافي ومعاونيه ومرتزقته في الصحراء الكبرى ولدى الدول المجاورة بعد أن سحلته على مرأى ومسمع من العالم كله، كما كانت المقاومة السورية تتقدم عسكريا وسياسيا وتلقى الدعم الإقليمي والدولي بما يبشر بانهيار وشيك لنظام بشار الدموي هذا ناهيك عن التعاطف والتأييد العربي الشعبي والرسمي ورسائل الإعجاب والمناصرة التي ما انفكت نخب وأنظمة غربية توجهها للربيع العربي وللديمقراطية الناشئة في منطقة لم تعرف إلا الاستبداد والفساد.
لم يكن إذن متوقعا أن تتراجع ديناميكية الثورات والأوضاع بالسرعة القياسية التي شهدناها كما لم نكن نتخيل أبدا أن ينقلب الديمقراطيون أنفسهم على الديمقراطية التي كانوا يعِدُون وبتواطىء مفضوح مع إرهاب الجماعات الأكثر تشددا وتطرفا.
انسحابنا من الترويكا وهي تحت القصف العشوائي غير المنقطع والمحكم، كما فعل بعض الأصدقاء وكما يتوهم البعض الآخر، لم يكن ولن يسجله التاريخ حكمة ولا بطولة لأن مغادرة الربان طاقم القيادة زمن العاصفة أقرب للجبن والغدر والخيانة منه للشجاعة والمروءة والأمانة (كان الرئيس المرزوقي أولى بالاستقالة لتوفر المبررات السياسية والأخلاقية لكنه لم يقم بها وعيا بدقة المرحلة وخطورة المآلات).
كما أن بقاءنا فيها (اي الترويكا) وتمسكنا بها لم يكن ليُحسب لنا صمودا وثباتا بل تشبثا مرضيا بالكراسي وتكالبا على الحكم واصرارا على ما صوروه للناس فشلا وانعدام خبرة بعد أن عفنوا الأوضاع وأججوا مشاعر الناس ولم يتركوا شريفا في الحكم إلا قذفوه وشتموه ولا مسؤولا عاقلا إلا خوّنوه وسفّهوه.
ثم إن الأيام بينت أن الصبر على الأذى خلال تلك الأيام العصيبة والصمود في وجه دعاة الرحيل قد أنقذ البلاد من سيناريو الفوضى والانقلاب الذي أريد استنساخه الفوري من مصر المكلومة على ثورتها المغدورة.
في المحصلة كان لمشاركتنا في الترويكا ثمن باهض دفعناه في حزب المؤتمر تهرئة وانقساما وإضعافا وتفريطا في رأسمالنا الرمزي المستند إلى شرف المقاومة ورفض المساومة على سيادة الشعب وحقوقه وحرياته.
ج- التحريض السياسي والإعلامي وتواطىء القضاء :
استثمرت المنظومة القديمة منسوب الحرية العالي للثأر من خصومها الذين أزاحوها عن الحكم فأعملت فيهم تحريضا وتشويها وأثخنتهم ببراميلها الاعلامية المتفجرة وألغامها الاجتماعية المزروعة داخل كل القطاعات وفي مختلف أركان الدولة والمجتمع.
لم تكن مؤسسات الدولة الجديدة (الهيئات التعديلية) قد أينعت حتى تكون قادرة على تعديل الأمور وترتيب البيت بما يضمن التوازن بين النظام والحرية كما لم يكن للثورة عمق استراتيجي إقليمي أو دولي يحمي استحقاقاتها ويخوّلها استصدار إجراءات ثورية مؤلمة لم يكن من شرعنتها بدّ لضمان الأمن والاستقرار.
وزاد الطين بلة تداعي كل الأطراف وإجماعها على احترام مبدأ استقلال القضاء في الوقت الذي يشهد أهله (انظر تصريح أحمد الرحموني) بفساده وارتباطه عضويا بالمنظومة القديمة وهو أمر بديهي تخاذلت قوى الثورة في إصلاحه منطلقا ومبدأ فانقلب عليها تباطؤا و تواطؤا.
كانت إذن كل الظروف مؤاتية لكي تعبث الثورة المضادة بهيبة الدولة كما تشاء وتحولها، نفاقا وسجالا واثخانا واستهزاء بقوى الثورة الحاكمة، إلى استحقاق وطني وشعار رئيسي لحملتها الانتخابية عبر استراتيجية تزييف الوعي والترويج الخادع لمقولة الفشل.
د- الإرادة الدولية لسحق الربيع العربي وقواه الثورية :
لا يجادل عاقل منصف في خطورة ثورات الربيع العربي على الأمن القومي لقوى الهيمنة الإقليمية والدولية باعتبار أنه يهدد في العمق مجالاتها الحيوية ومصالحها الاستراتيجية ويغري شعوبا أخرى بما في ذلك شعوبها هي ذاتها باستنساخ ثورات الحرية والكرامة على مدى غير بعيد لما آلت اليه أوضاعها الاجتماعية والسياسية من بؤس وكآبة متفاقمة ومن عنصرية وهيمنة متصاعدة أضحت تتكشف يوم بعد يوم للوبيات المال والفساد والصهيونية والماسونية.
بقاء تونس الشمعة الوحيدة المضيئة في الظلام العربي الدامس ليس أمرا مقبولا خاصة وأن وضوح توجهها ونجاحها السريع في بناء الديمقراطية وترسيخ الحريات سينسف أطروحتهم الاستعمارية التقليدية القائمة على فرضية التضاد بين الاسلام والديمقراطية ويؤهل شعوب المنطقة للشفاء من مركب القابلية للاستعمار.
هذا ما يفسر لنا بخل مؤسسات التمويل العالمية وتراجع الدول المانحة عن دعم تونس بالهبات والقروض الميسرة مقابل سخائها الحاتمي تجاه حكومة العسكر الانقلابية في مصر.
تآمرت علينا إذن خنقا وتجفيفا كل القوى المالية في الداخل والخارج وتحالفت مع المنظمة الشغيلة الكبرى لكي تضغط قاعديا فأصبحت حكومتا الترويكا بين فكي كماشة طاحنة مما رشح الأوضاع إما لانفجار شامل أو لانسحاب فاشل ... فكان الخيار الأخير هو الأرجح مخلفا أقل الخسائر للحليف الأكبر الذي استثمرها في إثبات براغماتيته ووطنيته وملحقا بنا أكبر الأضرار لما رفضنا وصاية الحوار الوطني رغم قبولنا بنتائجه فظهرنا بمظهر المعزول المشاكس والمذعن الذي لا يغري بالاتباع وإن جلب لنا ذلك تعاطف النخب الواعية بخطورة اللعبة وإعجابها، وهو الموقف المبدئي الذي ميزنا عن باقي أحزاب الديمقراطية-الاجتماعية ورفع في اعتقادي رصيدنا الانتخابي مقارنة بهم.
خلاصات ومآلات بعد الرئاسيات :
خُتمت مرحلة انتقالية وتجربة حكم ائتلافية بانتخابات رئاسية عكست استقطابا سياسيا حادا بين منظومة قديمة اجتمعت حول سيدها المزعوم الباجي قائد السبسي وأخرى جديدة التفت حول زعيمها السيد محمد المنصف المرزوقي.
ورغم فوز الأول وهيمنة حزبه على السلطتين التشريعية والتنفيذية برأسيها فإن ظروف الانتخابات وملابساتها، من حيث التواطىء المفضوح للوبيات المال والإعلام الفاسد معهما، كشفت عن شعبية كبيرة للمرزوقي وبوأته مقام الزعيم المؤتمن على مصير الثورة المغدورة والضامن للحريات المهددة بعودة الاستبداد الديمقراطي !
التقطت الجماهير المؤمنة بضرورة الصمود ومواصلة المسيرة النضالية فكرة حراك شعب المواطنين التي أطلقها الزعيم في خطاب أريانة الشهير وتحركت عفويا لتجسيدها في حاضنة سياسية وتنظيمية تحولها إلى قوة مستقبل تضمن التوازن وتمنع التغول وتحصن الثورة من كل نزوعات الارتداد.
يحتاج هذا التجسيد في نظري، في بداياته على الأقل، إلى رافعة حزبية تكون مركز جذب ونقطة التقاء نضالي للجماهير المتوجسة من التوافق المؤقت (نهضة-نداء) العجيب والمدمر للديمقراطية في مضامينها الأصيلة (حكم-معارضة).
إن عودة المرزوقي إلى حاضنته الطبيعية، أي الحزب الذي أسسه وأوصله إلى مقامات الرئاسة والزعامة، وإن كنت أحبذه وأراه طبيعيا ومنطقيا غير أنني أستبعده ولا ارتضيه عاطفيا (من منطلقات التقدير والاحترام والوفاء الخالص لصديق أصبح زعيما عربيا وعبقريا عالميا كبيرا) لأنه لم يعد ذلك الحزب الذي تركه بل جذعا مبتور الأغصان بمفعول الذبول والتساقط الناجمين عن قوة العواصف والأعاصير.
كما أنني لست أرى في الأحزاب الأخرى والشخصيات المستقلة التي دعمته في الانتخابات الرئاسية إشعاعا وجاذبية لانها تتراوح في قياداتها وخطابها وثقافتها السياسية وبناها والتنظيمية بين الاستنساخ والهشاشة والنرجسيات المملة والقاتلة للعمل الجماعي القائم على التواضع والتجرد والغيرية (Altruisme).
الذي أراه ممكنا بل واجباً علينا، الآن، هو أن نعمل جميعا كمؤتمريين وكنواة صلبة لحراك شعب المواطنين على القيام بثورة داخلنا لإعلان انبعاثٍ جديد في شكل حزب كبير ديمقراطي-اجتماعي كحامل وكمضمون ثوري لهذا الحراك.
يستوجب هذا بادىء ذي بدء تعديل الواجهات القديمة والاستعداد لموسم الحراثة والزراعة القادم بالتعاون مع عقول وسواعد جديدة من خزان الحراك !
ومقصودي من هذه الاستعارة أن يُعلن الجهاد الأكبر، بما هو جهاد الأنفس ضد نرجسياتها، من طرف كل القيادات المركزية والجهوية لكي تنفتح على شراكة قيادية وميدانية واسعة تعمل جماعيا، بإخلاص وتفانٍ، على استقطاب شخصيات جديدة مستقلة مناضلة وشابة أفرزها الحراك الانتخابي في العاصمة وفي كل جهات البلاد واقناعها وتحفيزها للانضمام الى التأسيس الجديد والتدرب على قيادته وتعبئة الجماهير من حوله، حمْلاً للأمانة العظمى وإكراما لشهداء ثورة الحرية والكرامة باتباع خطاهم في التضحية والكفاح.
إنه اختبار كبير لذواتنا وتأصيل لقيم التضحية والإيثار وتقليد جديد يضع الوطن والثورة فوق كل الحسابات والنرجسيات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.