تعتبر ملفات الطاقة والبترول من أبرزالقضايا "الحارقة" في كل بلد، وظلت في تونس لسنوات طوال تحيطها هالة من الغموض حول مواردها وكيفية استغلالها من قبل الدولة ومن قبل الشركات الأجنبية، لتتغير فيما بعد وتحديدا إبان الثورة لتصبح في متناول كل المتدخلين في القطاع عبرالبحث والدرس في خفايا هذه الملفات خاصة بعدما ما وُجّهت لبعض الفاعلين في القطاع أصابع الاتهام بالفساد المالي وباستنزاف مفرط لثرواتنا المحلية من قبل الشركات الأجنبية. وعُرضت منذ سنتين على لجنة تقصي الحقائق عديد الملفات الخاصة بقطاع النفط والمحروقات للبت فيها. كما حضر ممثلون عن وزارة الصناعة اكثر من مرة للمساءلة في رحاب المجلس الوطني التأسيسي حول ابرز القضايا العالقة بقطاع الطاقة وخاصة فيما يتعلق بالمشاريع الكبرى المعطّلة في القطاع. واستنادا الى جملة من المعطيات التي تلخص المشهد الطاقي "الغامض" الذي تعرفه بلادنا، توجهت "الصباح " الى سلطة الإشراف المعنية بالقطاع والممثلة في شخص نضال الورفلي كاتب الدولة المكلف بالطاقة والمناجم صلب وزارة الصناعة وكان نصّ الحوارالآتي: ● واقع الطاقة في تونس تشوبه نقط استفهام عديدة واتهامات كثيرة بسوء التصرف في القطاع والفساد... فهل من صورة واضحة عمّا يجري في هذا القطاع؟ - اولا. لابدّ من إعطاء صورة واضحة لواقع الطاقة في البلاد الذي يعتمد بصفة كليّة على النفط والغاز؛ وهنا تكمن المشكلة باعتبار أن هذا التعويل الآحادي على موارد معينة مثل الغاز والبترول يؤدّي لامحالة الى العجز في الميزان الطاقي ليصل اليوم الى حدود ال 1.8 مليون طن ممّا تسبب في تضخم دعم المحروقات الذي تجاوز 3 آلاف مليون دينار سنويا. وبالنسبة الى العجز الطاقي المتوقع لكامل هذه السنة سيكون في حدود 1.9 بالمائة مقابل 1.6 بالمائة في سنة 2012. وهو ما يبعث على القلق لأن الوضع الطاقي في البلاد أصبح كارثياّ. ● ماهي أهم الأسباب التي أدت الى هذا العجز الكبير في الميزان الطاقي؟ الأكيد ان انخفاض الموارد الطاقية في السنة الحالية هو من أهم هذه الاسباب، حيث تقلصت الموارد بنسبة تصل الى حدود ال 7 بالمائة لتسجل ما يناهز ال 5.3 مليون مكافئ طن بينها 2.48 مليون طن مكافئ نفط كهرباء و2.57 مليون طن مكافئ نفط غاز طبيعي. الى جانب نقص الإتاوة على الغاز الطبيعي الجزائري بنسبة تناهز ال 36 بالمائة، وهو ما أدى الى تفاقم العجز الطاقي؛ ومن المتوقع ان يصل الى حدود 3.5 مليون طن مكافئ نفط في سنة 2014. ● ألا ترى ان حجم الخسائر والفساد المالي في القطاع هما من أبرز الأسباب التي ساهمت في بلوغنا هذا العجز؟ - الأكيد ان الخسائر التي طالت القطاع لها دور أساسي في العجز الطاقي وقد طٌرحت هذه المسائل في لجنة الإصلاح الإداري ومكافحة الفساد بالمجلس الوطني التأسيسي وتمّت مناقشتها واستمعنا الى مداخلات أعضاء اللجنة، كما فسّرنا كل هذه المسائل نقطة بنقطة، وان وُجدت مشكلة فهي قابلة للإصلاح. ●هل من استراتيجية طاقية في الافق لتجاوز هذا العجز الطاقي؟ - نعم.. فقد أطلقت الوزارة جملة من التوجهات التي شملت كل المسارات الحيويّة في البلاد أهمها البيئية والاجتماعية والاقتصادية، وذلك عن طريق تنويع مصادرالطاقة وتعزيزالنجاعة الطاقية لضمان الأمن الطاقي في البلاد. وقد انبثقت عن هذه التوجّهات جملة من البرامج الهادفة على غرار القانون التوسيعي لسنة 2030 والحوار الوطني للطاقة الذي شمل 24 ولاية والذي جمعنا من خلاله العديد من المعطيات القيّمة التي قد نستفيد منها في تحقيق جملة من الأهداف على غرار خلق المزيد من مواطن الشغل وتحقيق الأمن الذاتي في الطاقة.... ● احتكار الشركة التونسية للكهرباء والغاز التحكم في الطاقة ضيّق الخناق على المستثمرين وأثر سلبا على نسق الاستثمار، فهل من حلول لتجاوز هذا الاحتكار؟ - فعلا.. نحن عرضنا مؤخرا أمام المجلس الوطني التأسيسي قانونا يسمح للخواص والمرفق العمومي لتحقيق 30 بالمائة من الموارد الطاقية لسنة 2030 بإنتاج الكهرباء بواسطة الطاقات المتجدّدة والطاقة الهوائية والشمسية وحتى تصديرها، ويُعدّ هذا القانون خطوة هامة نحو تحريرإنتاج الكهرباء واستهلاكه باستثناء النقل والتوزيع اللذين سيبقيان من مشمولات الشركة التونسية للكهرباء والغاز. ● كثر الحديث مؤخرا عن ضرورة مراجعة منظومة الدعم في المجال الطاقي، فماهي أهم الخطوات التي تمّت بشان هذا القرار؟ - على خلفية رصد الوزارة للارتفاع الكبير في الموارد المرصودة لدعم قطاع الطاقة في تونس والتي تحوّلت من 550 مليون دينار سنة 2010 الى 2700 مليون دينار سنة 2012، ومن المرتقب أن تصل الى 2990 مليون دينار سنة 2013، تقرّر في اطار منظومة كاملة لترشيد الدعم الموجه للمحروقات اعتمادا على مبدإ الرفع التدريجي لدعم المحروقات بالنسبة لقطاع الإسمنت الذي يستهلك لوحده 17 بالمائة من دعم المحروقات في تونس فضلا عن تحرير الأسعار في الطاقة وهذا القرار يتنزل في إطار التصدّي الى مختلف تحديات القطاع وخاصة عجزه الهيكلي وارتفاع استهلاك الطاقة الأولية وخاصة الطاقة الكهربائية. ● هل يعتبرإصلاح منظومة الدّعم كافٍيا لتغطية العجز الطاقي أم أنّ لديكم إصلاحات جانبيّة ؟ - الى جانب مراجعة الدعم في المحروقات هناك اصلاحات وتوجهات أخرى تتمثل أساسا في تنويع مصادرالطاقة عن طريق تعزيز النجاعة الطاقية وترشيد استغلالها، وذلك بالتشجيع على الاستثمار في مجال الطاقات المتجدّدة التي تشمل الطاقة الشمسيّة وطاقة الرياح والغازالعضوي... كما أن القانون الذي قدمناه لأعضاء المجلس الوطني التأسيسي يشمل هذه النقاط، ونحن ننتظر المصادقة عليها وبالتالي سوف يفتح الباب على مصرعيه للاستثمار المحلي والأجنبي في الطاقات المتجددة. ● لماذا تعطلت بعض المشاريع الكبرى في القطاع رغم أهميتها في دفع المنظومة الطاقية على غرار مشروع "تينور" ومشروع "المدّ الكهربائي الايطالي التونسي"؟ - بالنسبة الى مشروع "تينور" للطاقة الشمسية بالجنوب التونسي وتحديدا في جهة "رجيم معتوق" والذي ناهزت قيمته ال 22 مليار دينار، تبيّن لنا بعد دراسة دقيقة ان هذا المشروع تشوبُه جملة من النقائص وقع طرحها على لجنة المشاريع الكبرى التي رفضته بصفة وقتية لحين استكمال بعض التوضيحات. أما فيما يخصّ المشروع الخاص بالربط الكهربائي بين تونس وايطاليا وجزء من أوروبا، والذي يمتدّ على مسافة تقدر ب 200 كلم، سيقع قريبا تفعيله وسوف نعيد النظر بشأنه وتحيينه لاسيما وأنه سيحقق ربحا اقتصاديا للجانبين التونسي والإيطالي. الصباح بتاريخ السبت 28 ديسمبر 2013