لا يختلف اثنان حول إمكان الإصلاح والترميم وتقويم ما اعوجّ وإصلاح ما فسد. لكنّ من المسائل ما يصعب أو لنقل ما يستحيل معالجته. فكلّما تعلّق الأمر مثلا بالمساس بشرف الإنسان وعرضه ومصداقيته وكلّما شُرم أنفه وخُدشت كرامته لا مجال لتطبيق المثل التونسي "طاح الكف على ظله ويا دار ما دخلك شر . . . وبوس خوك" مهما حاولنا ذلك. نسوق هذا الحديث في إطار ما يحدث في مجلس نواب الشعب من خصام وعراك وصلا إلى قاع القاع. فهذا النائب قد أصبح عدوّا لذاك النائب بعد تبادل الكلام الجارح بينهما. وذاك النائب تجاوز كل الحدود وهتك الأعراض وهذا آخر يوجّه السهام إلى رئيس الحكومة ويتهمه باتهامات خطيرة بعد ما كان قد وصفه بالصدق والشفافية. وذاك يقول ما لا يفعل; يأمر النّاس بمقاومة الفساد وهو غارق فيه إلى النخاع، ونحن نقول له ما قاله أبو الأسود الدؤلي: " لا تنهَ عن خلُقٍ وتأتيَ مثلَه *** عارٌ عليك إذا فعلت عظيم" أمّا رئيس مجلس هؤلاء النّواب، فقد قام بتجاوز صلاحياته كما طاب له وخرق دستور البلاد وأصرّ على أن يجمع بين رئاسة حركة النهضة ورئاسة مجلس نواب الشعب ولم لا رئاسة الدولة ووطئ القانون وهو لا يلوي على شيء. ولكن بالرغم من هذا الوضع المنحدر، لنفترض جدلا أن "تمشكيّة الكارطة" ستُعطي من جديد عمرا سياسيّا آخر للسيد راشد الغنوشي للبقاء على رأس مجلس النواب وستندثر الانتقادات التي وُجّهت إليه بسحب اللائحة عوضا عن إمرارها. ولنفترض كذلك أن يتمّ غضّ الطرف عما تعلّق برئيس الحكومة من شبهات بطيّ صفحة الشكوك والرّيبة وفتح صفحة بيضاء ناصعة في سجلّه بقدرة قادر فيواصل مهامّه على رأس طاقم حكومته الحالي. ولكن، أبعد ما قيل وما صار، هل مازالت توجد وجوه تستطيع التعامل في ما بينها والعمل مع بعضها بعضا؟ في الحقيقة، أمام ما يعيشه واقع بلادنا الحالي، نرى أنفسنا في هذه الأقوال: "والحرب لو يعلمون لا تشتعل نيرانها في أجواف المدافع بل في قلوب الناس و أفكارهم أيضا." (ميخائيل نعيمة) ، "رسالة إلى ابليس: الأمور هنا تسير على النحو الذي تريد، حيث الناس أصبحوا أكثر سوءا منك" (آل باتشينو) ، "عالم السياسة في بلادنا للطوفان مشتاق، لعلّه من درنٍ يُغسل." (أبو العلاء المعرّي، بتصرّف).