سيُعوّض المرسوم عدد 88 لسنة 2011 المؤرخ في 24 سبتمبر 2011 والمتعلّق بتنظيم الجمعيات بقانون جديد بعد أن لاقى المرسوم عدّة انتقادات في ما يهمّ خاصة مصادر التمويل وكيفية مراقبتها والجهات الداعمة والمموّلة لمختلف مكونات المجتمع المدني. في السنوات الأولى من الثورة لاقى المرسوم عدد 88 استحسان عدّة جهات باعتبار منسوب الحريّة الذي تُكرّسه مختلف فصوله فلا رقابة ولا حصار على التمويلات لا من حيث المصدر ولا من حيث قيمة الدعم الذي لم يُضبط سقفه وإنما حدّد المرسوم في عدد من فصوله كيفية التسيير المالي في حالة تجاوز سقف التمويل 100 ألف دينار. غياب جهة تُراقب ذلك الكمّ الهائل من التمويلات الخارجية التي لا تُحصى ولا تُعدّ إلى جانب منسوب الحريّة الذي عمّ البلاد دفع منظمات خارجية ودولية إلى المشاركة في ترسيخ مرحلة الانتقال الديمقراطي بتمكين جمعيات ومنظمات وطنية من تمويلات لتنفيذ برامج إما لتكوين نشطاء المجتمع المدني أو من أجل العمل التنموي أو المساعدة على إنجاح المسار الانتخابي أو من أجل نشر مبادئ حقوق الإنسان أو لترسيخ العمل الاجتماعي والخيري. في المقابل استغلّت عدّة أطراف خارجية ومنظمات دولية هذا المنسوب من الحريّة وغياب أطر رقابية في تنفيذ أجنداتها خاصة منها المتعلّقة بالتطرف والإرهاب لتنخرط جمعيات تونسية في هذا المسار المتطرف والإضرار بالأمن الوطني ونشر الفكر التكفيري. اليوم واقع الجمعيات ومدى استمراريتها باتا تحت المحكّ لتراجع مصادر التمويل الخارجي من جهة واستفاقة الحكومة والضغط وخضوع عدد منها للمراقبة من جهة ثانية، أول هذه المساعي لتشديد «الخناق» إعداد مشروع قانون جديد ينظّم عمل الجمعيات ومصادر تمويلها من قبل رئاسة الحكومة. هذه المساعي لإعادة النظر في المرسوم عدد 88 لم تبدأ مع حكومة يوسف الشاهد وإنما انطلقت منذ سنة 2014 بعد أن تنامت ظاهرة الإرهاب وتطوّر عدد العمليات الإرهابية، فما الذي عطّل التسريع في إقرار قانون جديد ؟ ذلك هو السؤال المطروح. لم يُنكر وزير العلاقات مع الهيئات الدستورية وحقوق الإنسان مهدي بن غربية في تصريح ل»الصباح الأسبوعي» عندما قال «توجسات مختلف مكونات المجتمع المدني التونسي من التقليص من منسوب الحرية والتضييق على أنشطتها ولكن أكدنا في المشاورات واللقاءات أنه سيكون أكثر حريّة ولكن مع خلق صيغ جديدة لعمل الجمعيات والمنظمات وأيضا منصة إلكترونية تسمح بالرقابة والشفافيّة في تمويل الجمعيات». وأضاف بن غربية «لهذا السبب تأخر تقديم مشروع القانون الجديد المنتظر عرضه في المنتصف الأول من سنة 2018 حتى نضمن أكثر تشاركية مع المجتمع المدني» وأوضح ايضا «لا وجود لأي ضغط من المجتمع المدني الدولي في ما يهمّ صياغة القانون كما وقع تداوله، فنحن نتعامل مع كلّ الأطراف بصفة تشاركية واستشارية وبكلّ أريحية لكن التوجس كان حول إمكانية التراجع عمّا ورد من حريات بالمرسوم عدد 88 لسنة 2011». في ذات السياق كشف وزير العلاقة مع الهيئات الدستورية وحقوق الإنسان خلال جلسة عامة بالبرلمان أنّ عدد التنبيهات التي أصدرتها الوزارة والمتعلّقة بالجمعيات المشبوهة بلغت 974 تنبيها، فيما بلغ عدد مطالب تعليق النشاط 279 مطلبا وعدد مطالب الحل 152 مطلبا. وأشار بن غربية إلى أن الهيئة أصدرت 105 مطلبا لحل قضائي لشبهات إرهاب و47 طلب حل بمخالفات عادية. مراقبة عمل الجمعيات والمنظمات في ما يخصّ مصادر تمويلها خاصة وأيضا مراقبة أنشطتها دون المسّ من حرياتها وتنظّمها وفق ما ضبطه الدستور الجديد لن يكون بالأمر الهيّن والسهل خاصة إذا ما لم يتمّ على قاعدة بيانات دقيقة تضمن الشفافية من جهة ولا تحدّ من منسوب الحريات من جهة ثانية. فما عدا مركز الإعلام والتكوين والدراسات والتوثيق حول الجمعيات «إفادة» لا وجود لأية قاعدة بيانات دقيقة تُوضّح الجمعيات والمنظمات الناشطة من عدمها، فمركز إفادة في إحصائيته اكتفى بالعدد الجملي ومجال الأنشطة، فبلغ العدد الجملي إلى حدود 4 نوفمبر الجاري 20 ألفا و891 منظمة وجمعية. ◗إيمان عبد اللطيف الصباح الاسبوعي بتاريخ 27 نوفمبر 2017