ماذا في لقاء لطفي الرياحي بمفتي الجمهورية؟    صفاقس: تفكيك شبكة لبيع محرّكات الزوارق البحرية    يشارك فيه كمال الفقي: الهجرة غير النظامية محور اجتماع تنسيقي دولي بالعاصمة الإيطالية    انتخابات جامعة كرة القدم.. قائمة التلمساني تستأنف قرار لجنة الانتخابات    النادي الافريقي يراسل الجامعة من أجل تغيير موعد الدربي    قيس سعيد: الامتحانات خط أحمر ولا تسامح مع من يريد تعطيلها أو المساومة بها    باجة.. تفكيك شبكة ترويج مخدرات وحجز مبلغ مالي هام    طقس الليلة    منوبة: مشتبه به في سرقة المصلّين في مواضئ الجوامع في قبضة الأمن    صفاقس : غياب برنامج تلفزي وحيد من الجهة فهل دخلت وحدة الانتاج التلفزي مرحلة الموت السريري؟    قضية التآمر على أمن الدولة: رفض مطالب الافراج واحالة 40 متهما على الدائرة الجنائية المختصة    موعد عيد الإضحى لسنة 2024    رئيس الجمهورية يتسلّم دعوة للمشاركة في القمة العربية    الروائح الكريهة تنتشر في مستشفي قابس بسبب جثث المهاجرين    الترجي يقرّر منع مسؤوليه ولاعبيه من التصريحات الإعلامية    حصدت مليار مشاهدة : من هي صاحبة أغنية ''أنثى السنجاب''؟    إغتصاب ومخدّرات.. الإطاحة بعصابة تستدرج الأطفال على "تيك توك"!!    عاجل : معهد الصحافة يقاطع هذه المؤسسة    التمديد في سنّ التقاعد بالقطاع الخاص يهدف الى توحيد الأنظمة بين العام والخاص    استقالة هيثم زناد ر.م.ع لديوان التجارة هيثم زناد و السبب لوبيات ؟    شوقي الطبيب يرفع إضرابه عن الطعام    تواصل غلق معبر راس جدير واكتظاظ كبير على مستوى معبر ذهيبة وازن    البنك المركزي يعلن ادراج مؤسستين في قائمة المنخرطين في نظام المقاصة الالكترونية    لاعب سان جيرمان لوكاس هيرنانديز يغيب عن لقاء اياب نصف نهائي ابطال اوروبا    عاجل/ الشرطة الأمريكية تقتحم جامعة كاليفورنيا وتعتقل أغلب الطلبة المعتصمين    مجددا بعد اسبوعين.. الأمطار تشل الحركة في الإمارات    مدنين: بحّارة جرجيس يقرّرون استئناف نشاط صيد القمبري بعد مراجعة تسعيرة البيع بالجملة    رئيس لجنة الشباب والرياضة : تعديل قانون مكافحة المنشطات ورفع العقوبة وارد جدا    هام/ الترفيع في أسعار 320 صنفا من الأدوية.. وهذه قيمة الزيادة    جبنيانة: الكشف عن ورشة لصنع القوارب البحرية ماالقصة ؟    وزارة التربية على أتم الاستعداد لمختلف الامتحانات الوطنية    فظيع/ حادث مروع ينهي حياة كهل ويتسبب في بتر ساق آخر..    عبد المجيد القوبنطيني: " ماهوش وقت نتائج في النجم الساحلي .. لأن هذا الخطر يهدد الفريق " (فيديو)    وزارة التجارة تنشر حصيلة نشاط المراقبة الاقتصادية خلال الأربعة أشهر الأولى من سنة 2024    المغازة العامة تتألق وتزيد رقم معاملاتها ب 7.2%    إرتفاع أسعار اللحوم البيضاء: غرفة تجّار لحوم الدواجن تعلق وتكشف..    بنزيما يغادر إلى مدريد    وفاة الممثل عبد الله الشاهد    وفاة الروائي الأميركي بول أستر    الحبيب جغام ... وفاء للثقافة والمصدح    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الخميس 2 ماي 2024    الحماية المدنية: 9حالة وفاة و341 إصابة خلال 24ساعة.    24 ألف وحدة اقتصاديّة تحدث سنويّا.. النسيج المؤسّساتي يتعزّز    تونس تشهد تنظيم معرضين متخصّصين في "صناعة النفط" و"النقل واللوجستك"    ''أسترازنيكا'' تعترف بأنّ لقاحها له آثار قاتلة: رياض دغفوس للتونسيين ''ماتخافوش''    يهم التونسيين : حيل منزلية فعالة للتخلص من الناموس    نَذَرْتُ قَلْبِي (ذات يوم أصابته جفوةُ الزّمان فكتب)    مصطفى الفارسي أعطى القصة هوية تونسية    محمد بوحوش يكتب .. صرخة لأجل الكتاب وصرختان لأجل الكاتب    وزيرة التربية تكشف تفاصيل تسوية ملفات المعلمين النوّاب    بطولة مدريد المفتوحة للتنس: روبليف يقصي ألكاراز    عاجل : سحب عصير تفاح شهير من الأسواق العالمية    مايكروسوفت تكشف عن أكبر استثمار في تاريخها في ماليزيا    وفاة حسنة البشارية أيقونة الفن الصحراوي الجزائري    مندوب روسيا لدى الامم المتحدة يدعو إلى التحقيق في مسألة المقابر الجماعية بغزة    طيران الكيان الصهيوني يشن غارات على جنوب لبنان    مدينة العلوم بتونس تنظم سهرة فلكية يوم 18 ماي القادم حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشمس    القيروان: إطلاق مشروع "رايت آب" لرفع الوعي لدى الشباب بشأن صحتهم الجنسية والانجابية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النص الكامل لخطاب السبسي بمناسبة الاحتفال بالعيد الوطني للمرأة
نشر في الصباح نيوز يوم 13 - 08 - 2017

القى اليوم رئيس الجمهورية خطابا بمناسبة الاحتفال بالعيد الوطني للمرأة وفي ما يلي نص الخطاب:
نساء تونس، بناتي العزيزات،
أيها الشعب التونسي العظيم،
تحية لكل نساء تونس وبناتها في كل أرجاء البلاد وخارجها بمناسبة عيدهن الوطني،
تحية للطاهر الحداد الذي عانى شتّى ضروب المحن من عزلة وإقصاء وتكفير ثمنا لكفاحه الفكري من أجل تحرير المرأة،
تحية للزعيم بورقيبة ولكل المناضلات والمناضلين والمصلحات والمصلحين الذين تفطنوا قبل غيرهم إلى أن تحرير إرادة المجتمع بأسره يمر عبر تحرير المرأة.
بناتي العزيزات، أبنائي الأعزاء،
نحتفل اليوم بالعيد الوطني للمرأة وبمرور إحدى وستين عاما على إصدار مجلة الأحوال الشخصية كأوَّلِ قانونٍ نَطَقَتْ به دولةُ الاستقلال، حتى قبل إعلان الجمهورية في 25 جويلية 1957 وقبل إصدار دستور الجمهورية الأولى في غرة جوان 1959.
ولقد مثّل إصدار هذا التشريع ثورةً أصيلة، أداتُها القانون، ثورةٌ على الأعراف البالية وعلى منظومة الجهل والقهر والظلم والتزمت وقوى الجذب إلى الوراء، ثورةٌ أسَّسَت لمجتمع المواطنة والمساواة والحداثة الأصيلة، ثورةٌ وُلدت من انصهار نساء تونس في النضال ضد الاستعمار الذي رافقه دفاعٌ شرس على حريتهن وحقوقهن المشروعة في أن تكُنَّ مواطناتٍ كاملاتِ الحقوق والواجبات، ثورةٌ احتضنتها ملحمةُ التحرُّر الوطني والاجتماعي والتقى فيها الفكر الإصلاحي بنضال الطاهر الحداد وتصميم الزعيم بورقيبة.
بناتي العزيزات، أبنائي الأعزاء،
نحتفل اليوم بعيد المرأة وقد خطونا خطوة أخرى عملاقة على درب الانتصار لِلنَّفَسِ الإصلاحي التحرّري الذي انتهجهُ أسلافنا وذلك بمصادقة مجلس نواب الشعب على القانون الأساسي عدد 60/2016 المتعلق بالقضاء على العنف ضدّ المرأة بإجماع الحاضرين دون تسجيل أيّ احتفاظ أو رفض.
إن المصادقة على هذا القانون في خضمّ الاحتفال بعيد الجمهورية ثمرةٌ مباركة من ثمار الثورة وهو أداةٌ من أدواتها لرفع الضيم ودحر العنف المعنوي والجسدي والاقتصادي وتحقيق المساواة بين الجنسين وتمتينِ التوازن الأُسرِي والنهوض بالإنسان حُقوقًا ومنزِلةً وجسدًا ورُوحًا وفكرًا ووجدانًا.
سيذكر التاريخ يوم 26 جويلية 2017، حيث تمّت المصادقة على هذا القانون، كحلقة وصلٍ كبرى مع مجلة الأحوال الشخصية ونقطة فصلٍ مع ما سبِق من مُهادنة للعنف المسُلّطِ على النساء الذي يُقِّوِّضُ كيانَهُنَّ ويُدمّرُ الناشئة ويهدر القِيَم ويهزّ أركان المجتمع ويُمثّل وصمة عارٍ على دولة ما بعد الثورة ودستورها الذي أتى مُبشِّرًا بالمساواة وبالحرية والكرامة.
لقد أصبحت تونس بفضل هذا التّشريع الأولى عربيا التي تُصادق على قانونٍ شامل لمناهضة العنف والدولة 19 على مستوى العالم.
ونحن لن نكتفي بما تحقق وسنمضيقدُمًا على نفس هذا الدرب، درب الإصلاح والتنوير طَلَبًا للمزيد من المساواة والإنصاف والاهتمام بما غفل عنه أسلافنا أو ما تفرضه سُننُ التطور أو المتغيرات في بلادنا وعلى مستوى العالم.
نساء تونس، بناتي العزيزات،
أيها الشعب التونسي العظيم،
عرف المجتمع التونسي والأسرة منذ الاستقلال إلى اليوم تطورا كبيرا جعل المرأة القلب النابض للبلد بأسره. ومن حسن حظي أنني كنت شخصيا شاهدا على إصدار مجلة الأحوال الشخصية، ذلك الحدث التاريخي الذي غيّر مجرى الحياة في العائلة وفي المجتمع ونحن نرى اليوم نتائجه الإيجابية بعد مرور أكثر من60 سنة. فلقد أثمر هذا الإصلاح مجتمعا جديدا وعلاقات عائلية واجتماعية جديدة مبنية على الاختيار الحرّ وصون الكرامة الإنسانية واحترام الحقوق والواجبات للمرأة والرجل دون تمييز ولا غلبة.
علينا اليوم تقييم هذه المسيرة التحرّرية الطويلة حتى نقف على أهم نتائجها ونرسم طريق المستقبل بكلّ ثقة خصوصا وأنّ الإحصائيات الأخيرة أكّدت التفوق العددي النسبي للإناث في تركيبة المجتمع التونسي (50,2%) إضافة إلى نتائج باهرة في مجالات هامة واختصاصات رائدة حققت فيها النساء نسبة النصف. ولقد فاقت حصّة الحاصلات على شهادات عليا 60%من المجموع العام وهذا مؤشّر على الكفاءات العالية التي أضحت تتمتع بها المرأة التونسيةممّا أسهم في ضمان حضورها في كافة المجالات الحيويّة والقطاعات المهنيّة وحتّى الميادين التي كانت حكرا على الرّجال.
ففي الطبّ بلغت نسبة حضور النساء 60,52%بما فيها الطبيبات المقيمات والداخليات. وفي طبّ الأسنان والصيدلة بلغت النسبة 75,93%من المجموع العام للأطباء في هذه الاختصاصات. أمّا في الهندسة فلقد بلغت حصّتهن 35%وشهدت في الخمس سنوات الأخيرة استقرارا بنسبة 50%وهناك تفوق للنساء من حيث العدد في ميدان الهندسة الفلاحيّة والنسيج إذ بلغن 65%من العدد الجملي للمهندسين في هذين المجالين.ويعُدّ القضاء العدلي 41,67%من النساء القضاة بينما بلغت نسبتهن في قطاع المحاماة 43%. في حين بلغت نسبةالأستاذات الجامعيات49,80%.
كما أنّ إقرارقاعدةالتناصف في القوانين الانتخابية منذ أن كنت رئيسا للحكومة في 2011 ساهم في فتح الطريق أمام النساء للولوج إلى الحياة السياسيّة وخوض غمار الانتخابات بحظوظ أوفر مما كانت عليه في الماضي. فلقد بلغت نسبة النساء في مجلس نواب الشعب 36,56%ممّا يعادل 75 امرأة. كما تحسَّن حضورهن في بقية الهيئات المنتخبة ولعلّ النّسبة الكبيرة لتمثيلية النّساء في المجلس الأعلى للقضاء دليل على نجاح هذا الاختيار حتّى وإن ظلّ في بقية الهيئات المنتخبة الأخرى دون المأمول لكنّه سهّل على كل حال وصول النّساء إلى مراكز القرار.
نساء تونس، بناتي العزيزات،
أيها الشعب التونسي العظيم،
إنّ مساهمة النساء في الاقتصاد الوطني والعائلي تؤكد أهميّة الدّور الذي تقُمن به في هذا المجال، ونحن على اقتناع راسخ بأن التمكين الاقتصادي للمرأة هو شرط لدعم مكاسبها في المجتمع ولمكانتها في الأسرة وهنا تأتي الأرقام مرة أخرى لتأكد على أحقّية حضور النساء ومساهمتهن الفعّالة في المجال الاقتصادي والاجتماعي.
فقد بلغت نسبة حصول النّساء على قروض للاستثمار في المشاريع الصّغرى والمتوسطة 54%من العدد الجملي للقروض الممنوحة في هذا المضمار ونحن نعلم ما لهذه النّوعيّة من المشاريع من فاعليّة في توفير موارد رزق للعائلة وتحفيز للاقتصاد الوطني بشكل عام.
وتشير كلّ الدّراسات إلى أنّ نسبة سداد الدّين في القروض الممنوحة للنّساء هي الأكبر ممّا يُعزّز عامل الثقة في تمكينهنّ من القروض ويدعم استقرار المعاملات المالية البنكية ونجاح المشاريع الاستثمارية.
أمّا في القطاع الفلاحي فقد بلغت نسبة النساء العاملات في الملكية العائلية 62%ويشكو هذا الصنف من غياب الأجر وما يتبعه من انعدام امتيازات وحقوق على غرار التغطية الاجتماعية رغم ما يوفره من دخل للعائلة وتنشيط للميدان الفلاحي خصوصا وللاقتصاد الوطني عموما.
في المقابل فإنّ نسبة النساء المستثمرات في نفس القطاع لا تتجاوز 6, 6%هذا الخلل في علاقة بالقطاع الفلاحي وطرق الوصول إلى تملُّك النساء للأرض باعتباره يسهّل الحصول على القروض بما يوفّره من ضمانة لدى البنوك.
لقد أثبتت المرأة التونسية قدرتها على تحمّل المسؤولية في كلّ المجالات بما يجعل منها عمادا للأسرة وعامل رُقيّ للوطن وللمجتمع بأسره في كل الميادين وكثيرا ما تكون المُعيل والمساهم في نفقات العائلة بما يصل إلى نسبة تقدر ب 45%من مصاريفها في حالة النساء صاحبات الدّخل. كما أنّها تساهم في الحصول على قروض مُكمِّلة لاقتناء سكن للعائلة بنسبة تفوق 33%. وعموما تشارك النساء في التنمية الاقتصادية للبلاد وفي النّاتج القومي الخام بما يقارب النّصف خاصة إذا ما اعتبرنا العمل غير المأجور والعمل المنزلي.
بناتي العزيزات، أبنائي الأعزاء،
يتّضح مما سبق ومن الأرقام المتوفرة في كل مناحي الحياة والتي لا يتّسع المجال لذكرها كُلِّها أنّ المرأة عنصر تنمية وتطوّر اجتماعي واقتصادي ولقد تبوأت المواقع الأولى في العديد من المجالات وأثبتت جدارتها في القيام بمهامها على أكمل وجه.
غير أنّ واقعها لا زال يتميز بالحيف والظلم والتسلط والتمييز ولذلك وجب علينا السّعي لتحقيق المساواة بين النساء والرجال فهي أساس العدل وهو أساس العمران.
ولقد أتى دستورالثورة ليؤكد بوضوح في فصله 21 على المساواة بين المواطنات والمواطنين في الحقوق والواجبات دونأيّ تمييز. كما أنّه ينصُّ في فصله 46 على مسؤولية الدّولة في ضمان تكافؤ الفرص بين الرجل والمرأة في جميع المجالات. وهذا ممّا حدا بنا منذ سنتين، من خلال قانون 27 نوفمبر 2015، إلى تمكين الأم من استخراج جواز سفر الطفل القاصر أو الترخيص له بالسفر بما ييسّر إدارة شؤون الأسرة ويعزّز مبدأ المساواة.
كما أنّ العديد من المكاسب تحقّقت للمرأة بفضل تشريعات جديدة منها القانون الذي أسلفنا ذكره في بداية هذا الخطاب والمتعلق بمناهضة كلّ أشكال العنف ضدّ المرأة وكذلك قانون منع الاتجار بالبشر الذي تمت المصادقة عليه في 21 جويلية 2016 لما كرّسه من حماية للنساء.
وتُترجم هذه القوانين جميعها التزام الدولة بتحقيق المساواة وبناء مجتمع متوازن وتأتي كلها في تناغم مع الدستور ومع مجمل الاتفاقيات الدولية وأهمّها تلك المناهضة لكلّ أشكال العنف والتي سبق وأن رَفعتُ التحفظات عنها قبل مغادرتي رئاسة الحكومة في 2011.
نساء تونس، بناتي العزيزات،
أيها الشعب التونسي العظيم،
لقد أصبح الوعي بضرورة المساواة حاضرا اليوم في العقول والضمائر وفي السُّلوكات ومن الطبيعي أن ننظر إلى المستقبل ونُريد الإصلاح ما استطعنا لذلك سبيلاَ.
ومن الطبيعي أيضا أن نُواصل تطوير تشريعاتنا بما يتلاءم وتطوّر مجتمعنا وتغيّر سُنن الكون والحياة وفق تراثنا الإصلاحي التي أثمر مجلة الأحوال الشخصية وأسّس لكل الإصلاحات اللاحقة والمستقبلية على درب الاجتهاد والتنوير والتدبّر السليم في شؤون الناس تأسيسا للعقد المجتمعي التونسي بما لا يتنافى في شيء مع تعاليم الإسلام السمحة نصّا وروحا.
فتونس لها في تاريخها محطات نيّرة ورائدة في مجال الاجتهاد سعيا لمُلائمة التشريع لواقع المجتمع وفق نظرة أصيلة، مُبدعة لا مُبتدعة، من ذلك الصّداق القيرواني كشكل من أشكال حفظ كرامة النساء في عقد الزّواج وحمايتهن من التطليق وهو اللبنة الأولى لتقنين الطلاق كما كرسته مجلة الأحوال الشخصية لاحقا في فصولها المانعة لتعدد الزوجات والمانحة للحق في الطّلاق القضائي وإلغاء التطليق وذلك على قدم المساواة بين المرأة والرجل. ثم جاءت إضافة إلى ما تقدّم تركيز حريّة الزواج عبر إلغاء قانون الجبر والوصاية الزوجية، كما تمّ إقرار سلسلة من التشريعات منها الاعتراف بالتبني وإلغاء واجب الطاعة وإقرار واجب المُماثلة في التعامل بين الزوجين وولاية الأمهات على أبنائهن القُصّر في صورة الطلاق والملكية المشتركة بين الزوجين والدّعوى القضائيّة في إثبات النّسب.
والجدير بالذكر أنّ ما تحقّق تمّ في إطار احترام الفصل الأوّل من دستور 1956 الذي ينُصّ على أنّ " تونس دولة حرة، مستقلة، ذات سيادة، الإسلام دينها والعربية لغتها والجمهورية نظامها."
نساء تونس، بناتي العزيزات،
أيها الشعب التونسي العظيم،
يقول جلّ جلاله "إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم". فالإسلام في جوهره عادل، إذ لا يُعقل أن يقبل التمييز بينما رفض التفريق بين عباده إلاّ بدرجة التقوى، لا بحسب جنسهم إن كان ذكرا أو أنثى. فالإسلام الذي حرّم وأد البنات لا يقبل بالحيف في حقّ المرأة ولا ينفي تطوّر معاملات المجتمعات لأفرادها وبهذا المعنى فهو صالح لكل الأزمنة.
واعتبارا لمبدأ مواكبة التشريع للسياق الزمني والحضاري ولمتطلبات الواقع المتغير فإنّنا نرى من الممكن ومن الضروري اليوم تطوير مجلة الأحوال الشخصية في العديد من المجالات طلبا لتكريس المساواة بين المواطنات والمواطنين وفق ما دعا إليه ديننا الحنيف وما نصّ عليه دستورنا الجديد في فصله 21.
فالإيمان ومبادئه وتعاليمه ثابتة فيما الواقع الاجتماعي مُتحوِّل ممّا يجعل من القراءة المُتحجّرة للنّص القرآني خروجا عن الروح الحقيقية لدين انتصر وسَادَ بين الناس بالعدل وأثبت التصاقه بتطوّر الواقع وبالمحيط الذي يعيش فيه ولنا في إلغاء أحكام العبودية خير مثال إذ لا توجد اليوم دولة تقبل التشريع لاستعباد الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا.
نساء تونس، بناتي العزيزات،
أيها الشعب التونسي العظيم،
لقد لاحظنا بارتياح بروز توجّه جديد في العائلات التونسية للأخذ بمبدأ المساواة في تقسيم الأملاك بالاعتماد على الهبة في قائم حياة الوالدين وعلينا التفاعل مع هذا التوجّه وتشجيعه وفقا للمنهج المقاصدي الحاثّ على الاجتهاد.
وقد برز منهج اجتهادي يؤكّد على أنّ قاعدة للذكر مثل حظّ الأنثيين هي إذا ما تجنّبنا إقفال قلوبنا وعقولنا وقرأناها وفق المقاصد الحكيمة وتاريخية النّزول إنّما ترمي إلى تحديد السّقف الذي لا يمكن النزول عنه في واقع قبلي كان يتميّز وقتئذ بإقصاء النساء من الميراث باعتباره مقتصرا على الرجال بغرض الحفاظ على ملكيّة الأرض للقبيلة وعدم تشتيتها بتوريث النساء. ونفس هذا التوجّه الاجتهادي المحمود يدفعنا نحو القبول بالمساواة على اعتبار أنّ تحديد السقف الأدنى لا يمنع من المُضيّ إلى الحدّ الذي يليه طلبا للمساواة وأخذا بتطوّر سُنن الحياة وشروطها واعتبارا لارتفاع حصّة مساهمة النساء في تكوين ثروة الأسرة وقوامتها.
ولزاما عليه أصبح اليوم من المطلوب ومن الممكن تعديل قانون الأحوال الشخصيّة المتعلّق بالإرث بصورة مرحليّة مُتدرّجة حتّى بُلوغ هدف المساواة التامّة بين الرجل والمرأة.
وإذا ما نظرنا إلى الفصل 2من الدستور الذي ينصُّ على أنّ تونس دولة مدنيّة تقوم على المواطنة وإرادة الشّعب وعلويّة القانون، فإنّ أحكام الميراث أصبحت تمثل الجزء الشاذّ في مجلة الأحوال الشخصية لأنها خارجة عن الفلسفة التحرّرية العامة المجسّدة في جلّ المسائل الأخرى الواردة في المجلة والمبنيّة أساسا على السّعي نحو الحدّ من التمييز بين الجنسين، ونحن اليوم نريد أن نرتقي بها حتى تواكب العصر وتتناغم مع رؤيتنا التحررية في الإصلاح والمساواة.
نساء تونس، بناتي العزيزات،
أيها الشعب التونسي العظيم،
إنّ موضوع الإرث لهو من مسائل الدنيا الفانية التي تركها الله الحكم العادل لاجتهاد خلقه، يتخيّر من خلالها منهم الصالحين والمُصلحين، لذلك وجب الحديث والاعتقاد والجرأة والاجتهاد في المساواة بين الرجل والمرأة بل وإقرارها إذ أن مشروعية المساواة ثابتة دينيا ودستوريا وسبق أن تمّ إقرار توريث البنات مباشرة بإلغاء الحجب الذي كان لا يمنح حق إرث البنت لوالدها مباشرة.
إنّي لمتيقّن أنّ العقل الإيماني الاصلاحي القانوني التونسي سيجد الصيغ الملائمة التي لا تتعارض لا مع الدّين ومقاصده ولا مع الدستور ومبادئه والتي ستضيف لبنة أساسية في اتجاه المساواة الكاملة.
وفي نفس السياق أودّ أن أطرح مسألة ما يُعرف بمنشور 73 والذي أصبح يشكّل عائقا أمام حريّة اختيار القرين وبالتّالي تسوية الوضعية القانونية للكثير من بناتنا التي اتجهت إرادتهنّ للزواج بأجانب وما خلّفه من مشاكل وأحيانا مآسي كنت شاهدا على إحداها.
إذ لا يمكن أن يستمر التغافل على وضعيات قانونية يُعقّدها هذا المنشور والحال أنّ الفصل 6 من الدستور يُقرّ بحرية المعتقد والضمير ويُحمِّل الدّولة مسؤولية حمايتهما.
نساء تونس، بناتي العزيزات،
أيها الشعب التونسي العظيم،
نحن أُمّة وسط اختارت لنفسها نهج الاعتدال والإصلاح، نقتدي بالعقل وبه نهتدي إلى ما فيه فلاحُ الدين والدنيا ومصلحة العباد والبلاد، نشُقُّ طريقنا نحو الانعتاق والحرية بجمع طاقات كلّ أبناءنا نساءا ورجالا متساوين كأسنان المشط، مواطنين مُجنّدين صفًّا واحدًا لرفع راية تونس دومًا إلى الأعلى.
إن أريدُ إلاّ الإصلاحَ ما استطعتُ وما توفيقي إلاَّ بالله عليه توكلتُ وإليه أُنيب (صدق الله العظيم)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.