قال عز الدين عقيل المحلل السياسي ورئيس حزب «الائتلاف الجمهوري» الليبي إن الاعتماد على «سياسيي المصادفة» لن يسهم في حل الأزمة الليبية المتفاقمة، محذرا من فشل المؤتمر الذي تشرف عليه الأممالمتحدة في تونس ويجمع ممثلين عن مجلس نواب طبرق والمجلس الأعلى للدولة بهدف تعديل الاتفاق السياسي وفق خريطة الطريق التي اقترحها المبعوث الأممي غسان سلامة. ودعا، من جهة أخرى، إلى عقد مؤتمر «صخيرات عسكري « يجمع الجنرال خليفة حفتر وأمراء الحرب في ليبيا للاتفاق على تشكيل جيش وطني موحد يخضع للقيادة السياسية ويلتزم بعدم التدخل في شؤونها، فضلا عن إلغاء «ثنائية الاجتثاث» بين حفتر وتيار الإسلام السياسي وتشكيل حكومة «تكنوقراط» بعيدة عن المحاصصة القبلية والدينية والإقليمية. وكان سلامة اعتبر في افتتاح المؤتمر الحالي في تونس أنه ليس هناك «اختلافات غير قابلة للحل أو هوة غير قابلة للغلق في ليبيا، فهناك دول عملت فيها وكان فيها خلافات أعمق بكثير مما لدى الليبيين»، مضيفا «لا أقول إني متفائل بل واقعي في بحثي عن حل ولا أجد خلافات بين الليبيين تتجاوز حدود ما هو قابل للحل بدعم من المجتمع الدولي». وقال عقيل في حوار خاص مع «القدس العربي»: «غسان سلامة ينظر برومانسية للأزمة الليبية ويعتقد أنه يستطيع حلها في فترة وجيزة، ولا أعرف حقيقة إن كان هذا الأمر نابعا عن عبث أو تفاؤل مُفرط أو ضمانات سرية قد يكون استقاها من بعض الأطراف». وأضاف «سلامة وأسلافه يعتمدون على سياسيي المصادفة الذين لا يملكون شيئا على الأرض، ويريدون من هؤلاء تسوية قضايا تتعلق بثوار يحملون رؤى سياسية ويريدون تحويلها إلى دولة، وهذا غير ممكن عمليا». وكانت لجنتا الحوار الممثلتان لمجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة بدأتا السبت بمناقشة المادة الثامنة من اتفاق الصخيرات، وهي من أكثر مواد الاتفاق جدلا كونها تجرد مجلس النواب من صلاحيات المناصب العسكرية والمدنية والأمنية جميعها، خاصة القائد الأعلى للجيش الليبي، وتنقلها إلى حكومة الوفاق. وقال عقيل «هناك عدة قضايا خلافية كبرى لن يكون حلها سهلا، تتعلق الأولى بمدى قبول عبد الرحمن السويحلي (رئيس مجلس الدولة) أن يتحول مجلس الدولة إلى مؤتمر وطني عام جديد بأعضائه المئتين، خاصة أنه يعرف أن الطرف الآخر يتربص برئاسته للمؤتمر لأنه يعتقد كالكثير من الليبيين بأن هذا الشخص لا يستطيع أن يقود مؤسسة تلعب دورا تصالحيا سلميا للجميع، وهو يعرف تماما أنه إذا فتح الباب لعودة مؤسسة المؤتمر بشكلها الطبيعي فإن طموحاته في قيادتها ستنتهي، وبالتالي لن يستسلم بسهولة». وأضاف «هناك أيضا مسألة تجاوز المادة الثامنة، التي أعتقد أنه تم تجاوزها نظريا بما تحصّل عليه خليفة حفتر من اعتراف من جانب فرنسا وبعض وزراء خارجية الدول الغربية بأنه هو الذي يقود شرعية السلاح، ولكن لن يكون إلغاء هذه المادة عمليا أمرا سهلا، من دون أن يقتنع الطرف الذي وضعها لإطاحة حفتر أن حفتر لن يستفرد بالجيش وحده، وأن يتضمن الجيش قواتا من الطرفين ويكون محايدا فيما يتعلق بدور الشرطي السياسي الذي يمكن أن يتورط فيه». كما أشار عقيل إلى قضية خلافية أخرى قد تواجه المجتمعين لتعديل اتفاق «الصخيرات» تتعلق باختيار الشخصيات التي ستقود البلاد «فعندما نتحدث عن رئيس للمجلس الرئاسي ونائبين، هناك من يتحزّم ليكون هو الرئيس، فعقيلة صالح (رئيس البرلمان) يريد أن يكون رئيسا للمجلس، فيما الغرب يريد استمرار السراج بأي شكل، فإذا كان هؤلاء الأشخاص الذين هم السبب الحقيقي في الفشل القائم في البلاد، سيأتون مجددا على رأس المجلس الرئاسي، فهل ستقبل القوى الأخرى هذا الأمر وهل المزاج العام لهذه التحولات سيسهم في طمأنة الناس وإعطائهم انطباعا بأن السلام مقبل لا محالة». وأضاف «وهل فعلا ستكون لدينا حكومة تكنوقراط أم محاصصة بين الإسلاميين والقبائل والجهات والرضوخ للضغوط الإقليمية والدولية؟ يعني هل سنكون أمام مجموعة من الأشخاص الذين لا علاقة لهم بالعمل التكنوقراطي الفني الذي يمكنه أن يعيد على الأقل المستويات الدنيا من قدرة القطاعات على خدمة المواطنين وتعزيز الاحتياطات الاستراتيجية المهمة في المواد والسلع الأساسية لأن الشعب الليبي الآن يكاد يتعرض للمجاعة، وهل هذه الحكومة ستعكس فعلا حالة المصالحة العامة في الدولة، وهل سنجد فيها وزراء عرفوا ببراعتهم الاقتصادية في النظام السابق مثل عبد الله البدري الذي كان أمينا عاما لأوبك؟ هل نجد شخصيات من هذا الحجم رئيسا للحكومة ووزراء؟ أم أن المسألة ستكون مثل حال المجلس الرئاسي يعني مجرد المزيد من الغرق في أوحال المحاصصة القبلة والجهوية والمليشياوية والإسلامية والإقليمية والدولية؟». من جهة أخرى، اعتبر عقيل أن حل الأزمة في ليبيا يتلخص بعدة نقاط، يأتي في مقدمتها الحوار مع الثوار أو المتمردين الذي ساهموا بإسقاط نظام القذافي مدعومين بحلف «الناتو»، معتبرا أن هؤلاء يُعتبرون شخصيات سياسية كونهم «يرددون شعارات ثورة شباط/فبراير ويحملون شعار «دم الشهداء لا يذهب هباء» وهم يتحدثون هنا عن شهداء ماتوا في نزاع مسلح وبالتالي هم يتصورون أن لهؤلاء الشهداء حقوقا سياسية، وهذا هي الحال في دول العالم جميعها، فثوار الجيش الجمهوري الإيرلندي هم الذين جلست معهم المملكة المتحدة، وثوار الفارك هم الذين جلست معهم الحكومة الكولومبية وسوت الأمر وهناك أمثلة كثيرة حول هذا الأمر». وأضاف «يجب أن نجمع أمراء الحرب في ليبيا وعددهم نحو 35 شخصا، مع الجنرال خليفة حفتر في مؤتمر «صخيرات عسكري» كي يتفقوا على إنتاج قيادة عسكرية وأمنية موحدة، وإنجاز التحديات الحقيقية في ليبيا التي لم يتطرق إليها مؤتمر الصخيرات أو غيره، خاصة أن هؤلاء المتمردين تورطوا في جرائم حرب ويريدون الحصول على عفو عن تلك الجرائم أو بحث عن أية صيغة يمكن أن يخرجوا منها من دون التعرض لعقوبات، كما أنهم استولوا على كميات ضخمة من الأموال تعد بالميارات، وهذا سمعته من بعضهم بشكل مباشر، وقد اشتروا بها عقارات في دول الجوار وأوروبا ولا يرغبون بإعادتها (ولا بد من الجلوس معهم لتسوية هذا الأمر)». كما أشار عقيل إلى أن مدينتي الزنتان ومصراتة اللتين قال إنهما «أوغلتا في دماء الليبيين» لا يمكن أن «تستسلما أو تسمحا بتفكيك مليشياتهما والتخلي عن سلاحهما من دون ضمانات حقيقية تمنع تعرضهما لهجوم كبير لن يبقي شيئا فيهما، وليس من مصلحتنا أن تتعرض المدينتين لهجمة ونعود مجددا لمسلسل الانتقام». وتابع «من الضروري أيضا حسم ثنائية الاجتثاث بين خليفة حفتر وتيار الإسلام السياسي، حيث يتهم حفتر بمحاولة تأسيس جيش إيديولوجي (وفعلا هناك أدلة كثيرة على ذلك)، فيما يتهمون حفتر بمحاولة تصفيتهم أو إعادتهم إلى السجون أو المنافي. لذلك أؤكد مجددا أنه لا بد من الاتفاق على جيش يقوم بدور المؤسسة العسكرية المحايدة التي تحتفظ بمسافة واحدة مع كل الليبيين ولا تقوم إلا بدور عسكري وتتبع القيادة السياسية وتأتمر بأوامرها، وهذا يمكن التوصل إليه عبر مؤتمر صخيرات عسكري، ويمكننا خلالها الاستفادة من تجارب إصلاح الجيش الإسباني والبرتغالي واليوناني وجيوش أمريكا اللاتينية وغيرها». وكان المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة دعا إلى مشاركة المجموعات المسلحة في الحوار الوطني حول المصالحة لتقوية العملية السياسية، مؤكدا أنه التقى بعض قادتهم وعبروا عن نيتهم المشاركة في المصالحة الوطنية. (القدس العربي)