فقد المشهد الثقافي التونسي عددا من أبرز الفاعلين في مجالاته المختلفة خلال هذا الموسم وهم في أوج عطائهم الإبداعي. وكانت قسوة الرحيل عميقة على الكثير من التونسيين يوم 5 أفريل بعد الإعلان عن وفاة «شاعر الثورة» الصغير أولاد حمد عن سن لم تتجاوز الواحدة والستين بعد صراع سنوات مع المرض. الصغير أولاد حمد توفي بعد ثورة طالما آمل في حدوثها وتنبأ بشراراتها الأولى فرحل دون أن يمنح الموت فرصة اقتناص روحه دون أن يودعنا تاركا آخر قصائده «الوداع» التي كتبها من المستشفى العسكري وتقول بعض أبياتها: أودع البلدان والأوطان أودع الأديان أودع أقلامي وساعاتي أودع كتبي وكراساتي أودع المنديل الذي يودع المناديل التي تودع الدموع التي تودعني أودع الدموع» ولم يمض كثيرا على رحيل صاحب «أحب البلاد» حتى غادرتنا كلثوم برناز متأثرة بإصابتها إثر حادث حريق ببيتها، رحلت المخرجة السينمائية التونسية السبت 3 سبتمبر عن سن 71 عاما، في مستشفى الحروق ببن عروس. وكانت السينمائية الراحلة تعمل منذ أكثر من سنتين على مشروع فني جديد كتابة وإخراجا وكوثر برناز من السينمائيات المهتمة بقضايا المرأة وقد قدمت للسينما التونسية على غرار «كسوة الخيط الضائع» سنة 1997 و»شطر محبة» سنة 2008. وبعد رحيل برناز بعشرة أيام نعت وزارة الثقافة فقيد الأدب التونسي وأحد مؤسّسي الجامعة التّونسيّة بعد الاستقلال محمّد المنجي الشّملي، الذي رحل عنا الثلاثاء 13 سبتمبر 2016. الشملي الذي كان من أهم المدافعين عن الثقافة العربية خلال تمثيله لتونس في المجلس التّنفيذي لليونسكو وأبرز الحداثين في بلادنا كان وراء إدراج تدريس الأدب التّونسي في الجامعة وكان من أهم مترجمي الآثار الأدبية العربية للغة الفرنسية. في شهر أكتوبر المنقضي، غادرنا كل من الفنان التشكيلي أبو القاسم بشير الأخضر والملحن محمد علام حيث توفي الفنان التشكيلي الأربعاء 12 أكتوبر بعد مسيرة فنية ثرية تواصلت طيلة خمسة عقود وعكست رؤية متفردة لفن العمارة في بلادنا. أبو القاسم بشير الأخضر شارك في تأسيس اتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين ومركز الفن الحي سنة 1973 ومتحف الفن المعاصر لمدينة تونس سنة 1989. محمد علام صاحب اللحن الشهير «صرخة»، الأغنية التي كانت خطوة مهمة في مسيرة الفنان صابر الرباعي لم يمهله المرض الخبيث كثيرا وغادر الحياة يوم 19 أكتوبر 2016. وتزامنا مع التحضيرات الأخيرة لانطلاق أيام قرطاج المسرحية يفارق كل من المسرحي الكبير المنصف السويسي والممثلة سعيدة السراي الحياة في السادس من نوفمبر بعد صراع مع مرض السرطان. المنصف السويسي (توفي عن سن تناهز 72 عاما) يعتبر من رواد المسرح التونسي فهو مؤسس فرقة الكاف، التي أنجبت كبار المسرحيين وقدمت أعمالا تركت بصمتهافي تاريخ الفن الرابع ببلادنا كما كان أحد أبرز مؤسسي المسرح الوطني التونسي وأيام قرطاج المسرحية وساهم في تطوير الحركة المسرحية في الخليج العربي خلال إقامته وعمله لسنوات في مؤسساتها الفنية. الفنانة سعيدة السراي، التي رحلت في أوج عطائها الفني في إحدى مستشفيات باريس، عرفها الجمهور التونسي في عدد من الأعمال الدرامية على غرار المتحدي، عودة المنيار، مسلسل الليالي البيض ونسبتي العزيزة وكانت مسرحية «الكاهنة» آخر إطلالاتها على خشبة المسرح. ومع أواخر هذه السنة ودع الجمهور التونسي فنانا طالما شاركهم أفراحهم ففي غرة ديسمبر الحالي توفي الهادي التونسي بعد فشل العملية الجراحية التي أجريت عليه. سنة 2016 كان عاما حزينا على الساحة الفنية التونسية والعربية خاصة وأن نجوما كبارا،عرب، فقدناهم كذلك طيلة هذه السنة منهم محمد حسنين هيكل ومحمود عبد العزيز وملحم بركات وممدوح عبد العليم وأحمد راتب وزبيدة ثروت وصادق جلال العظم. رحمهم الله وأسكنهم فراديس جنانه. نجلاء قموع جريدة الصباح الاسبوعي بتاريخ 26 ديسمبر 2016