سقط حسني مُبارك، كما كان منتظرًا، بعد تشبّثٍ هستيري بكُرسّي الحكم، سقط الديكتاتور العميل، بعد صراع طويل مع كوابيسه التي أوهمًتْه بوُجود أملٍ في البقاء على سدّة الحكم، سقطت الدّمْية التي طَالمَا رقّصَتْها القوى الاقليمية والدّولية المناوئة للأمّة العربية، على حساب أمن وسلامة واستقرار مصر، وكرامة شعبها الأصيل. رفض الرّحيل فرحّلوه، لأن الديكتاتور، كما أخبرتْنا وقائع التاريخ القديم والحديث، لايرحل من تلقاء نفسه، بل يهرب أو يسقط تحت إرادة الشعب. من كان يعتقد ان ذاك الحاكم المستبدّ، الذي يستمدّ «شرعية» بقائه من الدعم الأمريكي والحماية الاسرائيلية وتواطؤ بعض البلدان العربية، سينهار بتلك السرعة المذهلة؟ من كان يعتقد ان ذاك الدّينَاصُور الذي حوّل مصر العظيمة ، بتاريخها وحضارتها ومقدّراتها، إلى رهينة بين أيدي عصابات الحكم في إسرائيل، سيسقط متمرّغا بين أوحال العار؟! لقد حاولت بعض القوى الاقليمية والدولية، وعلى رأسها إسرائيل والولاياتالمتحدةالأمريكية وبعض البلدان العربيّة في الشرق الأوسط والخليج، إنقاذ رمز الاستسلام والعمالة، ولكن إرادة الشعب المصري كانت هي الأقوى. الآن وقد «تَرمّلَتْ» إسرائيل، بعد سقوط رَجُلها (عميلها) المفضّل، وغدت الولايات المتّحدة «ثكلى» برحيل «إبنها» المُطيع، إنهارت منظومة إسراتيجية إسرائيلية أمريكية كاملة، وتبخّرت الأحلام الاستعمارية التي سكَنَت عقول غلاة التطرّف الصهيوني والانجيلي. لقد ضرب زلزال الثورة ونتائجها الكيان الصهيوني في العمق، فدخلت قياداته، بمختلف انتماءاتها، في متاهات الخوف والتساؤل الوُجُودي، وعادت بها السنوات إلى الوراء، يوم كان العرب، بقيادة مصر، موحّدين، ضد عٍسف وصًلف وجرائم إسرائيل، تحرّكت أمريكا وبقية حلفاء الكيان الصهيوني، بعد سقوط مبارك، لمطالبة القيادة المصرية الجديدة، بالحرص على إبقاء «الوضع الاستسلامي» كما تركه الديكتاتور المُرحّل، ولاشك أنها ستمارس ضغوطاً في هذا الاتجاه. كما بدأت اسرائيل مناورات مختلفة ل«ترهيب» المصريين وزعزعة إستقرارهم، وتعطيل المَسَارِ الاصلاحي، وعرقلة تدفّق المدّ الثوري نحو تحقيق أهدافه في إرساء الحرّية والديمقراطيّة. لكن الثابت، الآن، ان مصر الثورة أشدّ قوة ومناعة، وأكثر عزماً على تحرير مصر من قُيُود «الاستسلام» التي كبّلتها على مدى أكثر من ثلاثة عقود من الزّمن الرديء.