أيمن السعدي شاب في الثامنة عشرة من عمره بدأ مسيرته الجهادية القصيرة بحلم إقامة دولة إسلامية في سوريا ولكنها انتهت وهو يحاول القيام بعملية إنتحارية وسط حشد من السياح في بلده تونس. وتمكن حراس من اعتقال المراهق التونسي قبل لحظات من تفجيره قنبلة داخل مقبرة في مدينة المنستير الشهر الماضي. وقبل ذلك بدقائق فجر انتحاري آخر نفسه بحزام ناسف امام فندق في منتجع سوسة السياحي الذي يبعد كيلومترات قليلة عن المنستير. ومهمة السعدي قد تكون فشلت والانتحاري الثاني قتل نفسه فقط على شاطىء قرب فندق. ولكن هذا الهجوم الانتحاري الأول خلال عقد من الزمن شكل صدمة للبلد الصغير الواقع في شمال افريقيا الذي يرى الحرب مع الاسلام المتشدد تطرق أبوابه. وألقت وزارة الداخلية باللائمة على جماعة أنصار الشريعة المحلية المتشددة التي تعلن ولاءها للقاعدة وقالت إن عمليتي سوسةوالمنستير كان من المقرر ان تقعا متزامنتين. ورغم ان عائلته ليست متأكدة من أن السعدي قد وصل فعلا إلى ساحات القتال في سوريا إلا أن رحلته من طالب ينتمي للطبقة المتوسطة إلى مفجر انتحاري تكشف إلى أي مدى أصبح هذا الصراع في سوريا أرضا خصبة تستقطب الجهاديين هنا. وتماما مثل أفغانستان في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي ومثل العراق في العقد المنصرم تجتذب الحرب الطاحنة في سوريا شبانا أجانب في صفوف المقاتلين الاسلاميين باتوا يشكلون تحديا وتهديدا كبيرا لأمن بلدانهم مع اكتساب مهارات قتالية عالية وخوض معارك شرسة في جبهات القتال. ويقبع السعدي الآن في سجن في تونس ولكن حالته وحالات جهاديين آخرين ترسل تحذيرا شديدا من أن المقاتلين الذين يتلقون تدريبات في معسكرات في ليبيا والمنتشرين في ساحات القتال في حلب وادلب قد يزيدون من تقويض الأمن في شمال افريقيا. وقالت حياة والدة ايمن السعدي لرويترز "ابني كان يتحدث فقط عن ضرورة الجهاد في سوريا.. لم يتحدث ابدا عن بلده." وتمضي قائلة "ابني تم اختراقه واستعماله من قيادات اجرامية وارهابية..انه مراهق لم يكون شخصية بعد وكان يتحدث عن الجهاد." وتونس ليست الوحيدة المنشغلة برد الفعل العنيف من الجهاديين. فقائمة من يدعمون مقاتلي المعارضة الاسلاميين السنة المناهضين للرئيس بشار الاسد طويلة ومتنوعة وتمتد من قدامى المحاربين في العراق والشيشان الى ابناء مهاجرين في لندن وستوكهولم. وبعد انتفاضات الربيع العربي في 2011 اصبح شمال افريقيا وجهة للجماعات المتشددة. ووجد المقاتلون المتشددون ارضا خصبة لنشر رسائل متطرفة مستغلين الفوضى السياسية في بلدان مثل تونس وجارتها ليبيا. وتعززت التهديدات لمنطقة المغرب مع تدخل القوات الفرنسية في مالي هذا العام. وهربا من القوات الفرنسية عبر المقاتلون الاسلاميون الحدود الى ليبيا حيث اقاموا معسكرات وقواعد لاستهداف المصالح الغربية. وبعد أن أطاحت ثورة تونس بالرئيس السابق زين العابدين بن علي في مطلع 2011 لا تزال البلاد في حالة متقلبة. فالإسلاميون المعتدلون الذين تعرضوا للاضطهاد من جانب زين العابدين وصلوا إلى السلطة. لكن السلفيين المحافظين الذين يطالبون باقامة دولة إسلامية عادوا أيضا سواء من المنفى أو من السجن. وسيطر سلفيون منذ ذلك الحين على مساجد كثيرة في تونس وهاجموا عروضا فنية وبائعي خمور لأنهم يرون ذلك مخالفا للشريعة الاسلامية. وكشف اسلاميون متشددون ورقتهم الرابحة قبل عام حين هاجموا بالالاف سفارة الولاياتالمتحدة بالعاصمة تونس ورفعوا رايتهم السوداء التي كتب عليها "لا اله الا الله" على نوافذ السفارة في مشهد تحد نادر لواشنطن في المنطقة. وتحت الضغط بعد اغتيال معارضين هذا العام وجهت الحكومة التي يقودها اسلاميون معتدلون الاتهام لجماعة انصار الشريعة المحلية واعلنتها تنظيما ارهابيا وبدأت حملة اعتقالات وملاحقات واسعة ضد عناصرها. وبعدما كان المتشددون التونسيون يدعون علنا لدولة اسلامية تحول كثيرون منهم الآن الى العمل سرا وقد احبطهم القمع من رفاق اسلاميين يتمتعون بفوائد السلطة الحكومية. وفر ايضا زعيم جماعة أنصار الشريعة سيف الله بن حسين المعروف باسم ابي عياض وهو مقاتل سابق في افغانستان. ولكن قبل فراره قال في رسائله ان طريق الجهاد هو سورياومالي وليس تونس ليبقى وفيا للرؤية الاقليمية لتنظيم القاعدة وهي رسالة لم تغب ايضا عن اتباعه في تونس. وقال شاب سلفي لرويترز طالبا الاشارة اليه باسم ابو صلاح "لا نريد أي شيء أقل من دولة اسلامية في تونس وفي كل المنطقة.. سوريا يجب أن تكون أول خطوة في هذا الاتجاه إن شاء الله." ويضيف "انا فخور باخوتي في الاسلام في سوريا وسأقوم بنفس الخطوة وأسافر إلى هناك خلال بضعة اسابيع." ويبدو من الصعب تخيل ان تتحول تونس المشهورة بشواطئها المطلة على البحر المتوسط التي تستقطب سياحا اوروبيين والمصنفة على انها احدى قلاع العلمانية في العالم العربي الى خزان كبير للجهاديين. وفي مدينة زغوانمسقط رأس ايمن السعدي التي تبعد 51 كيلومترا شرقي العاصمة والشهيرة بحلويات كعك الورقة الطيبة المذاق لا يوجد ما يشير الى أنها مهد للتطرف. وعائلة السعدي ايضا مثال لاعتدال الطبقة المتوسطة في تونس فالاب مهندس زراعي والام مدرسة ومنزل الاسرة مطلي بالجص الابيض وله حديقة زاخرة بأشجار البرتقال والليمون. وفي غرفة هذا المراهق الذي كان ينوي تفجير مقبرة الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة توجد صورة للمغني الشهير بوب مارلي على رف الكتب حيث يضع ايضا كتبا انجليزية مترجمة. ووفقا لرواية أمه فان ايمن السعدي كان شابا منفتحا ومهاجما في فريق كرة القدم المحلي في زغوان. وخلال دراسته كان هذا الشاب ينال علامات "ممتاز" في الانجليزية والالمانية والتاريخ. لكنها تضيف ان ابنها بدأ في تغيير مواقفه منذ عام. وكان يقضي ساعات طويلة يتصفح مواقع انترنت اسلامية متشددة. وبعد ذلك انساق وراء دعوات متشددين اسلاميين في مسجد الحي. وفي نهاية 2012 اطال لحيته والقى جانبا سراويل الجينز واستبدل بها جلابيب وبدأ يعلن تذمره المستمر من الدراسة في فصل مختلط بين الاناث والذكور. وتمضي امه متحدثة لرويترز في شرفة مطلة على حديقة المنزل "لقد كان مثل باقي الشبان.. يلعب الكرة ويستمتع بالموسيقى ويمزح مع الفتيات". وفي مارس 2013 ابلغت عائلته الشرطة بأن ابنها ينوي الذهاب الى سوريا فأوقفت السلطات هذا الشاب على الحدود مع ليبيا. ولكن في اغسطس آب الماضي أبلغ الشاب عائلته بأنه سيذهب للشاطئ مع اصدقائه ولكن اختفى عن انظار عائلته ليتحدث الى أمه من ارقام هواتف تركية وليبية. ولكنه كان يرفض في كل مرة الاجابة على سؤال أمه: "اين انت يا أيمن" وكان يطلب من والدته الا تسأله مجددا مثل هذه الاسئلة. وآخر مرة رأته امه كانت الاسبوع الماضي خلف القضبان في السجن. ووفقا لرواية والدته التي التقته في السجن فقد أبلغ أيمن المحققين انه قضى وقتا في التدريب في معسكر في مدينة درنة قرب بنغازي الليبية مع مقاتلين اخرين استعدادا للتوجه الى تركيا ومنها الى سوريا. لكن قادته ارسلوه الى تونس في نهاية المطاف وأبلغوه أن جهاده سيكون في بلده. وتقول الأم "ابني ابلغ المحققين انه كان يريد الذهاب للجهاد في سوريا ولكن قياداتهم طلبوا منه التوجه لتونس لتنفيذ تفجير.. لقد كان مترددا وكان خائفا إن رفض". (رويترز)