مثلما تعرف الديمقراطية كونها ليست النظام السياسي المثالي لكنها أفضل الموجود فان النظام الرأسمالي هو أيضا أفضل الموجود بالنسبة للكثير من الدول وخاصة في الغرب فضمن هذا النظام أعطت الدولة مساحة واسعة لأصحاب رأس المال للعمل والانتاج مقابل التزامات منها تنمية الاقتصاديات الوطنية وانعاشها وتحقيق توازن اجتماعي بطريقة ومعادلة ما حتى تتمتع الطبقات المتوسطة والفقيرة بنسبة معينة من الثروة توفرها وتكفلها الدولة . أنجح مثال على هذا حاليا في ألمانيا التي تسلط ضرائب تعتبر مرتفعة على أصحاب الثروات من رجال أعمال وشركات أي أنها تأخذ من رأس المال الحر والخاص وتنفقه في الشؤون الاجتماعية من صحة وتعليم وضمان اجتماعي وتنمية. هذه المعادلة حققت لألمانيا الاستقرار السياسي حيث أن كل شريحة تجد لها مكانا في الدولة والوطن وحتى من لا يملك فان الدولة تعيله . في فرنسا كانت هذه التجربة ناجحة لكنها تقلصت في السنوات الأخيرة ومع فترة حكم ماكرون أحس المواطن الفرنسي كونه يخدم مصالح الأثرياء وأصحاب رأس المال على حساب المواطن أي أن الدولة قلصت في انفاقاتها الاجتماعية وبالتوازي مع ذلك كبدت المواطن العادي ضرائب جديدة ورفعت في أخرى في مقابل تقليص الضرائب على الاثرياء . ما يرفعه أصحاب السترات الصفراء من شعارات كون ماكرون رئيس الأثرياء لم يأتي من فراغ بل هو نتيجة لتحولات في السياسية الفرنسية لذلك لم تهدأ الأوضاع حتى بعد القرار بإلغاء الرفع في سعر الوقود لأن الأزمة أعمق من ذلك ولأن الفرنسي فقد الثقة في من انتخبه ويرى أنه خدع فيه . مع الأزمة التي تعيشها الولاياتالمتحدة مع رئيسها ترامب وأزمة بريطانيا بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي جاز لنا التساؤل: هل أن النظام الرأسمالي بدأ يتعثر ؟ هذا النظام مرت عليه عقود وهو لم يكن يوما ولا ضمن أي تجربة مثاليا لكنه كان صالحا لتحقيق توازن ما في المجتمعات الغربية وفق معادلات لكنه اليوم صار يتعثر بل لا نبالغ ان قلنا أن الرأسمالية باتت تأكل بعضها أي أن هذا النظام وصل درجة من التوحش لم تعد معه تبعاته على دول الاستغلال أي دول العالم الثالث التي تنهب خيراتها فقط بل أن التبعات انتقلت الى المجتمعات الغربية ذاتها والمواطن العادي هناك. وما يحصل في فرنسا اليوم هو رفض لهذا النظام الاستغلالي الذي يخدم مصالح فئة صغيرة فقط.