النادي الافريقي: 25 ألف مشجّع في الكلاسيكو ضد النادي الصفاقسي    تأخير محاكمة الغنوشي الى 6 ماي 2024    وزيرة الصناعة تشارك في فعاليات المنتدى الاقتصادي العالمي بالرياض    رئيس الجمهورية يستعرض الوضع الأمني العام بالبلاد    النجم الساحلي يتعاقد مع خالد بن ساسي خلفا لسيف غزال    درة زروق تهيمن بأناقتها على فندق ''ديزني لاند باريس''    المجمع الكيميائي التونسي: توقيع مذكرة تفاهم لتصدير 150 ألف طن من الأسمدة إلى السوق البنغالية    نائبة بالبرلمان: ''تمّ تحرير العمارة...شكرا للأمن''    الجامعة التونسية المشتركة للسياحة : ضرورة الإهتمام بالسياحة البديلة    نادي تشلسي الإنجليزي يعلن عن خبر غير سار لمحبيه    تعرّض سائق تاكسي إلى الاعتداء: معطيات جديدة تفنّد روايته    بن عروس : تفكيك وفاق إجرامي مختص في سرقة المواشي    الطلبة التونسيون يتحركون نصرة لفلسطين    الرابطة الأولى: تفاصيل بيع تذاكر مواجهة النادي الإفريقي والنادي الصفاقسي    التونسيون يستهلكون 30 ألف طن من هذا المنتوج شهريا..    فيديو : المجر سترفع في منح طلبة تونس من 200 إلى 250 منحة    السنغال تعتمد العربية لغة رسمية بدل الفرنسية    إنهيار سد يتسبب في موت 42 شخصا    بطولة الرابطة المحترفة الاولة (مرحلة تفادي النزول): برنامج مباريات الجولة التاسعة    مليار دينار من المبادلات سنويا ...تونس تدعم علاقاتها التجارية مع كندا    عاجل/ هذا ما تقرر بخصوص محاكمة رجل الأعمال رضا شرف الدين..    رئيس الجمهورية يلتقي وزير الشؤون الخارجية والتجارة المجري    بنزرت: طلبة كلية العلوم ينفّذون وقفة مساندة للشعب الفلسطيني    "بير عوين".. رواية في أدب الصحراء    بعد النجاح الذي حققه في مطماطة: 3 دورات أخرى منتظرة لمهرجان الموسيقى الإلكترونية Fenix Sound سنة 2024    سليانة: 4 إصابات في اصطدام بين سيارتين    17 قتيلا و295 مصابا في ال 24 ساعة الماضية    نقطة ساخنة لاستقبال المهاجرين في تونس ؟ : إيطاليا توضح    كأس الكونفدرالية الافريقية : نهضة بركان المغربي يستمر في استفزازاته واتحاد الجزائر ينسحب    مدنين : مواطن يحاول الإستيلاء على مبلغ مالي و السبب ؟    قيس الشيخ نجيب ينعي والدته بكلمات مؤثرة    تصل إلى 2000 ملّيم: زيادة في أسعار هذه الادوية    ما حقيقة انتشار "الاسهال" في تونس..؟    تونس : ديون الصيدلية المركزية تبلغ 700 مليار    جائزة مهرجان ''مالمو'' للسينما العربية للفيلم المغربي كذب أبيض    بعد مظلمة فرنكفورت العنصرية: سمّامة يحتفي بالروائية الفسطينية عدنية شبلي    هام/ بشرى سارة للراغبين في السفر..    زلزال بقوة 4.6 درجات يضرب هذه المنطقة..    الرابطة الأولى: برنامج مباريات الجولة السادسة لمرحلة التتويج    زيارة ماسك تُعزز آمال طرح سيارات تسلا ذاتية القيادة في الصين    يوميا : التونسيون يهدرون 100 مليار سنويا    دكتور مختصّ: ربع التونسيين يُعانون من ''السمنة''    ثمن نهائي بطولة مدريد : أنس جابر تلعب اليوم ...مع من و متى ؟    خط جديد يربط تونس البحرية بمطار تونس قرطاج    معز السوسي: "تونس ضمن القائمة السوداء لصندوق النقد الدولي.."    العثور على شخص مشنوقا بمنزل والدته: وهذه التفاصيل..    عاجل/ تفكيك شبكة مُختصة في الإتجار بالبشر واصدار 9 بطاقات إيداع بالسجن في حق أعضائها    حزب الله يرد على القصف الإسرائيلي ويطلق 35 صاروخا تجاه المستوطنات..#خبر_عاجل    طقس الاثنين: تقلبات جوية خلال الساعات القادمة    عملية تجميل تنتهي بكارثة.. وتتسبب بإصابة 3 سيدات بالإيدز    انطلاق فعاليات الدورة السادسة لمهرجان قابس سينما فن    وزير السياحة: عودة للسياحة البحرية وبرمجة 80 رحلة نحو تونس    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثغرات قانونية.. تجاوزات مالية في غياب التدقيق والمراقبة
ملفات الصباح: الجمعيات والمرسوم عدد 88
نشر في الصباح يوم 09 - 06 - 2013


اعداد: ايمان عبد اللطيف
لم يكن تتبع تمويل الجمعيات والمنظمات بالأمر الهين واليسير، فلا وجود لآلية مراقبة واضحة ودقيقة وشفافة لا عبر القانون ولا حتى بالعين المجردة
خاصة في ما يتعلق بالتمويل الخارجي، فما تلقطه عين الملاحظ والمشاهد والمحلل والمتتبع للشأن العام بتونس ما بعد الثورة هو تلك الندوات والملتقيات المنظمة بأضخم النزل والمشاريع المتناثرة هنا وهناك من منطقة إلى منطقة.. فاكتسبت جمعيات دون أخرى مركزا ومكانة واضحة في المجتمع ليقع تداول أنشطتها بصفة متواترة عبر مختلف وسائل الإعلام المكتوبة والإلكترونية والمسموعة والمرئية.
فهبّة كبيرة ملفتة للأنظار لجمعيات كبيرة وأيضا صغيرة نشأت في إطار الحراك الديمقراطي وأضحت قوة ضغط مع اختلاف وسائل ضغطها وطرقها ومنهجها، فلم يتعود المجتمع التونسي على هذا الحراك لكن في ذات الوقت استطاعت أن تغيّر الصورة التقليدية لمهام مكونات المجتمع المدني بما في ذلك الأحزاب، حتى أنها أصبحت تتزاحم وتتنافس في ما بينها، فاختلفت ميادين عملها بين الخيرية والحقوقية والعلمية والبيئية والثقافية وغيرها لتبرز بالتالي مجالات دون أخرى، يبقى السؤال الذي يُطرح من حين إلى آخر إلى حد الريبة "من أين لك هذا؟".
"الصباح" تفتح اليوم هذا الملف..
أنتجت ثورة 14 جانفي2011 بتونس مرسوما جديدا ينظم سير عمل الجمعيات وكيفية تسييرها وهو المرسوم عدد 88 لسنة2011 مؤرخ في 24 سبتمبر 2011 يتعلق بتنظيم الجمعيات باقتراح من الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والإنتقال الديمقراطي التي كان يترأسها الأستاذ عياض بن عاشور، جاء هذا الإقتراح بعد الإطلاع على القانون الأساسي عدد 80 المؤرخ في 26 جويلية 1993 المتعلق بانتصاب المنظمات غير الحكومية بتونس وعلى القانون عدد 154 لسنة 1959 المتعلق بالجمعيات، فكان الهدف الأساسي منه هو حرية تأسيس الجمعيات والانضمام إليها والنشاط في إطارها ومنها تدعيم دور المجتمع المدني وتطويره والحفاظ على استقلاليته.
وبالرغم من أن صياغة هذا المرسوم جاءت نتيجة الحراك الثوري الذي أفرز العديد من القوانين والمراسيم الجديدة، إلا أن ثغرات كثيرة -على حد قول العديد من الملاحظين- أفسدت "صفو" الغاية من تغيير القانون ألا وهي حرية التنظم من أجل التأسيس وبناء دولة ديمقراطية تعمل كل مؤسساتها العمومية وهياكلها إل جانب مكونات المجتمع المدني من أحزاب وجمعيات ومنظمات بطريقة تشاركية من أجل بناء ذلك الإنتقال الديمقراطي.
بعد تصفح وبحث وإجراء العديد من المقابلات ومن خلال ما نشهده يوما بعد يوم من حراك جمعياتي غيّر من صورة المجتمع المدني التقليدي وأنتج ما انتج من تغييرات البعض صُنف في خانة الفعل الإيجابي البنّاء والبعض الآخر صنُف في خانة الفعل السلبي "المخرّب"، لوحظ الكثير من الريبة لدى من تحدثت إليهم "الصباح" تحوم حول إشكالية كبيرة واحدة لم يوجد لها إجابة واضحة ومقنعة ألا وهي كيفية تمويل الجمعيات ولماذا تتمتع جمعيات دون أخرى بهذا التمويل لتتفرع عنها إشكالية أخرى من يُراقب؟ وأية آليات لهذه المراقبة؟
استغلال الثغرات ؟؟
فرضيات عدة تُطرح في هذه المسألة، أبرزها أن يكون هناك تفطن للثغرات الواردة بالمرسوم وبالتالي من السهل استغلالها وحسن توظيفها، أما الفرضية الثانية أن تكون المعرفة بحقيقة التمويلات ومن يقف وراءها والتدقيق فيها هو بصعوبة بمكان بما لا يُمكّن من التقصي وكشف حقيقة الجهات المانحة من قبل الجمعيات الناشئة الفاقدة للخبرة والمعرفة الكافية بدواليب التمويل الخارجي وخفاياه؟ أما الفرضية الثالثة قد تحوم حول الجهات المانحة فتجعل لها وسطاء "سماسرة" بما يمكنها من فرض وتمرير أجنداتها الإيديولوجية وتحقيق مصالحها.
بالعودة إلى التشريعات نجد أن المرسوم عدد 88 لسنة2011 يحتوي على تسعة وأربعين فصلا (49) موزعة على سبعة أبواب مضمنة لعدة أحكام ولم ترد الأحكام المالية إلا بالباب السادس حيث ضبط الفصل 34 موارد الجمعية التي قد تتكون من اشتراكات الأعضاء والمساعدات العمومية إلى جانب العائدات الناتجة عن ممتلكات الجمعية ونشاطاتها ومشاريعها بالإضافة إلى التبرعات والهبات وطنية كانت أو أجنبية لكن حجر الفصل 35 على الجمعيات "قبول مساعدات أو تبرعات أو هبات صادرة عن دول لا تربطها بتونس علاقات ديبلوماسية أو عن منظمات تدافع عن مصالح وسياسات تلكم الدول" وهنا مربط الفرس كيف السبيل إلى التحقق من ذلك؟ وأين هي الآليات لفرز الغث من السمين؟.
من جهة أخرى وردت الأحكام المتعلقة بالسجلات والتثبت من الحسابات بالباب السابع حيث ضبط فصوله كيفية التسيير الإداري إلى جانب التصرف المالي واكتفى الفصل41 منه بالصياغة التالية "تنشر الجمعية المساعدات والتبرعات والهبات الأجنبية وتذكر مصدرها وقيمتها وموضوعها بإحدى وسائل الإعلام المكتوبة وبالموقع الإلكتروني للجمعية إن وجد في ظرف شهر من تاريخ قرار طلبها أو قبولها وتعلم الكاتب العام للحكومة بكل ذلك بمكتوب مضمون الوصول مع الإعلام بالبلوغ في نفس الأجل" وبناء على هذا الفصل للسائل أن يتساءل ما العمل مع الجمعيات التي لا تُصرح ولا تنشر وكيف للكتابة العامة للحكومة أن تتحقق من حصول الجمعيات على تمويلات من عدمها وكيف يمكنها أن تتثبت من أرصدتها البنكية أو البريدية؟ كل هذه التساؤلات لا اجابات لها لدى الكتابة العامة للحكومة مثلما يتبين بالحوار الذي أجرته "الصباح" مع جمال الطاهر العوي مستشار لدى رئيس الحكومة المكلف بالتنمية السياسية والإصلاحات الديمقراطية برئاسة الحكومة ذلك أن المرسوم محدود و"يزخر" بالثغرات ولا يمكّن من المطالبة وإنما الإكتفاء بالتذكير والتنبيه، وبالتالي من هي الجهة المخول لها مراقبة التمويل الخارجي.
غموض
للإجابة عن هذا التساؤل اتصلت "الصّباح" بمصدر بالبنك المركزي فأكد أن المرسوم لم يصرح لا ضمنيا ولا علنيا بالجهة التي يجب عليها المراقبة ولكن مع ذلك في حالة ورود أي شك من قبل البنوك بخصوص أرصدة معينة يقع إبلاغ البنك المركزي بهدف التثبت، فإذن ضمنيا يمكن القول أنه إذا وجدت الإرادة للتثبت فالإمكانية واردة وممكنة..

مدى التزام الجمعيات بالمرسوم
من16 الفا.. ما بين 40 إلى50 جمعية فقط صرحت بقيمة تمويلاتها
حول مدى انضباط الجمعيات بتطبيق المرسوم عدد 88 لسنة 2011 خاصة فيما تعلق بنشر والإعلان عن التمويلات لدى الكاتب العام للحكومة اختارت "الصباح" اعتباطيا عدد من الجمعيات المعروفة منها وغير المعروفة على غرار جمعية "عتيد" حيث أكد معز بوراوي رئيس الجمعية أن "عتيد ملتزمة بتطبيق المرسوم منذ صدوره خاصة في مستوى الإعلان عن مصادرها التي كان آخرها من الإتحاد الأوربي فتم الإعلان عن قيمة التمويل ومصدره على صفحات الجرائد في شهر أوت 2012".
وبالنسبة لممثل "عتيد" اختيار الجهة المانحة ليس بالمسألة الصعبة فالجمعية اختارت ألا تتعامل إلا مع الجهات التي لها اتفاقيات مع الدولة التونسية على غرار الإتحاد الأوروبي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي وغيرها للابتعاد عن أية شبهات، كذلك الشأن بالنسبة لجمعية المرأة والمواطنة بالكاف حيث بينت غفران هراغي مسؤولة عن الإتصالات بالجمعية أن "الجمعية اختارت منهجها في تصنيف الجهات المانحة واعتمادها وهي منضبطة إلى ما ينص عليه المرسوم في ما يتعلق بنشر قيمة المنح وغيرها من التفاصيل المتعلقة بالتمويل".
في ذات السياق صرحت بين 40 و50 جمعية لدى كتابة الحكومة بقيمة التمويلات التي تحصلت عليها، ولسائل أن يتساءل: هل هذه الأرقام تعكس حقيقة عدد الجمعيات التي تتلقى المنح والهبات وبالتالي من خلال هذا الطرح من هي الجمعيات التي يحق لها الحصول على التمويل مهما كان مصدره من الداخل أو الخارج؟
تجدر الإشارة في هذا الإطار إلى أن الإحصائيات الأخيرة لعدد الجمعيات تشير إلا أنها بلغت قرابة 16 ألف جمعية بما فيها التي تكونت قبل الثورة أما التي تكونت بعد ذلك وتحديدا من1 جانفي2011 إلى23 أفريل 2013 فقد بلغت 5725 جمعية.
الإحصائيات.. والواقع..
وبالربط مع المرسوم المنظم لهذا المجال جاء في الفصل العاشر أن تأسيس الجمعيات يخضع إلى نظام التصريح وبالتالي فإن الجمعية، وحسب الفصل الثاني عشر منه، تعتبر مكونة قانونيا من يوم إرسال مكتوب إلى كاتب عام الحكومة بمعنى يمكنها أن تنطلق في أنشطتها قبل أن تكتسب الشخصية القانونية التي تشترط نشر إعلان التكوين بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية، وبتصفح لأعداد "الجورت" من غرة جانفي 2013 إلى حد آخر عدد لهذا الأسبوع لم نجد أي نشر أو إعلان عن تكوين أية جمعية علما وأن حسب ما صرح به المستشار لدى رئاسة الحكومة جمال الطاهر العوي يرد على مكتب كاتب عام الحكومة يوميا حوالي 80 تصريحا لتكوين جمعية وبالتالي لو طرح تساؤل آخر من هي هذه الجمعيات وهل يكفي بأن تضبط أهدافها بنظامها الأساسي حتى "تخترق" مجال العمل الجمعياتي المدني.
إذن إعادة النظر بالمرسوم عدد 88 لسنة 2011 المتعلق بتنظيم الجمعيات أضحى من الأوليات ومن المواضيع الجادة التي يجب طرحها وهو ما أكده كمال العيادي خبير في مجال سياسات واستراتيجيات مكافحة الفساد حيث بيّن أن "المسألة متعلقة بالشفافية المالية وبالحوكمة الرشيدة غير أنه يجب التفريق بين المجتمع المدني ذا الخبرة والفاقد لها، فالأول لديه علاقات واسعة مع المنظمات الدولية ذات التمويلات الواضحة في حين أن الصنف الثاني المفتقد للخبرة والدراية بالجهات المانحة يستوجب التركيز عيلها، غير أن المشكل يكمن في التعامل مع جهات أخرى جديدة عن المجتمع المدني التونسي ووجدت لها مكانا بحلول الربيع العربي وهنا أقصد المنظمات العربية خاصة منها الخليجية التي ليست لها قواعد محاسبة ومتابعة وبالتالي مهمة مراقبة التمويل موكولة إلى البنك التونسي المركزي بمراقبة الأرصدة وهنا تكمن أهمية طرح الموضوع على طاولة النقاش وإعادة النظر في المرسوم الحالي".

جمال الطاهر العوي مستشار لدى رئيس الحكومة ل«الصباح»: الحديث عن بناء ديمقراطي يفترض تنقيح المرسوم أو تغييره بقانون
اقر جمال الطاهر العوي مستشار لدى رئيس الحكومة المكلف بالتنمية السياسية والإصلاحات الديمقراطية ل"الصباح" بوجود ثغرات في مرسوم الجمعيات، ودعا الى تغييره بقانون يدير العمل الجمعياتي ويلغي الثغرات الحالية..وقال ان أغلب الجمعيات حديثة النشأة بسيطة وبالتالي هي لا تجمع هبات ولا تتحصل على تمويلات وأغلب تحركاتها تنبني على تطوع أعضائها..
* العديد من الإخلالات التي تشوب المرسوم المنظم للجمعيات وأبرزها عدم التنصيص على الجهة الموكول إليها مهمة مراقبة التمويل الخارجي؟.
-الجمعيات كانت تخضع إلى قانون عدد 154 لسنة 1959 والفلسفة العامة لهذا القانون تقوم على حق الدولة في أن تمنح الرخصة أم ترفض، فبعد الثورة تغيرت الفلسفة بالكامل تقريبا حيث أصبحت قائمة على مبدأ التصريح وتعتمد على الحس المدني للمواطنين فيصبح مسؤولا في تعامله مع الدولة لتعزيز الثقة بينها وبين المواطن وبين المجتمع وبالتالي فإن فلسفة المرسوم قائمة على الثقة وعلى الحس المدني.
المعروف إذن أن المرسوم عدد 88 جاء في سياق ثوري وفي إطار الحديث عن الإنتقال الديمقراطي بحيث كان قائما على الفلسفة المذكورة دون تحديد لآليات دقيقة عن عملية تمويل مختلف المنظمات والجمعيات فالخلل قد لا نجده في التصور وإنما في الآليات وطرق التسيير.
وقد انتبهنا إلى هذه المسألة كذلك الجمعيات ليتبلور تصور عام حول ضرورة تنقيح هذا المرسوم في شكل قانون يقوم على نفس الفلسفة ولكن يكون أكثر دقة في الإجراءات والتدابير وفي فصول التسيير، فالحديث عن بناء ديمقراطي يفترض تغيير هذا المرسوم بقانون يدير العمل الجمعياتي ويلغي الثغرات الحالية.
فالنية موجودة لتغيير هذا المرسوم فمنهجنا سيكون منهجا تشاركيا حيث قد يُدار حوار وطني أو إستشارة وطنية حول المرسوم الحالي وتنقيحه أو امكانية صياغة قانون جديد، لم نشرع بعد في هذه المسألة وقد نصل إلى ذلك في وقت معقول بما ينسجم مع مرحلة الإنتقال الديمقراطي.
* في ما يتعلق بمسألة التمويل؟
- المرسوم في الفصل 36 يقر بحق التمويل العمومي ولكن كيف؟ يجب أن يكون هناك أمرا ترتيبيا ينظم هذه المسألة وهو الإطار التشريعي الذي سينضوي تحته ممارسة الحكومة وتمتع الجمعيات بهذا الحق مع ضرورة ارفاقه بمعايير للنظام المحاسبي وهذا يعود فيه بالنظر إلى وزير المالية لإصدار قرار وهذه المسألة بصدد الإعداد.
* بخصوص الوزارات المانحة للتمويلات؟
- هناك جمعيات تستمد ديمومتها من منح الوزارات باعتبارها تؤدي لوظائف مكملة لأنشطتها فغياب النص التشريعي المنظم لهذه المسألة عُوض بعقود شراكة واتفاقيات حول برامج حتى لا تتوقف المصالح المشتركة.
*وبالنسبة للتمويل غير العمومي؟
- يقر المرسوم، ودائما انطلاقا من الحس المدني والتعويل على مسؤولية المواطن، حق الجمعيات في تلقي الهبات والعطايا وفي ذات الوقت يوجب على الجهات المنتفعة بالتمويل الخارجي اعلام كاتب عام الحكومة ونشر قيمة التمويل والتنصيص على الجهات المانحة بالجرائد والمواقع الإلكترونية للجمعيات ان وجدت.
*ولكن هل يمكن أن تقوم المراقبة على مبدأ النية والحس المدني؟
- نحن خارج المرسوم لا نستطيع القيام بأي شيء وهذه حدوده وعمليا لم نسجل أية تجاوزات إلى حد الآن؟
كيف يمكن الحديث عن تجاوزات من عدمها إذا لم يكن هناك تصريح من قبل الجمعيات بالمبالغ المتحصل عليها؟
*هل هناك وسائل للمطالبة بذلك؟
- نحن لا نطالب بذلك وإنما نذكّر، وقد قمنا بإصدار بلاغ ثان من السيد كاتب الحكومة الذي يأتي في هذا السياق أي سياق تذكير الجمعيات والمسيرين لها بما يفرضه المرسوم.
* وهل يكفي التذكير؟
- هذا ما يخوله لنا المرسوم وهذا ما نملكه، فالمرسوم يقر أن الجمعيات التي تفوق ميزانياتها مائة ألف دينار مطالبة بأن تقدم تقرير خبير محاسب عن تصرفاتها المالية إلى كاتب عام الحكومة.
فالجمعيات التي تتلقى هبات من الخارج المفروض أن تمر على البنك المركزي وبالتالي يقع اشعارنا بطريقة أو بأخرى ما زاد على ذلك لم يحدد المرسوم آلية لمراقبة التمويلات الخارجية ونحن كدولة مسؤولة تقر بعلوية القانون لا نقدر على القيام بأي شيء خارج إطار المرسوم ورهاننا دائما على الحس المدني ووعي المواطن.
*هناك هبات تدخل عن طريق الحوالات البريدية وعن طريق المواطنين؟
- جزء من التمويل العمومي يأتي عن طريق الاكتتاب الوطني وهذه مسألة ينظمها القانون فمن حق الجمعيات التي لديها مشروع مدروس ولا تملك الأموال أن تجمعها بتقديم مطلب في ذلك لجمع المال من المواطنين وقد تقدمت العديد من الجمعيات بمثل هذه المطالب تمت الموافقة عليها.
*إذن، متى ينطلق الحوار أو الإستشارة الوطنية لإعادة النظر في المرسوم؟
-لم يقع تحديد هذه المسألة بعد، فالقضية الكبيرة التي تشغل الرأي العام السياسي والشعبي اليوم هي الإنتخابات.
*لكن في هذا السياق قد يكون من الأولويات إعادة النظر في هذا المرسوم فالعديد من الجمعيات تحول عملها من عمل مدني إلى سياسي؟
- إلى حد الآن نحن نسعى إلى التذكير من حين إلى آخر لأن هذا هو الموجود، لكن الديناميكية الحالية حول الحديث عن تنقيح المرسوم وربما تغييره بقانون أكثر عمق لتحقيق الشفافية وتكريس دولة القانون بدأ يتبلور ولكن لن يكون ذلك في المكاتب المغلقة فما نسعى إليه هو تحقيق مقاربة وطنية حول العمل المدني والجمعياتي.
* بين البلاغ الأول والثاني هل هناك تجاوب من الجمعيات؟ وكم عددها؟
- نعم هناك تجاوب من قبل الجمعيات وتراوح عددها بين 40 و50 جمعية أبلغت عن الهبات والمنح التي تحصلت عليها من الداخل والخارج، لكن الجدير بالذكر أن أغلب الجمعيات حديثة النشأة هي بسيطة جدا وبالتالي هي لا تجمع هبات ولا تتحصل على تمويلات وأغلب تحركاتها تنبني على تطوع أعضائها.
* ولكن هناك جمعيات ملفتة للإنتباه لحجم أنشطتها وتحركها؟
- الجمعيات الملفتة للإنتباه أتصور أنها تتقدم بتقاريرها المالية، ليس أمامي الآن الوثائق للإجابة عن هذا التساؤل ولكن مثل هذه الجمعيات يسهل مراقبتها فمن الوسائل التي نعتمد عليها هي وسائل الإعلام التي تتابع أنشطة الجمعيات وبالتالي يمكن لنا مراسلتها لمدنا بقوائمها المالية أو لإثبات حسن تسييرها كالإعلان مثلا عن تكوين فروع لها فنطالبها بتسوية وضعيتها.
فالمرسوم يفصّل العملية العقابية من حيث التدرج في تسوية الوضعية التي قد تصل إلى حد حل الجمعية وإلى حد الآن لم يقع تسجيل أية تجاوزات ولم نلتجئ إلى القضاء في أية حالة.
*وماذا عن الجمعيات الخيرية وهي أكثر الجمعيات الموجهة لها أصابع الإتهام؟
- أغلب الجمعيات التي تصرح بالمساعدات هي الجمعيات الخيرية وقد تكون المبالغ غير ملفتة للإنتباه لتحوم حولها شكوك، ففي أقصى الحالات لا تتجاوز مائة ألف دينار لأن هناك بعض التمويلات تقوم على الشراكة على المستوى الدولي والوطني في إطار الظاهرة الجديدة ظاهرة التشبيك.
فعلى مستوى التطبيق نحن جادون في تطبيق المرسوم عدد 88 الذي جاء في سياق ثوري ونحن ملزمون بتطبيقه في انتظار تغييره وبالنسبة للجمعيات أغلبها متجاوبة وحتى إذا وصلنا إلى مرحلة التنبيه يكون هناك تجاوب سريع.
وفي تقديري كل المتدخلين في العمل الجمعياتي واعون بأهمية مزيد تنظيم هذا المجال من خلال قانون يرتقي إلى مستوى التجربة التونسية ويساهم في إقحام تونس في مرحلة الانتقال الديمقراطي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.