يعتبر "حسن بن عثمان" أحد أبرز الروائيين التونسيين بكتاباته وكذلك بمشاكساته إذ لم يمر حسن بأي محطة في مسيرته إلا وأثار جدلا من ذلك خصومته الشهيرة مع وزير الثقافة الأسبق "محمد العزيز ابن عاشور" وخلافه مع الوزير السابق الراحل "الدالي الجازي" ولعل تصريح "حسن بن عثمان" في قناة 7 يوم 14 جانفي ساعات قليلة قبل هروب الجنرال المخلوع يغني عن كل تعليق فقد أعلن وفاة "بن علي" بعد ظهوره في حالة رثة ليخاطب التونسيين يوم13 جانفي... التقيناه وحاورناه، والتفاصيل نختصرها في الورقة التالية: _ إعلانك وفاة "الجنرال المخلوع" ساعات قبل فراره وفي تلفزيونه المسمى قناة تونس7، هل كان من باب الجرأة والشجاعة والاستقلالية، أو كما فسره البعض أنك تعرف متى تغادر المركب قبل غرقه؟ _ أولا أن يقال إنني أعرف متى أقفز من المركب قبل غرقه، فهذا أراه تقديرا لي... ولكن الحقيقة أن ما قلته لم يكن ضمن خطة التغيير والقفز من المركب، وإنما كنت قد بلغت حالة من التوتر الشديد، وجاء تصريحي الذي كان يمكن أن يكلف الرقبة أو أكثر من الرقبة ربما تلقائيا وعفويا... _ ألم تخش على مصير مقدم البرنامج صديقك وقريبك "وديع بالرحومة"، أو أن هناك اتفاقا ضمنيا بينكما لتقول ما قلت ؟ _ سأروي لكم ما حدث بالتفصيل... ليلة 13 جانفي تابعنا خطاب "بن علي" وهو في حالة رثة، وكان يقوم بدور معيب وهو يتحدث باللهجة التونسية التي لم يسبق أن خاطبنا بها، وقدرت أن ذلك بتدبير من "سمير العبيدي"، لأنني أعرف أصحاب تلك العقلية المحسوبين على اليسار الانتهازي والرث والتافه، و"بن علي" أحاط نفسه بمجموعة من الضباع بالمعنى الثقافي للكلمة، وهم اللذين ساهموا بشكل كبير في القضاء عليه... _ بهذا المعنى هؤلاء ساهموا في الثورة؟ _ بن علي هو أكثر من ساهم في الثورة بأخطائه وحماقاته المتتالية، ولم نكن نعرف أنه يكن حقدا ونقمة على البلاد إلى درجة أنه فر وترك قناصته يقتلون الشعب التونسي... نحن رضينا به حاكما لحمايتنا لا لقتلنا،والدم التونسي الذي أريق هو من يتحمل مسؤوليته مع بطانته وكل من يثبت البحث تورطه عليه أن يلقى الجزاء الذي يليق به... أعود إلى سؤالك، إعلان وفاتي لبن علي في تلفزته، لم يكن محسوبا بل كان تلقائيا جدا ونتيجة التوتر الذي أصابنا بعد الخطاب المخزي، والملف السياسي الذي عرضته التلفزة التونسية مباشرة بعد هذا الخطاب واستفزني وجود سامي الفهري الذي رضينا به "منشطا" يفتح الصناديق، أما أن يتحدث في مسائل حيوية، فهذا يعني أن العيب وصل إلى مداه... _ ولكن مع سامي الفهري حضرت بعض الوجوه المصنفة على أنها مستقلة؟ _ مثلا؟ _ ناجي البغوري، بشرى بالحاج حميدة، سلوى الشرفي، مختار الطريفي؟ _ لا أعرف لماذا قبل ناجي البغوري الحضور أو على الأقل كان يمكن ان يؤدي دورا أكثر فاعلية فلا يترك المجال لسامي الفهري ليرتع في البلاطو... وعموما من حضر ليلتها ألحق الضرر بسمعته ومكانته... وعموما فهم أحرار في ما يفعلون... أعود لأقول إنني في تلك الليلة توترت كثيرا، وكنت أترنح قليلا وأتدرب على شيء ما خرج تلقائيا في الحصة التلفزية... ولعلمكم، لم أكن أغادر منزلي أيام الثورة، وكنت مرابطا في فراشي في الأيام الأخيرة قبل هروب بن علي... _ ألا تخشى من التصريح بهذا، إذ يفترض بك أن تكون في تلك الفترة في الشارع مع المتظاهرين؟ _ مانيش متاع مظاهرات أنا... أنا في الخمسين، والمظاهرات يقودها شباب تونس العظيم... _ ولكننا شاهدنا "الشيوخ" في المظاهرات خطوة بخطوة مع الشباب؟ _ كل تونسي يقوم بثورته على طريقته، أنا لا يناسبني الخروج إلى الشارع مع المتظاهرين، والمبهج في هذه الثورة التونسية أن كل التعبيرات تلاقت ونزلت إلى الشارع من شمالها إلى جنوبها، وأيضا "بن علي" نزل معنا إلى الشارع، وساعدنا كثيرا للإطاحة برأسه، ما أبلد ذهنه... _ هاو قالك غلطوه؟ _ شكون اللي غلطوه؟؟ هذاكة هو "بن علي" وهو من غالط نفسه بنفسه... _ فهمنا الجنرال المخلوع في الوقت الضائع، وانت من وقتاش فهمتو؟ _ يوم 08 نوفمبر 1987 كتبت رأيي في إحدى الصحف التونسية وقلت "نحن متحمسون للسابع من نوفمبر، وبيننا وبينك تونس يا بن علي" ولكنه لم يكن في مستوى الأمانة وهذا عرفناه وفهمناه مبكرا جدا... ولكن تدهورت أموره أكثر فأكثر بوجود "عبد الوهاب عبد الله" عندما عينه رقيبا على القطاع الإعلامي سنة 1992... وبعد أن قام بن علي بتصفية الإسلاميين بداية التسعينات توحش وذاق طعم الدم حتى أصبحت رائحته تجذبه... شخصيا نفضت يدي من الرئيس الهرب عندما استقبل "رضا الملولي" ومنحه مجلة "رؤى"، التي جندها لخدمة النظام ورأسه... _ يرى الكثيرون أن النظام السابق قام بتوظيفك بإعتبارك وجها مستقلا ، وكان يتم الإستنجاد بك في جهازه الإعلامي في كل مرحلة يريد فيها أن يصور للرأي العام أن هناك انفراجا وحرية صحافية، وأنت أديت الدور، هل كان ذلك عن وعي، أو "غلطوك" كما حدث مع غيرك؟ _ يا ليت كان النظام السابق بهذا الذكاء والرهافة والنعومة التي تتحدثون عنها، لم يكن يريدنا واجهة له كما تتصورون وتلك من حماقاته التي لا غبار عليها... ما تقولونه غير صحيح بالمرة، فسنة 2000 عندما هاجمته الصحف الفرنسية والعالمية، اتصلوا بي وقال لي "عبد الله عمامي"وكان وقتها مديرا عاما للتلفزيون إنني مطلوب لتقديم ملف سياسي مع أول ظهور لاعتدال المجبري، وكانت الرسالة واضحة وهي إدارة حصة لخدمة نظام "بن علي" وكنت واعيا بذلك، وضغط علي أثناءها للقدح في الصحف والقنوات التي فضحت نظام بن علي في تلك الفترة فأوقفت العمل بعد هذه الحصة وقلت لعبد الله عمامي إن لا أستطيع الاستمرار والعمل في هذه الظروف، واستمرت "اعتدال المجبري" التي تحصلت بعد ذلك على جائزة الهادي العبيدي، فيما لم أتحصل في حياتي إلا على الوسام الرابع للاستحقاق الثقافي ولم أتسلمه من بن علي بل من وزير ثقافته على الرغم مما قدمته من تضحيات ونضالات للعمل الثقافي، لو كنت مقربا من النظام، لماذا لم يكافئوني بالجوائز مثل غيري؟؟؟ ياخي كيفاش باش نعيشو إذا ما خدمناش؟؟ أولئك الذين خيروا أو أجبروا على المنفى احتضنتهم دول كبرى أما أنا شخصيا فلم يحتضني أحد...إلا زوجتي بطبيعة الحال من حين إلى آخر... _ كنت على رأس مجلة "الحياة الثقافية" لمدة عقد من الزمن... ما هي الوصفة السحرية ليستمر رجل إعلام وثقافة مثلك كل هذه السنوات على رأس مؤسسة ثقافيةضخمة في العهد النوفمبري؟ _ الحياة الثقافية ليست مؤسسة ثقافية أصلا ولا هم يحزنون ولا هم يفرحون فما بالك بوصفها بأنها ضخمة ، بل هي عبارة عن نشرية تصدرها وزارة الثقافة ومقرها مستودع ملاصق للجنة الثقافية الوطنية، لم تكن تنتظم في نشرها، وهذه المجلة سيئة الحظ منذ تأسيسها وكانت بموازاة مجلة "الفكر" ل"محمد مزالي" أيام سلطته وسلطانه يروج لهذه المجلة أما الحياة الثقافية ف"سعدها مكبوب بلاش مالي"... دعاني صالح البكاري حين كان وزيرا للثقافة للإشراف على المجلة بحضور الصغير أولاد أحمد وكان وقتها مديرا لبيت الشعر وقلت لصالح البكاري أتعهد بإصدار المجلة شهريا فكان رده ليس لنا الإمكانيات لذلك ومع ذلك نجحنا في مهمتنا بعد تخليص المجلة من فيلق المستشارين ومدير التحرير وسكرتير التحرير وأعوان التحرير... كان الكل يوهم بأنه يعمل ولعلمك فإن مهنة المستشار في تونس أصبحت رثة ومثيرة للسخرية بما في ذلك مستشارو مجلس المستشارين فبعض أعضائه في الثمانين من العمر ومع ذلك ناشدوا بن علي الترشح لرئاسية 2014... _ ولكن عددا من المناشدين تفصوا من المسؤولية وقالوا إنه لم تتم استشارتهم في وضع أسمائهم؟ _ متى وضح هؤلاء؟ موش صحيح... بعض المناشدين لهم علاقاتهم شرقا وغربا ولهم أكثر من منبر خارج تونس لو كانوا صادقين لأعلنوا مواقفهم في الإبان لا أن ينتظروا هروب بن علي ليتطهروا من ذنوبهم، ومن فضل ربي لم يعرض علي أن أناشد فأنا لا أدعي النقاء والطهر ولذلك صرحت بأني أقل المتلوثين تلوثا... _ هل أنت مستعد لكشف تلوثاتك؟ _ نعم ولكن حين يكشف الآخرون أوراقهم أيضا "هات نعملوا مصارحة " وأعتقد أني من الذين خفت موازينهم ...لا أؤمن بإنسان بطل بطولة مطلقة ونقي نقاء مطلقا... _ ولكن هناك من زملائك الصحافيين من اختار مواجهة النظام فسجنوا واشتغلوا في صحف محرومة من الدعم العمومي؟ _ من مثلا؟ خدمنا في جرائد المعارضة وثمة ناس اختاروا أن يكونوا ابطالا، أحترم هؤلاء وعلى رأسهم توفيق بن بريك ولكن "أنا مانحبش نولي مناضل وبطل وما نحبش السجون وموش بالضرورة السجن للرجال" أنا اخترت أن أكون كاتبا وصحافيا لا مناضلا سياسيا... كنت شاهدا على خروج أولاد أحمد من بيت الشعر فهل انقلب عليه المنصف المزغني حقا؟ _ الحقيقة أن أولاد أحمد هو من أوحى للسلطة بتنحيته وتعويضه بالمزغني والله العظيم حاجة غريبة... ما رأيك في الحياة الثقافية تحت إشراف رئيس تحريرها الأستاذ جمال الدين دروايل؟ أنا لا أعرفه شخصيا ولكن قيل لي إنه رجل طيب وقد حافظ على دورية المجلة كمقبرة لنصوص جابت دور الثقافة والملتقيات والندوات... حوار: كوثر الحكيري- محمد بوغلاب