من المؤكد أن تسارع الأحداث على أرض المعركة في ليبيا لصالح حكومة الوفاق الوطني بقيادة فايز السراج والخسائر المتتالية التي تكبدتها ميليشيات المشير خليفة حفتر وما رافقها من انسحابات وتراجعات مؤثرة وخسارة مدن ومواقع كثيرة استعادتها القوات المقاتلة التابعة للحكومة الشرعية المعترف بها دوليا والخوف الكبير عن قرب نهاية حليف رئيسي في ليبيا يعول عليه لتحقيق المصالح الاستراتيجية في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط هي التي جعلت القيادة السياسية الروسية تتحرك على عجل و تتدارك أمرها بعد بهتة محيرة لم تدم طويلا لتتدخل و إنقاذ ما تبقى من وجود للمشير حفتر في ليبيا الذي تتحدث كل التقارير على نهايته الوشيكة ويأتي هذا الاسناد الروسي لحفتر بإمداده عسكريا بطائرات مقاتلة من الجيل الرابع و بإرسال قوات خاصة مدربة تدريبا جيدا تابعة إلى شركة حربية خاصة تعمل بالوكالة لصالح الحكومة الروسية يطلق عليها اسم مجموعة "فاغنر" المقاتلة وصفها الجانب التركي بالمرتزقة الروس. يقول الكثير من المحللين السياسيين والمتابعين لخفايا ما يدور من صراع عسكري بين حكومة الوفاق الوطني والجيش الوطني الليبي التابع لخليفة حفتر بأن روسيا تعمل لاستعادة السيناريو السوري والأكراني في ليبيا بإقحام المجموعات المسلحة التابعة لشركة فاغنر المحترفة في المعركة وهي سياسة دأبت روسيا على اتباعها في كل الصراعات التي تدخلت فيها من دون أن تورط جيشها في معارك قد تخسرها و تحت غطاء هذه الشركة للدفاع الخاصة. تناقلت في الآونة الأخيرة وسائل إعلام عالمية أنباء عن اتهام واشنطنلروسيا بإرسال مقاتلات حربية من الجيل الرابع وبنشر قوات محترفة تعمل لحساب شركة عسكرية خاصة لدعم قوات حفتر و هي في الحقيقة قوات تابعة لجهاز المخابرات الروسية السري على عكس ما تروج له القيادة الروسية من أن مجموعة " فاغنر" هي قوات خاصة غير مرتبطة بالقيادة الروسية وتعمل لحسابها الخاص وبعقود ومهمات خاصة ولا تعمل لحساب الجيش الروسي وقد ردت القيادة الروسية على لسان وزير خارجيتها بأن روسيا لا تسعى إلى تغليب حفتر على حساب السراج وإنما تدخلها الأخير لم يكن بغاية قلب العادلة العسكرية على أرض الميدان لصالح حفتر وإنما من أجل تحقيق التوازن العسكري بين الفريقين المتصارعين وقد تزامن هذا التصريح للخارجية الروسية الذي جاء لطمأنة الجانب الألماني والأوروبي مع إعلان حفتر عن استعداد قواته البدء في حملة جوية جديدة في اتجاه تدارك ما تكبده من خسائر وتوجيه ضربات موجعة لقوات حكومة الوفاق الوطني ما يعزز كل الاتهامات الموجهة لروسيا بالوقوف إلى جانب الميليشيات التابعة لحفتر غير المعترف به دوليا من خلال إرسال مقاتلات حلت بالقاعدة العسكرية " الجفرة " على ما يبدو فإن الخطوة التي اتخذها بوتين بإسناد حفتر عسكريا كانت في محاولة لتعديل موازين القوى تمهيدا لتحسين شروط التفاوض السياسي حينما يحل موعد التسوية النهائية خاصة وأن روسيا تدرك جيدا أن الحل السياسي هو الطريق الوحيد لحل الملف الليبي وأن التسوية السياسية المرتقبة لا يجب أن يدخلها حفتر وهو في وضعية متردية وفي حالة ضعف حتى لا يضعف وجودها في الحوض المتوسط خاصة وأن روسيا تعمل جاهدة على أن يكون لها موطأ قدم راسخة في ضفة المتوسط وهذا لا يتسنى من دون طرف ليبي قوي يكون حليفا لها لذلك فهي تعمل اليوم على إرجاع حفتر إلى الواجهة السياسية بعد أن تكبد خسائر عسكرية مؤثرة وبعد أن خسر الكثير من المؤيدين الأوروبيين الذين ولوا وجهتهم نحو حكومة الوفاق الوطني على غرار إيطاليا وبريطانيا وألمانيا والولايات المتحدةالأمريكية التي على ما يبدو قلقة جدا من التواجد الروسي في شمال إفريقيا لذلك نجدها قد حذرت بوتين من مغبة قلب موازين القوى أو التدخل في الحرب الليبية . والسؤال المطروح اليوم هو هل ستسمح أمريكا بتواجد روسي في حوض البحر الأبيض المتوسط وتثبيت حضوره هناك ؟ وهل ستغض النظر عن إنشاء قاعدة عسكرية روسية في ليبيا تكون عينا على أوروبا وتهديدا مباشرا للحلف الأطلسي ؟