عندما تأججت الاحتجاجات في فرنسا وهي المعروفة بتحركات السترات الصفراء كتبنا حينها أن الدولة تحركت وليس ماكرون ونقصد هنا الاجراءات التي تم اتخاذها لا لتهدئة الشعب الغاضب بحقنة مهدئات وجرعة "هيروين" تسكته بل أن الدولة توجهت نحو جوهر المشكل وأدركت أن المواطن له الحق في الاحتجاج وأن الحكومة مخطئة ولا يجب أن تحل المصاعب التي تمر بها على حساب شعبها. خرج حينها ماكرون ليعلن جملة من الاجراءات كانت فعالة في التهدئة ولو النسبية وخفت وتيرة الاحتجاجات وحتى عندما خرج وزير الداخلية الفرنسي ليتحدث عن مخربين لم يعيروه آذانهم وانما قيل له جوهر المشكل أن المواطن الفرنسي لا ينتظر حتى تتدمر مقدرته الشرائية حتى يتحرك بل هو يتحرك استباقيا. ما حصل في فرنسا هي تحركات شعبية في دولة مؤسسات وبلد ديمقراطي ومهما كان غضب الشارع وردة فعله فان القمع ممنوع ولجم الصحافة غير مسموح به مهما كانت التبريرات. من الجهة الأخرى اندلعت احتجاجات واسعة في السودان وهي التي يحكمها رئيس وصل للسلطة عبر انقلاب منذ 1989 ومن يومها وهو يعد الشعب بالرخاء الاقتصادي والتنمية في حين أن الأوضاع تتدهور أكثر فأكثر بل أتعس من هذا فالبلد انقسم وصار دولتين وشعبين ورغم ذلك فالنظام متمسك كونه يحقق انجازات لا يراها الا هو. مثال السودان هو مثال ليبيا سابقا وسوريا واليمن وتونس قبل الثورة ومصر أي أن الأنظمة هناك تتحرك عند الاحتجاجات لا لتلبي مطالب شعوبها بل لتقدم الصورة التي تتبناها وهي أنها ليست احتجاجات بل هم مندسون مخربون وبالتالي فالحل سهل وبسيط للغاية وهو القمع وكبح حرية الاعلام وعدم السماح بإيصال المعلومة وقطع الانترنت ووقف مواقع التواصل الاجتماعي بل أن صحفا سودانية أكدت أن أجهزة الأمن دخلت مقراتها ومنعت مقالات رأي كثيرة وأرادت فرض أخرى ما جعلها تمتنع عن الصدور . أما لماذا يحصل هذا فالأمر بسيط وهو أن المتحرك هنا ليس الدولة الديمقراطية بل النظام الذي يخدم الشخص والقلة بالتالي فمجموعة قليلة هي على حق وكل الشعب مخطئ. الاحتجاجات من أجل المطالب لا تدمر البلدان لكن عندما تواجه بالقمع فهي تتوجه نحو العنف لأن العنف لا يولد الا عنفا أشد منه وهذا ما أدى لفتن في بلدان عربية .