من بين أهم العوامل التي أدت في تونس إلى حالة عدم الاستقرار السياسي وبالتالي توترات اجتماعية هو الصراع بين أقصى اليسار والإسلاميين. وهو صراع - واللفظ نراه دقيقا - ليس بجديد بل مخطئ من يتصور أنه انطلق منذ 2011 بل هو قديم ويعود في بداياته إلى فترة السبعينات من القرن الماضي ثم تأجج في فترة الثمانينات. هذا الصراع كان إطاره الجامعة أي أنه معركة نخبوية ولم تنزل مطلقا إلى المستوى الشعبي في المرحلة الأولى لكن مع الوقت فإن الطلبة السابقين صاروا مواطنين في وظائف ومهام وصاروا نقابيين وسياسيين بالتالي بدأ التوتر ينزل إلى المجتمع ويتوسع. لكن هنا لا بد من الاشارة أو التعريج على محطات مفصلية ساهمت في تأجيج هذا الصراع منها استثمار السلطة خاصة في فترة الثمانينات لهذا الخلاف سياسيا وهذه الفترة عرفت بالمد اليساري في العديد من دول العالم وخاصة في أمريكا اللاتينية بل ان أنظمة عربية اتجهت نحو اليسار والاشتراكية . في بلادنا فإن السلطة شعرت بأن اليسار تحول إلى معطى مقلق وهي ترصد تمدده في الجامعات فكان الخيار في فترة ما ترك المجال لقوة جديدة وهي الإسلاميين خاصة وقد أدركت أن الطلبة الدستوريين غير قادرين على المنافسة في انتخابات الجامعات بل وغير مسموح لهم كما التجمعيين فيما بعد إلقاء الخطابات والترويج لخيارهم. هذا الخيار كان حينها حلا مع إدراك كون فسح وفتح المجال للإسلاميين يجب أن يكون له سقف معين. هذا الخيارأيضا أنتج قوتين متنافستين في الجامعات الأولى يسارية والثانية اسلامية أي أن النظام حينها وضع ثقلين في المواجهة هم الشيوعيون أو لنقل أقصى اليسار والإسلاميين ممثلين في حركة الاتجاه الإسلامي ثم النهضة. هذا الوضع أنتج واقعا جديدا في الجامعات هو صراع حقيقي بين الطرفين وصل في فترة ما إلى تبادل العنف خاصة بعد تزايد تأثير وحضور الإسلاميين. المحطة الثانية للخلاف كانت خلال تكوين جبهة 18 أكتوبر والتي كان الهدف منها تجميع الشخصيات المعارضة للنظام وتوحيد جهودها والخروج ببيان يتضمن المطالب الأساسية للمعارضة وهي أساسا الديمقراطية والحريات والتعددية الحزبية وإنهاء سياسة القمع وتكميم الأفواه. خلال هذه الفترة حصل خلاف خفي بين أقصى اليسار والإسلاميين ورغم أن ما تم التركيز عليه هو إصدار البيان في حد ذاته إلا ان هذه النتيجة أخفت التفاصيل . ما حصل بعد 14 جانفي 2011 هو تحول الصراع من أشخاص إلى أحزاب فمن كانوا يخوضون خلافا في الجامعات بالأمس تحولوا إلى قيادات حزبية اليوم لكن عامل الزمن لم يغير من العقلية فما كان يحصل في الساحة الحمراء في كلية 9 أفريل او "الكومبيس" أو كلية منوية أو غيرها من الجامعات والكليات يحصل اليوم لكن في شكل حوارات في القنوات والإذاعات وايضا في مجلس نواب الشعب.