في وقت تواصلت فيه التساؤلات والتأويلات حول انعدام جلب المورطين في جرائم قتل التونسيين خلال الثورة والمطالبة بتوضيحات حول ما سمي ب"القناصة"، أفاد مصدر قضائي بالأمس بأنه تم نشر 192 قضية بعدد من محاكم الجمهورية تتعلق بجرائم قتل التونسيين خلال الثورة وأوضح في هذا السياق أنه تم إيقاف العديد من أعوان الأمن في حين صدرت في شأن البعض الآخر بطاقات جلب هي الآن بصدد التنفيذ وأضاف المصدر ذاته أن الأبحاث مازالت جارية لتحديد هوية بقية المعتدين..وهو ما من شأنه أن يخفّف من احتجاجات وغضب المطالبين بالمحاسبة والمحاكمة اللازمتين لكل المذنبين من القتلة والمسؤولين السابقين عنهم، ولكن لم يتم الإعلان لحد الآن عمّا إذا كانت تلك القضايا والأبحاث الجارية ستشمل عددا من المشتكى بهم خاصة من قبل مجوعة المحامين الذين رفعوا دعوى في هذا الصدد ووجهوا فيها أصابع الاتهام بدرجة أولى الى عدد من المسؤولين السياسيين والأمنيين السابقين.. شكوى ضد القادة السابقين لإدارات الأمن في هذا السياق يجدر التطرق الى الدعوى الجزائية التي كانت رفعتها مجموعة من المحامين (25 بصفتهم مواطنين) في القتل العمد وحمل السكان على مهاجمة بعضهم بعضا والمشاركة في ذلك طبق أحكام الفصلين 72 و204 من المجلة الجزائية، وقد رفعوها ضدّ 15 من المسؤولين في النظام السابق ومن بينهم وزراء ومسؤولين في الجهاز الأمني تمت تنحيتهم (في فترة الوزير المؤقت فرحات الراجحي) من وظائفهم وإحالتهم على التقاعد الوجوبي..فإلى جانب المشتكى بهم زين العابدين بن علي الرئيس المخلوع ورفيق الحاج قاسم وزير الداخلية والتنمية المحلية سابقا وأحمد فريعة وزير الداخلية السابق ومحمد الغرياني الأمين العام للتجمع الدستوري الديمقراطي، ضمت قائمة المشتكى بهم قادة إدارات الأمن المكلفين بإنفاذ الأوامر وهم: مدير عام الأمن الوطني سابقا والمدير العام لوحدات التدخل سابقا والمدير العام للمصالح المختصة سابقا ومدير عام المصالح الفنية سابقا والمتفقد العام للأمن الوطني سابقا ومدير عام سابق بوزارة الداخلية والتنمية المحلية ومدير إدارة أمن الدولة سابقا ورئيس إدارة الأبحاث الخاصة بالاستعلامات سابقا ومدير إدارة أمن إقليمتونس سابقا ومدير إدارة الشرطة العدلية سابقا ومدير مركزي للاستعلامات سابقا ويبقى التساؤل عمّا إذا كانت هذه الأسماء ستشملها التتبعات والتحقيق مثلما طلب الشاكون بهم؟.. لغز القنّاصة؟ لئن أفادت مصادر بأن عددا من القنّاصة القتلة كانوا من بين الذين تم إيقافهم والقبض عليهم مؤخرا فإن شأن هؤلاء القنّاصة والقتلة مرتبط بشأن كل المشتكى بهم ومن يكشف عنه البحث إذ جاء نصّ الدعوى المعروض على السيد وكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بتونس "ان تصدّي قوات الأمن للمتظاهرين سلميا كان بواسطة الطلق الناري عن طريق قنّاصة منتصبين على أسطح البنايات..ومن الثابت ان قوات الأمن تأتمر مباشرة من رئيس الدولة وتنفّذ أوامره بواسطة وزير الداخلية عن طريق قادتها والمديرين المكلفين بتسيير مختلف الوحدات الأمنية وهم المشتكى بهم ثانيا..وهناك شهادة عشرات شهود العيان ان أعوان الأمن وبأوامر من رؤسائهم المشتكى بهم طبق التدرج الوظيفي لكل واحد منهم قد أطلقوا النار على المتظاهرين دون تحذير كما أن عدة أدلة طبية تفيد ان المتظاهرين قد تلقّوا رصاصات نارية على وجه الخصوص في الظهر والرأس والقلب مما يؤكد نية القتل وليس التخويف أو التفريق للمتظاهرين والنية الإجرامية الخاصة لبعض قوات الأمن وانصرافهم للقتل الممنهج".. الإعدام في انتظار القتلة تبعا لذلك طلب الشاكون من العدالة فتح بحث تحقيقي ضد المشتكى بهم وكل من سيكشف عنه البحث وإصدار البطاقات القضائية المستوجبة ضدهم..ولم يتم في هذا الصدد لحد الآن إلا إصدار قرار فتح تحقيق قضائي من طرف مساعد وكيل الجمهورية ضد كل من الرئيس المخلوع ووزير الداخلية السابق من أجل قتل نفس بشرية عمدا والمشاركة في ذلك طبق أحكام الفصول 32 و201 و202 من المجلة الجزائية..ويجدر التذكير بأن أهم الفصول التي يمكن انطباقها على مثل المتهمين بتلك التهم تنصّ على عقوبة الإعدام لمقترفي مثل هذه الجرائم،إذ ينصّ الفصل 72 من المجلة الجزائية على ان "يعاقب بالإعدام مرتكب الاعتداء المقصود منه تبديل هيئة الدولة أو حمل السكان على مهاجمة بعضهم بعضا بالسلاح وإثارة الهرج والقتل والسلب بالتراب التونسي"، كما ينصّ الفصل 201 من المجلة الجزائية على ان "يعاقب بالإعدام كل من يرتكب عمدا مع سابقية القصد قتل نفس بأي وسيلة كانت"، فيما ينص الفصل 204 على ان "يعاقب بالإعدام قاتل النفس عمدا إذا كان وقوع قتل النفس اثر ارتكابه جريمة أخرى أو كان مصاحبا لها أو كانت اثره وكانت تلك الجريمة موجبة للعقاب بالسجن أو كان القصد من قتل النفس الاستعداد لإرتكاب تلك الجريمة أو تسهيل ارتكابها أو مساعدة فاعليها أو مشاركيهم على الفرار أو ضمان عدم عقابهم".. أيّة محاسبة أو محاكمة منتظرة؟ في مقابل ما يجري وما يمكن أن يحدث لاحقا يبقى السؤال الأبرز مفاده "أية محاسبة أو محاكمة عادلة ينتظرها العديد ويطالب بها الشاكون بما فيهم المحامين الذين تواصلت تساؤلاتهم وتأويلاتهم وراء عدم استدعاء عدد من المشتكى بهم للتحقيق معهم مثلهم مثل المسؤولين الآخرين في النظام السابق والذين لم يشاهد الرأي العام منهم غير لقطات عابرة من إحالة ثلاثة فقط على التحقيق لحد الآن وذلك في قضايا غير التي تتصل بجرائم القتل العمد؟..ويبقى مدى التوصل لمحاكمات عادلة منشودة مرتبط بشرط زوال المآخذ القائلة بأن النيابة العمومية تباطأت في اتخاذ قرارات الإحالة اللازمة، إلى جانب تصرّفها بإنتقائية غير مبررة من خلال غض الطرف والتستر على المسؤولين الحقيقيين في جرائم القتل والفساد والإكتفاء بإحالة قلة من المشتكى بهم دون غيرهم ممن شملهم التتبع رغم وجود قرائن قانونية وإثباتات واقعية لا يرتقي لها الشك، مثلما يؤكد رجال القانون ذلك..