يورو2024.. إشتباكات بين الجماهير الصربية والإنقليزية    الاحتفاظ بعون ديوانة معزول بحوزته كمية من الكوكايين    فرق التفقد الطبي بكامل الجمهورية تقوم بزيارات ميدانية غير معلنة لعدد من الأقسام الاستعجالية    في ظل انتشار التسممات الغذائية في فصل الصيف: الدعوة إلى اعتماد سلوك غذائي سليم    التلمساني مدربا جديدا لمستقبل سليمان    باكستانية تضع مولودها في جبل عرفات    وزارة الصحة السعودية تصدر بيانا تحذيريا لضيوف الرحمان    الصوناد: الرقم الأخضر 80100319 لتلقي التشكيات    الخارجية الأردنية: وفاة 14 حاجا وفقدان 17 آخرين    تخصيص برنامج متكامل لرفع الفضلات خلال أيام العيد    الدكتور حمادي السوسي: لا وفيات في صفوف البعثة الرسمية للحجيج    بعد ظهر اليوم.. خلايا رعدية مصحوبة بأمطار متفرقة    قائمة الأطباء البياطرة المتطوعين في العيد ونصائح حول أهم القواعد الصحية    أنس جابر تُشارك الأسبوع المقبل في بطولة برلين للتنس    هنية يوجه كلمة بمناسبة عيد الأضحى: نحن في خضم ملحمة تاريخية والمقاومة أبدعت    وزير الشّؤون الدّينية يواكب تصعيد الحجيج إلى المشاعر المقدّسة    أول أيام عيد الأضحى.. الحجاج يؤدون طواف الإفاضة    الليبيون يؤدون صلاة عيد الأضحى وسط مراسم إحياء ذكرى ضحايا فيضان دانيال    في أول أيام عيد الأضحى.. الحجاج يرمون جمرة العقبة الكبرى    المطربة المصرية منى عبد الغني تنهار باكية أثناء أداء مناسك الحج على جبل عرفات (فيديو)    أطباء يحذرون من حقن خسارة الوزن    المهدية: الإحتفاظ بمتحيليدلس وثائق للراغبين في الحصول على عقود عمل بالخارج    مركز الإجهاد الحراري وضربات الشمس بمشعر عرفة يستقبل 225 حالة    أنس جابر تغادر بطولة نوتينغهام العشبية من الدور ربع النهائي..#خبر_عاجل    الرابطة 1 – الترجي الرياضي بطلا للمرة الثالثة والثلاثين في تاريخه    الطقس هذه الليلة..    بعد وقفة عرفة.. الحجاج يتجهون إلى مزدلفة    الليلة: الحرارة تتراوح بين 20 و32 درجة    جندوبة: السيطرة على حريق نشب بغابة سيدي حمادة    ماذا في ندوة المديرين الجهويين للحماية المدنيّة التي أشرف عليها وزير الداخلية؟    النادي الصفاقسي يعود بانتصار ثمين من جوهرة الساحل    جريمة بشعة تهز ألمانيا بالتزامن مع المباراة الافتتاحية ل'يورو 2024'    أول إطلالة للأميرة كايت منذ بدء علاجها من السرطان    وزارة التربية تكشف عن استراتيجية وطنية للقضاء على التشغيل الهش    تشكيلة النادي الصفاقسي في مواجهة النجم الساحلي    قفصة: الإطاحة بوفاق لترويج المخدرات يقوده موظف    مختصون يوصون بتجنيب الأطفال مشاهدة ذبح الأضحية    أعلى من جميع التمويلات الحالية.. تركيا ستحصل على قرض قياسي من صندوق النقد    إقبال ضعيف على الأضاحي رغم تراجع الاسعار الطفيف بهذه الجهة    المهدية: مؤشرات إيجابية للقطاع السياحي    بنزرت : حجز 1380 لترا من الزيت النباتي المدعم    بداية من اليوم: تونس تلغي التأشيرة عن الايرانيين والعراقيين    ذبح الأضاحي : توصيات هامة من المصالح البيطرية    أكثر من مليوني حاج يقفون بعرفة لأداء ركن الحج    اليوم: فتح شبابيك البنوك والبريد للعموم    بشرى لمرضى السكري: علماء يبتكرون بديلا للحقن    «لارتيستو»: الفنان محمد السياري ل«الشروق»: الممثل في تونس يعاني ماديا... !    رواق الفنون ببن عروس : «تونس الذاكرة»... في معرض الفنان الفوتوغرافي عمر عبادة حرزالله    المبدعة العربية والمواطنة في ملتقى المبدعات العربيات بسوسة    مجموعة السّبع تؤيد مقترح بايدن بوقف إطلاق النار في غزة    يحذر منها الأطباء: عادات غذائية سيئة في العيد!    حصيلة منتدى تونس للاستثمار TIF 2024 ...أكثر من 500 مليون أورو لمشاريع البنية التحتية والتربية والمؤسسات الصغرى والمتوسّطة    الرابطة 1 : نجم المتلوي ينتزع التعادل من مستقبل سليمان ويضمن بقاءه    الدورة الخامسة من مهرجان عمان السينمائي الدولي : مشاركة أربعة أفلام تونسية منها ثلاثة في المسابقة الرسمية    "عالم العجائب" للفنان التشكيلي حمدة السعيدي : غوص في عالم يمزج بين الواقع والخيال    قفصة : تواصل أشغال تهيئة وتجديد قاعة السينما والعروض بالمركب الثقافي ابن منظور    جامعة تونس المنار ضمن المراتب من 101 الى 200 لأفضل الجامعات في العالم    تعيين ربيعة بالفقيرة مكلّفة بتسيير وكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رأي/المهام النيابية لعضو مجلس نواب الشعب
نشر في الصباح نيوز يوم 16 - 04 - 2020

أثارت تصرّفات بعض نواب الشعب في الأيام القليلة الماضي في إطار تدخّلاتهم الاجتماعية في واقع المجتمع التونسي جدلا كبيرا حول مدى شرعية هذه الاعمال و تناسبها مع المهام التي أسندها الدستور لعضو مجلس النواب، ففي حين ساندها البعض باعتبارها تدخل في إطار مبدأ التعاون بين السلطيتين التشريعية و التنفيذية لتحقيق النفع العام ، و استنكر البعض الاخر هذه السلوكات التي اعتبرها تجاوزات تخرج عن سياق المهام الدستورية للنائب... و لوضع حدّ لهذا اللغط و الجدل عدت إلى النصوص التشريعية التي تنظّم مهام النائب في إطار عمله النّيابي و أعددت هذا العمل مساهمة منّي لتوضيح هذه المسألة للرأي العام لعله يكون قادحا لعدّة بحوث و أعمال في هذا المجال .
ستة سنوات تمرّ على بداية العمل بالدستور التونسي الجديد : دستور الثورة كما يصفه البعض و دستور الجمهورية الثانية عند البعض الاخر ... و بين هذا وذاك تتداخل بعض المفاهيم و القواعد الدستورية في تشكيل المشهد السياسي التونسي ...
لقد عرفت التجربة التونسية الجديدة تغيير نوعي في النظام السياسي للبلاد فبعد أن كان نظام رئاسي مهجّن إن صح التعبير في الجمهورية الاولى ، أضحى- مع موجة التحوّلات الكبرى في المنطقة وبعد الإطاحة بالانظمة الكليانية التّاريخية - نظام برلماني معدّل مستجيب لمحدّدات النظام العالمي الجديد و للخيارات السياسية و الاقتصادية الجديدة في ظلّ المدّ الليبرالي الكاسح الذي غزى العالم بمفاهيم العولمة و الانفتاح ...
النظام السياسي التونسي الذي عبّر عنه دستور الجمهورية الثانية جاء كما روجت له الاحزاب السياسية المساهمة في صياغته كضامن للديمقراطية التشاركية و لمنع عودة الديكتاورية و الاستبداد من خلال توزيع السلطة في مراكز متعدّدة و هو ما جعله ينحرف عن المبادئ الاساسية التي يرتكز عليها النظام البرلماني ... هذا النظام الذي شهد تحوّلات كبيرة منذ نشأته فمن الملكية المطلقة في العصور الوسطى إلى الملكية المقيدة منذ القرن الثالث عشر إلى النظام البرلماني الذي أخذ صورته الكاملة في القرن التاسع عشر.. و هو النطام الذي" يسود فيه الملك و لا يحكم " و يختصّ بأمور شكلية و فخرية .. و الذي تضطلع فيه الحكومة بأعباء الحكم بوصفها المحور الرّئيسي للسلطة التنفيذية و تكون المسؤولة عن السياسة العامّة للدولة . (1) و تعود فيه السلطة الأساسية الى البرلمان المنتخب من طرف الشعب و الذي تتوزّع فيه السلطات بشكل متوازن و مرن بحيث يسمح للسلطة التنفيذية باقتراح القوانين والتصديق عليها، وبالمقابل فإن للسلطة التشريعية الحق في مراقبة أعمال السلطة التنفيذية والتصديق على الاتفاقيات التي تقدمها، كما للسلطة التشريعية تفويض بعض من سلطاتها التشريعية للسلطة التنفيذية في حالة الخطر الداهم (2) كما حدث هذه الايام بعد أن فوّض مجلس نواب الشعب لرئيس الحكومة إصدار مراسيم لمجابهة وباء "الكرونا ".
غير انّ الدستور التونسي الجديد أعطي لرئيس الجمهورية شرعية انتخابية ليكون الرأس الثاني في السلطة التنفيذية ،و مكّنه من عدّة صلاحيات تنفيذية جعلته طرفا أساسيّا في موازين الحكم في النظام السياسي التونسي .. ولقد لعب رئيس الجمهورية المنتخب سواء في الفترة النّيابية الاولى أو في هذه الفترة النيابة دورا مفصليا في بعض القضايا المصيرية التي شهدتها البلاد و بعض الازمات الدستورية ...
إنّ المشهد السياسي الجديد الذي لم يكتمل بناؤه بعد بالشكل الذي رسمه دستور 2014 يحمل عديد الصّور التي يسودها الغموض باعتبار أنّ طبيعة النظام السياسي الجديد متفرّدة و قابلة لقراءات دستورية متعددة ، فهو خليط بين النظام الرئاسي من جهة و النظام البرلماني من جهة أخرى. هذا التمازج يكشف عديد الثغرات و يسمح بالعديد من التأويلات و القراءات التي لا تخدم طبعا مبدأ الاستقرار الدستوري .
ولعل الاغتراب الدستور ي الذي يعيشه المواطن التونسي الذي ما يزال يبحث عن " من يحكم" ليحمّله مسؤولية عدم تحقيق أهداف الثورة في الشغل و الكرامة ... فهو المتعود على الدور المحوري لرئيس الجهمورية في الحكم الذي ساد البلاد أكثر من نصف قرن ... جعل بعض المفاهيم الجديدة في القاموس السياسي بعيدة عن مجال فهمه و تمثّله لطبيعتها و لجدواها ( الحوكمة - التشاركية - الحكم المحلّي - اللاّمركزية - الهيئات الدستورية ... ).
هذا الانتقال الديمقراطي و آلياته المستحدثة جعلت من المشهد السياسي مسرحا لللغط و الصراع و الجدل بين الفاعلين السياسيين فيما بينهم من جهة و بين مكوّنات المجتمع و السلط من جهة ثانية ... و لعلّ أبرز هذا الجدل ما حصل هذه الايام من مناكفات بين بعض النواب و جهات إدارية جعلت الرأي العام التونسي يتساءل عن مهام عضو مجلس النواب و نائب الشعب وحدود أدواره و ضوابطها ...
هذه التساؤلات ستكون محور هذا البحث لإنارة الرأي العام بما تمّ ضبطه من أدوار ومهام للنائب في ظلّ القوانين و التشريعات التي تنظّمها في الجزء الاول(I) و إبراز حدود تلك المهام في علاقتها بطبيعة النظام السياسي التونسي الحالي في الجزء الثاني(II) .و يجدر الذّكر انّ هذه المهام و الوظائف لمجلس نواب الشعب ستكون المرآة التي سنتعرّف من خلالها على طبيعة النظام السياسي التونسي ...
(I) الجزء الاولّ:
مهام النّائب في ظلّ القوانين والتشريعات التونسية
تتوزّع أبرز القواعد القانونيّة المنظّمة لمهام عضو مجلس النواب على مصدرين مهمّين : الدستور التونسي الذي ضبط فيها المشرّع مهام السّلط و طبيعة العلاقة بينها .. و النظام الدّاخلي للمجلس نواب الشعب الذي يضبط هياكله و آليات العمل التشريعي و الرقابي للنائب . و بالعودة إلى جملة النصوص المنظّمة لمهام عضو مجلس النواب يتبيّن أنّ للنائب مهمّتين أساسيتين : مهمّة تشريعية (أ) يساهم من خلالها في سنّ القوانين و التشريعات و المصادقة على الاتفاقيات و المعاهدات الدولية و مهمّة رقابية يراقب من خلالها النائب عمل الحكومة (ب) .
أ) المهام التشريعية للنائبّ
يؤدّى عضو مجلس نواب الشعب المنتخب إنتخابا حرّا مباشرا من قبل الشعب في بداية مباشرته لمهامه اليمين و التي يلتزم من خلالها بالعمل بإخلاص وفق احكام الدستور(3) و هو عهد يقطعه النائب على نفسه بان لا يتجاوز حدود الادوار التي سمح له بها الدستور ... و تدخل أعمال المجلس النيابي في عمق السلطة التشريعية للدولة التي تسنّ القوانين و التشريعات لتأمين حياة آمنة للشعب على جميع المستويات و تحويل خيارات الحزب أو الائتلاف الحاكم إلى حزمة من القوانين التي تسعى إلى تحقيق تلك الخيارات التي انتخبوا من أجلها . و لعل مهام النائب التشريعية تدخل في هذا الباب حيث منحه الدستور حق المبادرة التشريعية ، فهو يقترح مشاريع قوانين أو مشاريع تعديل قوانين كما يضبطه الفصل 63 من الدّستور الذي اشترط لممارسة حق المبادرة التشريعية ان يكون عدد النواب 10 على الاقل ...فالنائب بمفرده لا يمكنه تقديم مبادرة تشريعية .(الفصل 62 من الدستور ) .
و قد مكّن الدستور النّائب أيضا من مهام المصادقة على القوانين الاساسية و العادية كما يضبطه ذلك الفصل 65 من الدستور و كذلك المصادقة على مشاريع قوانين المالية و غلق الميزانية و المصادقة على المعاهدات التجارية و المالية الدولية.
و يمارس النّائب هذه المهام التشريعية المتعدّدة و المضبوطة داخل هياكل مجس نواب الشعب و ضمن لجانه وفقا لإجراءات يضبطها النظام الداخلي للمجلس . كما يخضع إلى رقابة من قبل مكتب المجلس حول حضوره داخل المجلس للقيام بهذه المهام .
و يتمتّع النّائب بحصانة جزائية تعفيه من التّتبع او الايقاف طيلة المدّة النّيابية إلاّ إذا كان في حالة تلبّس كما يشير إلى ذلك الفصل 69 من الدستور ... و هي حصانة مقيّدة بشروط حدّدها الدستور و شرحها النظام الدّاخلي لمجلس نواب الشعب ، إذ "...قد يفقد النّائب عضويته بالمجلس بموجب حكم قضائي بات يقضي بالحرمان من الحقوق المدنية و السياسية ..." (4) هذه الصلاحيات التشريعية التي أتينا على ذكرها هي من صميم عمل النّائب لتجسيد أفكاره و تطلعات من انتخبوه في مشاريع قوانين و تشريعات و الدفاع عنها داخل المجلس حتى تتحوّل الي قوانين نافذة تساهم في دفع عجلة التنمية و تعمل على تحقيق الرفاه الاجتماعي ... و هي كما رأينا مهام تشريعية بحتة خالية من أي تصادم أو تعارض مع جهات و سلط أخرى . هذا و مكّن النظام الدّاخلي للمجلس النائب من الالتقاء بناخبيه من خلال ما يعرف ب : " أسبوع الجهات " لغرض التنسيق معهم حول خياراتهم و مشاغلهم ليطرحها في الجلسات العامّة لمجلس نواب الشعب أو عند استدعاء رئيس الحكومة أو وزيرا من وزرائه للمساءلة ...
كما يعتبر النّائب عضوا قارا في المجلس الجهوي للتنمية بالولاية التي تمّ انتخابه فيها للوقوف على مشاريع الولاية في المجال التنموي و العمل على إدراج أكثر ما يمكن من تلك المشاريع في ميزانية الدولة و مخطّطاتها التنموية .
إن هذه الوظائف التشريية للنائب على كثرتها و أهميّتها لا تحجب الدّور الرّقابي الهام الذي يقوم به على عمل الحكومة في إطار تعزيز مبدأ التوازن بين السلطتين التشريعية و التنفيذية .
ب) المهام الرّقابيّة للنائب :
إنّ المهارات التشريعية التي يكتسبها النّائب خلال عمل البرلمان تجعله قادرا على ممارسة الدور الرقابي على عمل السلطة التنفيذية حول أدائها للاختصاصات المخوّلة لها ... و هي المهام الأكثر
تعبيرا على مبدأ تحقيق التوازن بين السلط التي تحدّث عنه المشرّع في التوطئة بالدستور (5) و تعتبر الرقابة البرلمانية للحكومة من أقدم وظائف البرلمان تاريخيا و هي ضمان لتنفيذ سياسيات الحزب الاغلبي في البرلمان او الائتلاف ...و هو ما يؤشّر على امكانية التعامل المرن بين السلطتين بحكم أنّ الحكومة ينشؤها الحزب الفائز في الانتخابات التشريعية و يراقبها في نفس الوقت ... هذه المرونة قد تعصف بمبدأ الفصل بين السلطات و التوازن فيما بينها و قد تتحوّل السلطة التشريعية إلىى سلطة فوقية تمارس ديكتاتورية دستورية على بقية السلط الاخرى ... و قد ظهر في التجربة التونسية مصطلح يروجّ له النّواب و خاصّة نواب الاحزاب الحاكمة هو " السلطة الأصلية " و كأنّ بقية السلط هي سلط فرعية أو كارتونية ... وقد عزّز هذا التمشي و التوجّهة ما منحه الدستور لمجلس نواب الشعب من إمكانية حلّ الحكومة و عدم التصويت على إعطائها الثقة في وضعيات دستورية ليس الان مقام الحديث عنها ...
و قد مكّنّ المشرّع مجلس نواب الشعب و من ورائه النّائب من عدّة آليات لمراقبة عمل الحكومة يمكن تصنيفها إلى : آليتين : آلية المساءلة و آلية التحقيق و التدقيق .
آلية المساءلة :
مكّن المشر ّع النّائب من التقدّم إلى الحكومة أو وزير بعينه بأسئلة كتابية أو شفوية طبقا لما يضبطه النطام الداخلي لمجلس نواب الشعب (6)... وهي أسئلة استفسارية حول بعض الاجراءات التي تقدم عليها الحكومة و التي قد تبدو للنائب في غير محلّها أو يشوبها بعض الخلل . كما يشارك النّائب مجلس النواب في تقديم لائحة لوم للحكومة أو لوزير من الوزراء عند تجاوز الصلاحيات أو ار تكاب خطأ فادح نتج عنه ضررا لجزء من الشعب أو لكله ..
.
و قد ضبط الدستور هذه الالية بجملة من الشروط و القيود - سواء في عدد النواب الذين يستطعونة تقديم لائحة اللوم المعلّلة ،أو حجم التصويت الذي يكون كافيا لسحب الثقة سواء من عضو في الحكومة أو الحكومة برمّتها - باعتبار خطورتها على الاستقرا ر السياسي للدولة . إذ أنّ سحب الثقة من وزير قد يعجّل برحيل الحكومة كاملة اعتمادا على مبدأ التضامن الحكومي الذي يميّز النظام البرلماني . و عليه فإنّ هذه الالية قليلة الاستعمال حتى لا نقول مهجورة خاّصة في الانظمة الديمقراطية الناشئة و كذلك في ظلّ الحكومات المسنودة سياسيا من قبل أغلبية برلمانية مريحة ... وقد نظّم الفصل 97 من الدستور طرق اعتماد آلية سحب الثّقة .
هذا الدّور المهم للنائب في مسائلة أعضاء الحكومة يدخل في إطار تواصل النائب مع ناخبيه و إخضاع أعمال الحكومة للبرامج التي يتبنّاها أو التي تمّ الاتفاق عليها من قبل إئتلاف الكتل داخل البرلمان وذلك لتوضيح سياسة الحكومة ... و قد يعتمد النّائب في حال تواصل الغموض في شأن من الشؤون التي طالب النّواب بتوضيحها من قبل الحكومة ّو وزيرا منها آلية التحقيق التي منحها إياه الدستور (7) و كذلك آلية التدقيق في الميزانية و المخطّطات التنموية ..
آلية التحقيق و التدقيق
مكّن المشرّع أعضاء مجلس النواب في حالة وجود لبس ّو شبهة تجاوز لصلاحيات أو ما شابه ذلك في شأن من الشؤون التي تعنى بتسيير المرفق العام من الحق في تكوين لجان تحقيق . وقد نصّ على ذلك الدستور في فصله 59 ... هذه الالية أيضا سمح بها المشرّع للمعارضة مرّة في كلّ سنة نيابية ... و الغرض من ذلك هو إعطاء فرص إضافية للمعارضة لممارسة دورها في الرقابة على الحكومة مثلما مكّنها من رئاسة اللجنة المالية طيلة المدّة النيابية كما مكّنها من صلاحيات مهمّة أخرى صلب اللّجان ... و يذكرّ أنّ النّظام الداخلي لمجلس نواب الشعب قد قسّم النواب إلى صنفين صنف داعم للحكومة و هو الذي صوّت لنيل الحكومة الثقة و صنف أعلن صراحة عدم التصويت على الحكومة لنيل الثقة و قد اعتبر هذا المقياس هو المحدّد في عملية تصنيف المعارضة.
كما تشكّل الرقابة على الميزانية آلية للتدقيق والتعديل في عناوينها أو لتغيير أولويات النفقات و تأمين المحاسبة المالية ... و قد ساهمت هذه الآلية في إيجاد صيغ جديدة لتعديل الميزانيّة برمتها. و عرفت تونس هذه الصيغ في الميزانية التكميلية،التي كانت إحدى الحلول التي التجأت إليها السلطة التنفيذية لتأمين موارد الميزانية في السنوات البرلمانية القريبة الماضية ...
هذه المهام للنائب التي أتينا على ذكرها بالتفصيل وفقا للنظام السياسي التونسي هي المرآة التي يجب أن نقيّم من خلالها الأدوار الكثيرة التي يلعبها النائب فعليا في الواقع و التي أثارت جدلا بين تقييمات مختلفة تتراوج بين الاباحة و التقييد ، حيث يذهب البعض إلى دعم مبدأ التعاون بين السلطة التشريعية و السلطة التنفيذية ضمن رؤية تشاركية هي من طبيعة النظام البرلماني. و يرى أخرون أنّ مبدأ الفصل بين السلط المذكور في توطئة الدستور يقتضي أن يمارس كلّ جهاز الدور المنوط به لتفادي تغولّ سلطة على أخرى و لتجنّب التأثيرات التي قد تعيق مسار التجربة الديمقراطية الناشئة في تونس ... غير أن التجربة البرلمانية في تونس على قصر مدتها و كثرة إرهاصاتها تكشف مظاهر عديدة للتداخل بين السلطتين التشريعية و التنفيذية لعلّ أبرزها أنّ النّائب أصبح يتهرّب من دوره الرّقابي و يرغب في تقمّص دور المسؤول الاداري في السلطة التنفيذية ، من خلال التدخلات و الضغوطات التي يمارسها أعضاء مجلس النواب و خاصّة نواب الاحزاب الحاكمة على مراكز الجهاز التنفيذي ...
استشرافا لهذا التداخل ، وضع الدستور حدودا لمهام النّائب و حاصره بسلسلة من القيود أثناء أداء مهامه التشريعية و الرّقابية .
II) الجزء الثاني :
حدود مهام نائب الشعب
لئن مكّن الدستور النّائب من عدّة امتيازات لعل أبرزها ما يتعلّق بالحصانة الجزائية التي يعتصم بها النّائب طيلة مدّة نيابته ،فإنّه في المقابل قدّ فرض عليه جملة من الحدود و الضوابط و الموانع حتّى لا ينحرف بمهامه لتحقيق منافع خاصّة له أو لعائلته أو لعشيرته ، أو ان يستغلّ سلطته للابتزاز و السطو على حقوق الغير بتوظيف صفته باعتباره مفوّض إجتماعي... : و يمكن حصر هذه الضوابط في مجالين: حدود شخصية (أ) تتعلّق بصفته و بذمته و حدود موضوعيّة (ب) تتعلّق بمهامّه كعضو مجلس نواب الشعب .
أ) حدود تتعلّق بشخصّ النّائب :
يعتبر النّائب مواطن مثلّ بقية المواطنين له حقوق و واجبات يضبطها القانون ، فهو مفوّض اجتماعي لتمثيل شريحة من المجتمع في مدّة محدّدة بخمس سنوات ..و لذلك فلا امتياز له عن بقية أفراد المجتمع كما نص على ذلك الدستور الذي يؤكّد على أن المواطنين و المواطنات متساوون في الحقوق و الواجبات و هم سواء أمام القانون من غير تمييز(8) . و قد يفقد الناّئب عضويته بمجلس النواب بموجب حكم قضائي يقضي بحرمانه من الحقوق المدنية و السياسية كما يؤكّد ذلك الفصل 24 من النظام الاساسي لمجلس نواب الشعب ، حيث ترفع الحصانة على النّائب إذا أقدم على أعمال يجرّمها القانون غير مرتبطة بمهامّه النّيابية . وكذلك في حالات التّلبس بالجريمة ... و قدّ شرح المشرّع هذه الحصانة المشروطة في الفصلين 68 و 69 من الدستور ... هذا وقد حجّر النظام الداخلي على النّائب الجمع بين عضويته بالمجلس و ممارسة إحدى الوظائف الاخرى التي نصّ عليها القانون عدد 16 لسنة 2014 المتعلق بالانتخابات و الاستفتاء في فصله 35 سواء كان ذلك بصفة وقتية أو دائمة أو بمقابل أجر أو بدونه ، فهذا الجمع محجّر بموجب القانون في جميع الوظائف لدى مؤّسسات الدولة العمومية و الجماعات المحلّية أو الشركات ذات المساهمات العمومية وكذلك الوظائف لدى المنظّمات الدولية الحكومية أو غير الحكوميّة ... و يحجرّ النظام الدّخلي لمجلس نواب الشعب على النّائب التعاقد بغاية التجارة مع الدولة أو الجماعات العمومية أو المؤ ّسسات و المنشآت العمومية . كما لا يمكن للنّائب الجمع بين عضويته بمجلس نواب الشعب و عضوية مجالس الجماعات العموميّة المنتخبة...(9)
ب) حدود تتعلّق بصفته كنائب :
حرصا على مزيد ضبط مهام النّائب أثناء مدّته النيابية و عدم توظيف صفته و استغلالها في أعمال مخالفة لمبدإ الفصل بين السلطات ، حجّر النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب على كلّ عضو بمجلس النّواب أن يستعمل صفته في أي إشهار يتعلّق بمشاريع مالية أو صناعية أو تجارية أو مهنية ،كما حجرّ المشرّع على النائب الذي يحمل صفة المحامي أو عدل منفّذ أو خبير لدى المحاكم القيام ضمن مهامه المهنيّة بأي أعمال أو إجراءات ضد مؤسسات الدّولة ومنشآتها العمومية طيلة مهامه النيابية (10).
لقد عمل المشرع من خلال جملة القيود التي وضعها لضبط مهام النّائب على حماية مبدأ الفصل بين السلط و التصدّي لمظاهر التداخل في الوظائف و المهام بين أشخاص السلطة التشريعية و أعوان السلطة التنفيذية .فكثيرا ما يخلق هذا التداخل أجواء من التوتر و الاضطرابات داخل المجتمع بسبب المحسوبية و التعامل الانتقائي مع الاشخاص و القضايا و محاولات تبييض الفساد وابتزازها أطرافها ... و قد يتحوّل بذلك النائب إلي وسيط بين الناخبين والحكومة، فيتدخل لدى الإدارة و المؤسسات الحكومة تارة ليلفت نظرهم إلى بعض القرارات غير الملائمة التي يعود أثرها بالضرر على المواطنين، وتارة أخرى لتحقيق بعض المطالب الخاصة لأبناء دائرته أو حزبه أو عائلته .
إنّ التجربة التونسية الناشئة مع النظام البرلماني ما تزالت تتحسس طريقها نحو مزيد إحكام العلاقات بين السلط و التوظيف السليم و الناجع لمبدأ التعاون بين السلطات التي يعتبر أحد أسس النظام البرلماني .و حتى لا يتحوّل النائب من عضو مجلس نواب الشعب إلى مسؤول حكومي فيختل هذا المبدأ و تتداخل الادوار فتضيع البوصلة و يحدث الانفلات ... فعلى نائب الشعب أن يدرك أنّ أثقل مهامه في نظر المجتمع هي في وظيفته الرقابية التي تخوّل له مراقبة الحكومة في صنع السياسات العامة و تنفيذها و استثما رها و تفعيل كل الاليات الرقابية للدفع بان تكون أعمال الحكومة أكثر نجاعة في خدمة قضايا المجتمع الاساسية في التنمية و التشغيل و حفظ الكرامة . و لعلّ أبرز ما يميّز الثقافة السياسية السّائدة في المجتمع هو إعطاء البعد الرقابي للبرلمان أكثر أهميّة من البعد التشريعي و ينطبق ذلك على نظرة الرأي العام الذي يقيّم عمل النّائب بما تحقّق من إنجازات في جهاتهم بعد أن يكون قد حوّل مشاغلهم و أفكارهم إلى مشاريع قوانين ، و عمل على تمرير ها لتصبح نافذة و محقٌّقة لانتظاراتهم . غيّر انّ التجربة التونسية البرلمانية في نسخها الثّلاث ( المجلس التأسيسي و الدورة البرلمانية الاولى و الثانية ) كشفت عن بروز ثقافة برلمانية مشوهة أنتجها التجاذب السياسي بين الاحزاب و عمق التّباين الاديولوجي بين العائلات السياسيّة التقليدية الشيء الذي عجّل بظهور بعض الاصوات التى تنادي صراحة بتغيير النظام السياسي الحالي بنظام رئاسي معدّل خاصّة بعد النجاح الساحق الذي حقّقه الرئيس قيس سعيد في الانتخابات الرئاسية في السنة الفارطة .
توفيق الحافظي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.