بعد سهرة طربية قدمتها الفنانة أمينة الصرارفي مساء الأربعاء في إطار فعاليات الدورة لمهرجان فنون البحيرة كان لجمهور هذه التظاهرة موعد مساء الخميس 23 جوان مع نوع آخر من الموسيقى والغناء وهو توجه حرصت هيئة التنظيم على إرساءه يتمثل في مبدأين أساسيين هما التنويع والاكتشاف، وعلى هذا الأساس تضمن البرنامج أشكالا مختلفة من فنون الفرجة وأنماط موسيقية متنوعة تراوحت بين الكلاسيكي والشعبي والطربي والصوفي التي كان لها في كل موعد جمهور خاص. سهرة الخميس حملت عنوان «تورنادو» قدمها هيثم الحذيري ومجموعته المتكونة من خمسة مغني أوبرا هم ليليا بن شيخة وأمال سديري وأماني بن طارة ومحمد خليل سعيد وسلمى باروني وعصام لبان علاوة على عازفة البيانو اليابانية تويوكو عزيز. كل هذه الأصوات وفق بلاغ صادر عن المهرجان ،قد تكونت على يدي الأستاذة كريستينا خادشيفا التي كانت حاضرة تتابع تلاميذها بفخر وتدقق في كل التفاصيل وهم يغنون بأصوات تراوحت بين السورانو والميدزو سوبرانو والباص والبارينو والتينور وهي خصائص لا يمكن إدراكها إلا بالتمارين المكثفة التي لا تقل عن ست ساعات يومية بين الفوكاليز وتمارين التنفس والبحث المستمر والإستماع إلى عمالقة هذا الفن والإقتداء بأساليبهم، الغناء الأوبرالي يتطلب مساحات صوتية خاصة لا تقل عن ثلاثة أوكتاف وهو في العادة يؤدى بدون ميكروفون باعتبار أن فضاءه الأصلي هو المسرح والكنائس لأنها تعطي للصوت صدى يتردد في الزوايا الأربعة كأنه يخرج منها جميعا، إلا أن تقديم عرض «تورنادو» في فضاء الهواء الطلق بباب البحيرة حتّم على المجموعة استعمال الميكروفون لتصل أصواتهم إلى الجمهور متوازنة ومتمكنة وهو كما ذكر هيثم خيار صعب كان بمثابة التحدي رفعه لاجتياز تجربة فنية خاصة ومختلفة. قدم هيثم الحذيري ومجموعته مختارات من التراث النابوليتاني وكذلك مقطوعات ألفها كلاوديو مونتيفيردي وأخرى لروسيني وموزارت وديفالا برهنت على توفّر أصوات تونسية قادرة ومتمكنة من قواعد هذا الفن الراقي الذي يوصف بأنه فن نخبوي، هذه الأغاني لقيت أصداء في صفوف الجمهور المواكب للعرض وهو وإن كان محدود العدد إلا أنه عبر عن شدة إعجابه بمحتوى العرض وبمستوى الأصوات التي قدمها، وقد تجلى ذلك في متابعة العرض لآخره والتركيز الذي لا يقطعه إلا التصفيق. قدمت المجموعة أغاني منفردة وأخرى ثنائية جمعت بين هيثم الحذيري وليليا بن شيخة وهيثم والتينور محمد خليل سعيد كما غنت أماني بن طارة قصيدة للشاعر نزار قباني لحنها الحذيري وقدمها لأول مرة هدية لجمهور مهرجان البحيرة بعنوان «إغضب كما تشاء» تحدّ آخر يخوضه هيثم ليبرهن أن النص العربي قادر على اقتحام الغناء الأوبرالي خاصة والقصيدة معروفة بألحان حلمي بكر وفي هذا السياق أكد هيثم الحذيري أن كل شيء ممكن في الفن المهم أن نحترم القواعد الموسيقية ونلتزم بها، كما ذكر أن «تورنادو» هو عبارة عن رحلة متوسطية تحاول أن تستحضر عمالقة فن الأوبرا انطلاقا من موطنه الأصلي إيطاليا حيث نشأ في القرن السادس عشر، وأضاف أن ما قدمه في سهرة الخميس هو جزء من عرض كبير سيقدمه في الدورة القادمة لمهرجان قرطاج على المسرح الروماني، وفي سؤال عن نوعية الجمهور المتابع لهذا الفن قال الأوبرا صار له جمهور في تونس تتسع قاعدته تدريجيا وقد لمس هذه الحقيقة من خلال العروض التي قدمها في مهرجاني الحمامات الدولي والجم وفي النجمة الزهراء (موسيقات) وكذلك في المسرح البلدي مع أحمد عاشور ووناس خليجان. هيثم الحذيري قدم عروضا كثيرة خارج تونس كالجزائر وفرنسا وبلغاريا ومن خلال ما لاحظه من تجاوب أكّد أن تونس لديها أصوات رائعة يمكنها أن ترفع هذا الفن الى أعلى المراتب وأضاف أنه يحلم بتنفيذ مشروع أوبرا كاملة حول شخصية مراد الثالث أو حمودة باشا الحسيني وهذا يتطلب نصا سلسا ولحنا ينفذ إلى المتلقي بسهولة وختم حديثه بقوله: « الأصوات موجودة وموسيقيا نحن جاهزون...يبقى أن يتوفر النص الملائم لتنفيذ المشروع/الحلم»